الفصل الثالث والعشرين (23)
( قلبي وقلبك جبلان لن يلتقيا .... وحبنا فصل خريف أوراقه متساقطة ...فهل يأتي الربيع يومًا حاملًا معه براعم حب لا ينتهي )
عقد ثائر حاجبيه مراقبا مشاعر الخوف والوحدة تغزو ملامح وجه ياسمين الرقيقة وهو يشاهدها تتأمل بعيون حزينة الإطلالة الرائعة لمدينة برلين بأضوائها المشعة في ذلك الليل حالك السواد وكأنها ماسات تتألق بروعة فوق وشاح مخملي أسود وقد انحنى جسدها النحيل بتوتر وهي تتشبث بسور الشرفة الحديدي البارد بكلتا يديها بقوة ملاحظا انحناء كتفيها بيأس وكأنهما يحملان أطنان من المرارة والألم التي لا طاقة لها لحملهما
غير مدركة لوجوده قريبا منها وكأنها تقف داخل فقاعة صنعتها لنفسها كي تنأى بها بعيدا عن هذا العالم فمنذ لحظة هروبها الدرامي من القاعة وهي تختبأ هنا فوق الشرفة
أنه لا يستطيع فهمها حقا .....فهو لا يجد سببا حقيقيا لما يشاهده من مشاعر وتصرفات غير منطقية بعد أن استطاعت تحقيق ما كانت تصبو إليه منذ البداية ...... أليس كذلك ؟
ابتلع غصة مريرة تسد حلقة وهو يضم قبضتي يديه بقسوة بجواره راغبًا بلكم شيء ما بهما مرة أخرى ...ليستطيع أن ينفث بهذه الطريقة عما يعتمل داخله من غضب يتأجج منذ أعلنت سكرتيرته قدوم يوسف خارج مكتبه في الشركة ورغبته الملحة في لقاءه بالرغم من أن هذا الأخير يدرك جيدًا بأنه غير مرحب به في شركته لكن ثائر أومأ برأسه بسكرتيرته على مضض متحدثا بلهجة آمره :
- فليدخل ...
ليشعر بالندم على قراره هذا بعد لقاءه بذلك الوغد ومعرفة سبب مجيئه إليه
ضغط ثائر شفتيه معًا شاعرًا بالغضب يهدر في عروقه مجددًا كأمواج المحيط العاتية التي لا يقف في طريقها أي شيءرفع ثائر بدهشة حاجبا كثيفًا للأعلى وهو ينظر نحو يوسف الجالس أمامه مستفسرا بلهجة خشنة بعد أن استمع إلى ما يريده :
- أنت تريد بيع اليخت الخاص بك .....لي ؟
أومأ يوسف موافقًا :
- أجل ...احتاج لمبلغ ضخم من المال وليس معي سيولة نقدية تكفي في الوقت الراهن
أمعن ثائر النظر في وجه يوسف محاولًا اكتشاف ما يخفيه خلف قناع الهدوء الذي يرتديه فهو متأكد من أن هناك هدف آخر وراء قدومه إليه لكنه لم يكتشفه بعد حتى الآن تحدث ثائر معربا عن تعجبه من قراره ذاك :
- هذا أمر غريب حقا ...فلطالما أحببت هذا اليخت ؟فما الذي جعلك تقرر فجأة بيعه بهذه الطريقة ؟
استرخى يوسف في مقعده وهو يضع ساقا فوق الأخرى ناظرًا نحو ثائر بابتسامة لم تصل إلى عينيه
- صحيح لطالما أحببت هذا اليخت.... ولكنني وجدت بديلًا آخر مثيرًا للاهتمام أكثر منه...مما يجعلني أضحي بكل شيء ذا قيمة لدي في سبيل الحصول عليه
تراجع ثائر مسترخيا للخلف في مقعده وهو يجيبه بلهجة باردة كالثلج :
- فقط مجرد فضول لا أكثر ....ما هو ذلك الأمر الذي أثار اهتمامك لتلك الدرجة ؟
رغم أن حدس ثائر كان يحذره أن الإجابة لن تعجبه لكنه كان يريد الوصول حقا للمغزى الحقيقي من زيارة يوسف له
لمعت عينا يوسف بخبث وكأنه كان بانتظار هذا السؤال على أحر من الجمر ليضحك بصوت قوي عال وهو يغمز لثائر بعينيه
