الجزء الثالث عشر

23 2 6
                                    

عندما سمع الأصدقاء رجلا عجوزا يطرق الطبل معلنا عن موت الحاكم و انتقال روحه إلى إبنه نديم مردفا الى ذلك بأن الجنازة ستبدأ من اليوم حتى اليوم الثالث و في اليوم الثالث حينما يحين الدفن سيدفن الجسد لكن الروح ستسكن جسد إبنه الأمير ...أسرع الجميع إلى النافذة لسماع ما يحصل و إذا بالناس مجتمعين حول ذلك الحارس يرددون:"اللعنة على القصار اللعنة عليهم"
قالت يسرى:"وما دخل القصار في ذلك؟"
أجاب رامي :"إن الطوال يعتقدون أن القصار سبب التعاسة في هذا البلد و هذا كله بسبب القانون الذي وضعه الحاكم الأول"
قالت فلة:"اذن الحكاية التي قرأتها ليلى من ذلك الكتاب الذي أحرقته كانت صحيحة"
رد رامي:"نعم انها صحيحة "
و أردف :" لا أستطيع تصديق أن نديم سيرث تلك الروح "
قالت خولة:" و هل تعرف نديم لدرجة أنك قلق عليه؟"
_نعم أعرفه...و أسند ركبتيه في الأرض مردفا:" لقد كنا انا و وسيم و نديم أصدقاء حقيقيون لدرجة الأخوة كنا ندرس في مدرسة واحدة و نلتقي بعد المدرسة دائما في حديقة القصر...كان حلمه بأن يصبح أميرا و ها قد حقق حلمه أما وسيم فكان حلمه أن يكمل مشروع أبيه و هاقد حققه لامتلاكه ذلك المطعم الشهير، أما أنا فكان حلمي أن أكون ضابطا و هاقد حققت ذلك ..."
أضافت خولة :"لكنك جني كيف استطعت التأقلم معهم؟"
_ في بلدنا لا يهم كينونتك كيف هي كل ما يهمنا هو تلك الروح التي تسكن جسدك فالكثير منا بشري قد تزوج جنية و العكس صحيح فكلنا في عالم واحد و الشئ الوحيد الذي يختلف هو طول القامة فقط.."
ظل الأصدقاء حول رامي ليساندونه في محنته الحزينة... في حين أن زينة أسرعت الى الباب متجهة إلى القصر، لحق بها الأصدقاء محاولين تهدأتها ...
قالت:"لقد وعدناه بأن نشفي أباه و الآن قد توفي والده و سيمرض هو أيضا و هذا يعني أنه لن يصحى مجددا و هذا كله يعني بقاءنا في هذا البلد إلى الأبد و ستندلع حروبا لموت الحاكم و سنظل هنا و البعض منا قد يموت و أنا لا أريد هذا...لذا تحركوا لنفعل شيئا بدل أن نبقى مكتوفي الأيدي ننظر من النوافد بلا فائدة.."
انطلق الجميع متجهين إلى القصر .
حشد غفير من الناس حول ذلك القصر الكبير الذي غطاه طوال القامة حتى كاد لا يظهر من طولهم،البعض من الناس أخذ يسب و يشتم القصار البعض منهم يبكي حزنا على الحاكم أما البعض الآخر فقد اهتم ببطنه و أخذ يأكل بلا توقف إلا عيون الأصدقاء أخذت تبحث هنا و هناك تتلفت يمينا و شمالا لم تتوقف عيونهم من البحث عن الأمير نديم و ما هي إلا لحظات حتى أُخذت زينة من ذراعها من طرف ذلك الشاب المتنكر الذي كان في المقبرة...إنه نديم لو لم تره زينة وقتها في المقبرة لما عرفته آنذاك قال لها و الدموع تكاد تهطل من عينيه الصغيرتان:"لقد توفي أبي و بعد ثلاثة أيام سيحين دوري...يجب على ربيع أن يعالجني لأني لو أموت ستجن أمي أنظري لحالتها الأن كيف هي"
كانت ام نديم امرأة جميلة هي نفسها المرأة التي وجدها البنات عند دخولهم البلد أول مرة أمام دكان ذلك البائع...لقد كانت هادئة جدا لكن ما لفت انتباه زينة هو أن عينيها تكاد تقتلع من مكانهما بسبب البكاء الحاد الذي بكته كانت تجلس ام نديم بالقرب من قبر زوجها مودعة اياه،إلا أن جاءتها نوبة صراخ أجلستها أرضا مغشيا عليها وقتها ...كل تلك القوة انهارت فجأة كتمت لدرجة أنه لم يبقى متسع للكتمان ...نظرت زينة الى نديم الذي نزع قبعته الذي كان متنكرا بها و أسرع إلى أمه تبعته زينة وراءه بحيث انها لم تنتبه إلى قدميها التي تحركت مسرعة و بدون إرادتها خلف نديم ...
