13 الفصل الثالث عشر
الماضي......
دائما ما يكون شوكة في خاصرة الحاضر
يعذب الشخص المعني دون أدنى رحمة أو شفقة ساحقا إياه بين طياته المظلمة
وهذا ما شعرت به تحديدا في تلك الثوان القليلة بين ذراعيه القويتين وأنا أصارع دوامة الماضي المهلكة التي تشدني نحوها بكل قوة وأنا احاول الإفلات بأية وسيلة منها ومن قبضته المؤلمه لتظلم الدنيا أمام عيناي حاجبة عني الواقع ملقية إياي في غياهب الماضي المرير كانت مقاومتي للحاضر والماضي مقاومة حياة أو موت بالنسبة لي لا يستطيع عقلي المشوش بكل الصور والأحداث الاليمة الماضيه تمنعني من التفكير بشكل سليم
والتي جعلتني لا أستطيع التفريق بوعي بين ما يحدث الان وما حدث سابقا وأنا اجتهد بكل قوتي في ابعاد ذلك الوحش الآدمي الذي صورته أمامي وجسدته أوهامي ومخيلتي المرهقة أمام عيناي وأنا اشعر بأنفاسي تختنق في صدري تأبى الخروج و كانني اغرق فعليا في مياه المحيط المتلاطمة والتي ارتفع موجها فوقي ليغرقني أسفله
لأشعر بشخص يهزني بكل قوة وهو يصرخ في وجهي الشاحب
- هل جننتي؟ ......أم فقدتي ما تبقى من عقلك غير المتزن ؟
لكن كل ما كان يهمني هو ابعاد يديه التي تتشبث بي بقوة عني وقد هب واقفا على قدميه بغضب شديد وهو يسحبها بقوة لتقف معه على قدميها مثبتا إياها بقبضتيه القويتين حافرًا بقسوة باصابعه في ذراعيها النحيلتين وهو ينظر اليها بعينين تلمعان كالثلج نظرة من فقد عقله بالكامل لكنني استمريت في دفعه بعيدا عني وأنا اضرب صدره بقبضتي صارخة بصوت متقطع مخنوق والدموع تسيل من عيناي المغلقتين شاعرة بأنني على وشك الانهيار
- أررررر جوك ..... اتوسسسسسل اليك .... اتركني
عندما اعماني الخوف والهلع تردد دوي صفعة في ارجاء الطائرة ليعم الصمت على المكان وكأن الزمن قرر التوقف عن الحركه فجأة معلنا العصيان
ارتد رأس ثائر من قوة الصفعة إلى الخلف قليلا لتشتعل عيناه الرماديتان بنيران الغضب التي تهدد بإحراقي وقد اتسعت فتحتا انفه وزينت أصابعي خده بخطوط حمراء
لأضع يدي على فمي وأنا أشهق بفزع من هول صدمة ما اقترفته يداي
لينقض فجأة على ممسكا بذراعي مرة أخرى وهو يهزني بكل ما اوتي من قوة وبدون رحمة حتى شعرت وكأن عنقي سيخلع من مكانه وقد اصطكت أسناني ببعضها من عنفه عقابا وانتقاما مني على صفعتي له ليدفعني بعد اقل من ثانية بعيدا عنه بشمئزاز ظاهر لاترنح وأنا أكاد أوشك على السقوط
وانا أنظر إليه بعدم تصديق لما آلت اليه الأمور بسبب غبائي وحمقي ليتحدث بلهجة خشنه ضاغطا على اسنانه بقوة و كابحًا غيظه ومانعا نفسه بصعوبة من ان يفتك بها بأية لحظة :
- هذا كان عقابك وأنت استحقيتيه على تلك الصفعه
ما الذي ظننتي انني سأفعله تحديدا
وحدق بها بقسوة مخيفه واشمئزاز ظاهرين :
- هل ظننتي أني سأنقض عليك مغتصبا إياك أمام جدتك والعاملين لدي وحراسي على ارض الطائرة هل هذا ما يدور في مخيلتك المريضة
وأخذ يشتم بالألمانية
وقد ادار ظهره لها وهويشعر برغبة في دق عنقها النحيل
لاعتقادها بانه سينحدر لهذا المستوى الدنيء والرخيص
وقفت لا ادري ما الذي أقوله أو افعله سوى انني احنيت راسي وقد احمر وجهي مشتعلا بالخجل والغضب من نفسي على ترك مخاوفي تتحكم في ردود أفعالي وفقداني القدرة على تمالك نفسي أمامه ما الذي سيظنه بي الان فتاه تافهه لا تفكر الا في الأمور الجسدية تترك مخيلتها تتحكم بها ولكن الأمر حدث رغما عني ما كان عليه احتضاني أو التمسك بي بهذا الشكل المريب الذي أعاد لي ذكريات طالما قمعتها داخل عقلي ارفض خروجها حتى أستطيع البقاء على قيد الحياه ومساعدة جدتي
يا الله ما الذي فعلته كيف سأنظر في وجهه مجددا بعد الآن
هو رئيسي في العمل وإقامتي أنا وجدتي في ألمانيا معتمدة عليه ماذا لو أمر السلطات بإبعادنا وطردنا إلى الحدود مجددا
همست بصوت خافت غير واضح
- أسفه سيدي لم اكن اقصد أو أعي ما افعله صدقني أنا .....
