في صباح اليوم التالي استيقظ الأصدقاء بكل نشاط وحيوية متجهين إلى مراكز شغلهم بينما بقي رامي في بيته لحراسة الحاكم نديم...اتجهت يسرى وزينة الى المدرسة واتجهت فلة إلى معمل الخياطة بينما توجهت ديانا الى مطعم وسيم لتطرح عليه فكرته تلك،أما أسماء وربيع فانطلقوا الى عيادتهم بحيث أنهم افتتحوا المكان وبدأوا بعلاج أول قصير لينهض جميع الطوال معرضين عن ذلك :"من تظن نفسك فاعلا؟لايجوز هذا!!انك تخترق القوانين أيها المغفل..."و أخذوا يسبون ربيع وأسماء بأسوء الصفات والكلمات.
لكن صمت ربيع وأسماء لم يدم طويلا
قالت أسماء:"نعتذر عن هذا،لكن لكل إنسان حقه في التداوي ونحن واجبنا عليكم هو معالجتكم بغض النظر عن اللون أو الطول أو النسب..."
أكمل ربيع:"صحيح أنه في القديم صار شجار بينكم لكنه كان في الماضي ولا دخل للحاضر في شيئ فالقصار لا يكنون لكم أي كراهية على عكسم أنتم..."
سكت بعض الطوال من ذلك الصراخ الذي أحدثوه بعد الكلام الذي قاله ربيع وأسماء بحيث أنهم رأوا أنه صحيح بعض الشيء أما البعض الآخر خرج من العيادة غاضبا...وبهذا أكمل ربيع وأسماء عملهما بدون أي مشاكل فكان العلاج بالتناوب قصير فطويل فقصير فطويل وهكذا...
أما ديانا فحكت لوسيم كل شيء فأعجب بخطتها وقال:"كل ما ترينه مناسبا أراه أنا كذلك" وبهذا أحضرت ديانا طفلة قصيرة تدعى"حياة" للعمل معها...الكثير من الطوال رفضوها والكثير منهم من صرخ في وجهها و الكثير منها من رمى الماء على وجهها وخرج مسرعا من المطعم،لو بقي المطعم على هذه الحال سيفلس لامحالة...لكن وسيم وديانا بقيا متمسكين بفكرتهم التي لم تجلب لهما سوى المشاكل...
أما في الجهة الأخرى فكانت فلة تصمم وتساعد في تخيط الملابس وبيعها للقصار كما اتفقت مع صديقاتها،لكنها هي الأخرى لم تسلم من شر الطوال خاصة تلك الخياطة البدينة التي هددتها بطردها إن أكملت على هذا المنوال...
أما في المدرسة فقد اتفقتا زينة ويسرى على شيئ واحد وهو تغيير مقاعد التلاميذ والسماح للقصار بالكتابة على الصبورة الى جانب حرية التعبير للجميع وإضافة بعض الدروس الخارجة عن البرنامج التي تهدف الى المساواة بين القصير و الطويل،لكن التلاميذ في بداية الأمر كانوا معارضين للفكرة البعض منهم من خرج من الدرس البعض منهم من بدأ بنطق كلام غير لائق محدثا بذلك الفوضى في جميع أنحاء القسم ...
