حياة عادية
الجزء التاسع عشرلمدة ثلاث ايام أخرى استمرت منى على التواصل مع الكلب الذى لم يعد تواصلهم مقتصر على اطعامه بل امتد لهوهما معا طوال فترة نوم مروان حتى ان منى قد صنعت من الاكياس كرة صغيرة ليلعبا معا لعبة التقاط الكرة وبمجرد اقتراب موعد استيقاظ مروان كانت تأمره بالابتعاد و تغلق النافذة، وفى اليوم الرابع قررت منى انه قد حان وقت الرجوع لحبيبها، ودعت الله ان ينتهى الامر على خير، كل ما تحتاجه هو الوصول للملحق واستخدام الهاتف المحمول لمهاتفة احمد وحتى لو امسك بها مروان بعدها فخوفه من احمد الذى زرعه ابراهيم بداخله كفيل بان يوافق على تركها بعد ان يعلم ان احمد اصبح يعلم مكانها ودوره القذر للايقاع بها خاصة لو اقنعته بانها ستجعل احمد يعطيه المبلغ الذى اتفق عليه مع ابراهيم واكثر، ظلت تسترجع تفاصيل خطتها التى تعتمد على مهاتفة احمد قبل ان يمسك بها مروان، تأكدت للمرة المائة من كل الاستعدادات فهى قد تركت باب المطبخ مفتوح لاول مرة منذ حصلت على مفتاحه وظلت تتحسس المفتاح بجيبها كانها تلتمس منه الامان، وعلى طاولة الطعام يوجد الكثير من العظام، كما انها راقدة على الاريكة امام التلفاز بعد ان تركته يعمل على احد قنوات الكارتون، ليبدو المشهد لمن يراها وكانها قد تناولت الكثير من الطعام ثم جلست تشاهد التلفاز فغلبها النوم على الاريكة، وكان هذا بالضبط هو الانطباع الذى تريد ايصاله لمروان، ظلت ساكنه حتى سمعت صوت باب الفيلا يفتح فأغمضت عينيها متظاهرة بالنوم، دخل مروان للفيلا وهو ينادى: منى.
صمت عندما راها نائمة وجلس امامها واضعا سلسة مفاتيحه على المنضدة بينهم، وعندما نظر لطاولة الطعام هتف بدهشة: يخرب بيتك، اكلتى كل ده، ده مش يكتم على نفسك ينيمك، ده يموتك.
عندما التفت لباب المطبخ ووجده مفتوح تنهد وهو يهرول اليه : اخيرا، ربنا يهدك، الجبنة نشفت معدتى.
عندما تاكدت من دخوله المطبخ ليعد لنفسه احدى الوجبات التى حرمته منها حتى تسللت وراءه بخفة واسرعت بأغلاق الباب بالمفتاح قبل ان ينتبه اليها ويمنعها، انتفض هو على صوت أغلاق الباب، وظل يصرخ مناديا عليها ومهددا لها، وزاد فزعها عندما بدأ يحاول كسر الباب، ولكنها انتبهت لنفسها وانتزعتها من خوفها واخذت المفاتيح من على المنضدة وتخرج للحديقة متوجهه للملحق، عندما دخلت للملحق اخذت تبحث عن الهاتف فوجدت هاتف مروان ولكنها لا تحفظ رقم احمد فظلت تبحث عن هاتفها هى ووجدته ولكنه بغير بطارية فنزعت منه شريحة الاتصال لتضعها بتليفون مروان وقبل ان تفتحه، اقتحم مروان باب الملحق وراها وهى تحاول فتح الهاتف فانتزعه من يدها والقاه على سريره بعنف وصرخ هادرا وهو يصفعها: عيلة هبلة زيك انت، تغفلنى وتحبسنى، كنت عايزة تكلمى حبيب القلب يلحقك وتدودينا فى داهية، والله ما عاتقك وخليه ينفعك، كان يصرخ وهو يكيل لها الضربات ويجرها على الارض، حاولت الوقوف والافلات من بين يديه فانقض عليها يخنقها وبدأت أنفاسها تضيق وتشعر بصعوبة التنفس، ليفلتها من يده فاجأة بعد ان هاجمه ذلك الوحش وانقض عليه ينهش لحمه مدافعا عنها، استردت انفاسها بشهقه قوية، ثم صرخت مغمضة عينيها من بشاعة المنظر فبجوارها كان صديقها الوحش ينهش مروان من رقبته والدماء تسيل من كل مكان بجسده، وسقطت مكانها تجلس القرفصاء تحتضن جسدها بيدها وتدفن راسها بين قدميها، وهى تصرخ بشكل متواصل ولا تكف عينيها عن البكاء، انتفضت على لمسات غريبة على قدميها، لتجده الكلب يتودد اليها بلعق قدميها فاصابها الغثيان وهى ترى فروته وقد تخضبت بدماء مروان، فسحبت قدميها بذعر، وزحفت على يديها حتى وصلت للملحق فهى لا تقوى على السير، دلفت للداخل واكملت زحف حتى وصلت للسرير فالتقطت الهاتف وقامت بفتحه وهاتفت نمرة أحمد لتجده يرد بلهفة.