سمعته يصرخ وهو مازال رافضا الالتفات نحوي أو النظر باتجاهي
- اغربي عن وجهي ... هيا وإلا لن أتمالك نفسي فيما افعله بك واعلمي انك لو كنت اخر امرأة على وجه الأرض لن انظر إليك حتى فانا لا احتاج لمختلة عقليا في حياتي ... ابتعدي عن عيناي حتى نصل إلى واجهتنا
ابتعدت وساقاي ترتجفان ولا تقويان على حملي لكنني تحاملت على نفسي حتى لا اسقط أمامه لأنهي ما تبقى من كرامتي المبعثرة اشلاء أمام قدميه
ألقيت نفسي على مقعدي المجاور لجدتي وأنا امتنع عن النظر باتجاهه بإغماض عيناي متظاهرة بالنوم حتى لا ارى الاحتقار مشعا من عينيه الرماديتين لم اعرف كم مر من الوقت ونحن محلقين في الجو
حتى أعلن الطيار قرب هبوطنا في مطار برلين بعد لحظات هبطت الطائرة على ارض المطار بخفة وسرعة تدلان علىً براعة الطيار
لاعتدل بسرعه في مقعدي محاولة ايقاظ جدتي
لأسمع صوته يأمرني بحده
- توقفي .... لا داعي لإيقاظها
لأنظر اليه بطرف عيني وهو يشير براسه ان ابتعد عن طريقه
لابتعد خارجة من مكاني بارتباك وتوتر لينحني حاملا جدتي من جديد
اعترضت بصوت متزعزع خافت :
- أستطيع ....
ألقى باتجاهي نظرة محذرة .... بأن لا اعتمد على حظي كثيرا هذه المرة
ابتلعت كتله قلق كانت تسد حلقي
وتبعته بصمت خارجة من الطائرة لتبهر عيناي أشعة الشمس وتداعب وجنتاي نسمة هواء عليل لأعبىء رئتاي منها لاستعيد ولو جزء بسيط من ثقتي التي فقدتها هناك بالداخل
لاجد سيارة ليموزين سوداء متوقفة على المدرج الخاص بانتظارنا وسيارة رباعية الدفع تقف خلفها وبجوارها حراسه الشخصيين
هبطت الدرجات القليلة للطائرة لتستقر ساقاي اللتان مازالتا غير ثابتتين على ارض المدرج الصلبة لنتحرك نحو السيارة السوداء ليسرع احد الحراس لفتح بابها الخلفي لسيده ليضع ثائر المرأة العجوز بكل لطف
احترمته في تلك اللحظة كثيرا لانه لم يغير من معاملته لجدتي بعد كل ما حدث بيننا أشار الي للدخول قبله لأزحف نحو أبعد مقعد استطعت الوصول اليه في تلك السيارة الفارهة والواسعة وبالقرب من النافذة لأدفن فيها وجهي حتى لا أنظر إليه أو أواجهه مجددا كانت رائحة الجلد الجديد وعطره المسكي الذي عبىء السيارة بعد انضمامه إلينا أنا وجدتي في المقعد الخلفي تملىءانفي
حمدت الله ان جدتي ما زالت نائمه براحة نظرت إلى وجهها المغضن الشاحب
وأنا أبعد خصلة شعر متمرده إلى خلف أذني محاولة بكل قوتي عدم النظر باتجاهه لأشعر بألم في ذراعاي فأخذت أمسدهما وأنا اراهن بأنني سأرى كدمات زرقاء فوقهما فلقد حفرت أصابعه جلد ذراعي عندما كاد ان يكسر عظامي بسبب غضبه
لأراه يراقبني بقوة بتلك العينان القاسيتين
لأبعد يداي بسرعه وأنا أعيد نظري للمناظر خارج النافذة
علي ان لا أتذمر وان اشكر الله على انه لم ينتقم مني بسبب صفعي له بلا سبب بعد أن سحقت كرامته لاعتقادي بانه شخص قذر يفكر بالاعتداء علي
سمعته يقول وقد عاد الهدوء والاتزان إلى صوته مجددا
متحدثا معي بنبرة مقنعه لا مجال للشك بصدقها
- استمعي لي ياسمين .... أنا ما جئت إلى بافاريا خصيصا الا من اجل ما نسجته يداك وقمتي بتصميمه أي شيء اخر يدور في عقلك الصغير لا نية لي بفعله أو التفكير به حتى لذا اوقفي أوهامك وتخيلاتك القذرة عني
أومأت له براسي موافقة على ما يقوله
متابعا بنفس اللهجة الهادئة :
- لدي معرض دولي وارغب في كل ثانية من وقتك لنستطيع اللحاق بالزمن المحدد له واعلمي أني قد قمت بتعيينك مديرة قسم التصميم لدي وسوف تحصلين على أجر يفوق ما تحلمين به أو ستحلمين به في حياتك كما سأستأجر لك شقة فاخرة لتقيم بها أنت وجدتك وسأوفر لك كل ما تحتاجينه في مقابل .....حصولي على ما أريد منك
أمعن النظر بي بتلك العينين الباردتين لارتعد بقوة
- هل جعلت من نفسي واضحا لك .....الآن
أومأت برأسي موافقة
لأسمعه يقول بنبرة ارتياح :
- جيد ...
