هستنى رأيكم في الفصل يا قمرات عشان حقيقي بيشجعني إني أكمل نشر♥️♥️
حتى لو فيه مشكلة عرفوني😌
وهنزلكم فصلين تعويضًا عن التأخير😘
*******
خرجت ليليان، وتركتهما تنفيذًا لرغبة حمزة، ووقف هو أمام سمر صامتًا، يمرر نظره على كتفها المصاب بصمت، بينما ظلت سمر تراقب تعابير وجهه الغامضة علها تتبين ماذا ينوي
اقترب منها بخطوات متناسقة، وجاهدت هي لتظل ثابتة مكانها دون أن تفر ركضًا من أمامه، انحنى بجذعه ببطء شديد حتى وصل فمه بجوار أذنها، وهمس بتأنٍ مهلك للأعصاب "أخبارك؟"
أشاحت بوجهها بعيدًا عنه محاولة تجاهل قربه منها، وردت بملل مصطنع "هات من الآخر يا حمزة"
ارتسمت ابتسامة تسلية على شفتيه، ثم استقام بوقفته يتأملها بعبث قبل أن يخبرها مصطنعًا "جاي أطمن عليكِ"
لوت شفتيها بسخرية طفيفة، ثم أجابته بسأم لتنهي حديثًا لا تريده أن يطول "اطمن عارفة كل اللي هتقوله كويس"
اتسعت ابتسامته أكثر، وسألها "وعارفة إني أقدر أمنع توفيق؟"
أكملت عنه "وإن مفيش حد يقدر يوقفك أنت"
رفع حاجبيه مبتسمًا بفخر من تلميذته النجيبة التي باتت تعرف الدروس التي يريد تلقينها قبل حتى أن يفعل، وربت بكفه على شعرها كقطة أليفة
ابتعدت بنفسها عنه بملل، واتجهت لحقيبتها ظنًّا منها أنه قد أنهى رسالته التي جاء ليوصلها شخصيًّا، ولكنه باغتها حين أمسك كفها اليمنى السليمة برقة لم تعتدها منه؛ فتوقفت بنفاد صبر تستمع له عله ينهي تلك المسرحية، ويرحل سريعًا
سألها بمكر "إلا قوليلي ملك عاملة ايه في الجواز؟ مبسوطة؟"
تنهدت بنفاد صبر، وأجابت ببرود "ابقى اسألها"
اقترب خطوة، وسأل "طب وأنتِ؟"
قلبت عينيها بضجر تسأله "أنا ايه؟"
سخر قائلًا "مش ناوية تتعلمي منها؟"
أفلتت يدها من يده بتملل، بينما أكمل وهو يفتح يديه كأنه يقرأ عنوان كتاب "(كيف تجدين عريسًا في شهور العدة؟) أو (كيف تغيرين زوجًا كل يوم)"
رفعت نظرها إليه بحدة تكاد تحرقه بنظراتها، ولكنها عادت تشيح بوجهها محاولة التحكم بأعصابها أمامه كي لا تتصاعد الأوضاع
ولم تعرف أن استفزازها كان ما ابتغاه من البداية، وقد نجح، والآن يبدأ المرح!
