11: حدِيقة غنَّاء

366 42 52
                                    

"سأعملُ في المكتب، إن إحتجتِ أي شيء أخبريني." إسترسل نَايل وهو يعدِّل نظارته فوق جسر أنفه. لتُومىء لورينَا وقَد تكومَت على نفسها فِي الأريكة، بكسَل وخُمول.

"لن أتحرك من مكَاني، لديك تلفاز يحوي قنوات جيدة!" خرخرت بعفوية، وهِي تُسند رأسها على ظهر الأريكة وقد مسدت شعرها في الأرجاء. خطى نايل مُقتربًا منها وتأمل فِي وجهها للحظات.

"لو تعلمِين كم أرغب بتقبيلكِ الآن." همس بإبتسامة صغيرة وهُو يلحظ إحمرار وجهها، وسُرعان ما تلقى وسادة فِي وجهه.

"هُوران!" نهرته ضاحكَة بخجل. ليقهقه بسُخرية على ردة فعلها. نهض وحرك رأسه بالإيجاب.

"حسنًا حسنًا، سأسيطر على نفسِي." أخبرها وهو ينصرف ضاحكًا. تطلعت إليه.. وكم إشتاقت لوجوده معها تحت سقفٍ واحد.

قلَّبت في قنوات التلفاز بكسَل، لتتطلع نحو باب الفناء الزجاجي الذِي يُطل على حديقة غنَّاء.. ثُم لاح في ذاكرتها ذكرياتٍ قديمة على الشاطىء الإيرلندي.. تركض برفقة نايل، وقد ركن السَّيارة عند أسفل التَّل والبحر أمامهما. كم كَانت أوقاتًا جميلة، لا تُعوَّض.

ليلوح ريَّان فجأة.. قادمًا نحوها، وقد ردع نايل قتيلًا، مضجرًا بدمائه... ويُمسك بها بشدة ليَقذفها في جحيمها. قطعت حبل أفكارها ونهضت حافية القدمَين وتسير نحو باب الفناء.. فتحته ليضربها النسيم البارد اللطيف.

مشت فوق العشب وقد تخلَّت عن أفكارها وهمومها.. أودعتها فوق الأريكة. ثم تنفست بعُمق والمنزل خلفها إختفى.. اِستدارت لتجد منزلهما القدِيم فِي مُولينغار.. وكلبهما بوب يرقد على العتبة بكسَل، وفي الدَّاخل إرتفع صوت ضحك مُبهج يعُود لطفلٍ لن يجيء للدُنيا.

ماذا كان ينقصها حتى تتخلى عن هذا كله؟ ماذا دهاها قبل خمسة أعوام؟ جلست على العشب والمشهد الخلَّاب لم يخُب عن ناظريها أبدًا.

* * * *

"أهلًا زَين." إبتدأ مكالمته وقد وضع نظارته على الطاولة فوق الملفات التي تُنهكه. إبتسم قليلًا لسماعه الصَّوت العمِيق الجرىء.

"هُوران! أهلًا! مضت فترة!" أجابه الطَّرف الآخر بإبتهاج، اِبتسم نايل وضغط على أعلى أنفه ليُزيح صداع يكاد يفتّكُ به.

"أهلًا يا فتى، أجل.. كيف حالك؟" أجابه، وقد أراح منكبه على الطاولة بإعياء.

"بخير بخير، ماذا عنك؟ أكيد هُناك شيء حتى تتصل في إجازة نهاية الأسبوع يا رجل." أجابه زَين واثقًا، ليقهقه نايل كمَن وقع في الفخ.

دموع الغُيوم || N.Hحيث تعيش القصص. اكتشف الآن