عدت بعيناي اللتان تحرقهما دموع الخزي والذل والتي منعني كبريائي من ذرفها أمامه إلى المناظر المتلاحقة بسرعة خارج نافذة السيارة محاولة إلهاء نفسي بها حتى وصولنا إلى وجهتنا
وأنا افكر ان كل شيء يهون في سبيل الحصول على المال لعلاج جدتي وعرضها على ذلك الجراح المشهورالذي نصحني به الطبيب في بافاريا و الذي كنت قد عقدت العزم بالسفر إلى برلين لعرضها عليه مهما كلفني الأمر
ولكن ها نحن كلتانا هنا في برلين وهذا كل ما يهمني حتى ولو أهنت أو ذللت أكثر من ذلك على يديه
انتبهت للمناظر الطبيعة الخلابة التي تمر أمامي ، وتلك المساحات الخضراء الشاسعة، والمناطق الطبيعية الهادئة التي تبعث البهجة في النفس وتشبه جمال الطبيعه في بلادي قبل الحرب
شاهدت باهتمام متنزه كبير كنت قد قرأت عنه في أحد الكتيبات السياحية التي وقعت في يدي اثناء تواجدي في مخيم اللاجئين في با فاريا وهو معروف بانه أكبر متنزه ويعرف باسم (تيرغارتين) ، ويوجد في وسط المنتزه ساحة النجمة العظيمة، إلى جانب المقر الرسمي للرئيس الألماني، وعلى قدر معلوماتي التي قرأتها برلين تحتوي على أماكن برية كبيرة جداً، من أكبر الأماكن في العالم، والتي اكتشفت من قبل أليكساندير فون هومبولد عام 1844م وبها ما يقارب 19.000 نوع من الحيوانات و1.400 فصيلة نباتية مما يجعلها المنطقة الأكثر تنوعاً في العالم، ليمر فجأة أمام عيناي أشهر المعالم الرومانسية في برلين القصر الموجود على جزيرة الطاووس، حيث يوجد في الجزيرة المنتزهات والجنائن وحدائق الورود وأعداد كبيرة من الطاووس ويتم الوصول لهذه الجزيرة عبر مركب صغير.
كنت قد رأيت صور لها في ذلك الكتيب وقد تمنيت ان ازورها يوما ما
كانت شمس الأصيل على وشك المغيب قبل ان نصل إلى وجهتنا فلقد استغرقت السيارة اكثر من نصف ساعة بسبب الزحام المروري حيث قطعنا مسافة فوق درب تحيط بها النباتات البرية الخضراء لنتوقف أمام بوابة كبيرة ذهبية تلمع بشدة تحت أشعتها الغاربة
لتفتح على مصرعيها بطريقة آليه حيث عبرت السيارة فوق ممر معبد لتصل عن طريقه إلى باحة حجرية تتوسطها نافورة على شكل تماثيل لالهة إغريقية
لتقف أمام قصر فخم لم يسبق ان شاهدت مثله في حياتي لانظر نحوه بتردد متسائلة بصوت مرتجف :
- هل يمكنك ان تخبرني ... أين نحن ؟
نظر الي بلا مبالاة مجيبا بلهجة قاطعة حادة :
- سوف تمكثين هنا ... في منزلي مؤقتا حتى اجد شقة مناسبة لك أنت وجدتك بالقرب من الشركة
لقد أمرتهم بإعداد جناح خاص لكما ولابد انه جاهز الان لاستقبالكما
شاهدت خادمة تدفع أمامها كرسي متحرك
وأحد الخدم يفتح باب السيارة لنا وهو ينحني باحترام
ترجلت من السيارة بتردد لا اعرف هل أصر على أن يصطحبنا فورا إلى شقة مستقله نقيم بها أم استسلم لأوامره المستبدة خاصة وان الوقت متاخر للجدال حول هذا الأمر ولقد كان يوما مرهقا لي ولجدتي ......زفرت بقوة وأنا لا اعلم ما علي فعله
شاهدته يحمل جدتي بنفسه مجددا ويضعها بعناية فوق ذلك الكرسي المتحرك ويأمر الخادمة باصطحابها إلى الجناح الذي أعد لنا
🌹🌹🌹🌹🌹🌹
أتمنى الفصل يعجبكم وياريت تصويت وتعليق عشان استمر في الكتابة وتشجيعكم بالتأكيد هو أفضل هدية للكاتب
كما ان دعمكم للرواية ونشرها ع نطاق واسع يساعد على ان تأخذ حقها بين الروايات وأنا أخذ حقي الذي يستحقه قلمي
وشكرا اعزائي الغاليين ع قلبي
أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
Storie d'amoreالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...