الفصل الثاني /8

6 1 0
                                    


وضعت دينا كوب القهوة الذي تساعد البخار منه ليملأ المكان بعبق حبوب البن البرازيلية التي عشقتها آشلي منذ كانت صغيرة أمام رئيستها التي كانت جالسة على مكتبها في الشركة تدلك جبينها لتقول الفتاة بنبرة بدا اللوم فيها

-هذا ثالث كوب تشربينه اليوم يا آنستي وهذا ليس جيدا لك فهذه القهوة قوية جدا

وهنا نظرت آشلي إليها لتقول بتعب

-ألا يستحق هذا اليوم شرب خمسة بدل ثلاثة يا دينا؟

وأمسكت الكوب لترشف منه فتنهدت دينا قائلة

-معك حق، فمنذ أن وظفت في هذه الشركة قبل خمس سنوات لم أشهد يوما كهذا في حياتي

-رأيتِ؟ المهم هل اتصل جيسون؟

-كلا ليس بعد

-يا إلهي ما الذي يؤخره حتى الآن؟

تقدمت دينا لتجلس على المقعد أمام الفتاة لتقول

-بالمناسبة سيدتي

نظرت الفتاة إليها باستفهام لتتابع هي بارتباك

-كنت أريد منكِ طلبا

-وما هو؟

-في الواقع

وأمسكت تلك الورقة لتمدها نحوها فأمسكتها آشلي لتنظر إليها برهة قبل أن تقول

-تريدين الحصول على إجازة؟

-أجل فروني يريد مني أن أذهب معه في رحلة إلى باريس

-هذا يبدو رومنسيا فعلا

ابتسمت دينا بسرور بدا واضحا في ملامح وجهها لتقول

-لقد وفر تكاليف الرحلة طوال الأشهر الماضية

-إن هذا ما تستحقينه يا عزيزتي

وأمسكت القلم لتوقع على الورقة قائلة

-ها هي ذا

ومدتها لها قائلة

-تمتعي بإجازتك ولا تنسيني من الهدايا

أمسكت دينا الورقة وهي تكاد تطير من الفرحة لتنهض قائلة بابتسامة عريضة

-بالطبع لن أفعل، شكرا لك آنستي

واتجهت لتخرج من المكتب فيما أخذت آشلي نفسا عميقا لتمسك كوب القهوة والتفتت نحو الزجاج لتنظر للون الأزرق الذي امتد على مدى نظرها مما رسم مسحة من الراحة، فكوب من القهوة البرازيلية الساخنة والجلوس على هذه الإطلالة الهادئة المثيرة هو أحد أهم الأمور التي تريح أعصابها، فالكثير حدث خلال الشهور الماضية، هي لم تعد مجرد رئيسة لشركة بريطانية في مجال التقنية الحيوية بل هي الآن الملكة آنديانا الأولى، رشفت من كوب القهوة وهي تستعيد أحداث الأشهر الأربعة الماضية أمام عينيها إن ما حدث فعلا هو أمر أشبه بالخيال، فمع جلوسها على عرش الأسياد أصبحت حياتها أكثر انشغالا وإثارة ومللا في كثير من الأحيان، فقد أصبح من أهم مهامها متابعة كل أعمال المنظمة لا سيما أنها قطعت وعدا أمام أعضائها أن الفترة التي كانت فيها العائلة المالكة سرا لا أحد يعرفه ستنتهي للأبد وهذا ما حدث بالضبط، فقد نظمت اجتماع الأسياد العام الاستثنائي في سلتوري وهو ما عاد بنتائج إيجابية عديدة، فقد أبدى جميع الأطراف سرورا عميقا وراحة كبيرة لدخولهم إلى مثل ذلك المكان وتعرفهم على التاريخ الحقيقي والفعلي للعائلة المالكة، فلم تفتح امامهم فقط بوابات القصر بل أيضا مكتبة القصر التي تضاهي بقيمة ما تمتلكه من كتب ووثائق مكتبات الكونغرس والفاتيكان والإسكندرية مجتمعة، لقد عثر الأعضاء داخل المكتبة على وثائق عديدة تبين أصل العائلة المالكة والسبب الرئيسي الذي دفع برويس الأول ليخرج من باريس متمردا على فرنسوا الأول والسبب الذي دفعه ليستقر هنا