أكمل رافعًا حاجبه متعمدًا الإهانة "ايه؟ اللي بقوله كذب؟"
لم تجبه؛ فاستطرد "طب بذمتك مش عايزة تتعلمي منها؟ صدقيني مش هتلاقي حد أشطر من ملك"
ثم غمز لها بينما تتسع ابتسامته الساخرة، وقال "ده الأم مدرسة، وأنتِ أمك وزارة التعليم كلها"
اشتعل الغضب بعينيها؛ فقد تجاوز أكثر مما تطيق، ورفعت يدها في الهواء تنوي لطمه بقوة على وقاحته، ولكنها توقفت بصعوبة في الهواء وهي تحاول التحكم بنفسها قليلًا بعد؛ فهي تعلم ردة فعله جيدًا إذا لطمته، وهي لا تريد الوقوع بفخه بكل غباء
كورت قبضتها بقوة، والتفتت تغادر من أمامه، ولكنه أبى أن يسمح لها، فسحبها على غفلة لتسقط على صدره، وحاصر خصرها بين ذراعيْه، بينما هي تحاول دفعه بعيدًا عنها باهتياج غاضب
تسلى هو بذلك، وتركها تحاول دفعه والتملص منه دون فائدة قبل أن يردف مصطنعًا الحب "وحشتيني"
تعبت سمر من المقاومة؛ فتنهدت بنفاد صبر، ونظرت إليه بعينين تشعان سخطًا، وحذرته من بين أسنانها "ابعد"
وكأنما أعجبه الحال؛ فاتسعت ابتسامته قائلًا بهيام زائف "تؤ"
حاول الاقتراب برأسه أكثر من وجهها ليقبّلها، فأشاحت هي بوجهها سريعًا مبتعدة عنها بجسدها مسافة بطول ذراعها السليم الذي يدفع صدره بكل قوته، تقاوم جاهدة ألا ينال منها بينما هو حافظ على قوته ثابتة لم يزدها، فلو شاء لنالها، ولكنه يتمتع أكثر بمحاولاتها الفاشلة بالهروب من قبضته
وفجأة فُتِح الباب، ودلفت ليليان بجانبها معاذ، فانتهزت سمر فرصة تشتته عنها، وأفلتت نفسها من حصاره على غفلة منه، ودفعته عنها بعنف مبتعدة عنه بضع خطوات فقط؛ كي لا تلفت الانتباه لما يحدث، ووقفت تلتقط أنفاسها خلسة، وحاولت إخفاء ارتباكها، بينما هو سلّم على معاذ بترحيب مصطنع "أهلًا أهلًا"
بادله معاذ بريبة وهو ينقل نظره بينهما "أهلًا بيك"
رمق حمزة سمر بطرف عينه وهو يتحدث إلى ليليان "ايه مش تعرفينا يا ليليان ولا ايه؟"
عرفتهما ليليان "البشمهندس معاذ ابن أونكل حسين، وده حمزة أخويا"
مد حمزة يده للسلام بابتسامة فصافحه معاذ، ولكن حمزة ضغط يد معاذ قليلًا معلنًا تحديه لسبب غير معلن، فابتسم معاذ بتحدٍ وضغط يده هو الآخر بعدم ارتياح لشخصه
أنهى حمزة زيارته قائلًا "طب يا جماعة أستأذن أنا بقا، فرصة سعيدة يا بشمنهدس"
ابتسم له معاذ بسخافة، بينما تابع حمزة حديثه وهو يربت على شعر ليليان ونظره مسلط على سمر "مع السلامة يا لِيلِي"
ثم اقترب خطوة من سمر، وانحنى بجذعه قليلًا، فأدركت أنه ينوي تقبيل وجنتها؛ فأشاحت بوجهها تلقائيًا بسرعة، وابتعدت بجسدها كله متظاهرة أنها لم تنتبه له، واتجهت لحقيبتها بتوتر متظاهرة بإغلاقها
وقف لثوانٍ يبتسم لها بتسلية ثم غادر
نظر معاذ لطيفه الذي غادر بريبة، ثم عاد بنظره إلى سمر بريبة أكبر، يشعر أنها تخفي شيئًا، و تذكر ما حدث منذ قليل حين وجد أن حساب المشفى قد تم سداده من مجهول، وحين رأى حمزة خمن من سدده
ثم بعد ذلك نادته ممرضة، وهمست له أنها رأت علامات وآثار مختلفة على جسد سمر، منها حرق، ومنها خنق، وأخرى لم تحدد سببها، وتخشى أن تكون الفتاة تتعرض لنوع من التعنيف!
أفاق من شروده على صوت ليليان التي لم يعجبها نظره المطول لأختها، ونادته بابتسامة مضطربة "روحت فين؟"
انتبه قائلًا "لو جاهزة يلا نروح"
اعترضت سمر "بس أنا مش هروح معاكم، أنا هرجع بيتنا"
تعجبت ليليان "ايه اللي بتقوليه ده؟ هتقعدي ازاي لوحدك وأنتِ كده؟"
لوت سمر فمها قائلة "عادي"
سألتها ليليان "مامي عارفة؟"
أجابتها سمر بضجر من كثرة الأسئلة "هبقى أقولها"
تدخل معاذ "مش مشكلة ممكن أوصلك بردو"
ثم مد يده يحمل عنها الحقيبة، فابتعدت بها قائلة "مفيش داعي"
ثم اتجهت للباب تاركة إياه يكاد ينفجر غيظًا؛ فهو لا يحب ذلك النوع العنيد والمتعب من وجهة نظره
********************
جلست سمر في المقعد الخلفي بينما ليليان بجانبه في الأمام، أغمضت عينيها، ورفعت هاتفها لأذنها تستمع للصوت الذى اشتقاته "ألو؟ مين؟ أنتِ سمر صح؟ يابنتي ردي عليا ريحي قلبي.."