في حين أن حارس من حراس القصر أخذ ينادي بأعلى صوت:"هل من طبيب هل من طبيب"
لم يدرك أصدقاء زينة غيابها عنهم بسبب ذلك الحشد الكبير من الناس إلى أن رأوها تمشي بخطى سريعة مع الأمير صوب أمه التي أغمي عليها ...
قالت أسماء:" هيا يا ربيع على ما يبدو أنهم في حاجة إلى طبيب فلتسرع حالا..."
أسرع ربيع الى الحارس قائلا له بأنه طبيب...فطلب منه الدخول إلى القصر ريثما يحضروا زوجة الحاكم الى الداخل...
دخل الأمير برفقة زينة إلى القصر منتظرين ربيع ليعالج والدة الأمير...
و ما هي إلا لحظات حتى خرج ربيع من الغرفة مطمئنا نديم بأن أمه بخير و انها تنتظره ...
دخل نديم إلى أمه أما زينة و ربيع غادرا الى أصدقائهما فحكت زينة لأصدقائها ما حدث لها قبل دقائق مع الأمير...
و بينما هم كذلك إلى أن عزف أحد الحراس البوق معلنا عن مجيء السلطانة أم الأمير التي كانت مغمى عليها قبل لحظات تفاجئ الجميع من تلك السلطانة التي لم يستطع الحزن هزيمتها كانت تمشي بخطى واثقة غير أن الأسى كان يتملكها من كل جانب لكنها لم تدعه يتغلب عليها قالت زينة في نفسها:" ما أقواها!"
توقف الجميع عن الكلام و بدأوا في الأنصات للسلطانة التي كانت برفقة ابنها الشاب نديم ...قائلة:"شعبي العزيز نعاني اليوم من فقد شخص غالي كان يدين لنا البارحة بالكثير من خيره لذا لا تنسوا فضله عليكم و أكثروا من ذكره بالخير و الاخلاص له و هذا يعني الاخلاص لهذا الوطن العزيز أما الآن فأنا أعلن ابني الأمير نديم حاكما لهذا البلد"
صاح الجميع بصوت واحد :"يعيش حاكمنا الجديد يعيش يعيش"
وضعت السلطانة التاج على رأس ابنها الذي لم يبدو عليه الفرح بهذا المنصب الشريف بل كانت نظراته كلها متجهة صوب زينة و صديقاتها و لو أن نظراته تلك تكلمت لقالت :" أنقذوني من هذا المأزق"
و بعد تلك الكلمات التي ألقتها السلطانة بدأ الناس يتفرقون بعضهم من خرج من ساحة القصر ذاهبا الى بيته أو عمله و بعضهم من بقي يكمل أكله ...بحيث ان هناك أربعة جنود قاموا بإدخال القبر الى داخل القصر
قالت يسرى:" ألا يجب دفنه بدل من إدخاله إلى القصر؟"
رد رامي:" و لما العجلة فموعد الدفن يكون بعد ثلاثة أيام وقتها سيستلم نديم تلك الروح و في اليوم ذاته و الدقيقة ذاتها يبدأه المرض"
ثم أردف متأسفا على حالة صديقه:" لا أريد أن يحدث شئ فضيع لنديم لا أريد أن أخسره أبدا،لقد قضيت أيام لا تنسى معه...كما أن بعد مرضه ستندلع حرب ينقلب فيها الطوال ضد القصار انتقاما للحاكم و تظهر عصابات متمردة خارجة عن القانون فلا توجد سلطة حاكمة تحكم البلاد وبهذا سيتدمر بلدنا إربا إربا و سنصبح مهزلة تكتب على صفحات التاريخ ليضحك عليها الصغير و الكبير، قبل أن يحدث كل هذا أوقفوه لقد وضع الأمير كامل ثقته فيكم فلاتخيبوا آماله" قالها رامي مخاطبا زينة و أصدقائها.
ظل الجميع صامتا محاولين التفكير في حل لهذه المشكلة العويصة إلى أن قالت فلة:"عندي فكرة قد تساعد هذا البلد... لقد كان ربيع ميتا في بلادنا و ما إن وصل إلى هنا أصبح حي و يمتلك روح و أصبح يمشي و يضحك و يعالج المرضى...ربما سيحدث نفس الشيء لو أخذنا الأمير إلى بلد آخر و قام ربيع بمعالجته''.
رد رامي:" انها فكرة سديدة ثم إنها أفضل من لا شيء سنجرب حظنا و أتمنى أن ننجح سأذهب فورا لأطلب رأي نديم بذلك"
قالت زينة :" انتظرني سآتي معك .."
ذهبت زينة مع رامي الى نديم لعرض تلك الفكرة،اما الباقون فقد اتجهوا الى بيت ليلى و مصطفى ليسترحوا قليلا منتظرين أي أخبار عن هذه المملكة التي سقطوا فيها دون إرادتهم...

بلد الأرواححيث تعيش القصص. اكتشف الآن