- ياسمين بالطبع .....بالتأكيد أن تدرك كيف هن النساء .. دائما متطلبات
فبعد أن يقمن بالإيقاع بك في شرك حبهن يبدأن باستغلال هذا الحب لصالحهن ....خاصة عندما يبدأن باستغلال أجسادهن في الحصول منك على ما يرغبن
شحب وجه ثائر فجأة وكأنه تلقى ضربة في معدته لم يكن يتوقعها
تأفف يوسف بقوة وهو يتابع كلامه متعمدا عدم ملاحظة ما يلوح على وجه ثائر من غضب إجرامي يكاد يفتك به
- لكن أنا لا أشكو ...فهي بالتأكيد تستحق كل مارك سأدفعه من أجلها فأنا أحبها حقا ...رغم أنني لا أخفيك سرًا بأنني ظننت ياسمين مختلفة عن باقي الفتيات لكن ها هي تثبت لي العكس فهي ترغب كجميع النساء بالمال مقابل ما قدمته لي من حب ومتعه
لم يستطع ثائر حتى الآن معرفة كيف تمكنوا من انقاذه من بين يديه في ذلك الوقت كل ما يتذكره
انه انتفض من مكانه مندفعا نحوه من خلف مكتبه وهو ينقض عليه ممسكا بعنقه وقد اتسعت عيناه مصدوما من ذلك الهجوم السريع الذي لم يكن يتوقعه
وهو يشهق محاولًا التنفس بصعوبة تحت وطأة قبضة ثائر الساحقة التي تهدد بكسر عنقه في أي لحظة
- ما الذي تقصده بحديثك هذا ....أيها القذر ؟
كان يوسف يشهق بين يديه مختنقا لكنه شاهد ابتسامة انتصار تشع من عينيه
فلم يتمالك ثائر نفسه ولكمه فوق فمه بقوة لتلقي به اللكمة على الأرض
ليعود ثائر ليمسك به من ياقة معطفك وهو يهزه بعنف
- كيف تجرأت على لمسها ؟ها ....كيف أمكنك فعل هذا أيها الوغد ؟
ابتسم يوسف وهو يجيبه والدماء تسيل من طرف فمه :
- هذا ما أردناه معًا ....ما الأمر لماذا أنت غاضب هكذا ...هل تشعر بالغيرة أم أنك كنت راغبًا بأن تكون في مكاني
ضحك يوسف بصوت عال
- لكن للأسف هذا مستحيل ......ياسمين أصبحت ملكي الآن ملكي وحدي حتى أنني وضعت ختمي فوق عنقها ليلة الأمس ...حتى أنها لم تستطع الحضور للعمل اليوم .... المسكينة تشعر بالإرهاق
كاد ثائر أن يفقد صوابه تمامًا .....فقد كان يأمل بأن يكون على مخطئا في ظنه بها ..... نعم كان يتمنى أن كل ما استنتجه ورآه كان سوء تفاهم لا أكثر ليأتي ذلك الوغد ويتبجح أمامه بأنها باعت جسدها له مقابل حصولها على المال منه يا إلهي قام بلكمه مرة أخرى ليسقط على ظهره فوق الأرض الرخامية لمكتبه وهو يتأوه بألم لا يتذكر ما حدث بعد ذلك سوى أنه أمر رجال الأمن الذين اقتحموا مكتبه
أن يلقوا به خارج الشركة وأن لا يسمحوا له مرة أخرى بدخولها مجددًا
كان يرى الموظفين في الخارج يحدقون به بدهشة
ضغط أزرار هاتف المكتب مطالبًا الطرف الآخر
- اطلبي من ياسمين الحضور لمكتبي فورًا
ليسمع الطرف الآخر يجيبه بأنها لم تستطع الحضور اليوم للعمل لأنها مريضة
وضع سماعة الهاتف بهدوء مكانها وهو يشعر بأن قلبه يمزقه الألم والكراهية وبأن روحه تنتزع من جسده فمنذ لقاءه بياسمين وقد تملكته مشاعر مختلطة لم يسبق له أن شعر بها من قبل ولا يعرف لها مسمى يستطيع تحديده حتى هذه اللحظة
سوى انها الكراهية والحقد