ـ أحمد بلهفة: منى، انت فين.
منى تبكى ولا تستطيع التحدث
ـ أحمد مستمعا لبكاءها: انت فين يا منى، متخافيش كل حاجة هتتصلح، انا مسامحك مهما حصل بس اتكلمى، انت فين وانا اجيلك حالا.
ـ منى بتقطع: مح حصل ش،حا جة، انا مهربتش، مروان، اكله كلب ديب، انا خايفة، ومش عارفة فين صحرا.
ـ أحمد بهدوء: متخافيش، سيبى التليفون مفتوح، وخليكى مكانك، انا هاكون عندك أسرع ما تتخيلى.
تركت الهاتف على السرير دون إغلاقه كما أمرها وزحفت حتى وصلت للباب واغلقته فهى لاتريد رؤيه الكلب الان بعد فعلته حتى لو كان يحميها ظلت تحتضن نفسها وهى تبكى ولا تعلم كيف سيصل اليها ومتى فهى تعلم ان المسافة تستغرق اكثر من اربع ساعات، هذا غيرالوقت الذى سيستغرقه لمعرفة مكانها، هذا اذا عرف مكانها من الاساس، ولكن بعد مرور دقائق لا تزيد عن النصف ساعه فى أقصى الاحوال سمعت هديل طائرة مروحية يقترب منها وتسمع معه زمجرة متوترة من الكلب يعقبها صوت رصاصة ليصمت صوت الكلب نهائيا، فتحاملت على نفسها لتقف على قدميها لتخرج من الملحق مستندة على جدرانه، لترى مشهد جعل قلبها ينبض بقوة لم تعتاد عليها من قبل، فبالخارج كان هناك تلك الطائرة التى اقتربت من الأرض مستعدة للهبوط وأحمد يقف على بابها المفتوح متشبثا بقوائم تلك الطائرة، واندهشت هى من نفسها لتأثير رؤيته عليها، فقد انفصلت عن الواقع رابطة نظرها بوجوده يفكر عقلها بأمور لا تتناسب مع الموقف، ليهتف عقلها برعونه، هذا هو البطل، نعم البطل هو من يفعل اى شئ وكل شئ ليحمى خاصته، البطل هو الذى يجتهد ويكد بعمله ليكون ثمرته عش هادئ يوفره لكى مهما كان عمله ومعاناتاه به، البطل هو من يرحب بان يكون ثمرة مجهوده ثمنا لتلبية احتياجاتك متناسيا احتياجاته هو لان اكبر احتياجاته ان يرى الرضا والسعادة بعيون محبوبته، البطل هو من يحارب نفسه حتى لا يجرحك بنظرة شهوة تجرح براءة عينيكى او كلمات تخدش عفه اذنيكى او لمسات تدنس طهارة جسدك،البطل من يكبح لجام شهوته حتى تكونى له حلالا طيبا، البطل قد يكون لا يملك الكلمات الناعمة فلا وقت لديه للكلام فقد كرس وقته لافعال تحميكى وتسعدك وتحفظك وتبنى لكما معا مستقبل يراكى جديرة به،اما هؤلاء الذين استباحوا لانفسهم التلاعب بمشاعر الفتيات متسترين وراء معسول الكلمات هم مجرد مسوخ، قد تكون جميلة المظهر ولكنها مشوهه الجوهر، يبنون لانفسهم امجاد زائفة من قلوب محطمة تلوثت بقسوتهم وحقارتهم وفجرهم، انتزعت من افكارها بانتزاعها من مكانها لتجد نفسها بين أحضانه لا تلمس قدميها الأرض وهو يشد عليها دافنا رأسه بجيدها لتسمع صوت نحيبه، يا الهى ايبكى خوفا عليها وشوقا اليها بعد كل ما سببته له من الالالم، فتكلمت لعلها تخفف الامه معرفته بانها لم تخذله فقالت بصوت متلعثم وكلمات مبعثرة: انا مهربتش، عمى هو اللى خطفنى، وبعت الرساله، وجاب الكلب يخوفنى، بس اكل مروان.
ولكنها ندمت لحديثها فكأن سماعه لاسم مروان قد أعاد له ذكرى جرحها له فانزلها بسرعة وابتعد للوراء وهو يمسح دموعه وقال مرتبكا: انا أسف، انا مقصدتش، الموقف بس لخبطنى، ما تقلقيش الطيار قناص قتل الكلب اللى قتل جوزك، وانت دلوقتى بامان وانا هتصرف فى كل حاجة، متخافيش يابنت عمى.
اى أمان يتكلم عنه وهو ينسبها لغيره ناعتا اياه بزوجها، الم يسمعها وهى تقول انهم أختطفوها، الم يفهم انه لا يمكن ان تنتسب لغيره، ولماذا جاء بهذه السرعه ملبيا لاستغاثتها، لانها ابنه عمه كما نعتها لأول مرة بحياته، لما تألمت من كلماته المواسية تلك أكثر من المها من كل ما مرت به الفترة الماضية، همت ان تنطق ولكن تلك الاصوات المفزعة جعلتها تنتفض وتدور حوله لتقف خلفه ممسكة بتلابيبه محتمية به وكأنه درعها الواقى ضد الدنيا بأثرها فيهدأها قائلا: متخافيش، مفيش حاجة، ده بوليس المنطقة هما اتبلغوا باللى حصل
لتقف امامهم عدة سيارات شرطة ويخرج منها ضابط وعدة جنود
ـ الضباط بصرامة: الباشا مدير الامن بلغنا عن وجود جثة وناس بتستغيث هنا.
