اللقاء..

877 27 33
                                    

مشيت باتجاه المخرج بخطوات بطيئة فحذائي ثقيل والحر جعله غير مريح أكثر.. اليوم هو الواحد والعشرون من جوان الفين وأربع عشر أول أيام الصيف وأنا مازلت بملابس الجنود الثقيلة فليس لدي الطاقة حتى لتغييرها.. توقفت عند المخرج فقد أعمتني أشعة الشمس، الساعة الان الثانية زوالا والشمس قابعة وسط السماء لا أحد يمكنه الهروب منها وتجنب أشعتها .. أين وضعت نظاراتي فهي الحل ليوم كهذا؟ بحثت في جيوبي .. أخيرا وجدتها .. نظرت لإنعكاس صورتي على زجاج البوابة، يقال لي دائما أن شكلي وأنا مُرتدٍ نظاراتي الشمسية تكمِّل هيئتي العسكرية.. وقفت أتأمل المدينة (مدينة بوردو) إنتقلت حديثا إلى هنا, منذ سنة تقريبا فقد كنت أقطن بباريس لم أكن أريد العودة الى هنا لكن أحيانا ..
آه..ماهذا؟!! انهم مجموعة مراهقين من فتيات وصبيان يضحكون من دون اهتمام .. وانتبهت للناس الكل سعيد..
نظرت للسماء انها زرقاء لا توجد اية غيمة ..انه يوم مثالي للنزهات وايضا هادئ كل شيء يدعوا للسعادة لما لا يسعدون!! فالسماء صافية مع نسيم عليل ومنعش ما يجعل الكل مبتسم وفرح، من الممكن ان مجموعة الشباب تلك قد هربوا من مدارسهم حتى يلعبوا، ابتسمت للفكرة، ماهذا؟!! إن سعادتهم تشعرني بالحزن، لماذا انا حزين!! ..من المؤكد سأكون حزين فأنا الآن وحيد..

مشيت بخطا تبدوا للغريب واثقة ولكنني في الحقيقة أمشي ولا اعرف إلى أين سأذهب.. لا أريد العودة لمنزلي..

المنزل هو مصدر الاستقرار ومثال الراحة والإنتماء للكل إلا أنا، أكره منزلي..

توقفت بعدما مشيت لمدة لساعة ..ابتسمت عند قراءتي للافتة المعلقة فوق البوابة ..أعتقد أن عقلي الباطني لم يكن متعبا ..أنا في المقبرة تمتمت بسخرية (دائما تقودني رجلاي لهذا المكان .. ربما الى هنا أنتمي)

توجهت لذلك القبر بل قبرين متجاورين انهما لوالداي.. ولدا بتواريخ مختلفة وماتا في نفس التاريخ.. يا لا سخرية القدر.. ماتا مع ذكرى مولدي .. أشتاق لهما رغم انني نسيت شكلهما.. ونسيت كل ذكرياتي معهما..

لا استطيع حتى البقاء طويلا هنا فبالنسبة لي ان لم اكن نائما بجوارهما فأنا لا أنتمي إليهما..أيعقل للان لم اجد انتمائي!!

قطع حبل افكاري صوت عجوز
رفعت رأسي لاتجاه الصوت.. كانت العجوز تحدث شابه جميلة جالسة بجانبها على قبر ورأسها منحني للأسفل ترتدي نظارات سوداء يبدو انها تغطي دموعها بها.. رفعت المرأة نظاراتها فوق شعرها وأمسكت بيدي العجوز الجالسة بجانبها..

إنني مخطأ فهي لا تبكي لكنها تبدو حزينة.. تمعنت في ملامح وجهها (إن هذا الوجه مألوف).. رفعت عيناها باتجاهي..
اه.. تذكرتها .. كيف لي ان انسى هذه المرأة.. وتلك العيون

انها مختلفة قليلا عما كانت .. لكن لا يمكنني ان أنساها.. عيونها العسلية وبشرتها المائلة للسمرة نظراتها الغاضبة التي تخفي حزنا..
لقد غيرت تسريحة شعرها ولونه..لكنني لن انساها،اعتقدت دوما ان ذاكرتي قوية وأنا محق فأنا أتذكر حتى الشيبة التي كانت على شعرها واستغرابي لها فهي شابه ولم تحاول حتى نزعها أو إخفاءها..
جلستها الان مختلفة كليا عما كانت ذاك اليوم.. انها تبدو حزينة وهي على جانب القبر تمسح عليه بحنية وحزن دون دموع..

موقف العجوز منها بدى لي غريبا فقد طلبت منها المغادرة وعدم العودة.. وطلبت منها ان تكمل حياتها وان تنساها وتنسى ابنها.. هل هذا قبر ابنها؟..

فضولي جعلني أتقدم اليها بعدما غادرت العجوز وهي تطلب منها عدم العودة للقبر بطريقة صارمة وفيها نوع من الحنان..

اقتربت ببطئ.. حاولت منع نفسي من التدخل لكنني لم استطع هذه المرأ تجعلني أشعر بالفضول كلما رأيتها.. رغم انه ليس من عادتي التطفل ولا تعنيني حياة الآخرين..

جلست لوحدها من دون كلمة ولا رثاء ولا دموع فقط تنظر للقبر فاقتربت أكثر وسألتها: قبر من هذا؟
تفاجئت الشابة وكأنني أخرجتها من عالم آخر أو قاطعت حديثا سريا كان يدور بينها وبين شخص آخر غيى مرئي..
أجابتني بعدم صبر وانزعاج
تيفاني: ماذا؟!!!!
لم انتظر اجابتها والتفت للقبر وقرأت المكتوب عليه ( تيم براون.. 1982 - 2010 "الرسم عالمي ،أمي أملي وتيفاني كل سعادتي" )

التفت إليها وأشرت للقبرين بجوار قبر المدعو تيم: القبرين هناك هما لوالداي..

لم تعر حديثي اهتماما ولم تنتظر حتى إكمالي لحديثي ونهضت من مكانها للذهاب، لم استطع عدم ايقافها وسؤالها
جوزيف: آسف.. لكن أبسببه لم تريدي حتى الحديث معي؟؟ ..

يتبع..
اعطوني رأيكم .. منتظراه

شوقي لك .. يعذبنيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن