.
.
.في مرحلةٍ ما من حياته يدرك المرء بأن أشواك الطُرق مسامير وان العقبات خناجر، وان الممات في سبيل الضوء الذي في آخر النفق هو مُجرد مُسمى يرتكز في آخر قائمة المخاوف، فأن يموت المرء في سبيل بلوغ المَرام مُباح لكن ان يعيش فارغاً وعاجز من أبلغ صور الحَرام .. تجلس على سريرها الفَردي الذي يأخذ زاوية من الغُرفه، امامها جهاز لابتوب مفتوحاً على مصراعيه وبضع اوراق ودفتر مُنهمكه منذُ ساعاتٍ في عَملٍ ليس من اختصاصها لكنها تلقفته حينما رماه أهله
تُمرر على صور شخصيه لعددٍ من الأفراد تم نشرها فيما مضىٰ على انهم مطلوبين امنياً بتهم لارتكاب جرائم جميعها أندرجت أسفل مُسمى الصعتري، ومَطلبها معلوم تُدقق في حدقاتهم باحثةً عن جبحي عَسل مائلتين للإصفرار حتى شردت لثوانٍ فيما تفعل .. ماذا لو استطاعت الحصول على صورته لتقديم بلاغاً واضحاً عنه؛ هل ستفعل !!
بعد اثني عشَر عاماً مروا سِراعاً هل ستخون النفس الذي تتنفسَهُ بفضله!
زفرت تُغلق جِهازها بقوه قبل ان تتجه الى النافذه، تُبصر من هُناك إمتداد المدينه امام عينيها، تلك المدينه ذات الرونق الكلاسيكي المُمتزج بالحضاره، شوارع مُكتظه وأسواقٌ حيويه، قصور حجريه متفرقةً هُنا وهُناك مازال سُكانها يحتفظون بإرث القُريمزاء وتاريخها، قبل ان تهتز مُقلتيها التي حدقّت بالجِبال المُحتضنه للمدينةِ بما فيها حيث ساقتها خُطاها التائهه منذُ عُمرٍ مضى لتقع فريسة الصَعتري وتنجو بأحدىٰ أعجوبات الزمَان
التفتت الى الخلف بعد ان سمعت الطرقات الخفيفه على الباب بعد دقائق من سماعها لضجيجٍ في الخارج عائد لسيلٍ من الشكوىٰ ماتوانت عنه والدتها حالما أقبل عليها هواري ..
هواري هو ابن الخاله الوحيد لبتراء ومن دواعي الأقدار وأعظمها كانت قد رضعت معه في الصِغر وهي ممتنه لذلك عظيم الإمتنان، تبّسمت لهيئته ونظراته المُعاتبه واللائمه قبل ان تشير له نحو السرير حيث تقدم جالساً هُناك بعد ان وضع متعلقاته الشخصيه بجواره وبادرت هي بالقول :لاتعاتبني على شي، اساساً لو ماساره جت الظهر وعَلمتها كان مادرَت ولا تهاوشنا .. هي الغلطانه
مسح هواري على وجهه بإرهاق من طول الطريق الذي امضى به مايقارب الثماني ساعات، زفر ثم علق قائلاً بهدوء تام :لا بتراء، محد غلطان غيركِ، انتِ قاعده تجازفين بروحك في كل فرصه تلاقينها وبدون تردد .. انا فاهمكِ انتِ شجاعه واقوى من انك تخافين من الموت بس وراك اهل؛ وراك ام ارمله وراك اخت يتيمه وأخ .. أخ صرتي له من الدنيا أمنيه وسُلطانه ! ما نستاهل ؟ انكِ تصونين هالروح عشاننا ؟
التقطت نفساً قوياً بينما تشيح بناظريها عن عيني هواري التي لمعت بإنكسار وملامه تقتل ولا تجرح، مسحت على وجهها قبل ان تتجه للجلوس على مقعد مجاور لمكتبها الصغير المقابل للسرير، وضعت يدها على حافة المكتب بينما تهمس :آسفه