1: عتبَة الودَاع

1K 89 35
                                    

دومًا الحكايا تبتدىء عند البِداية، إلا هذه فإنها تبتدىء عند النِّهاية.

ـــــــــــــ

"لمَاذا؟" ترجَاها وهُو ينظر إليها. عينيها اللَّتين لطالما أسرته ببريقهما. كانتا خائبتَين، حزينتين كخاصته.

"لأنها النِّهاية." أجابته بإنكسَار وقد تحشرج صوتها في حُنجرتها. حَاول مرارًا أن يقترب منها.. لكنهُ يعلم أنها ليسَت له، ليسَت من حقه بعد الحِيْن.

"ألم يكُن ما عشناهُ كافيًا؟" سألته هِي الأُخرى وقد لاحظ تراقص الدُّموع اللامعة علَى طرف أهدابها، تأبى كبرياءً أن تسقط وتنهمِر.

"ألَيْسَ كافيًا لأن يستمر؟" سألها مُجيبًا عن سُؤالها بخَيبة. مدَّ يده بتَمهُل نحوهَا.. طالبًا منها أن تُهديه فُرصة أُخرى.. أن تُعطي لكل شَيء آخر فُرصة عُمرٍ أخرى، لِعَيش أفضَل كما يتوقع هُو.

وحينما لاحظت يده المُمتدة نحوها.. كطَوق نجاة، فهي كَانت مُنذ البداية غريقة.. إلا أنهَا أدركت أنهُ ليس طوق نجاتهَا أبدًا. إنهدَّت دُموعها وإقتفت سبيلها عَلى الوجَنتَين المُصبغَتانِ بحُمرة طَفيفة.

"إنهُ كافي لأن ينتهِي نايل." أجابته بإبتسامَة صفراء إرتسمتها بإرهاق وذُبول على شفتيها. قبَضَ على يده وأراحها على جانبه. عيناه بقيتا تتطلعان نحوهَا، باحثةً عن شُعلة من الأمل.. عَن خيطٍ مبتُور من شَريط الذِكريات الذِي ضاع وإنتهَى.

"أرجُوكِ." عَاد يتوسلها هذه المَرة. زَوبعة المشَاعر والأوجاع قد باتت تعصفُ به مُنذ إبتداء هذا الحَديث المَرير الذِي يرجوه بألا يكُون الختَام لكُل شَيء إنقضى!

"آسفةٌ نايل." أجابته وقد تراجعَت لتسحَب حقيبة سفرهَا وتغادره. تاركةً دموعًا وذكرياتٍ لن تُمحى مهمَا طال العَهدْ.

"كلَّا. بل أنا آسف." همسَ بها حتَى بعد مُغادرتها. حتى بعد تلاشي طيفُها مِن أمام عينِيه اللَّتين ما كَانتا تحملَان سِوى الألَم المَقِيت.. ومَوت المشَاعر وإحتراقها فِي قلبه مرَة تِلوَ الأُخرى.

خطَى للأمام. فِي إتجاه مُغاير عن الإتجاه الذِي سلكته هِي.. وراح يُحاول بغير جَدوى بأن يرمي قُصاصات الذِكرى خارج عقله. يُفرِّغ رأسه من همٍ يكَادُ أن يفتَّكَ به طويلًا. هُو فحسب راقبَ كل شيء ينتهِي ويمُوت، ليُغلق على قلبِه في تِلك اللَّحظة. كَي لا يَعُود هُناك من سبيلٍ إليه.

دموع الغُيوم || N.Hحيث تعيش القصص. اكتشف الآن