قاد ثائر سيارته بسرعة جنونية ينهب بها الطريق الخارجي للعاصمة برلين مجتازا البوابة الحديدية ...... وهو يسرع فوق الطريق الحجرية المعبدة التي تقوده إلى الباحة الخارجية لتصدر إطاراتها صوتًا حادًا اثر توقفها المفاجىء لترتفع سحابة من الغبار والأتربة منتشرة حولها
ليقفز ثائر مترجلا من سيارته بسرعة ليتجمد مكانه فجأة عند رؤيته السيارة الأخرى المتوقفة هذه المرة أمام منزله ليصفق باب سيارته بعنف وهو يضم قبضتي يديه القويتين بجانبه فآخر ما يرغب به في هذه اللحظة هو رؤيته لذلك المدعو يوسف خاصة أن عقله في هذه الأثناء مشوش و مضطرب ويشعر أن داخله خليط من الكراهية والغضب يغلي ببطء منتظرا اللحظة المناسبة كي ينفجر كما تنفجر الحمم البركانية ناثرة رماد أحاسيسه ومشاعره الوليدة نحو ياسمين لذلك فمن الأفضل له تجنب هذا اللقاء
فهو لا يمكنه الوثوق بردة فعله في حالته تلك ...ليتحرك باتجاه باب المدخل عازما على الصعود إلى جناحه على الفور
ليستقبله لحظة دخوله إلى البهو الكبير أصوات ضحكات مكتومة قادمة من غرفة الاستقبال ....ليقف ثائر مترددًا واضعًا قدمًا فوق أول درجة من درجات السلم الرخامي يمنعه الصراع الدائر بين ذاته المتعقلة التي تحثه على الصعود إلى جناحه وتجنب سماع ما يزيد من تأجج غضبه من زوجة عمه أويوسف ... وذاته غير المنطقيه المندفعة التي تحرضه على مواجهة يوسف واكتشاف حقيقة الأمر منه
منتصرة هذه الأخيرة في تلك المعركة وبدون أدنى مقاومة ....
تقدم ثائر بخطوات واسعة باتجاه قاعة الاستقبال التي وجد بابها مفتوحًا
ليقف بصمت للحظات مراقبًا بعينيه الحادتين زوجة عمه وابن اخيها جالسان بالقرب من بعضهما وهما يحتسيان قهوة الصباح مستغرقان في بصوت منخفض دون أن ينتبها لوجوده .... إلا بعد عدة دقائق من وقوفه
هناك بصمت
عندما القت زوجة عمه نظرة جانبية سريعة باتجاه الباب لتتسع عينيها بدهشة متفاجئة بوجوده يسد مدخل الغرفة بجسده الضخم المهدد لتمتد يدها بسرعة واضعة فنجان قهوتها فوق الطاولة الزجاجية أمامها
متسائلة بصوت تشوبه الدهشة :
- عزيزي ثائر أنت هنا ؟ ...لقد علمت من الخدم أنك خرجت مبكرًا هذا الصباح ...ادخل لتتناول بعض القهوة
وقد ارتسمت ابتسامة باردة على شفتيها لم تصل إلى عينيها وهي تنتظر إجابته ملاحظة ملامح وجهه الجامدة شاعرة بتلك الذبذبات الخطرة التي يبثها جسده المتوتر نحوهما عبر الغرفة
ليجيب على سؤالها ببرود وهو يمط شفتيه بضجر :
-كنت أتجول قليلا في الجوار ...
ملقيًا نظرة حادة باتجاه يوسف الذي بدوره بادله النظر مبتسمًا ابتسامة عدم اكتراث
أومأت زوجة عمه برأسها موافقة على كلامه كانت ترتدي ثوبًا أصفر صباحي أنيق وتضع ساقا فوق الأخرى بأناقة وهي تنحني لتلتقط فنجان قهوتها مجددًا من فوق الطاولة
متابعة حديثها بعفوية مصطنعة
دون ان تلاحظ التغير الذي اعترى ملامحه :
- يبدو ان عدوى الاستيقاظ باكرا والتجول منتشرة لدى الشباب هذه الأيام ...فيوسف أيضا جاء لزيارتي مبكرا ..فهو أيضا كان يتجول في الجوار
مرسلة نحو هذا الأخير ابتسامة ماكرة
ليقابل يوسف كلامها المبطن ذاك بضحكة مجيبًا بمرح خبيث:
- لم استطع النوم طوال الليل ...
