5: سُقوط ذاكرة

410 49 22
                                    

اهتزت الدُنيا في عينيها وهِي تستند على الأعمدة الرخامية كجسد أهلكته الهموم. تمسكت بالعمُود كغريق يعُود مِن بحر ذكرياته الهائج، حاولت أن تتناسى ما رأته قبل قليل.. رُبما بدأت تهلوس من سوء فصول حياتها هذه الأيام.

رُبما لأنها إفتقدته كثيرًا للحد الذِي جعل عقلها يخدعها برؤيته في رجلٍ آخر.. أجل هو ما عاد موجودًا منذ آخر لقاء بينهما منذ سنين لا تعلم بعد الحِين عددها، لكأنها ألف عام على وقع قلبها. مُنذ أن أغلقت كتاب سعادتها بيديها، عاجزة ومُجبرة.

عادت القُوى في قدميها ببطىء لتنهض وتتخذ سبيلها إلى الدَّاخل، وقعت عينيها على باربرا وهِي تقف بجانب هاري بإبتسامة واسعة وهِي تتحدث مع الوافد الجديد.. الذِي كان يواجه لورينا بظهره.

شعرٌ بُني داكِن كالبُندق.. قبضت لورينا فورًا على فستانها وهرولت للمخرج بين الحضورغير متأكدة من إلقائها نظرة أخرى عليه. أوهامها قد إفتكت بها وهي غير متيقنة إن كانت ستنجو من طيف خيالها هذه المرة.

قطرات المطر الباردة عانقت فستانها وجسدها بكرم وهِي تخطو نحو سيارتها مُتجاهلةً نظرات الآخرين عليها. الجميع كان يحتمي من المطر، من دموع الغمام. لكنها كانت ممتنة.. لأن وجع السَّماء عطاء على هيأة نعيم وغيث بينما وجعها أطياف من الماضي وزوجٍ كاذب.

إسترسلت الخُطى حيث ركنت سيارتها وكادت أن تصعد لولا أن صوت رفيقتها قد عانق مسامعها لتراها تركض نحوها والمطر يبللها بسخاء هي الأخرى.

"لوري!" صرخت باربرا بحماس وشعرها الأصهب ينسدل على كتفيها وقد إبتلَّ بالكامل. إستكانت لورينا وهي تتابع إقترابها منها.

"هل سترحلين الآن؟" سألتها وكأن أمر عودتهما للداخل شيء ممكن بعدما أن أصبحتا مبتلتَين. إبتسمت لورينا بخفة وأومأت بالإيجاب.

"عليكِ مُقابلة زميل عملنا المشارك في الشركة يا لورين! إنه لطيف جدًا كما أنه صديق قديم لهاري منذ أيام الجامعة. أعني.. لقد ساعده في بناء الشركة منذ البداية، ولديه زوجة لطيفة جدًا إنها مصممة أزياء أيضًا!" تحدثت باربرا بحماس مطلق وهِي لا تلحظ جمود ملامح لورينا طيلة فترة حديثها.

"الزميل.. ما إسمه؟" سألت لورينا بتريث كما لو أنها تنتظر سكينًا يُطعن في قلبها هذه الليلة. إبتسمت باربرا بإتساع.

"يدعى نايل هوران! إيرلندي جدًا صحيح؟ زوجته كذلك، إسمها نورا. كلاهما لطيفَين حقًا." غاب صوت باربرا عن أذانِ لورينا منذ أن تلفظت بإسمه. لكأنها باتت في قوقعة بكماء فقط ترى من خلالها ولا تسمع أي شيء.

نايل؟ التلفظ بالإسم كان كفيلٌ جدًا يجعل موج ذكريات لورينا ينهمر بعُنف أكثر من التسونامِي في اليابان. مُنذ أول يومٍ في المرحلة المتوسطة إلى ذلك المساء في مولينغار في فصل الخرِيف، وهي تحمل حقيبتها البنفسجية للسَّيارة وقد تركته في المنزل.. الذِي كان منزلهما مُنذ زواجهما. المنزل ذو السقف الأبيض والباب البُني الخشبي..حيثُ علقَّا لافتة ترحيبية بجانب الباب عليها "السيد والسيدة هُوران". وذلك السَّجاد البُني المبعثر بخطوط قرمزية الذِي يستقر أمام الباب حيثُ يأخذ بوب قيلولته عليه فترة الظهيرة، كلبهما الهكسي الذِي إقتنياه قبل أن يموت بسبب مرضه المزمن.

دموع الغُيوم || N.Hحيث تعيش القصص. اكتشف الآن