لكم ثائر الجدار بقبضته بقوة ليعود له الألم الشديد في مفاصل أصابع يده لعله يستفيق من أوهامه وتخيلاته فلابد انها تشعر بالسعادة لحصولها على رجل يحقق لها احلامه بالثراء ويعطيها ما ترغب به بشدة المال
تقدم مغادرا موقعه من خلف أحد الأعمدة المحيطة بالشرفة والتي كان موضعًا مناسبًا لمراقبته لها دون أن تشعر ليخطو فجأة فوق الأرض الرخامية للشرفة
شاهد جسدها يتشنج وهي تعتدل في وقفتها وقد انتصب ظهرها متصلبًا
انتظرت أن تلتفت لترى من يقف خلفها لكنها ظلت تقف بتوتر
ليتحدث إليها بنبرة خشنه :
- ما الذي تفعلينه هنا في الخارج ؟
شعر بها تنتفض لكنها ظلت واقفة مكانها دون ان تلتفت اليه تقدم ثائر ليقف خلفها مباشرة
شعرت به يقترب ويقف خلفي التفت نحوه في تلك اللحظة
التقت عيناي بعينيه التي تنظر نحوي ببرود لم استطع قراءة ما يدور في عقله عبر ملامحه الجامدة القاسية
أجبت على سؤاله بسؤال :
- لماذا ..... هل كنت تبحث عني ؟
حرك كتفيه بلا مبالاة وهو يجيبها بلهجة خشنة :
- لا ... لكن بالتأكيد هناك من يريد التعرف على المصمم الجديد لمجموعة آل البيسار للسجاد وأنت لست في الداخل ليتم التعرف عليك
لاحظ رجفة تعبر جسدها فجأة لتضمه بين ذراعيها في محاولة عابثة منها لكي تحمي نفسها من هواء الليل البارد
فاجأني ثائر عندما نزع جاكيت بذلة السهرة التي يرتديها وقام بوضعه فوق كتفي بسرعة خاطفة لم تترك لي مجال للرفض أو الابتعاد
شكرته بصوت مضطرب :
- شكرا
لكنني لاحظت أن عيناه تحدقان في مقدمة ثوبي المرتفع والتي تغطي الأثر في عنقي حاولت التراجع بسرعة ولكنه كان اسرع مني فقد قبض على مرفقي جاذبا إياي نحوه بقسوة ومد أصابع يده مبعدا طرف مقدمة عنقي ليلاحظ الشريط الطبي اللاصق والذي يغطي خدش السكين
ظلت عيناه مسمرة على عنقي لثوان قبل ان ترتفع محدقة في عيني بشراسة كان يبدو انه على وشك الانفجار من الغضب كعادته وكعادتي لم استطع فهم سبب غضبه مني هذه المرة أيضا ترك مرفقي فجأة وقد ظهرت على ملامحه تلاحقت على وجه مشاعر متنوعة مختلطة غامضة لم استطع قرأتها ولكنني لمحت خيبة أمل شعت من عينيه مرسلة سهام كراهية اخترقت شغاف قلبي المحطم قبل أن يبعدها متأملا أضواء المدينة المتألقة من بعيد تنهدت مبتلعة غصة سدت حلقي وأنا أتساءل ما الذي فعلته الآن لينظر نحوي بهذه الطريقة انني لا أستطيع فهمه حقا أبدا فتارة مهتم بي وتارة مشمئز مني وتارة يحتقرني وتارة يكرهني
تنحنحت مجلية صوتي قبل أن أتحدث اليه بنبرة تعمدت ان تخرج واثقة وهادئة محاولة ان ابتسم فلا أريده ان يعلم كم سبب لمشاعري الأذى بسبب تصرفاته غير المنطقية تلك
- حسنا ....يبدو ان من واجبي تهنئتك على خطبتك الآنسة جوليا ...تهاني لكما
التفت نحوي ببطء ناظرًا إلي نظرات أشعرتني بالخوف الحقيقي منه فقد بدا كشخص على وشك ارتكاب جريمة قتل مروعة
اضطربت أنفاسي عندما قرب وجهه من وجهي وهو يجيب بصوته الرجولي الخشن بعد لحظات من الصمت المرعب كتمت خلالها أنفاسي
- نعم كان عليك تهنئتي في الداخل كما فعل الجميع بعد اعلان الخبر لكنك لم تفعلي ....وهذا ما جعلني أتساءل لم فررت هاربة لحظة اعلان خبر خطوبتي ...هل هناك شيء يزعجك