تشنج جسد ثائر بتوتر عندما طعنت هذه الكلمات صدره كخنجر مسموم ليتحرك بسرعة عابرًا الغرفة متجهًا نحو الأبواب الزجاجية للشرفة المطلة على الحديقة محدقا من خلالها بعينين لا تريان شيئًا ليسمع زوجة عمه تضحك وهي تقرب فنجان القهوة من فمها متسائلة بسخرية متعمدة :
- لا تقل لي ....أنك عاشق وأهان لا يستطيع النوم
أصدر يوسف تأوها عاليا ناظرًا باتجاه ثائر قبل أن يجيب بنبرة إعجاب :
- دائما ما تبهرينني سيدة جمانه البيسار وانحنى للأمام ممسكًا بيدها الحرة مقبلًا أصابع يدها بتقدير يشع من عينيه
- اهنئك سيدتي الجميلة ....على حدة ذكائك
ازداد اضطراب ثائر وهو يسمع موافقة يوسف الضمنية على تخمين خالته لكنه استطاع السيطرة على تعبيرات وجهه عندما التفت نحوهما
لتتابع زوجة عمه حديثهما ناظرة نحو ثائر بعينين متسعتين بدهشة مصطنعة :
- انظر إلى هذا الولد الخبيث ....انه واقع في الحب ويخفي هذه المعلومة المهمة عن خالته .......بالك من جاحد هيا اخبرني من هي سعيدة الحظ تلك هل اعرفها
التقط يوسف فنجان قهوته وهو يرتشف منه باستمتاع شديد وقد ارتسمت ابتسامة رضا خبيثه على فمه :
-قريبا جدا سأقوم بتقديمها لك
ارتفع حاجبي جمانه للأعلى بدهشة وهي تهتف بصوت مسرحي مصطنع :
- يبدو الأمر جدي هذه المرة يوسف
ليجيب هذا الأخير بنبرة قوية حازمة:
- أنه في غاية الجدية .....
اندلعت نيران الغضب مشتعلة داخله مهددة بأن تحرق كل شيء وذلك عند سماعه كلمات يوسف الأخيرة والتي تؤكد على ما رآه هذا الصباح والذي لم يكن يرغب بتصديقه حتى هذه اللحظة
ليضم قبضتيه بقوة محاولًا التمسك بالخيط الرفيع من التعقل والذي يمنعه من تحطيم وجه يوسف أمام زوجة عمه
ليسرع بالخروج من هذه الغرفة شاعرًا بأنه على وشك الاختناق من شدة غضبه وهو يتمتم بصوت مكبوت بان أمامه عمل عليه إنهاءه قبل صباح الغد ليتجه مباشرة إلى غرفة مكتبه مغلقا بابها خلفه بقوة ارتجت لها جدران المنزل بعنف
لينتفض كل من يوسف وخالته اللذان نظرا نحو بعضهما البعض وقد لمع الانتصار في أعينهما لتستند السيدة جمانه باسترخاء في مقعدها وهي ترشف من قهوتها باستمتاع كبير وقد اعتلت ملامح الرضا وجهها
وقف ثائر في منتصف مكتبه واضعًا يديه على خصره وهو يتنفس بصعوبة وكأنه كان يركض في ماراثون للجري لينظر نحو السقف تارة وحول الغرفة تارة أخرى محاولًا تهدئة مشاعر الغضب الملتهبة داخله
زفر بقوة متقدما نحو مكتبه لينحني فوقه مستندًا عليه بكلتا يديه
وقد أغرقته دوامة من التساؤلات التي لا يستطيع أن يجد لها أية اجابة مقنعة له فهو لا يقدر على استيعاب ما سمعه لتو أوما رآه سابقًا
متى وقعا في الحب ؟ وهما لا يكادان يعرفان بعضهما الا منذ أيام قليلة
كيف تسلم له نفسها بهذه السهولة وهي التي تنتفض وتنفر كلما اقترب منها
أو لمسها هل كل هذا مجرد تمثيل هل كانت تدعي البراءة والطهارة أمامه فقط ؟ لكن لماذا ؟ ما هدفها لادعاء ذلك أمامه ؟أم أنها كانت تخطط لاصطياده لكنها عندما وجدت صيدا آخر سهلًا قررت ان تختار الأسهل للوصول بسرعة إلى اطماعها
هل لذلك كانت تصر على الانتقال بسرعة ليكونا معًا بمفردهما لتنسج خيوطها حوله وتوقعه في شباكها
انه لا يستطيع التصديق بانها بذلك الرخص وأنها استطاعت أن تخدعه بادعائها البراءة
ليفقد سيطرته على غضبه فجأة كما ينهار السد أمام قوة اندفاع الماء ليجرف كل شيء يقف في طريقه
ليبعد ثائر بيديه كل ما هو موجود فوق سطح مكتبه ملقيا إياه على الأرض ... ضاربا بقدمه طاولة القهوة الزجاجية التي أمامه لتتحطم بدورها إلى أشلاء متناثرة وقد تردد صوت تنفسه المضطرب في ارجاء الغرفة صارخا بحده بصوته الرجولي القوي :
- اللعنة ....
أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
Romanceالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...