الجزء الثالث عشر ( كلمات صامتة )

7.3K 179 4
                                    

_ و الله زمان مش كدا يا دكتور و لا ايه
قالها معتز وهو يحرك كأس النبيذ في يده بسخرية ناظرا الي جمر النار القابع امامه
_ عاصم : انت عايز منها ايه. يا معتز مش مكفيك الي اخدته ؟!!
_ معتز ضاحكا : بس غريبة الصدف مش كدا  ... اسمها نور بردو علي اسم حبيبة القلب القديمة
_ عاصم : انت مش مكفيك الي عملته زمان عايز ايه تاني
_ معتز : عاوز نور
_ عاصم بغضب : بعينك يا معتز انا بقاا هستقتل علشانها
_ معتز : و انا هخليها تجيلي هنا برضاها كمان زيها زي غيرها
ابتسم له بشر  وهو يؤكد علي كلماته الأخيرة بينما فهم عاصم مبتغاه فهو يريد احياء الماضي و قتل الحاضر ..
و الحاضر عنده متمثل فيها .. في نور
_ عاصم : انت أحقر انسان انا شفته في حياتي
ثم تقدم نحوه هاجما عليه بقوة ممسكا بمقدمة قميصه ....
_ عاصم : لو قريت من نور يا معتز انا هقتلك فاهم هقتلك
وتركه و هو ينظر له باشمئزاز ....
ليتركه متجها الي الباب ليستدير له مرة أخري
_ عاصم : من غير سلام يا ابن عمي
خرج صافقا الباب وراءه بينما ضحك معتز و هو يقول بفحيح افعي ...
_ معتز : نور

****************
ما اغربها تلك الحياة ...
كما تعطي تأخذ و حين تأخذ تعطي ...
مجهولة هي !! و قوانينها غير مدروسة ...
في الماضي كان معه الكثير ...
مال و سلطة و حب
او علي الاقل ما أطلق عليه الحب ....
و فجأة ضاع كل شئ بوفاة أبيه ....
اعتزل مع وفاته كل شئ تاركا وراءه مال ابيه و سلطته المعتمدة و ترك شركات والده لعمه الذي يأتمنه علي كل شئ  . ..
و الحب ؟!!!
نعم اعتزله بل كرهه ..
اغمض عيناه متذكرا أحداث ذلك اليوم و فتحت نافورة الذكرايات علي ذكرى ابت أن ترحل من عقله منذ ما يقرب علي الخمس سنوات .....

_ عاصم : انا مش قلتلك يا نور تغيري طريقة لبسك دي الناس بتتكلم عليكي وحش

_ نور : ماتخلي الي يتكلم يتكلم هو انت هتمسك لسان دا ولا دا

_ عاصم : يعني ايه الكلام دا ؟!

_ نور : يعني يا عاصم أنا مش هغير طريقة لبسي علشان حد و انا عاجبني نفسي كدا

_ عاصم : افهم من كدا انك هنفضلي بالشكل دا حتي وانتي مرتبطة بياا ؟!!

_ نور بلامبالاة : ممكن

كتم غضبه و حاول أن يغير نمط الكلمات الا أن ملامحه الغاضبة قد طغت علي وجهه ...

_ عاصم : طب اتفضلي يلا علشان اوصلك

_ نور : لا انا هروح مشوار مع واحدة صاحبتي

_ عاصم : تحبي استناا معاكي علي ما تيجي صاحبتك ؟!!

_ نور : لا لا روح انت هي زمانها في الطريق

_ عاصم : ماشي .. سلام

و بعدها تركها ليقود سيارته بعيدا قليل ليتفاجأ بنص رسالة قد أرسلت إليه بعد نصف ساعة تقريبا من مغادرته المقهي جعلت الدماء تتصلب في عروقه و جحظت عيناه بدهشة و خذلان .... وقع الهاتف من يده و قاد سيارته الي العنوان المكتوب في الرسالة ....
و كأنه لا يعرفه ...
و بالفعل وصل الي المكان المراد و صعد علي الدرج في سرعة جنونية ثم الي الشقة المرادة
لا يعرف لما توقف قليلا علي الباب ...
اهو لأنه خائف من مواجهه الحقيقة التي ربما تقضي عليه او هي تلك الضحكة الأنثوية المنحلة التي صدرت من الداخل و هو بالفعل يعرف صاحبتها ....
كان الباب شبه مفتوح في اعلان واضح بأن صاحب الرسالة هو نفسه صاحب البيت ...
و صاحب البيت وقف أمامه بصدر عاري و إبتسامة ساخرة و هاذئة أما الأخري كانت تحاول أن تخفي جسدها العاري تحت الغطاء خجلا و خوفا من ردة فعل ذلك الواقف أمامهم كالجبل في الهدوء المريب و العيون القاتلة
نظر لها و امامه كانت تجري كل ذكرى تشاركها معها ..  كان يحبها يقدرها و يحترمها ....
و هي ؟!!
و هي ماذا قدمت له
نعم .. هي قدمت له درسا  ...
درسا لن ينساه ابدا ما حيا ...
و هو أن الإناث يتسابقون نحو الحلوى ..
و حلوى النساء ما هي المال ....
بعدها تركهما و خرج و لكن صوت ذلك الرجل من خلفه يهتف ساخرا ...
_ معتز : ما انت قاعد معانا يا ابن عمي
لم يلتفت إليه .... كان لا يريد أن يظهر له ضعفه و هو في تلك اللحظة في أشد لحظات ضعفه ... هرب بعيدا عن الجميع و اختفي عن الأنظار حتي رجع مرة أخري و لكن في زي رجل آخر .. رجل بنظرة جامدة و عينان بحد الصقر ... بابتسامة متكلفة ..  و تعامل حاد  ..
حتي اني شعاع اخر ...
شعاع دافئ ... شعاع أضاء حياته و نشر معه العفوية ....
طفولة منكهة بعبق انثي ماكرة ... برائة بعينان لا تحمل حقد و لا لعوبيه .. بخجل يرتسم و بكبرياء عنيد ...
مزيج زلزل كيانه و هدم حصونه التي بناها و أيقظ قلبه من سباته او ربما إعادة للحياه ...
شعاع باللون الفيروزي ...
شعاع نور ...

