.
.
.العَام ١٩٩٢ ..
في المدينه الواقعه في آواخر أراضِ الدوله، منطقه عُرفت بطابعها الجبلي الصحرواي، وعاداتها ذات التشدد المُستفز لكل اطراف المجتمع في مختلف المناطق دلف هذا الرجل بخطى مُهروله وثقيله من بوابة المُستشفى العام حاملاً ابنته بين يديه تمتلئ ملابسه بالدماء وينساب العرق من جبينه مختلطاً بدمع عينه ولأول مره لم يأبه هذا الرجل بنظرة رجال منطقته اليه لاول مره تركز جُل اهتمامه نحو ابنته هذه الراقده بين يديه بهمودٍ دونما حِراك
سُرعان ما أُنتشلت من حُضنه بتقدم المختصين في طوارئ المُستشفى، أُفتِعلت الضوضاء والضجيج والذي بقي هو ينظر اليه بسكون، جلس احد الاطباء على متن السرير وأخذ يحاول إنعاش القلب الميت لهذه الطِفله بينما تتفقد احدى الممرضات جسدها حتى نبَست بعلوٍ قائله :مُتعرضه للضرب والتعنيف الجسدي
تزامناً مع انفاسٍ سريعه زفرها الطبيب بعدما استطاع انعاش قلبها وبينما يترجل عن السرير هَتف موجهاً أمره للكادر التمريضي :سويلها سونار حالاً، وانته جهز غرفة العمليات راح نضطر نطلع الجنين
تقَدم والدها بضع خطوات الا انها لم تكفي ليصل الى جسد ابنته الهامد فقد جُرت سريرها امام عينيه حتى اختفت من مرآه، جلس على بضع كراسي للانتظار قريبةً منه وأخذ دقائق محدقاً بإحمرار كفيه إثر دمائها التي انسابت من اجزاء مُتفرقه من جَسدها بِلا هواده
آسيا .. هي ابنته الصُغرىٰ التي زوجَها منذُ عامٍ مضى على احد شيوخ المنطقه ووجَدها اليوم كما أي كيس نفايات بجوار باب منزله مُغطاه ببحرٍ من الدماء وعلامات التعذيب المُفجعه دون مُبالاه بجنينها الذي وصَل الى الشهر السابع في احشائها الحانيه
نهض بخطى ثقيله كما وكأن الكون يرمي بثقله على منكبيه، دفعه جهله للتساؤل عن مكان غُرفة العمليات المزعومه متجاهلاً سيلاً من نظرات الشفقه التي وِجهت اليه بهذا الجسد النحيل والمُتعب مُلطخاً بالأحمر القاني، توقف امام البوابه التي تفصل بينه وبين ابنته كما يفصل بينهما اميالاً من الموت المُحدق وسُرعان ما انتفض جسده ممسكاً بساعد ذلك الطبيب الذي كاد لوهله ليدخل الغرفه متجاهلاً اياه
نظر اليه الآخر بنظراتٍ مُستنكره بينما يحدق بيده المقيده بفعل هذا الرجل الذي من فرط المه لايدري مايفعل، حتى انزل يده مُتأسفاً بخفوت سرعان ما اتبعه بتساؤل يبدو شديد اليأس :راح تعيش؟
رفع الطبيب حاجبه وبنبره مُحمله بكمٍ هائل من الحِقد والضغينه عَلق بينما يدفعه عن طريقه :لو تهمك ماكان زوجتها بهذا العُمر
وساعاتٍ عِده احتاجها الطبيب ليعاود الخُروج من غُرفة العَمليات بحصيلةٍ من نتائج لطالما كان يؤرقه امر صياغتها على اهالي المَرضى المتلهفين لكنه لم يجد احداً .. لقد غادر هذا الرجل تاركاً خلفه ابنه متوفاه بهوية مجهوله وطِفلٍ بِلا أهل او عائله ستُغلق في وجهه كُل الابواب عدا ابواب المآتم والسجون