أغلقت الهاتف سريعًا قبل أن تنهمر دموعها في نوبة بكاء فاضحة لأشواقها، فقط أرادت أن تسمع صوتها لتطمئن عليها كما تفعل في كل مرة
سألتها ليليان "كلمتِ مامي؟"
ردت عليها "أها"
وحين وصلوا، نزلت، وودعتهما، ودخلت الفيلا القديمة الخاصة بملك
طلبت منه ليليان "معلش يا معاذ تستناني جوا أجيب شوية حاجات؟"
أومأ برأسه موافقًا، ونزل معها
أما سمر فدخلت، وجدت (الفيلا) لا تزال في فوضى من أثر زيارة توفيق، ويبدو أن صباح لم ترتبها بعد، سمعت جرس الباب ظنتها صباح، فذهبت تفتح وهي تلومها "معقول لسه منضفتيش ده يا..."
بترت كلماتها حين وجدتهما أمامها، وصُدمت ليليان "ايه اللي عمل في الفيلا كده؟؟ ايه اللي حصل؟"
عضت شفتها السفلى، وهي تعلق يدها في شعرها عند مؤخرة رأسها تفكر في كذبة سريعة، وأجابت "جوز صباح كان هنا وعمل معاها مشكلة بس حليناها"
تعجبت ليليان "يا خبر! ازاي يتجرأ علينا أوي كده"
ضيق معاذ عينيه متسائلًا "وهو برده سبب اللي شوفته على رقبتك يوم الحفلة؟"
سألته ليليان "شوفت ايه؟"
قطعت سمر الحديث، وهي تفسح لهما المجال ليدلفا قائلة "متشغليش بالك، اتفضلوا"
جلس هو بغرفة الضيوف ينظر لها يفكر في تصرفاتها المريبة، وهي وقفت أمامه تسأله "تحب شاي ولا قهوة؟"
أجابها معاذ "قهوة لو مش هتعبك"
ردت سمر بتلقائية "تعبك راحة"
لم يسمع ما قالت؛ فاستفسر "ايه؟"
انتبهت لنفسها فتوترت، وقالت "لا بقول هروح أعمل القهوة"
غابت بضع دقائق، وجاءت بها تحمل فنجانه؛ فشكرها، وجلسا كلاهما في انتظار ليليان، وهو ينظر لها من حين لآخر، ورأسه يعج بالكثير من التساؤلات
حين أنهت ليليان ما تفعله استعدا للمغادرة، وعند خروجهما قابلوا صباح تدخل من الباب
صاحت بها ليليان "ايه ده يا صباح ازاي جوزك يبهدل الفيلا كده؟"
تعجبت صباح مدافعة "جوزي أنا؟ ده أنا جوزي في..."
قاطعتها سمر بسرعة "ما خلاص يا ليليان أنا نبهت عليها ميجيش تاني، يلا أنتِ عشان ملك زمانها مستنياكي"
قالت جملتها وهي ترفع يدها إلى مؤخرة رأسها تقبض على شعرها مرة أخرى، وزاد شك معاذ بها، وبدا له أنها لا تنطق إلا كذبًا
********************
سألتها صباح "هو إبراهيم جوزي عمل ايه يا ست سمر؟"
سألتها سمر متجاهلة "منضفتيش ليه الفيلا؟"
أجابتها صباح بشكوى "معلش يا ست سمر والله إبراهيم تعب فجأة واضطرينا ننقله المشتشفى، وأنا خدت بعضي وروحتله"
سألتها سمر باهتمام "وعملتوا ايه في الفلوس؟"
أجابتها صباح بابتسامة راضية "ربنا يكرمه سي حسين لما عرف الموضوع ماتأخرش عليا أبدا و بعتلي كل الفلوس"
تعجبت سمر "مين؟"
أجابتها مؤكدة "سي حسين جوز ست ملك"
********************
دخل معاذ وليليان (فيلا) حسين يحمل عنها حقيبة ملابسها التي سلمها للخادمة بمجرد دخوله
تساءل حسين "أمال فين سمر؟"
رد معاذ "صممت تروح بيتها"
استنكرت ملك "صممت ازاي؟"
سألت ليليان بتعجب "مش هي كلمتك واحنا في العربية؟"
جزت ملك على أسنانها، وهي تفكر أن سمر ما تزال على علاقة بأولئك الناس؛ فأنهت الحوار قائلة بحزم "خلاص هبقي أروح أجيبها بنفسي بالليل"
استفسر حسين "هتقنعيها ازاى؟"
رسمت ابتسامة حنونة على شفتيها، وأجابته "ما هي بردو مينفعش تقعد لوحدها وبالذات وهي عيانة كده"
ربت حسين على كتفها مؤكدًا "معاكِ حق، وأنا ممكن آجى معاكِ لو تحبي"
رفضت ملك بامتنان مصطنع "لا يا حبيبي كتر خيرك، وبعدين بنتي عنيدة، أنا هتفاهم معاها بطريقتي"
********************
ألقي معاذ بجسده على فراشه، وعقله مازال مشغولًا بتصرفاتها المريبة، وكلامها الذي لم يدخل عقله، كيف لم ترَ المجرم؟ بل كيف كان ملثمًا؟ لقد لمح هو ظله بينما كانت تركض بذعر لإنقاذ أمها، ولم يكن ملثمًا
لم يعرفه، ولم تظهر ملامحه له بما يمكن وصفه للشرطة، ولكنه تبين هيئته والمسدس، وبالتأكيد لم يكن ملثمًا!
