سبحان الله وبحمده، سبحان الله العظيم
متنسوش الفوت (النجمة) يا بنات عشان الرواية تظهر لناس أكتر 🥰🥰 وكمان متنسوش تقولي رأيكم مهما كان هتقبله طالما بناء وهيساعدني أطور من نفسي♥️
******
الفصل السادس
تبعت سمر حسين إلى غرفة مكتبه، وأغلقت الباب، فاستقبلها بابتسامة حنونة محثًّا إياها على التقدم للجلوس بجانبه على أريكة تقبع على جانب الغرفة
تقدمت بتردد تحاول اختيار كلمات مناسبة؛ تخشى أن تكون قد نسيت كيف تطلب شيئًا من شخص بعد السنوات التي قضتها مع ملك وحمزة اللذان لا يتعاملان مع شيء بدون تهديد، فكل شيء دائمًا له مقابل حتى باتت أحيانًا تنسى ما تربت ونشأت عليه
جلست بجانبه تفرك كفيها بتوتر رغم قناع الجمود الذي ترتديه كالعادة
شعر بتوترها؛ فاحتضن كفيها متفهمًا بأنها ربما لم تستوعب بعد سرعة زواجه من أمها، وانقلاب نظام حياتها
نظرت ليديه اللتان تحتضنان كفيها برقة، ثم نظرت إليه وهو يقول بحنان أبوي "خدي راحتك يا حبيبتي وقولي اللي نفسك فيه واعتبريني زي والدك بالضبط لو ميضايقكيش"
ما خطب هذه العائلة؟؟؟ هل الحنان وراثة أو شيء ما؟؟
قلبها الذي ظنت أنه قد تحجر بالفعل يدق لأبسط أبسط الكلمات العفوية التي تخرج من أفواههم!
ابتسمت له ابتسامة خفيفة بمجاملة بعد أن شجعها على الحديث، وقالت "كان ليا عندك طلب مش عارفة إذا..."
قاطعها بابتسامة واسعة مقلدًا صوتها الرقيق مازحًا "طلب واحد بس!! ده أنتِ تطلبي خمسين ستين طلب"
ثم رفع سبابته أمام وجهها محذرًا بمزاح "سبعين لأ"
غزى شبح ابتسامة رقيقة شفتيها، وأخفضت رأسها بخجل قبل أن تخبره بجدية "كان فيه واحدة بتشتغل معانا في البيت قبل ما ننتقل وبصراحة يعني أنا محتاجاها معايا"
لم تستطع إخباره أنها تشفق عليها حرجًا؛ وكأن رقة قلبها التي تعلمتها ممن ربوها ذنب لابد من ستره عن عباد الرحمن أجمع؛ فاكتفت بقول أنها تحتاجها
أومأ برأسه متفهمًا وهو يفكر قليلًا، ثم قال "بس كده؟ ده حاجة بسيطة خالص، اعتبريها اشتغلت من بكرة"
ابتسمت له شاكرة؛ فلم يخيِّب ظنها، واستأذنت بالمغادرة
ناداها قبل أن تفتح الباب "سمر"
التفتت له بتساؤل؛ فأهداها ابتسامة واسعة وهو يقول "تصبحي على خير"
ارتسمت على شفتيها ابتسامة حقيقية لأول مرة منذ زمن وتمتمت تجيبه "وأنت من أهله"
********************
جلس معاذ على طاولة الفطور وهو يرمق سمر بنظرات ضيق بينما تجلس هي وليليان التي مازالت مستيقظة منذ الأمس على الجانب الآخر تاركين مقعدًا لملك على يسار الطاولة التي يترأسها الكرسي الخاص برب البيت (حسين)
دخل بعد قليل حسين بصحبة ملك مبتسما مرحبًا "صباح الخير يا ولاد"
رددوا جميعًا "صباح النور"
وأكمل معاذ بشقاوة وهو يلتقط زيتونة يضعها في فمه يمتصها "المهم أخبارك يا عريس"
رد حسين وهو يركله في قدمه رغم بعد المسافة بينهما "كويسة يا ج*حش عقبالك"
تأوه ولكنه أكمل مغازلًا ملك بلباقة "وأخبار ملك هانم ايه؟"
ابتسمت ملك بأناقة، وأجابته "كويسة يا حبيبي، وبعدين ايه هانم ده؟؟ احنا خلاص بقينا أهل"