مبتسما بسخرية ومنتظرا إجابتها
شعرت برغبة في البكاء والصراخ في وجهه نعم خبر خطبتك أزعجني لكنني تماسكت وأنا أجيب بكل ما امتلك من رباطة جأش
- الجو كان خانقا في الداخل بسبب الازدحام لهذا خرجت لاستنشاق هواء الليل العليل ورؤية هذا المنظر الرائع الا تعتقد ذلك
انتزع عينيه من عينيها بصعوبة وهو يعود ليتأمل المنظر الذي أمامه مجددا وهو يجيبها بنبرة لا مبالية :
- أجل معك حق فعلا هو منظر جميل ....لكنه مخادع فهو يوحي بالأمان والسكينة لكن الواقع عكس ذلك فهناك أيضا الخطر والخيانة
لماذا تشعر بأنه لا يتحدث عن المدينة حقيقة
حدقت إلى جانب وجهه ملاحظة تحرك عضلة متوترة في فكة
أبعدت عيني عنه بسرعة مترددة في متابعة الحديث معه ليعم الصمت المريح بيننا للحظات
- لماذا الآن ...أقصد لماذا قررت الارتباط بها لقد سمعت أنك كنت رافضًا لهذه الخطبة من الأساس فلماذا وافقت عليها فجأة وبدون مقدمات
خرج السؤال الذي صارعت نفسي كثيرا وبكل ما امتلك من قوة كي لا أتفوه به ولكن ها أنا انطق به أخيرًا لأسمعه يجيبني
- وهل يشكل لك هذا الأمر فرقا ؟
ارتفع حاجبي بدهشة ....متسائلة عما يقصده بسؤاله هذا ليتحرك فجأة ممسكا ذراعي بين قبضتي يده بقوة وهو يصرخ في وجهي فاقدا القدرة على السيطرة على غضبه
- أجيب ...على سؤالي هذا ان كنت تجرؤين هل يشكل أمر خطبتي لجوليا فرقا بالنسبة لك هيا أجيلي
وهو يقوم بهز جسدي كدمية بين يديه وأنا أحدق فيه بعينين متسعتين بدهشة وخوف هل فقد عقله ؟ وقد فقدت القدرة على النطق أو أن أصرخ في وجهه نعم نعم يهمني أنت تهمني فأنا ....
لاسمعه يقول مقاطعًا أفكاري المحمومة
- اعتقد انك لا تمتلكين اجابة على سؤالي ....هيا بنا إلى الداخل فلا جدوى من وقوفنا هنا ؟
ليخطو متقدما نحو المدخل الزجاجي بسرعة جاذبًا ذراعي بقوة مجبرًا إياي على التقدم أيضا
دخلنا إلى القاعة المزدحمة لتلتفت نحونا بعض الرؤوس وهم يرون ثائر مع فتاة ترتدي جاكيت بذلته ويجذبها خلفه
تشرئب الاعناق ويتعالى الهمس بين الحضور انتشر الاحمرار على وجنتي وأنا أشعر بالخجل بسبب نظرات الموجهة الي مرة أخرى ولكن هذه المرة لسبب آخر
اقتربنا من الطاولة التي تجلس عليها عائلة آل البيسار وضيوفهم المهمين ملاحظة التفات السيدة جمانة تنظر نحونا عند رؤيتها الشحوب يعتلي وجه ابنتها
ليتوقف ثائر فجأة بجوار الطاولة وهو يقدمها لباقي الضيوف
- هذه الآنسة ياسمين شاهين ...كنتم قد سألتم بفضول عن هوية المصممة الجديدة لسجاد آل البيسار وها أنا اقدمها لكم
ليسمع صوتا من خلفه يقول
- كما أنها خطيبتي أيضا
التفت جميع الموجودين فوق تلك الطاولة باتجاه يوسف والذي ظهر متأخرا
سمعت شهقة السيدة جمانه وهي تسأله بلهجة مذعورة :
- يا الهي ما الذي حدث لوجهك
ضحك يوسف بلامبالاة وهو ينظر باتجاه ثائر
- اطمئني خالتي فقط تعاركت مع دب غاضب سرقت منه عسله