أغمض عينيه وهو يتنهد بحيرة قبل أن يفتحهما من جديد حين سمع رنين هاتفه وشاشته مضيئة باسم الضابط
اعتدل في جلسته وهو يجيب، وأومأ برأسه باهتمام وهو يستمع إلى محدثه
أغلق الهاتف وهو يطلق زفيرًا طويلًا أخرج فيه إحباطه من عدم تمكن الشرطة من التوصل لشيء بعد، وحتى الشاهد الوحيد لم يقر سوى برؤيته لسيارة مجهولة مرت بجانبه بسرعة جنونية بعد سماعه صوت إطلاق النار بدقائق، ولكنه للأسف لم يرَ لوحة الأرقام بسبب الظلام
********************
فتحت سمر الباب للطارق، ثم ذهبت تجلس على فراشها وهي تنظر بتعب لملك التي تقف أمامها تهز ساقها وهي تقول بعصبية "ممكن أفهم ايه لعب العيال ده؟ ازاى عايزة تقعدى لوحدك؟"
استهجنت سمر "ايه؟ خايفة عليا مثلًا؟"
حذرتها ملك بحدة "سمر!"
أخذت سمر نفسًا طويلًا لعلها تستعيد برودها؛ لتستطيع إنهاء هذا الشجار في أسرع وقت، وبأقل كمية من طاقتها النفسية المهدرة، ثم قالت "بصي يا ملك أنتِ اتجوزتِ وروحتِ بيت جوزك.. براحتك اعملي اللي يريحك.. لكن أنا لأ.. مش هروح في حتة على مزاجك"
هتفت ملك بحدة "يعني ايه مش هتروحي في حتة؟"
أكدت سمر ببرود "زي ما سمعتي (ثم وقفت بهدوء وأكملت) أنا مكاني هنا ومش ناوية أغيره"
كادت ملك ترد عليها بغضب جم ولكن قطع شجارهما رنين هاتف سمر الملقى على فراشها بنغمة تعرفها جيدًا، فالتفتا كلاهما للهاتف، والتقطته سمر سريعًا محاولة إخفاءه خلف ظهرها بارتباك، ولكن لسوء حظها انتزعته ملك من يدها قبل أن تخفيه عنها، وأجابت الاتصال دون أن تتكلم، فقط استمعت للصوت النسائي الصادر منه "ألو؟ سمر يا بنتي، ألو؟؟"
أغلقت ملك المكالمة وعيناها تطلقان شررًا، وصرخت بها "ايه ده أنتِ رجعتِ تكلمي الناس ده تاني؟"
أشاحت سمر بنظرها وهي تفرك كفيها بقلق لا تعرف بمَ تجيبها، ثم لم تجد بدًّا من المواجهة، فأجابت بخفوت وكأنها تتمنى ألا تسمعه "بس اتصال كل فين وفين"
نظرت لها ملك شزرًا وهي تردد على مسامعها "أنا مش قلتلك تبعدي عنهم ومتقربيش منهم تاني؟"
جابهتها سمر قائلة بتأكيد وهي تضغط على كل كلمة تقولها "دول أهلي يا ملك، أهلي"
ثم تركتها متجهة لخزانة ملابسها محاولة إنهاء الحوار قبل أن تفتك بها ملك، ولكنها توقفت حين سمعتها تصرخ فيها مهددة "أنتِ مش عارفة أنا ممكن أعمل فيهم ايه؟"
ارتجف قلبها بعنف بين جنباتها؛ فهي تعلم ما ترمي إليه ملك من تهديدها؛ فلم تكن المرة الأولى التي تهددها فيها بهذا التهديد الخسيس، ولم يكن مفاجأة لها على الإطلاق بقدر ما كان زيادة غرس لسيف قد تم طعنها به من قبل في قلبها
أما ملك فقد طرأت برأسها فكرة مناسبة تحصل بها على كل ما تريد وتضرب عصفورين بحجر واحد
التفتت سمر تواجهها وقد اجتمع بعينيها الألم والغضب في آن واحد، من ناحية تغلي دماءها بسبب تهديد ملك بإمكانية إيذاء أهلها، ومن الناحية الأخرى مَن تهددها هي نفسها أمها!
