السلام عليكم قرائي الأعزاء هذه عيدية العيد التي وعدتكم بها الرجاء التصويت للفصل ووضع تعليق إذا أعجبكم
لأنه يشجعني على الاستمرار بالكتابة لكم وكل عام وأنتم بخير قراءة ممتعة للجميع
🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹🌹😊😊😊😊😊😊😊😊😊
الفصل الخامس عشر (15)الجزء الثاني
وقفت شاعرة بالتردد للحظات أمام مدخل غرفة المعيشة وقد اجتاحتني رغبة ملحة في الهرب عائدة إلى غرفتي بعد أن شعرت بسهام أعين المتواجدين فيها تخترق جسدي بحدة لأشعر فجأة بدفعة يد على ظهري من الخلف تجبرني على الدخول إلى عرين الأسد نظرت نحو ثائر بحدة لأجده يحدق بي وعيناه تلمعان بالتسلية وقد لاحت على شفتيه شبه ابتسامة وكأنه استطاع ان يستشف ما يعتمل داخلي ويقرأ ما أفكر به بسهولة عدت بنظري للأشخاص الجالسين أمامي
وأنا أخطو للأمام نحوهم بتوتر ظاهر لأسمعه يوجه حديثه لي :
- دعيني أعرفك على الجميع هنا وأشار نحوي مقدمًا إياي لهم :
- هذه ياسمين شاهين .... تم تعيينها كمصممة لدينا في الشركة
ثم أشار بيده باتجاه رجل مهيب كبير في السن بشعر فضي يرتدي بذلة سوداء أنيقة و يجلس على مقعد بالقرب من المدفأة ممسكا بعصا عاجية في يده وكأنه ملك متوج على العرش :
- هذا جدي ....السيد جاهد البيسار
أومأت برأسي باحترام نحو السيد جاهد والذي كان بدوره يراقبني من أسفل جفني عينيه الرمادية الحادة والتي تشبه بلونهما الغريب عيني حفيده اللتان لم تكفا عن مراقبتي بحدة منذ لحظة دخولنا إلى هذه الغرفة جاعلا مني كتلة من الأوتار المشدودة والتي تكاد تنقطع في أي لحظة إذا فكر أحد ما بالعزف عليها بطريقة خاطئة لأهمس بصوت متلعثم
- مرحبا ....سيدي ....سررت بلقائك
تابع ثائر تقديم المتبقي من أفراد أسرته لي :
- هذه دي تانت ( زوجة عمي ) السيدة جمانه ألبيسار وقد سبق لك التعرف عليها
كانت نظرات تلك السيدة الحادة مسلطة على منذ لحظة دخولي إلى تلك الغرفة والتي أعلنت لي من خلالها رفضها القاطع لوجودي بينهم هنا في هذا المكان وقد تطايرت من عينيها شرارات الاحتقار نحوي والتي احرقتني بها سابقًا عند لقاءنا الأول .... أومأت السيدة جمانة لي بتحية رغمًا عنها
لاحظت تغير طفيف في نبرة صوته عند تقديمه السمراء الجاذبة والتي تجلس بأناقة واضعة ساقًا فوق الأخرى مظهرة جمال ساقيها والتي انحسر عنهما ذيل ثوبها الأحمر والذي يبدو أنه صمم خصيصًا لها في أرقى دور الأزياء العالمية
- وهذه ...... (دي كزين ) ابنة عمي جوليا
طالعتني تلك الأخيرة بعينيها اللتان بلون العقيق الأسود للحظات قبل أن تسدل فوقهما تلك الأهداب السوداء الكثيفة ملقية بأناقة بخصلة من خصلات شعرها الأسود الطويل خلف ظهرها لتقوم فجأة من مكانها متقدمة باتجاهي بوجه خال من أي تعبير وهي تمد يدها نحوي مصافحة وقد ظهرت فوق شفتيها ابتسامة قصيرة باردة لأحس بوخز في باطن يدي التي امتدت لمصافحتها شاعرة بعدم الارتياح رغم أنها لم تظهر ما أظهرته أمها من رفض واحتقار صريحين لي ابتعدت برشاقة عائدة إلى مكانها بجوار والدتها فوق الأريكة الفخمة والمصنوعة من القماش الأحمر المطرز بخيوط ذهبية وقد طعم خشبها أيضًا بماء الذهب والتي امتد أسفلها سجادة يدوية الصنع من الحرير الأبيض فقد كان كل شيء وكل شخص في تلك الغرفة مثالًا للثراء والبذخ والغرور