قالت زينة مخاطبة للتلاميذ:"إن هذه الأرض للجميع المدرسة وقوانينها للجميع التعليم حق لكل طفل فنحن بشر نتميز عن غيرنا من الكائنات بأن لنا قلب في صدورنا يحس بالآخرين أنتم وأنا بشر من تراب واحد فلا فرق بيننا بغض النظر عن أي وطنن ننتمي أو أي نسب ننتسب إليه فلكل فرد الحق في الحياة الحق في التمني الحق في الحرية...أنتم أبناء شعب واحد لو لم تتحدوا أنتم مع بعضكم ضد الآخرين فمن يفعل ذلك؟ أنتم إخوة ستحتاجون بعضكم في يوم من الأيام لذا لا تدعوا خرافات تبني لكم جبل من الحقد والكراهية داخل قلوبكم"
سكت الجميع للإنصات لما كانت تقوله الأستاذة زينة الكثير من التلاميذ اعتدل في جلسته أما التلاميذ الذين خرجوا من القسم كانوا ينصتون لها وراء الباب وعندما سمعوا كلامها دخلوا الى القسم معتذرين عما بدر منهم،وبهذا أصبح التلاميذ بفضل يسرى وزينة متساوون جميعا
وماهي إلا لحظات حتى دخل مدير المدرسة ليجد قصير جالس برفقة طويل وكذا ،جن جنون المدير من ذلك المشهد وأخذ في الصراخ على زينة قائلا :"من تظنين نفسك بفعلتك هذه؟ ليس لك الحق في التصرف كما يحلو لك هذه مدرسة وليست إسطبل ،والآن فليعد كل تلميذ كما كان و في الحال"
أكمل المدير كلامه لينهض تلميذ طويل مخاطبا المدير :"لن نعود الى أي مكان فنحن إخوة،إذا بقيت تصرخ هكذا على المعلمين سنطلب من أهالنا أن ينقلون إلى مدرسة أخرى"
ليرد وراءه كل التلاميذ بكلمة واحدة:"نعم نعم نعم سنفعل ذلك"
غضب المدير من هذه الجرءة التي حلت بالتلاميذ وقال للمعلمة:"ستندمين كثيرا " وخرج بدون غلق الباب...نفس الشيئ حدث مع يسرى وما إن إنتهى اليوم خرجت كل من زينة ويسرى فرحتان بما حصل لهم ليتوجهوا بعدها إلى بيت رامي وليحكي وكالعادة كل واحد منهم أحداث اليوم....
صحيح أنها مخاطرة كبيرة وأنهم سيلاقوا تهديدا كبيرا وقد يفصلون من عملهم لكنها ربما تكون السبب في مخرجهم من بلاد الأرواح، كما أنهم لا يستطيعون العيش مع هذا الظلم الموحش... لكن حالة نديم لم يتغير فيها شيئ فظن الأصدقاء بأن المداومة على الخطة ربما ستجعل الأمر ينجح وبهذا قرر الجميع إكمال الخطة غدا أيضا...
و في صباح اليوم التالي توجه كل شخص الى مكان شغله لإكمال الخطة التي بدأوا فيها و بينما كانت زينة تقوم بتدريس تلاميذها عن الأخلاق والمساواة واللاعنصرية دخل عليها جنديان ضخمان أمسكانها من يديها قائلين:"ايتها المعلمة أنت متهمة بتهمة خرق القانون وإختطاف الحاكم نديم"
تفاجئ التلاميذ من ذلك و أخذوا يصرخون غير مصدقين لما يحصل :"اتركوا المعلمة هي لم تفعل شيء كانت ترينا الحق فقط"
ابتسمت المعلمة لتلاميذها مفتخرة بتعبها الذي لم يذهب هباءً منثورا وأردف التلاميذ:"لا تقلقي معلمتي سننقذك"
خرجت زينة من قسمها برفقة الجنديان لتجد أن نفس ما حصل لها يحصل لصديقتها يسرى وانطلق الجميع نحو القصر وبوجه التحديد
الى تلك الزنزانة المظلمة لتجد الفتاتان هناد ديانا وفلة وربيع وخولة وأسماء ،حتى وسيم كان معهم.
فزع الأصدقاء من الموقف الذي هم فيه والذي لا خروج منه إلا بمقصلة الإعدام.
سيطر الصمت على الجميع إلى أن فتح أحد الحراس باب الزنزانة ورمى بأحد الأشخاص الى الداخل...
رفع ذلك الشاب الطويل رأسه وقال :"توقعت أنكم هنا لقد فشلت خطتنا وأخذوا الأمير من بيتي ثم أعتقلوني ونعتوني بالخائن...
اتجه الجميع ناحية رامي الذي استولى عليه الحزن من كل جهة ..