في إسبانيا، إضافة لذلك فقد حصلوا على العديد من المعلومات القيمة حول حقيقة أعمال المنظمة التي رسمت الخطوط العريضة لها وشكلت بنيتها الأساسية، كل هذه الأمور دفعت بنوع من التقارب ليسود بين الأعضاء من جهة وبينهم وبين العائلة المالكة من جهة أخرى وبين قيادة المنظمة والعائلة المالكة من جهة ثالثة، نهضت عن مقعدها لتتقدم وتقف أمام النافذة المغلقة ورشفت من كوب القهوة الذي استقر بيدها وهي تحدق في اللون الأزرق، إن آخر ما كانت تتوقعه يوما أن قائدة الأسياد الجديدة ستكون مجرمة سابقة، فعلى الرغم من أنها جاهدت للعثور على سيدة مناسبة من أجل هذا المنصب ورغم تقدم عدد كبير من سيدات الأسياد لهذا المنصب إلا أنها فشلت، فالمنصب الذي وضعه رويس الأول خصيصا للنساء مقابل منصب الملك الذي وضعه خصيصا للرجال كان شاغرا وبحاجة لقائدة حقيقية، ابتسمت وهي تتذكر ذلك السجال العميق الذي ساد أروقة الأسياد طوال شهري كانون الأول وشباط، فعندما وضع رويس الأول هذا التصميم قيادة المنظمة أنثوية وملكها ذكوري أراد بذلك إيجاد نوع من التوازن بين هاتين القوتين اللتين تتحكمان في مصير المنظمة بأكملها وهذا هو الرأي الذي أصرت نساء الأسياد عليه، وبما أن التوازن هو الهدف الرئيسي فبما أن الملكة الآن هي أنثى لا بد أن تكون قيادة المنظمة ذكورية وهو الرأي الذي تبناه رجال الأسياد، فالجبهة الأنثوية قالت أن ملك المنظمة لا يمكن أن يغير سواء كان ذكرا أو أنثى، وأنه لو كانت ولية العهد هي أنثى فمن غير المعقول أننا سنبقي المنصب شاغرا لأن التوازن يفترض هذا بعكس القيادة، فقيادة المنظمة أمامها خياران يمكن الاختيار بينهما بكل سهولة، لقد استمر هذا النقاش طويلا بغية استئثار رجال الأسياد بالمنصب الذي احتكرته نساء المنظمة طوال خمس قرون، لقد حاولت هي أن تفصل فيه بناءا على طلبهم ولكنها اعتذرت في النهاية كونها أنثى حيث قالت بصراحة أنها ستقف مع مطالب النساء، وهو ما دفع بهم لرفع هذا الأمر إلى محكمة الأسياد لكي تفصل فيه وتم تشكيل هيئة متوزانة من ستة أشخاص ثلاث رجال وثلاث سيدات وللمفاجأة الكبرى فقد اتفقت الهيئة بالإجماع الكامل على أن قيادة المنظمة يجب أن تبقى بيد نساء الأسياد، لقد أثار هذا القرار خيبة واسعة بين رجال المنظمة بشكل كبير لحظته بشكل واضح ولكن تلك لم تكن المشكلة بالنسبة لها فالمشكلة الحقيقية كانت من هي قائدة المنظمة المستقبلية؟، لقد قابلت جميع المتقدمات من الأعضاء واللواتي بلغن الخمسين امرأة ولكنها لم تجد في أي واحدة منهن المرأة المناسبة لقيادة المنظمة، وبما أن قانون المنظمة لا يفرض أن تكون قائدتها من نساء الأسياد تحديدا إذ يكفي أن تكون امرأة يعرفها الملك ويثق بها فقد تولت آشلي تعيين تلك السيدة، كيف فعلت هذا لا تملك أي فكرة؟، تقدمت لتضغط على زر استقر في المفتاح الإلكتروني الذي وضع في منتصف النافذة الزجاجية أمامها لتفتح ضفتي النافذة حيث تسرب الهواء بقوة إلى المكان ليحرك شعر الفتاة التي أحست برائحة البحر تملأ الجو فأخذت نفسا عميقا منه بنشوة لتقول

الأسياد-الجزء الثاني-أسياد الرصاصحيث تعيش القصص. اكتشف الآن