رد بابتسامة لبقة لا تليق بما يقول "بس كده؟ عنيا... تحبي أناديلك ايه؟ (ثم أكمل بكلمة يعلم أن النساء يكرهنها) طنط مثلا؟"
شهقت ملك وهي ترد "طنط؟؟ لا أبدًا مش ممكن"
ضحك حسين ومعاذ، ثم وبخه حسين "خلي عندك نظر شوية (ثم التفت لملك يلعب بحاجبه مغازلًا) بقا القمر ده يتقالها يا طنط؟"
وضعت ملك يدها على فمها مبتسمة بإحراج وهي تتطلع لعينيه ثم التفتت بعدها لمعاذ تقترح "ممكن تناديني ملك عادي زي سمر"
التقت أعينهما تلقائيًّا حين نطقت باسمها موجهة حديثها له! ثم عادت سمر بنظرها إلى صحنها، وهو إلى ملك يمد يده إليها بطبق الزيتون "طب خدي دوقي الزيتون ده هيعجبك أوي.. يا مـ..لك"
نطق حروف اسمها متقطعة لتبتسم وهي تأخذ زيتونة من الطبق تتذوقها مبدية إعجابها به و بالزيتون برفعة حاجبيها بانبهار
دخل حسام مهللًا "يا صباح الفل يا حاج حسييييين"
وقبل رأس والده قبل أن يجلس على يمين الطاولة بجانب والده الذي يترأسها
رد حسين "صباح الزفت على دماغك، اقعد يا جحش"
تساءل حسام باستنكار "ج*حش!! ايه يا حجوج المعاملة ده؟ طب لو أنا ج*حش وأنت أبويا يبقى..."
ضربه حسين بكفه على مؤخرة رأسه قبل أن يكمل عبارته، وهتف "اخرس خالص يا زفت"
تصنع حسام وجهًا ممتعضًا قبل أن يحني رأسه بخنوع مازحًا "تسلم ايدك يا سيد المعلمين"
تدخلت ملك من بين ضحكاتها "فيه بس يا حبيبي مالك متحامل عليه كده ليه؟"
رد عليها حسام باستعطاف "هو دايمًا كده متحامل عليا"
ثم نظر لأخيه بجواره، وسأله "متحامل ولا مش متحامل؟"
لكزه معاذ في جانبه وهو يقول بشماتة "تستاهل"
أطلق حسام تأوه وهو يقول باعتراض "فيه ايه يا جدعان أنا بقيت ملطشة ولا ايه؟"
سأله حسين معاتبًا "عملت ايه زعلت بيه فرح امبارح؟"
احتلت الجدية معالم وجه حسام، وتنحنح بإحراج سائلًا "هي لحقت اشتكت لك؟"
رد حسين بشفقة "وهي يا حبيبة جدو بتشكي ولا بتنيل، ده بدرية اللي قالتلي ع اللي هببته"
عض شفتيه غيظًا وهو يصيح في الدادة بدرية التي تضع الأطباق على الطاولة "يا بدرية يا فتااااانة"
ضربه حسين مرة أخرى على رأسه مؤنبًا "هي بتلعب معاك في الشارع يا ولد!"
أصلح حسام عبارته وهو يقول بغل "يا دااااادة يا بدرية يا فتانة"
كاد يضربه مرة أخرى، ولكن حسام أوقف يده في الهواء يقبلها وهو يضحك "خلاص بقا خلي قلبك أبيض، قفايا ورم، وفيه ناس معانا ميصحش كده الهيبة بقت على الأسفلت"
تصنع حسين الحزم كي لا يضحك، وسأله بجدية "انطق هببت ايه؟"
عاد حسام لجديته مجيبًا "متقلقش يا بابا أنا هصالحها"
وجه معاذ حديثه لبدرية "معلش يا دادة جهزي فرح وهاتيها"
بعد قليل دخلت فرح على استحياء وراء الدادة تنظر للوجوه الغريبة التي لم تعتد بعد على تواجدها معهم بالبيت حتى وقعت عيناها على سمر.. منقذتها!!
ركضت إليها بفرحة ومدت ذراعيها تتعلق برقبتها في عناق تعبر به عن شكرها
تخشبت سمر للحظات متفاجِئَة؛ فلقد نسيت من زمن طويل كيف يكون العناق!