لكنني قومت كتفاي بكبرياء متحدثة بصوت هادىء ناعم :
- سعدت بلقائكم جميعا ..... وأشكركم على استضافتكم لنا أنا وجدتي
ليجيب السيد جاهد بصوت أجش خشن :
- انتم على الرحب والسعة بيننا ..... توقف للحظات آمرا بذات اللهجة الخشنة :
- اقترب ...... حتى يمكنني رؤيتك جيدا
تقدمت نحوه بساقين ترتجفان قليلا وقد تملكني التوتر والارتباك وأنا أشعر
بعينيه مسلطة علي بحدة ليشير لي لحظة دنوي منه بعصاه للجلوس فوق المقعد المجاور له
لأجلس مترددة شاعرة بالخجل لتمتد أمامي يد تحمل كأسا مليء بعصير البرتقال لترتفع عيناي بدهشة نحو حامله لتلتقي بعيني ثائر الساخرة لأبعد عيناي عنهما بسرعة متناولة كأس العصير بيد مهتزة متمنية للحظات رميها فوق وجهه فبسبب اصراره وعناده غير المنطقي أنا أمر بكل هذه المعاناة بدون داعي ليبتسم في وجهي بمرح مظهرا أسنانه البيضاء عند قراءته لما أنويه اتجاهه في عيناي ....ليتقدم واقفًا بعد ذلك بجوار المدفأه
قاطع السيد جاهد أفكاري الغاضبة متسائلا بالعربية :
- هل أنت سورية
رفعت كأس العصير ارتشف منه رشفة صغيرة أرطب بها حلقي الجاف آخذة وقتي للحظات قبل أن أجيبه بصوت خافت :
-نعم سيدي
أومأ برأسه نحوي وقد ظهر التعاطف جليًا في صوته :
- أنا اسف لما يحدث في بلادك .... فالوضع قاس جدا هناك ... متابعًا بلهجة تحفها الذكريات وتملأه المرارة :
- أنا أشعر بما تعانين منه الآن ......فقد مررت به منذ عقود طويلة ..... صمت قليلا وكأنه يشاهد شريط ذكرياته يمر بطيئًا أمام عينيه ..... أنا أيضا خرجت من وطني هاربًا من ويلات تلك الحرب التي تحصد الأرواح دون أن تفرق بين كبير أو صغير طفل أو شيخ أو أمرأة الكل أمام الموت سواسية .... شاهدت في عينيه نظرة شفقة اتجاهي .... أشحت بعيني بعيدا عنه ممعنة النظر في كأس العصير الذي أتمسك به بقوة بين يدي وكأنه حبل نجاة يمنعني من الغرق في دوامة الحزن التي تحاول سحبي داخلها منفجرة بالبكاء أمام الجميع لكنني استطعت ابتلاع غصة الحزن المريرة ناجحة في ابعاد الدموع الحبيسة والتي احرقت عيناي بقسوة
لاحظت السيد جاهد يميل بجسده نحوي وهو يمد يد ضخمة ببشرة مجعدة بفعل السنون ضاغطًا بها على أصابع يداي المرتجفة بطمأنينة
ليصدح صوت السيدة جمانه مقاطعا وقد ظهرت علامات الملل والانزعاج على وجهها الجميل :
- هذا يكفي .... انها هنا الان ....فلا داعي لكل هذه الجلبة
رمقتها عينا السيد جاهد بحدة .... لتصمت وهي تشيح بوجهها بعيدا بتأفف
تابع السيد جاهد حديثه كمن لم يقاطعه أحد متسائلا بنعومة:
- أين هم بقية أفراد عائلتك ؟ ... أم أنهم مازالوا هناك
أغرقتني موجة من الظلام في بحر مليء بالصور الملطخة بالدماء
والتي تدور في رأسي كالإعصار الذي لا يمكن ايقافه لتنتشلني منه طرقة حادة على الباب قاطعًا الصمت الذي عم الغرفة بانتظار إجابتي ليدخل رئيس الخدم معلنا بأن العشاء أصبح جاهزًا
اتجه الجميع نحو قاعة الطعام التي كانت لا تختلف عن باقي المنزل من حيث الفخامة والبذخ فقد امتدت طاولة طعام ضخمة في منتصفها تكفي لثلاثين شخصا على الأقل وقد امتلأت جدرانها كذلك باللوحات الثمنية كما شعت الأطباق المصنوعة من الخزف الصيني الثمين والأكواب الزجاجية والملاعق الفضية تحت أضواء ثرية مصنوعة يدويًا من كريستال ( ماريا تيريزا ) الثمين