واستمر في الضحك وهو يقترب مني وأنا أقف مذهولة وقد فغرت فمي مندهشة من إعلانه السابق بأننا مخطوبين لبعضنا ومما حدث لوجه نظرت نحو ثائر الذي كان وجهه صفحة بيضاء لا تقرأ وهو ينظرتارةً باتجاهي وتارة باتجاه يوسف
يا الهي ما هذا الجنون الذي يحدث من حولي
اقترب يوسف مني جاذبًا إياي نحوه محتضنًا جسدي بين ذراعيه وهو يقول :
- حبيبتي اعتذر عن تأخري ولكن صادفتني بعض المشاكل اثناء قدومي إلى هنا لكنني نجحت في حلها سريعا
فتحت فمي وأغلقته لأهمس بعد لحظة كنت استوعب فيها ما يقوله :
- لا بأس ولكن .....لا أفهم لقد ...قلت
كانت الكلمات تخرج من بين شفتي بطيئة مضطربة وأنا اشعر بنظرات ثائر تكاد تخترق مؤخرة عنقي كأشعة الليزر
رأيت يوسف يركع أمام قدمي وهو يخرج علبة مخملية من جيبه شعرت بأنني على وشك أن أفقد وعيي في أي لحظة من شدة التوتر فالموسيقى التي كانت تصدح في القاعة توقفت فجأة والتفت جميع الحضور ينظرون بتعجب نحو الرجل الذي يركع أمام فتاة ترتدي معطف رجل آخر تداعب انفها رائحة عطره ويغلفها ما تبقى من دفء جسده يا لها من سخرية القدر
ترنحت قليلًا وأنا اسمع يوسف يتحدث بنبرة جادة :
- ياسمين شاهين هل تقبلين الزواج بي ؟
حدقت في يوسف لأجد ملامحه تنضح بالجدية المطلقة
لا أنه لا يمزح ....التفت نحو ثائر لأجده ينظر نحونا بسخرية وقد عقد ذراعيه فوق صدره وقد عن الصمت المكان حيث شرع الحضور بتصوير الحدث عبر هواتفهم وهم يتهامسون
بالتأكيد كانت حفلة آل البيسار لهذا العام مليئة بالأحداث المشوقة التي سوف يحكى عنها لفترة من الزمن
سمعت ثائر يتحدث بلهجة خشنه قاسية
- اعتقد أن هذا المكان غير مناسب لمثل هذه الأمور الشخصية خاصة انها حفلة من أجل الإعلان عن المعرض السنوي لآل البيسار
ليرد عليه جده ضاحكًا بمرح :
- أظن أنه لا بأس بذلك بما انني من قمت بهذا للتو بالإعلان عن خطوبتك على جوليا فلا مانع أيضا من إعلان خطبة هذين الشابين أيضا
كنت اشعر بانني محاصرة تمنعني نظرات يوسف المتوسلة ونظرات ثائر الحادة ونظرات جميع الحضور الفضولية من أن أعلن رأيي فيما يحدث أردت الهروب من هذا المكان ومن هذا الموقف الصعب الذي لا أحسد عليه تسارعت نبضات قلبي واضطربت أنفاسي وأنا اسمع صوت ثائر الساخر يتحدث بلهجة استهزاء جعلتني أغلي بالغضب الشديد كالمنجل على الفحم :
- يبدو ان عروسنا الصغيرة مترددة ....ربما هي في النهاية ترفض الارتباط بك يوسف
نظر يوسف نحوي بحزن وكأنني حطمت قلبه وجرحت مشاعره
- أنا موافقة
لأسمع تصفيق جميع الحضور وهم يلتقطون الصور لنا أنا ويوسف اثناء قيامه بوضع خاتم الخطبة الماسي في إصبعي
وسط التهاني من جميع الموجودين وقد اقتربت اديتي وابراهام لتهنئتي كنت أشعر بأنني شخص آخر خارج ذاتي تمامًا يتصرف هكذا وهو من قبل بهذا الارتباط دون ان يكون لي رأي في ذلك وكأنني انظر من خارج نفسي إلى الشخص الذي وافق على الإقدام على هذه الخطوة المتهوره
لكن لماذا قمت برد الفعل المفاجىء هذا وأنا أدرك بأنني سوف أندم عليه اشد الندم في المستقبل
تلقيت التهاني من جميع زملائي في المكتب ومن السيد جاهد والسيدة جمانه وجوليا التي كانت تنظر نظرات استهزاء وهي توجه حديثها لي
