الفصل التاسع عشر (الأخير)

110 4 9
                                    





.
.
.












كيف تغدو الأرواح التائهات في الضَباب وطناً وانتماء كسفينةٍ أُنتشِلت من قاع المحيط ورُغم الخراب مازالت حيّه لتقف امام الجمع وتحكي عن هول العاصفه وروع الغرق عن وحدة الاحتضار واليأس من النجاة لتحكي عن كيف بدت الحياه حينها بعيده وغير مألوفه اشبه بنجمةٍ قاربت على الانطفاء لاتترواى عن الشكوى رغم ان تلك الحكايات لاتوفيها الكلِمات ولا تشرحها الروايات، انها مشاعر والمشاعر لا تُروى

"والى ابد الدهرِ ستبقى هذه السفينه لُغة الغارقين العائدين من شباك الموت، اولائك الذي خاضوا التجربه وذاقوا مرارة الكأس، ستبقى لُغتهم التي شوهها ضبابُ المنفى"

رفعت قلمها عن بياض الورقه حالما أنهت كتابة آخر كلمات المقال، مقالٍ عُنوانه "القُريمزاء" لكنها قصدت به ذلك الرجُل الذي شَهدت معه على نهاية قِصته الأزليه تلك التي فاحت منها رائحة الدماء ورن انينها في الأرجاء، ثم اخذت بيده نحو قِصةٍ أخرى بعبقٍ زكي وترانيمٍ بهيجه كأغانِ الاعياد المباركه

استقامت ضِد كُرسيها، اغلقت القلم ووضعته في الصندوق الابيض متوسط الحجم كآخر قِطعه تُشبهها بين هذه الجُدران التي باتت تخلو منها ومن قُصاصاتها ومقالاتها، تِلك الخطوه التي لم تقوى عليها حينما قررت السفر لقد قويت عليها اليوم بعد ان داست قدميها على خط النهايه من مضمار الكفاح ..

اغلقت الصندوق ثم اخذت في يدها ورقتين واحده حوت مقالها الأخير واخرى استقالتها التي اثارت ركود وسكون مديرها حالما وضعت الورقتين امامه، فأحتاج برهه نبس عقبها :متأكده من قرارك ؟

اومئت بهدوء وثِقه، تعلم جيداً وتوقن بأنه الصواب وان مسيرتها في الصحافه والإعلام قد انتهت بنهاية القضيه التي دفعتها نحو هذا المجال، قبضت على كفيها وقالت :صحيفة حق قدمت لي الشي الكثير، اعطتني فرصة ادافع عن وطني واكافح عشانه واسعى ضد الارهاب والجرائم اللي ترتكب بحقه سمحت لي اكون انا كإنسانه ماتسكت في وجه الظلم .. وراح ابقى ممنونه لهذي الصحيفه طول عمري 

وضع الرجل الورقه على سطح المكتب، اتكى على كرسيه وهز رأسه بلا تصديق حينما اضاف الى محاولاته قوله :طيب وطنك بعده يحتاجك ! الصعتري ماهي القضيه الوحيده اللي تشغل هم الشارع في غيرها الف جريمه وظلم ترتكب كل يوم بحق الناس، في قتله ولصوص ومروجين مخدرات، راح تستكين بوجههم ؟

هزت رأسها بنفي، فهي قد نذرت كل عمرها لأجل الحق اينما حل وكان، برغبه نابعه من شغفها وحُبها لذلك المجال العظيم .. لكنها لن تكافح بعد اليوم من هذا المنبر ! اجابته قائله :انا خريجة قانون الصحافه عمرها ماكانت مجالي، بالعكس انا اقدر الامس هم الناس ووجعهم عن قرب ومن زاويه اوضح اذا تكلمت بلسانهم في المحاكم والنيابات

في لغتي من المنفى ضبابحيث تعيش القصص. اكتشف الآن