هدَّأت ملك من نبرة صوتها لتقول بلطف زائف "أنا ممكن أسامحك المرة ده وأنسى إنك مسمعتيش كلامي لو.. (وانتظرت قليلا تلعب بأعصابها قبل أن تكمل بتهديد) وافقتِ تيجي تعيشي معايا ووعدتيني إنك مش هتكلمي الأشكال ده تاني"
استعرت نيران الغضب بعينيها الرماديتين واستنكرت بينما تطحن ضروسها "أنتِ بتهدديني يا ملك؟!"
أدركت ملك أنها وصلت لمرادها حين رأت الجنون يشع من عيني ابنتها؛ فابنتها لا تفقد أعصابها إلا حين تشعر بالخطر، وهذا ما عرفته عنها في الفترة القصيرة التي قضياها معًا
ابتسمت ملك بانتصار وهي تسلمها الهاتف بيدها مصححة "أفضَّل نسميها إني خايفة عليكِ وعايزة مصلحتك.. بكرة الصبح تكوني لميتِ حاجتك وحصلتيني على الفيلا.. سلام"
وغادرت، خرجت من الغرفة صافقة الباب وراءها، تاركة سمر تتخبط بين الخذلان والضعف وقلة الحيلة
نفست سمر عن ألمها الغضوب في الهاتف، فألقته أرضًا بعنف فانكسرت شاشته
وظلت تلهث لتمنع دموعها من التساقط وهي تنظر للباب –حيث خرجت ملك- بغضب وتوعد وشبح ألم تبذل جهدها لإنكاره
********************
في صباح اليوم التالي، جلس حسين على رأس طاولة الفطور، وعلى جانبه ملك بجانبها ليليان التي لم تنم بعد منذ أمس، كعادتها تسهر في الليل حتى الصباح، وعلى الجانب الآخر جلس حسام وهو يحيي والده "صباح الخير يا سحس (ثم غمز له مشاكسًا) طبعا أنت إجازة النهاردة كمان يا بختك يا عم"
نهره حسين "اتلم يا واد"
شاكسه حسام بمسكنة "هو أنا عملت حاجة؟ طول عمرك ظالمني"
ابتسم حسين من عدم تعقله رغم سنه، ثم سأل "أمال فين أخوك؟"
أجابه حسام بجدية "مش عارف أنا كنت بخلص شوية أوراق في المكتب"
ثم التفت للدادة التي تضع أطباق الطعام على الطاولة، وسألها "تعرفي يا دادة فين معاذ وفرح؟"
أجابته بدرية "معاذ صحي من شوية وقال هيجهز وينزل، وفرح لسه هنروح نصحيها"
وعند البوابة الرئيسية وصلت سمر بسيارة أجرة تحمل حقيبة ساعدها السائق في إنزالها قبل أن تعطيه أجرته، وغادر بعدها
فتح لها البواب –زوج بدرية- حين علم بهويتها، وهمَّ ليساعدها بحمل الحقيبة لكنها أوقفته قائلة أنها ستتدبر الأمر
خطت أولى خطواتها نحو حياة جديدة ليست تأمل بها الكثير مادامت ملك وراءها لا تترك ياقتها، تأملت شكل البناء الخارجي الذي ينم عن فخامة وذوق رفيع تعرف أن ملك لم تكن لترضى بأقل من ذلك
يتكون البناء الرئيسي من أربعة طوابق، فبدا أشبه بقصر عتيق تم تحديثه مؤخرًا، يميزه حديقة أمامية شاسعة منسق فيها ورود وأزهار ملونة بألوان مختلفة تم تنسيقها بشكل متناغم على جانبي الممر الذي يصل للقصر، والذي تتوسطه نافورة مياة بديعة تقسم الممر إلى ممرين أصغر يلتفا من حولها حتى يعودا معا في ممر واحد مرة أخرى وراءها، يتعامد عليه ممر آخر يوجه السيارات باتجاه اليمين حيث طريق مغلق بشكل نسبي يمثل مرآب للسيارات يمتد لما خلف القصر، ويلتقي بالحديقة الخلفية من جهة اليمين، أما على اليسار يبدو أوسع بكثير وعبارة عن حديقة تصل الحديقة الأمامية بالخلفية حيث كانت تقام الحفلة
لفت نظرها أيضًا أرجوحة كبيرة إلى حد ما، يبعد عنها بقليل طاولة مستديرة، وبضع كراسي يظللها شمسية ضخمة، و كل تلك الأشياء تطل على مسبح كبير يتوسط الشق الأيمن من الحديقة الأمامية
دققت النظر في تلك البقعة قليلًا فلمحت طفلة صغيرة!!!