*******************
في صباح اليوم التالي كانت ترتدي ملابسها استعدادا للذهاب الي مروة في المشفي ...
كانت تضع لمساتها الأخيرة حتي أصدر هاتفهها رنين يعلن عن رسالة ....
( اجهزي.... مستنيكي تحت )
لا تعرف ما سبب تلك الابتسامه البلهاء التي شقت وجهها و لكنها نظرت لنفسها عشرات المرات لتتأكد من أنها جاهزة ....
لم تضع سوى القليل من احمر الشفاه الوردي وهذا ما لاحظه كما لاحظ أن أنفها و خديها قد احمرا بغرابه ....
_ عاصم : عندك برد ؟!!!

_ نور : عرفت منين ؟

_ عاصم : دا أي عيل صغير هيشوف جباية الطماطم دي هيقول عندها برد

ملست علي أنفها وهي تنظر له ببرائة ....

_ نور : هو موعد رجوعنا امتاا يا عاصم

_ عاصم : هو المفروض نرجع بكرا بس هندمها كمان يوم علشان مروة و مالك

_ نور بشرود  : مالك !!!!

فهم عاصم نبرتها فارف قائلا مدافعا

_ عاصم : علي فكرة بيحبها أوي

_ نور : يغور الحب الي يوصل الإنسان للموت دا

_ عاصم : هتصدقيني لو قلتلك أن مفيش حب من وجع أو حرمان

_ نور : بس في حاجة اسمها احترام المشاعر

_ عاصم : و في حاجة بردو اسمها ظروف و قيود ... القيود يا نور الي بتحكم علينا اننا نتخلي ونبعد عن أحلي حاجة في دنيتنا 

كانت تنصت له باهتمام و قلبها يقرع لا تعرف لما ة لكن كان همها هو أن لا يشعر هو بها كانت عندما تركز في عيناه يتورد خداها و عند تذكر ذلك اليوم الذي غابت فيه عن الوعي و حملها هو بين ذراعيه تهتف في قلبها بأن يخفض دقاته ...
انهي حديثه قائلا

_ عاصم : الي بيحب يا نور بيحارب و بيعادي الناس علشان يوصل لحبيبه و لو كلفه دا حياته مش هيتأخر

رأي عيناها تميل برقة و عرف انها قد يمكن أن تكون اقتنعت و لكن هاهي لا تزال عنيدة حتي في رأيها ....

_ عاصم : وصلنا

******************
كان جالسا في غرفة المعيشة الواسعة يتلاعب بكأس النبيذ في يده يمينا و يسارا ....
عيناه محمرتان اثر السهر و جسده ملقي علي الأريكة بأريحية مادا ساقاه الاثنين علي الطاولة امامه شارد التفكير نظر إلي زجاج الشرفة ليقف أمامه مباشرة ...
كان انعكاسه ما يقابله ....
رجل يحمل من الوسامة الكثير و لكن بقلب خاوي .... بذنوب كثيرة ... و ماضي اسود ..
ليس طاهر النفس ... و لا حتي صاحب ضمير
و بعد لحظات ....
تبدل ذلك الانعكاس باخر ...
اكثر نعومة و رقة ...
مليأ بالطفولة و الحيوية ...
انعكاس بروح طاهرة نقية لا تشوبها شائبة 
ابتسم له بعينان ماكرتان ... هو حقا لا يعرف ماذا حدث له منذ أن لقاها أو ما سر انجذابه لتلك الانثي الصغيرة ...
نعم ...
أنه الاختلاف ..  هو ذلك الاختلاف الذي يبحث عنه كل رجل ...
و هي كل الاختلاف ... لبس كباقي النساء و مأكد هي لا تشبه ما يعرفهن ....
هو لا يعرف مبتغاه منها ....
ربما من بهيد كان يريد أن ينتقم بها ...
ةو لكن الان هناك ما يمنعه و هذا يقلقه .. لا بل يرهبه ...
و ما يزيد رهبته هي تلك الدقات الخافته التي تعلن عن رغبتها الخفية علي العودة إلي الحياة ...
نظر مجددا للإنعكاس و لكن تلك المرة لانت نظرته ... لربما يكون هو صوت الضمير الذي يصرخ ببرائتها ...
و ربما هو همس القلب الذي يريد أن تعود له الحياة  ....
كل ذلك أمام انعكاسها الذي شتته ضوء القمر الذي سقط علي النعكاس ليضيئه اكثر ...
و ما كان ذلك الانعكاس غيرها ...
                          نور ..
                            

على أوتار العشق ( الجزء الأول : مكتملة )حيث تعيش القصص. اكتشف الآن