شعرت بحضن الصغيرة الدافئ ورائحتها الذكية التي تنافس رائحة الورود قد تغلغلت في نفسها مجبرة إياها على التخلي عن قناعها قليلًا؛ فارتخت عضلات جسدها، وابتسمت عيناها بأمان، ومدت يديها ببطء تبادل الصغيرة العناق الذي حُرمت منه 5 سنوات متتالية
نظرت لها الصغيرة ببراءة وهتفت "اسمي فرح وأنتِ؟"
نظرت لها بدهشة فالصغيرة تعرف الكلام، لقد ظنتها بكماء؛ لأنها لم تسمه لها صوتًا منذ أول مرة رأتها!
أجابتها بهدوء "وأنا سمر"
شعرت الصغيرة بأنها تصدها لسبب ما؛ فهي ليست ودودة معها كما يعامل الجميع الأطفال؛ لذا انسحب بخجل من حضنها، وكادت أن تذهب لوالدها ولكنها مازالت غاضبة منه لذا جلست على الكرسي الفارغ بجانب سمر، بينما جلست بدرية على الجانب الآخر تساعدها في تناول الطعام
نظر حسام لفرح شاعرًا بالخجل من نفسه؛ فنهض، والتف حول الطاولة ليقف خلفها، وانحني يقبل رأسها بأسف وهو يدغدغ بيده ذقنها ثم قال "خلاص بقا خلي قلبك أبيض متبقيش زي جدك"
رفعت أنظارها إليه وهي تمط شفتيها بحزن طفولي زلزل قلبه؛ فقبلها مرة أخرى على وجنتها الناعمة معتذرًا "أنا آسف بقا"
مدت يدها بخجل تعانق رأسه وهو يقبلها، وهتف بعدها وهو يحملها تحت إبطه كالبطيخة "يحيا العدل!"
قهقهت الصغيرة برقة وهي تطير في الهواء لا يمنعها من السقوط سوى ذراع والدها التي تلتف حول خصرها
جعلت الجميع يتنهد بسعادة، بينما يأخذها هو ليجلسها على حجره مصممًا أن يطعمها بيده اليوم
مدت ليليان يدها بطبق فيه قطع "لانشون" لمعاذ الذي كاد يمد يده عليه وهي تقول برقة "اتفضل"
أخذه منها، ولم يغفل عن تلك النظرات الخجلة التي ترمقه بها كلما سنحت لها الفرصة؛ فتنحنح بضيق وهو يأخذه بغلظة رامقًا إياها بحدة كي لا تتعدى حدودها
سأل حسين معاذ "اختفيت فين امبارح طول اليوم؟"
أجابه معاذ وهو يقطع قطعة خبز "خرجت شوية مع سالي بعد الشغل"
سكت قليلًا، ثم أكمل بنظرة ذات مغزى لسمر "وقابلت اللي اسمه حمزة"
نجح في لفت انتباهها بنظرات قلقة من أن يتفوه بشيء، ونظراتها تلك حفزته للاسترسال كأنما استمتع توترها، هي التي تستخف به ولا تحترم أحدًا؛ كأنه أراد الانتقام منها لإغاظته أمس، وكذبها عليه
فأكمل وهو ينظر بعينيها بكيد "كان بيتخانق في المطعم مع واحد كده كان قاعد بيعطف ويلطف مع واحدة بنت"
اتسعت عينيها، وتلونت بالرمادي الغامق وهي تتطلع إليه بحدة تقبض كفيها بشدة تعصر بيدها الشوكة كي لا تغرسها في لسانه؛ لتخرسه قبل أن يتفوه بشيء آخر
ردد حسين مشمئزًا "يا ساتر يارب أستغفر الله العظيم (ثم أكمل وهو يهز رأسه بإعجاب) باين عليه شاب جدع وشهم"
ثم التفت لسمر يسألها "وأنتِ يا بنتي عاملة ايه؟ عرفتِ تنامي كويس؟"
انتبهت له؛ فأغمضت عينيها راسمة ابتسامة صغيرة مجاملة وهي تجيبه "أه الحمد لله"
ثم سأل ليليان "وأنتِ يا لولا؟ لسه منمتيش بردو؟"
ابتسمت ليليان بخجل، وهي تومئ برأسها إيجابًا
********************
جلست فرح بجانب أبيها في سيارته التي يقودها سائق خاص، يوصلها مدرستها قبل أن يذهب لعمله، جلست هي تشاهد الطرقات بالخارج بينما يتحدث هو على الهاتف وهو ينظر لبعض الأوراق في يده
تذكرت شيئا؛ فالتفت له تسأله "بابي.. هو سمر مش بتحبني؟" مش هي أنقذتني المفروض تبقى بتحبني؟ ليه بقا مش بتحبني؟؟"
لم يرد عليها؛ لانشغاله بالمكالمة؛ فتابعت هي "يعني مش بتبقى بتضحك ومبسوطة وهي بتكلمني زي سالي ولا حتى زي.."