و قال:"لقد كشفنا أحد الجيران عندما كنا نحمل نديم أنا وربيع ثم أخبر الجنود وبهذا اضطر الجنود لتفتيش جميع البيوت تفتيشا إجباريا ،أما أنتم يا زينة ويسرى ققد تعهد المدير بالإنتقام منكم فأخبر السلطانة بذلك"
قالت زينة :" من أخبرك بهذا؟"
_ أحد الجنود الأوفياء لي فكل هذا كان أوامر السلطانة
_ و ماذا سيفعلون بنا؟!
_ الإعدام بلا شك...
خاف الجميع مما قد يحدث لهم وكل ذنبهم أنهم كانوا يحاولون الإصلاح لا الفساد...
قالت خولة:"كل خططنا كانت فاشلة،ماذا سنفعل الآن هل نستسلم؟"
قالت زينة:"بالطبع لن نفعل ذلك،أظن أنني فهمت قصد الحاكم روشارد عندما طلب منا تغير شيئ لم يكن...
ثم أخذت تنادي حارسا الزنزانة قائلة :"أحضرا السلطانة حالا أريدها في أمر يخص الحاكم نديم"
ضحك الحارسان منها وقالا:"لن تحضر أبدا فأنت تتعبين نفسك "
_أحضراها إن كنتما تريدان الشفاء لحاكمكم يا أحمقان...
انتاب الحارسان الفضول وأسرعا في طلب السلطانة...
بينما سألها أصدقاءها :"ماذا تنوين فعله؟
ردت:"سأعقد صفقة مع السلطانة.."
و بعد لحظات جاءت السلطانة برفقتها جنديان و حارسان ثم دخلت الزنزانة وقالت :"من أرسل في طلبي ؟"
ردت زينة:"أنا من فعلت"
_ و ماذا تريدين؟!
_عندي حل سيقون بعلاج نديم!
_ اسمه الحاكم نديم وليس نديم...
_لافرق المهم أنه سيشفى
قالت السلطانة :"هات ما عندك ولاتضيعي وقتي "
جلست زينة و بدأت تحكي للسلطانة كل شيئ من البداية الى النهاية حتى ما قاله الحاكم روشارد ولم تخف من شيء...
تفاجئت السلطانة وقالت:"وماذا تريدين أن أفعل اذن؟
_ مثل أي أم تريد فعل أي شيئ لأجل ابنها...أن تقومي بتعديل الدستور وبالضبط المادة التي تنص على تعذيب والانتقام من القصار وأن تضعي مادة جديدة تنص على العدل بين الجميع قصيرا كان أم طويلا...
قالت السلطانة :"مستحيل غير ممكن انت مجنونة...
قاطعتها زينة وكأنها تبرر موقفها:"قبل وضع هذا القانون كانت الحياة تزدهر و تتطور والكل كان يحظى بحياة هنيئة لكن مع إصدار هذا القانون مرض جميع الحكام واحدة تلو الآخر،أنا حائرة أنكم لم تلاحظ هذا...إن السبب وراء مرض الحكام ليسوا القصار وإنما الحقد والكراهية التي تسكن قلوبكم هي السبب في ذلك فهذا الأمر لايحتاج طبيبا أو ماشابه جربي ما قلت لك ولن تندمي على شىء...
أحست السلطانة بأن كلام زينة فيه بعض الصحة وقالت:" لكن إن لم ينجح الأمر أتعلمين مايمكنني العمل بك وبأصدقائك؟!"
قالت زينة واثقة:"أنا أعلم بعد ثلاثة أيام من الآن إن لم يشفى نديم يمكنك إعدامنا جميعا"
صاح الأصدقاء في زينة قائلين:"كفاك جنونا"
ردت عليهم :"أنا على أتم الثقة بأننا سننجح..."
أنت تقرأ
بلد الأرواح
Horrorما رأيك ببلد ظالم آثم سيسرق روحك و انت حي و يعيش بتلك الروح و تبقى انت جسد لا جدوى منه ...