انتبهت إلى أن ثائر قد سحب لي مقعدا على يمين جده الذي ترأس مكانه على طاولة الطعام فتوجهت إليه لأجلس عليه شاكرة إياه بصوت هامس
وأنا أراه يحتل المقعد المجاور لي لتستقر زوجة عمه وابنتها في الجهة المقابلة من الطاولة لترمقني السيدة جمانة بنظرات غاضبة حادة والتي تؤكد أن الحرب توشك على الاندلاع في أية لحظة فوق تلك الطاولة
بدأ الخدم بتقديم الطعام لهم بعد إشارة من رئيس الخدم حيث وضعت أمامهم أطباق تم ملؤها بحساء الدجاج كبداية للوجبة حيث انهمك الجميع في ارتشافها بصمت تخللته بعض الأحاديث الجانبية بين السيدة جمانه وابنتها ..... والسيد جاهد وحفيده حدقت في الطبق الذي أمامي بقوة وكأن حياتي تعتمد عليه وأنا ادعوا الله أن يستمروا في تجاهلي حتى نهاية الوجبة
التفتت السيدة جمانه فجأة نحوي متسائلة :
-كم هو عمرك ياسمين ؟
قبضت على الملعقة التي في يدي بقوة وأنا لا أعرف ما الهدف من سؤالها لكنني أجبتها بهدوء :
- اربع وعشرون عاما
رفعت احد حاجبيها بتعجب مزيف وهي تنقل بصرها بين الجالسين على الطاولة لتهتف بدهشة مصطنعة :
- لابد انك بارعة جدا في مجال تصميم السجاد رغم صغر سنك وقلة خبرتك ... فشركتنا لطالما ضمت إليها أفضل المصممين والحاصلين على شهاداتهم من أرقى الجامعات ومن ذوي الخبرة أليس كذلك أبي
بدأ الخدم في تقديم الطبق الرئيسي المكون من البط المشوي بالبرتقال إلى جانب الأرز بالخضار المتبل بالبهارات العربية
انتظرت حتى انتهاء الخدم من تقديم الأطباق للجميع وهممت بالرد عليها بأن توجيه هذا السؤال لقريبها ففكرة أن أكون مصممة لدى شركتهم ...ليست فكرتي بالتأكيد .. وأن وجودي هنا هو رغمًا عني
ولكن وقبل أن أتفوه بكلمة واحده مما يدور في عقلي سمعت صوته الخشن يجيب زوجة عمه بنبرة حادة متعمدًا استفزازها :
- ياسمين لن تكون مجرد مصممة .....تناول بشوكته قطعة من اللحم البط الذي أمامه بتلذذ بطيء ملقيًا قنبلته الثانية باستمتاع شديد
-بل هي ستتولى مسؤولية رئاسة قسم التصميم .....وجميع المصممين لدينا سيكونون تحت إمرتها
شاهدت عينا السيدة جمانه تتسعان وهي تلتفت بحدة باتجاه ابنتها جوليا والتي كانت الصدمة تعتلي وجه هذه الأخيرة
لتعاود النظر باتجاهي بعينين قاسيتين متحدثة بنبرة هادئة مخيفة :
- يالك من فتاة محظوظة ..... لتتولي هذا المنصب المهم في هذه السن وبدون أي خبرة
ناقلة نظراتها بيني وبين ثائر في تلميح غامض لم أفهم ما تعنيه به في ذلك الوقت لكنني فهمته بعد ذلك
لانتفض في مكاني عندما ضربت قبضة السيد جاهد طاولة الطعام أمامه بعنف هاتفًا باسم زوجة ابنه بنبرة محذرة
- جمانة
ليتابع الجميع بصمت تناول طعامهم ...كنت قد فقدت شهيتي تماما بعد هذا الجدال الأخير فأخذت أحرك الطعام في الطبق الذي أمامي منتظرة بفارغ الصبر أن تسنح لي الفرصة للاعتذار بتهذيب والعودة إلى غرفتي بعيدا عن هذا الصراع العائلي الصامت والذي قام ثائر بالزج بي فيه عنوة
بدأ الخدم برفع الأطباق استعدادًا لتقديم الحلوى والقهوة فأسرعت أقفز من مقعدي معتذرة من الجميع بصوت متلعثم :
- أرجو منكم ان تعذروني .....فأنا أشعر بالإرهاق وأرغب بالخلود للنوم تصبحون على خير