أرادت أن تقول ملك التي سلمت عليها بلطافة أول مرة تقابلا، ولكنها لم تعرف بمَ تدعوها؛ لذا رفعت نظرها إليه متسائلة، ولكنها وجدته مازال يرد على هاتفه دون أن ينتبه لها؛ فأخفضت نظرها بإحباط وهي تعاود النظر عبر النافذة
********************
اتجهت سمر نحو زملائها وهي تراهم جالسين ب(كافتيريا) الجامعة، تقدمت بتردد لا تعرف ما يجب قوله بعد ذلك الموقف السخيف الذي وضعها به حمزة أمامهم
حين وصلت أشاح أحمد بوجهه في ضيق بينما هتفت رؤى "ازيك يا سمر عاملة ايه؟ أنتِ كويسة"
أومأت برأسها بابتسامة خفيفة، وتوجهت بحديثها لأحمد "أحمد!"
لم ينظر لها؛ فسحبت كرسي تجلس أمامه، وقالت "أنا آسفة"
باغتته فلم يتوقع أن تعتذر! ظنها لا تعرف كيف تفعل ذلك حتى، فطوال سنوات الكلية معًا لم يرها يوما تعتذر ولو سهوًا، حقيقة لم يرها تفعل شيئًا سوى بعض الابتسامات المجاملة، والكثير من اللحظات الشاردة التي تجلس فيها معهم بجسدها بينما عقلها يحلق بمكان بعيد
أشاح بوجهه مجددا محاولًا الحفاظ على غضبه؛ فأكملت موضحة بموضوعية "أنا بس مكنتش عايزة الموضوع يكبر أكتر من كده"
أجابها بغيظ "تقومي تروحي معاه؟ روحتِ معاه فين بقا؟"
شعرت بالإهانة في سؤاله؛ فحدجته بحدة صامتة لبضع ثوان قبل أن تأخذ نفسًا تهدئ به أعصابها، ثم وقفت، وانسحبت بهدوء قبل أن تطلق عليه سمر العصبية التي دفنتها منذ زمن قبل أن يعرفها
زفر هو بحنق من لسانه الذي زل بينما نهرته سماح "حد يقول كده بذمتك!"
نهض يلحق بها شاعرًا بالذنب، وقطف في طريقه وردة من حديقة صغيرة على يمين (الكافتيريا)
اعترض طريقها واقفًا أمامها "وأنا كمان آسف، مكنش قصدي"
نظرت بحدة إلى الوردة التي يقدمها له، فلا يمكن لتلك الوردة الصغيرة أن تمسح شعور الإهانة الذي يأكل كرامتها خاصة وهي تشعر بقرب كلماته الجارحة من الحقيقة كثيرًا؛ فلم يكن ذهابها مع حمزة بريئًا!
ولكنها أغمضت عينيها بألم، وفتحتهما مجددًا، وقد ارتدت قناع الجمود الذي يحميها –كما تظن- ومدت يدها تقبل منه وردته متظاهرة بالرضا؛ فقط لإنهاء كل شيء لا تريد خوضه
فابتسم هو بسعادة لقبولها اعتذاره كما يظن!