- يبدو انك وقعت على صيد ثمين فابن خالي إلى جانب وسامته فهو ثري أيضا ...يا لك من فتاة ماكرة كيف استطعت إيقاعه في شباكك
لتضحك بغنج بصوت عال
لتصدح الموسيقى الراقصة مجددًا وينخرط الضيوف بالرقص والأحاديث الجانبية شعرت بقبضة تجذبني من مرفقي مبعدة إياي عن يوسف بالقوة
التفت لأرى ثائر الذي حدق في وجهي بحدة وهو يقول بلهجة ساخرة :
- هذه الرقصة ستكون لي مع العروس
قام بوضع يده بخفة على ظهري بعد ان انتزع الجاكيت من فوق كتفي ملقيا به على احد المقاعد حول الطاولة ليدفعني بقوة نحو حلبة الرقص التي تتوسط القاعة ممسكا يدي اليمني بيد يده ويده اليسرى فوق ظهري محاولًا ضمي إلى صدره العريض الضخم لكنني حاولت ان ابتعد وأفلت يدي وجسدي من بين ذراعيه لكنه ظل متمسكا بي بقوة جاذبًا جسدي نحوه مرة أخرى لتصطدم بصدره بقوة وهو يخفض رأسه باتجاه وجهه
ليهمس في أذني بصوته الخشن ذو الأنفاس المضطربة بغضب :
- مالذي تظنين نفسك تفعلين تفعلين ؟
نظرت نحوه بدهشة متسائلة :
- عن ماذا تتحدث ؟ ما الذي فعلته ؟
أجاب وهو يحدق في عينيها بقوة وقد رأيت لهيب الغضب والكراهية يتأجج داخلهما
- هل فقدت عقلك كيف توافقين على الزواج منه ؟
حاولت مجددًا نزع يدي وجسدي ولكنه شدد من ضغطه عليهما مانعا إياي من الإفلات من قبضته
خشيت ان احاول اكثر أو اصرخ فأكون السبب في فضيحة تهز ارجاء المجتمع الألماني لأشهر وربما لسنوات قادمة
- اتركني ... دعني وشأني ما الذي تريده مني بالضبط ؟
غرز أصابع يده في خصرها وهو يضغط على يدها بأصابعه القوية
وهو يجيب على تساؤلها ضاغطا بأسنانه معا :
- اريد ان اعلم لماذا وافقت على طلبه ؟
حدقت في عينيه بتحد وأنا أجيبه باستهزاء ولا مبالاة أرد له الصاع صاعين :
-لماذا .....هل تشكل لك مسألة ارتباطي بيوسف أي فرق بالنسبة لك ؟
حدق بها بتمعن وعيناه بلون الحمم السائلة من البركان
تابعت تساؤلاتي بابتسامة باردة مختبئة خلفها :
- هيا اجبني لماذا أنت مهتم ؟ أي فرق يشكله لك ارتباطي بيوسف ؟ هيا أجب على سؤالي لماذا أنت صامت هيا أجبني ؟
كنت اضغط عليه اريد ان اكتشف بماذا يفكر شعرت به على وشك الانفجار في أي لحظة ليحدث ما توقعت تمامًا عندما صرخ في وجهي بقسوة :
- نعم ...أهتم ...أجل هذا الأمر يشكل فرقا بالنسبة لي .....فأنا أشعر بالمسؤولية لانني كنت السبب في معرفة قريبي فتاة مثلك...... وصولية انتهازية وباحثة عن الذهب
وهذا ما يجعلني غاضبًا كالجحيم ....هل علمت الآن لما يشكل هذا الأمر فرقا بالنسبة بالتأكيد أنت لست متوهمة أنني واقع في غرامك أو شيء من هذا القبيل فأنا لا اغرم بالنساء من امثالك
دوت صفعة تردد صداها في ارجاء قاعة الفندق وفوق حلبة الرقص ليشكل هذا الحدث المدوي الأخير خاتمة لاحتفال آل البيسار السنوي
لكنها ويا للعجب كانت بداية قصة عشق لا تنتهي

أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
Roman d'amourالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...