سرعان ما تذكرتها، لقد كانت معهم يوم اللقاء الأول بالنادي حيث فجرت ملك مفاجأتها، ولكنها كانت طفلة هادئة لم تقل كلمة واحدة، وفقط كانت تجلس بجانب أبيها في هدوء، ولكن ما الذي تفعله في هذا الوقت من الصباح
لحظة.. إنها تطارد شيئًا ما، على ما يبدو فراشة، ولكن هذا خطر!!!!
فالطفلة تقفز بتهور حول المسبح!
جحظت عينا سمر بخوف وهي ترى الصغيرة تزل قدمها عن حافة المسبح؛ فاصطدم جسدها الضئيل بالماء، وغاصت فيه
ركضت مسرعة تاركة حقيبتها وراءها وهي تنادي "يا مللللك، حد هنااااا؟.. فيه طفلة بتغرق هناااااااا"
كادت تقفز وراءها، ولكن جسدها خانها، وتصلبت قدماها عند حافة المسبح تمامًا، ووقفت أمامه تشعر بالاختناق يسيطر عليها، وهي تتذكر إحدى ذكرياتها الأليمة حين كانت طفلة صغيرة تغرق بالبحر بعدما ألقت فيه نفسها متعمدة أن تؤذي نفسها؛ لعل أمها تتذكرها وتقلق؛ فتعود إليها لتنتشلها من ذاك الجحيم الذي ألقتها به وغادرت
ولكنها تتذكر أنه بالرغم مما فعلته، تم إنقاذها، ولكن أمها لم تأتِ أبدًا من أجلها، أو حتى هاتفتها للاطمئنان عليها، ولكن بالعكس، ازداد الجحيم الذي ألقتها به سعيرًا عليها دون أي اعتبار لحقيقة الكارثة التي حدثت حين تحاول طفلة بعمر الست سنوات الانتحار!!
ظلت تنظر للماء، وهي تتنفس بسرعة علها تتغلب على شعورها بالاختناق، ومازالت تنادي طلبًا للمساعدة، وتتلفت حولها يمينًا ويسارًا علها تجد أحدًا يغيث تلك المسكينة التي تعجز هي عن إنقاذها
ولكن كأنما تقف بالصحراء، ولا تعرف أين ذهب ذلك البواب الذي فتح لها منذ قليل، ولا وقت أكثر لتضيعه في الخوف
ولم تجد مفرًّا من القفز بنفسها خوفًا من أن تموت الطفلة التي مازالت تصارع للحياة وهي ترفس الماء بقدميها ويديها محاولة أن تطفو برأسها كي لا تختنق غرقًا قبل أن يشعر بهما أحد
أخذت سمر نفسًا عميقًا، وحبسته، وأحكمت إغلاق عينيها من الخوف، ثم دفعت بجسدها تجبره على السقوط في الماء
انتهى الفصل
أنت تقرأ
أضواء في آخر النفق للكاتبة ندى محمد "ندفة نوش"
Romanceهي قضت عمرها في بحر الحياة، تتألم، و تخوض المغامرات الواحدة تلو الاخرى، وتركب الأخطار، تتلاطمها الأمواج بين الشرق للغرب، لا تعرف مستقرًا، ولا ترسو على شاطئ أما هو كان صقر متوجًا في السماء، يرى الأرض من مسافة بعيدة، ولا يهبط إليها إلا كلمح البصر، وي...