********************
جلست فرح في فصلها مع زملائها ينتظرون معلمة الحصة التالية حين مدت إحداهن تُدعى (ريماس) يدها في حقيبتها لتخرج دمية صغيرة على شكل الشخصية الكرتونية (إلسا) وأخرى (أولاف) متفاخرة أمامهن بأن لديها بقية الشخصيات في البيت، وكذلك تمتلك أيضًا مجسم كبير لقلعة الجليد التي صنعتها إلسا بسحرها في الفيلم
قالت لهن ريماس بتفاخر "مامي جابتهالي معاها من لندن"
ردت أخرى بالإنجليزية "واو أمك تحبك كثيرًا"
وتفاخرت ثالثة "مامي كمان جابتلي الشهر اللي فات فستان سندريلا من باريس في عيد ميلادي"
رمقتها ريماس بغيظ ثم التفتت لفرح تسألها بتكبر "وأنتِ يا فرح مامتك جابتلك ايه في عيد ميلادك؟"
أطرقت فرح رأسها بحزن تكتم نغزات بقلبها؛ فأضافت ريماس بتصنع "أووبس نسيت إن أنتِ مش عندك مامي زينا"
رفعت فرح رأسها بألم لم تستطع طفولتها أن تخفيه؛ فارتسم على ملامحها الطفولية بوضوح مصطحبًا معه دموعًا تترقرق بمقلتيها الواسعتين
تصنعت ريماس الحزن "يا حرااام مامي بتقول عليكِ إنك مسكينة خالث إن مش عندك مامي تعلمك الصح والغلط أو تجيبلك هدايا حلوة زي مامي ما بتجيبلي"
وأكملت بغل "أكيد مامتك سابتك ومشيت عشان أنتِ وحشة وهي مش بتحبك إنما مامي بتحبني علطول عشان أنا شطورة ومش بزعلها"
ورفعت يدها بالدميتين تغيظها وقد شعرت بتفوقها على فرح، والتفتت تعود لمقعدها ولكنها صرخت فجأة وفرح تمسكها من شعرها ببكاء
جذبت فرح دمية (إلسا) من يد ريماس، وتركت شعرها، وأنشأت تمزق الدمية بغضب؛ ففصلت رأسها عن جسدها بعنف
جعل ذلك ريماس تشتاط غضبًا، وصرخت بها وهي تبكي، وتهجم عليها تمسك بشعرها انتقامًا منها
فأمسكتها كذلك فرح وتدافعتا بينما ابتعدت زميلاتهن عن الميدان كي لا يتأذين
دخلت المعلمة الفصل تصرخ فيهما محاولة فصلهما عن بعضهما
وبعد قليل كانتا ماثلتين أمام مدير المدرسة ينظر إليهما بغضب من الفوضى التي سببتاها
وبعده جاءت والدة ريماس وفهم الجميع أن فرح بدأت بالشجار؛ فأخبرها المدير أن تعتذر لصديقتها؛ فلم ترد بينما دموعها تتساقط من عينيها بصمت مطبقة شفتيها بكبرياء
صرخ بها المدير "بقولك اعتذري"
انتفض جسدها الصغير برعب من صوته، واقتربت تتمتم باعتذار أخرجت حروفه بصعوبة من بين بكائها الخائف
********************
وصلت صباح أخيرًا تحمل حقيبتها الثقيلة التي تحمل بها بضع أغراض ستحتاجها خلال الإقامة بهذا ال.. القصر!
يا إلهي كم يبدو ضخمًا وفخمًا للغاية، لقد استطاعت تلك الحرباء ملك أن تجد لنفسها (مغارة على بابا)
لوت شفتها وهي تخبر نفسها بأن تحمد ربها أن سمر لم تتخلى عنها في الشارع، وسمحت لها بوظيفة في بيتهم الجديد الذي انقطع نفسها بمجرد مشيها من بوابته الرئيسة حتى بابه فقط!
ضغطت الجرس؛ ففتحت لها شهد بعد قليل تسألها من تريد؟
أجابت بابتسامة مجهدة "أنا صباح الست سمر بعتتلي العنوان ده عشان آجي أشتغل هنا (وأكملت مشيرة لحقيبتها) وده شنطة هدومي"
تفحصتها شهد من رأسها لقدمها متأففة في نفسها؛ فلم يعد ينقصهم سوى هذه ليتم احتلال البيت بنجاح
ألم يكفيهم ملك المتذمرة أو المدللة ليليان التي تنام طوال الليل ولا حتى تلك المتكبرة أختها الكبرى حتى أتت تلك الداهية أيضًا تشاركهم في محل عملهم!