ـ أحمد بهدوء: أيوه يا فندم، الجثة ورانا اهى.
ـ الضابط بحزم: طيب ممكن تتفضلوا معنى.
ليشعر أحمد بتشنج تللك التى خلفه ليرد: الحقيقة ان حالتها متسمحش، وكفاية اوى اللى هى اتعرضت له، انا هاروحها وارجع لحضرتك نقفل المحضر.
ـ الضابط بحدة: هو مين فيكو اللى كان موجود وقت الجريمة.
ـ أحمد باقتضاب: هى.
ـ الضابط بحدة : امال محضر ايه اللى حضرتك هتحصلنى وتقفله معايا، هى هتركب معنا البوكس ولما نفك غموض الحادث نبقى نديها اخلاء سبيل.
ـ أحمد بعد ان التصقت به من الخلف محتضنه اياه بقوة: هى مين دى اللى هتركب البوكس وبعدين تخلى سبيلها، منى هتمشى معايا، وبعدين غموض ايه اللى حضرتك عايز تفكه الرجل ومتاكل اقدامك واللى نهشه برضه جثته قدامك.
ـ الضابط بصرامة: يعنى ايه مثلا اللى يجيب اتنين زى دول فى مكان مقطوع زى ده، واساسا الفيلا دى مشبوهه، وكمان الحاله البشعه اللى عليها الجثة.
ـ احمد بقوة: حضرتك المدام تبقى بنت عمى والمرحوم جوزها وهما متجوزين بقى لهم اقل من شهر القسيمة معايا اهى وكانوا بيقضوا شهر العسل، وبعدين وجودهم هنا كانت فكرة مطرقعة من العريس عشان الخصوصية، واكيد مكنش يعرف انها فيلا مشبوهه، والحيوان اللى عمل كده واضح انه هجين وطبعا احنا قريبين من الجبل ووجود حاجات زى دى شئ وارد، واكيد جه على ريحه اكلهم وهاجم المرحوم.
ـ الضابط بحدة: انا اسف حضرتك بس مدير الامن شخصيا اتصل عشان نهتم ىبالقضية ومبلعنا عنها بنفسه، وانا لازم اتخذ كافة الاجراءات، ما اقدرش اتصرف غير كده.
ـ أحمد بثقة: حضرتك مدير الامن متبلغ من الوزير عشان تلحقوا اللى انت عايز تركبها البوكس، وبعدين مش مهم تتصرف انا هتصرف، واخرج هاتفه واجر اتصال.
ـ أحمد باحترام: اهلا بك يا معالي الوزير، مش عارف اشكر حضرتك على ايه ولا ايه على السرعه المذهلة فى معرفة مكان المكالة ولا طايرة حضرتك الخاصة ولا الاستجابة السريعه لرجال الشرطة، انا شاكر جدا لافضال حضرتك، بس انا اسف هو فى مشكله هنا، واضح ان تعليمات مدير الامن لاقرب نقطة شرطه هنا مكانتش واضحة، والضابط هنا مصمم ياخد بنت عمى معه، رغم ان الشواهد كلها واضحة وانا كمان عندى استعداد امضى اقرار بانى مسئول مسئوليه كامله عن اى جريمه تثبتها التحقيقات بس نجنبها موقف زى ده، وكفاية عليها جدا اللى مرت به، بجد انا شاكر افضال معاليك، انا فى الانتظار يافندم وشاكر للمرة الثانية.
ومرت لحظات من الصمت ليأتى بعدها اشارة للضابط على الجهاز اللاسلكى الخاص به ليتنحى جانبا لاستقبالها ليعود وقد تبدلت لهجته
الضابط بادب: طيب يا أحمد باشا، انا اسف لسوء التفاهم بس حضرتك عارف ده شغلنا، ممكن حضرتك تتفضل انت والمدام واحنا هنقفل المحضر.
ـ أحمد بتواضع: شكرا يافندم، انا أسف انى اتصرفت بالطريقة دى على فكرة ده مش اسلوبى، بس انا اضطريت لايمكن اسيبها تتعرض للموقف ده.
ـ الضابط بحرج: مفيش مشكله اتفضل حضرتك.
حاول احمد الالتفاف ولكنها كانت متعلقة بملابسه من الخلف باقصى قوة دافنة راسها بظهره.
ـ أحمد بنبرة حانية : منى، يالا مش عايزة تمشى من هنا، الطايرة مستنينا، سبينى ومتخافيش انا مش هسيبك، ومد يده للخلف ليقبض على احدى يديها فتتمسك بيده وتترك ملابسه فيسحبها معه ليصلا للطائرة ليركبا وتحلق بهما بعيدا.
************************************