لم انتظر لأسمع أي رد .....غادرت قاعة الطعام بخطوات سريعة عابرة البهو الكبير بخفة متجهة نحو الدرج .... لتلتقط أذناي فجأة صوت خطوات تلحق بي لتقف جوليا أمامي فجأة تعترض طريقي
آمرة بلهجة حادة :
- أرغب بالتحدث معك
أجبتها بلهجة يشوبها نفاد الصبر وقد ضقت ذرعا بالجميع :
- لكنني لا أرغب بالحديث معك حاليا
حاولت تخطيها لكنها أمسكت ذراعي بقبضة قاسية
مانعة إياي من تجاوزها وهي تضغط على أسنانها مكررة بغضب :
- بل ستسمع لي جيدا ..... متابعة بلهجة قاسية :
- أنت غير مرحب بك هنا فلتأخذ جدتك وتغادر هذا المنزل في الصباح
هل فهمت ؟
نظرت نحوها وعيناي تحدقان في عينيها بتحد وقد فقدت القدرة على التحكم بأعصابي أخيرًا والتي مارست عليها ضغطا كبيرا حتى لا تنفلت مني طوال الأمسية لأجيب بذات النبرة الحادة ضاغطة على أسناني أنا أيضا :
- عليك أن تتحدثي مع ثائر في هذا الأمر .... صمت قليلا لأضيف بنبرة ساخرة :
- ان كنت تجرؤين على ذلك
نفضت يدها بقوة عن ذراعي متجاوزة إياها صاعدة درجات السلم دفعة واحدة وكأن وحوش العالم كلها تطاردني
دخلت إلى الجناح لاهثة مغلقة بابه خلفي بإحكام وأنا أستند إليه بظهري للحظات بارتياح قبل أن أتوجه نحو غرفتي بصمت حتى لا أزعج جدتي
متجهة بعد إغلاق بابها نحو السرير الضخم لألقي بجسدي المنهك فوقه دون رغبة مني بالتحرك قيد أنملة وأنا أفكر كيف أستطيع الاستمرار تحت وطأة كل هذه الضغوطات دون أن أصاب بالجنون ؟ ليدفعني الإرهاق النفسي والجسدي على الاستسلام للنوم أخيرا بعمق دون أن أجد جوابا شافيا لسؤالي
داعبت أشعة شمس الصباح جفوني المغلقة مجبرة أياي على فتحهما رغمًا عني لأهب جالسة في مكاني متسعة العينين بدهشة وأنا أنظر حولي بذهن مشتت للحظات متسائلة أين أنا لتعود بي الذاكرة لأحداث الأمس لترتطم بي مجددا على أرض الواقع ألقيت نظرة باتجاه ساعة الحائط لأجد انها تناهز الثامنة لابد ان جدتي استيقظت أسرعت قافزة من فوق السرير لأذهب لأطمئن عليها مغادرة غرفتي عابرة غرفة الاستقبال ليجذبني المنظر الخلاب للحديقة خارج الشرفة اتجهت نحوها لأقوم بفتح أبوابها الزجاجية على مصرعيها وأنا أخطو حافية فوق رخام أرضيتها البارد وأنا استند بيداي فوق السور الحديدي للشرفة مستمتعة بضوء الشمس الدافىء فوق بشرتي وأنا أتنفس بعمق معبئة رئتي من هواء الصباح المنعش للحظات
لأسمع فجأة صوت حركة مياه قوية لأنظر نحو الأسفللتقع عيناي عليه خارجا لتوه من حوض السباحة لا يرتدي سوى مايوه أسود خاص بالسباحة وقد تدلت خصلات شعره الذهبي الطويل المبللة فوق عنقه تتبعت بعيناي قطرات الماء اللامعة المنزلقة فوق صدره البرونزي وقد لفت نظري ذلك الوشم الأسود لطائر ضخم بأجنحة كبيرة في الجهة اليسرى فوق قلبه مباشرة أشحت بعيني بعيدا عنه بسرعة وأنا أشعر بالخجل وألوم نفسي لأنني لم أبتعد على الفور بمجرد رؤيتي له هكذا بدلًا من وقوفي كشخص متلصص لتلتقي فجأة عيناي بعينيه الرمادية والتي لمعت بتسلية اتجاهي بعد أن أمسك بي أتجسس عليه
ليقفز قلبي بعنف داخل صدري كطائر حبيس في قفص يحاول الفرار منه ..
أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
Roman d'amourالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...