********************
في سيارة معاذ كان يرمق خطيبته الجالسة بجواره متعجبًا أنها جاءت اليوم مجددًا تطلب منه أن يخرجا سويًّا، رغم أنهما خرجا بالأمس، ولكنه وافق بسهولة فلا مواعيد أخرى له اليوم
رن هاتفه فالتقطه مجيبًا "ألو.. أه أهلًا بيك.. العنوان(......) تمام هستناك في معادنا بكرة.. مع السلامة"
سألته بفضول "مين ده؟"
أجابها وهو يركز على الطريق "ده واحد كده كلمته عشان يركب كاميرات مراقبة للقصر بعد اللي حصل"
أومأت برأسها متفهمة، وهي تقول "أها...لازم طبعا دلوقتي كله يركب كاميرات، حتى دادي بردو لسه مركب على باب الفيلا بتاعتنا من شهر كده"
أوقف السيارة فجأة وهو ينظر لها متسائلًا "باباكِ ركب كاميرات؟"
وضعت يدها على قلبها بخوف من حركته وهي تجيبه بارتعاش "أه ليه؟"
أجابها معاذ بتفكير "ممكن تكون صورت اللي حصل في الحفلة، يلا نروح، لازم أشوفها"
أخذت نفسًا لتهدأ قليلًا بعد أن كانت ترى الموت على يديه منذ دقائق، وقالت باستعطاف "طيب يا حبيبي بس مينفعش واحنا راجعين؟ مش هيحصل حاجة لو شوفتها بعد ساعتين يعني"
أطلق تنهيدة مغتاظة وهو يجيبها "ينفع"
********************
دخلت سمر القصر بعد أن فتحت لها شهد، وتحركت باتجاه السلم؛ فاستوقفها وجود الصغيرة الدافئة تفترش أرضية غرفة المعيشة بألعابها تقلب فيهم، وتمسك إحدى الدمى ثم ترميها لتمسك غيرها؛ فأخبرتها شهد بحيرة "أهي من ساعة ما جت وهي عمالة تقلب فيهم كده ومش راضية ترد على حد"
ثم تركتها وغادرت إلى المطبخ تساعد أمها في تحضير الغداء
ظلت هي واقفة قليلا على باب الغرفة تراقب بهدوء الصغيرة التي يبدو عليها العصبية حتى ألقت الصغيرة بإحدى الدمى عند قدميها
التقت أعينهما؛ فأشاحت فرح بجسدها الصغير كله مولية سمر ظهرها متصنعة الانشغال بالدمى الأخرى
نظرت هي للدمية الملقاة عند قدميها بتردد هل تتقدم للاطمئنان عليها أم تتركها بدون تدخل؟
قررت عدم التدخل، وحاولت الابتعاد مخبرة نفسها ألا شأن لها، ولكنها رغمًا عنها مدت يدها بآلية وكأنها مبرمجة مسلوبة الإرادة تلتقط الدمية، وتتقدم بخطوات وئيدة نحو فرح
لا تريد أن تتقرب من أحد.. حقًّا لا تريد.. لقد سئمت الفراق ولا تظن أن وجودهن في هذا البيت سيطول خاصة إذا انكشفت خطط ملك وأطماعها
ولكن رغمًا عن أنفها لا تستطيع مقاومة الطفلة بداخلها والتي دفنتها بقلبها منذ زمن، طفلة نشأت وتربت على إعطاء الحب، وفعل الخير!
تنهدت بيأس من نفسها التي تسحبها كل مرة لفعل ما لا تريد فعله، وجلست على عقبيها أمام الصغيرة تمد يدها بالدمية إليها
رفعت الصغيرة نظراتها تحدق إلى وجه سمر الجامد، وكانت عيناها الواسعتان تبرقان ببراءة أذابت قطعة جليد أخرى من قلب سمر
لا تدري ما يحدث لها أمام تلك العائلة وخاصة تلك الصغيرة، هل يعقل؟ هل لأنها عائلته.. هو؟
سألتها سمر بلطف حاولت استدعاءه من ركن ما بذاكرتها "بتدوري على حاجة؟"
أخفضت فرح نظرها لا تعلم ما تخبرها وهي تعبث بيدها في فرو الدمية، ثم أجابتها بحزن طفولي "كان عندي دبدوب مامي اشترتهولي زمان بس مش لاقياه"
سألتها سمر "شكله ايه وأنا أساعدك"
ابتسمت فرح ابتسامة عذبة وهي تنظر لها بفرحة "بجد؟"
أومأت سمر برأسها بلا تعبير؛ مما أشعر الصغيرة بالإحباط لكونها الوحيدة المتحمسة، وأخبرتها بحزن "أنتِ كمان مش بتحبيني؟ محدش بيحبني خالص"
وألقت الدمية أرضًا وهي تنهض غاضبة تبكي محاولة مغادرة الغرفة
أمسكت سمر بيدها بسرعة توقفها لا تعلم ماذا تقول أو تفعل؛ فحاولت الصغيرة الإفلات وهي تسحب يدها وتدفعها بيدها الأخرى
وفجأة سحبتها سمر لحضنها مطبقة ذراعيها حول جسدها الصغير بقوة وهي تحرك يدها صعودًا ونزولًا على ظهرها تهدئها!
شعرت بطريقة ما أن الصغيرة تبكي بمبالغة عما يحدث غالبًا مع الأطفال، إنها تبكي بقهر!! قهر تعلمه هي جيدًا
حضن! هي تفعل!! أمازال قلبها حي؟ غبي؟ متهور؟ و.. يملك شفقة؟؟؟ قلبها يفعل؟؟
استسلمت الصغيرة لحضنها تبكي بحرقة بينما تهدهدها سمر بحركة رتيبة وهي تشدد من احتضانها تبثها شعورًا بالأمان تحاول أن توصله لها في العناق، الشيء الوحيد الذي استطاعت فعله من أجلها حتى هدأت قليلًا
رفعت عينيها الدامعتين تنظر إليها بحزن تسألها بصوت طفولي "أنتِ بتكرهيني؟"
تأملت بعيون مشفقة ملامحها التي على وشك الانفجار بالبكاء مجددًا، ثم ابتسمت بلطف مطمئنة قائلة بحنان مقلدة نبرتها الطفولية وهي تعيدها لحضنها مرة أخرى مستسلمة لقلبها الذي نبض متمردًا على عقلها وحدوده "لا مش بكرهك هكرهك ليه؟.. حد يشوف القمر ده ويكرهه؟"
رفعت فرح نظراتها وهي بحضن سمر تسأل بأمل طفولي لذيذ "بجد؟ يعني بتحبيني؟"
اجتاحتها رغبة بتناول قطعة من تلك الصغيرة اللذيذة؛ فمالت برأسها تقبل وجنتها اللطيفة بقوة واتسعت ابتسامتها وهي تقول بنفس النبرة الطفولية "بحبك جدا"
وقبلتها مرة أخرى على الوجنة الأخرى وهي تردف "بحبك خالص"
وقبلتها ثالثة وهي تحرك يدها من ظهر الصغيرة لبطنها تدغدغها "بحبك أوي"
قهقهت الصغيرة بسعادة وهي تحاول الإفلات من دغدغتها بينما تحاصرها سمر بذراعها مستمرة في دغدغتها، وفعلتها تلك كانت تزيح عن قلبها هي المزيد من قطع الجليد، مستشعرة بدفء تسرب إلى خلاياها رغمًا عنها
توقفت بعد فترة تسمح لفرح بالتقاط أنفاسها، وتأملت ابتسامتها الساحرة التي تكشف عن أسنانها الصغيرة البيضاء، وعينيها المغلقتين بسبب الضحك
تأملت وجهها الطفولي البريء بابتسامة حنان واسعة تشق وجهها لأول مرة منذ دهر
تلك الطفلة غريبة بحق!
لا تملك أمامها سوى الابتسام.. سوى الاقتراب.. وكم تخشى ذلك!
سألتها الصغيرة بحماس "تعرفي ترسمي؟"
هزت رأسها بابتسامة، وهي تجيب "يعني شوية"
قفزت فرح بحماس تحضر ألوانًا ودفترًا للرسم، وجلست بجانبها على ركبتيها واضعة أدواتها أمام كليهما، وانكبت بجسدها على الدفتر في وضعية أشبه بالسجود ممسكة بقلم رصاص آخر غير الذي أعطته لسمر منذ لحظات قائلة بحماس "يلا ساعديني في الرسمة ده"
نظرت للرسمة الغير مكتملة مخمنة أنها شخصيات فيلم (فروزن) فعدلت جلستها لتجلس مثلها تساعدها متناسية ولو لبعض الوقت كل شيء آخر
********************
دخلت سيارة حسام من الباب الرئيسي يقودها سائقه بينما يجلس هو في المقعد الخلفي يتحدث عبر الهاتف مع مدير مدرسة فرح "يعني مش لازم آجي؟"
فرد الآخر متملقًا "لا يا فندم أنا حليت الموضوع وأقنعتها تعتذر لزميلتها اللي ضربتها مفيش داعي نتعب سعتك"
فاعتذر منه حسام مجددًا نيابة عن ابنته "أنا بعتذر لحضرتك جدا مش عارف ازاي تعمل حاجة زي كده"
أجاب المدير "العفو يا فندم"
أخبره حسام "عمومًا أنا هيبقالي كلام تاني معاها وأوعدك مش هتتكرر تاني"
أنهى المكالمة وهو يزفر بحنق مما فعلته ابنته، لا يدري لمَ تتصرف بعدوانية أحيانًا؟
ترجل من السيارة أمام القصر، وأكمل السائق طريقه باتجاه المرآب
دخل حسام وجدها ترسم بهدوء كأنها لم تفعل شيئًا، ولم تسبب له الحرج مع الرجل، وبجانبها سمر
ناداها محاولًا التحكم في نفسه "فرح!"
انتبهتا له، وردت فرح ببراءة "نعم يا بابي"
أمرها بحزم تعجبت له سمر "تعالي عايزك"
نظرت مجددا لدفتر رسمها وغمغمت "بعد شوية"
ارتفع صوته بحزم أكثر "بقولك تعالي دلوقتي"
انتفضت الصغيرة، وظلت تتهرب منه بنظراتها متصنعة الانشغال برسوماتها دون أن ترد عليه
أغضبه برودها؛ فهدر بها "فرح!"
ثم تقدم بغضب يحاول جذبها عنوة؛ فوقفت الصغيرة، وركضت بسرعة تختبئ خلف سمر الجاثية على ركبتيها طالبة منها الحماية
فوقف حسام أمامها يناظرها بحدة أن تأتي إليه
نهضت سمر تخبئ الصغيرة المرتعشة خلفها، وهي تحاول أن تهدئه "طيب اهدأ بس واتكلم معاها بعدين"
قاطعها بحزم وهو يضع كفه أمامها "متدخليش بيني وبين بنتي لو سمحتِ"
أيظنها تريد التدخل!! هي لا تريد ولا يهمها ولن تتدخل أبدًا و...
ولا يمكنها تسليمه طفلة تحتمي بها خاصة وهو يبدو غاضبًا حتى لو كانت ابنته!
أمرها مجددا وهو يمد يده حول سمر محاولًا التقاط الطفلة "تعالي يا فرح"
فتحركت سمر بجسدها معترضة مسار يده، وأردفت "قولتلك اهدأ الأول وبعدين اتكلموا مينفعش تكلمها كده.. البنت خايفة"
صاح فيها بغضب "أنتِ هتعلميني ازاي أكلم بنتي ولا ايه؟"
دخل حسين وملك بقلق على صوته المرتفع
سأل حسين "فيه ايه يا ولاد مال صوتكم عالي ليه؟"
أجابه حسام بنفاد صبر "عايز أتكلم مع بنتي فيها حاجة ده؟"
صرخت به سمر "وأنا ممنعتكش.. قولتلك اتكلم معاها لما تهدأ شوية"
هدر بها "وأنتِ مالك؟ أب وبنته بينهم كلام"
فصاحت به "والبنت مش عايزة تتكلم معاك.. هي حرة"
كاد يصيح بها مجددًا حين أوقفهم صوت حسين الحازم "حسام! كفاية كده"
نظر لأبيه بذهول! أينصرها عليه؟ هو ابنه! أمازال يعتقده طفل صغير ليجبره على السكوت بهذا الشكل المهين
ولكنه لم يكن ليتطاول مع أبيه؛ لذا ترك الغرفة بأكملها مغادرًا، وهو يشتاط غضبًا
********************
دخل معاذ غرفته منذ قليل مسرعًا نحو الحاسب الآلي المحمول الخاص به محاولًا وضع فلاشة صغيرة تحتوي تسجيلات وقت الحادثة والتي أخذها من والد خطيبته منذ قليل بعد أن أوصلها
سمع أصوات صراخ من الخارج ولكنه تجاهلها محاولًا فتح التسجيلات ليعرف المجرم
دقق في الشاشة وهو يرى مقطعًا للشارع المظلم ولمح خيالات تتحرك دون أن يحدد ملامحها لبعد الصورة وظلامها
أعاد التسجيل من بدايته وقرب الصورة أكثر فأكثر وقبل أن يرى الفاعل اقتحم أخوه الغرفة هادرًا "البني آدمة اللي تحت ده مستفزة جدا"
**انتهى الفصل**متنسوش تكتبولي رأيكم يا قمرات♥️
ومتنسوش إخوتنا من دعائكم عشان الوضع صعب أوي ربنا يتولاهم برحمته
أنت تقرأ
أضواء في آخر النفق للكاتبة ندى محمد "ندفة نوش"
Romanceهي قضت عمرها في بحر الحياة، تتألم، و تخوض المغامرات الواحدة تلو الاخرى، وتركب الأخطار، تتلاطمها الأمواج بين الشرق للغرب، لا تعرف مستقرًا، ولا ترسو على شاطئ أما هو كان صقر متوجًا في السماء، يرى الأرض من مسافة بعيدة، ولا يهبط إليها إلا كلمح البصر، وي...