الفصل السابع عشر (17)
عندما يتخذ الإنسان قرارات حاسمة يسير عليها طوال حياته يتبع منهجها ويرفض ان ينحرف عنها قيد أنمله متمسكا بها بأظافره وأنيابه .....حتى تلك اللحظة...... لحظة مصادفته الحب على حين غرة فان جميع قرارته تكون هباء منثورا في غمضة عين ....فالحب إذا لم تكن تعلم يحطم كل ما يقف في طريقه ......
لم يستوعب عقلي في تلك الأثناء ما يحدث وأنا أرى ثائر يقف أمامي بجسده الضخم ممسكا بيد السيدة جمانه التي لم أستطع رؤية وجهها في تلك اللحظة لأسمع فحيح صوتها الغاضب :
- اترك يدي ثائر .... كيف تجرؤ..
قاطعها بنبرة حادة :
- وأنت كيف تجرؤين على إهانة ضيفتي .....
ملقيًا يدها بعيدا من قبضته بعنف
ألقيت نظرة مختلسة من فوق كتفه العريضة لأرى وجه السيدة جمانه الأحمر المنتفخ يكاد ينفجر كالبالون من شدة الغضب لأعود مسرعة للاختباء خلف جدار ظهره الحامي وأنا أستمع للشجار الدائر بينهما دون أن أجرؤ على التحدث خاصة وان الصراع قد احتدم معلنًا ما يحمل كلا الطرفين من حقده وكراهية للآخر وأن تدخلي الان لا فائدة منه خاصة انني كنت الذريعة التي يستخدمانها ليظهر كل منهما قوته أمام الآخر
أجابته السيدة جمانه بعصبية :
- أنا لم أوجه لها أي إهانة .... لقد سألتها فقط من سمح لهم بالمكوث في هذا الجناح ... وأنت تعلم بأن هذا الجناح للضيوف المهمين فقط
كما ان لدينا ملحق فارغ لما لا تستخدمه
رد ثائر بصوت قوي خشن :
- لأنني أمرت بهذا ....وهم بالنسبة لي ضيوف مهمين
جادلته السيدة جمانه بحنق :
- ولكنها مجرد موظفة ...لما عليك إعطائها حجمًا اكبر من حجمها
عم الصمت على الغرفة للحظة كتمت خلالها أنفاسي حريصة على عدم جذب الانتباه لي ليجيب ثائر بهدوء مخيف:
- لأنها شخص مهم بالنسبة لي ....هل هذا واضح ؟
اتسعت عيناي وهو ينطق بكلماته الأخيرة لانتفض بقوة عندما دوى صوت إغلاق باب الجناح بعنف
التفت فجأة محدقا نحوي بتعبير غامض استعصى علي قراءته لثوان ليتلاشى فجأة وهو يشيح بوجهه بعيدا ناظرا حوله قبل أن يتقدم نحو الأبواب الزجاجية للشرفة ليقف أمامها وهو يتنفس بحدة كأنه قد عبر لتوه خط النهاية لأحد سباقات العدو محاولًا على ما يبدو التحكم بغضبه
قبل أن أسمعه يتحدث بصوت أجش يحمل لهجة اعتذار :
- آسف بشأن ما حدث منذ قليل ....متابعًا بلهجة حازمة :
- وأعدك بأنه.... لن يتكرر مجددًا ....أبدا
كانت جمانه تقف في منتصف الممر تستشيط غضبًا ناظرة بحقد نحو الباب الذي أغلقته لتوها بقوة ارتجت له جدران القصر بعنف
وهي تتنفس بغضب مستعر على إثر ما حدث في الداخل موشكة على أن تنفث نارًا كالتنين تحرق بها الأخضر واليابس
لتخرج هاتفها النقال من جيب بنطال بذلتها الحمراء الأنيقة باحثة في جهات الاتصال لتجده أخيرًا لتقوم بالضغط فوق اسم ذلك الشخص وهي تضع الهاتف فوق أذنها وقد علت وجهها نظرة نفاذ صبر وهي تلوك شفتيها بعصبية بانتظار إجابة الطرف الثاني لتنفرج أساريرها بارتياح ظاهر
متحدثة بلهجة آمره :
- عليك الحضور إلى هنا فورًا ......
خفت صوتها ببطء عندما قطعت الممر متجهة بسرعة نحو جناحها
اتسعت عيناي وأنا أسمعه يعتذر عما حدث وأنا لا أكاد أصدق أذناي فكان آخر شيء أتوقعه من شخص مغرور مثله هو الاعتذار
شاهدته يلتفت نحوي مجددا بعد أن استطاع السيطرة على غضبه وهو يشير برأسه نحو الطاولة الجانبية التفت نحوها لأجد مجموعة الملفات والأوراق التي قمت بإلقائها من بين يدي سابقًا موضوعة فوقها
لأعود بنظري مجددًا نحوه لأراه يضع يديه في جيبي بنطال الجينز الذي يرتديه وهو يتابع حديثه بصوته الرجولي الخشن بلهجة آمرة :
- يمكنك العمل هنا بالقرب من جدتك ... لكن لابد لك من إنهاء دراسة هذه الملفات قبل الغد ...
أومأت برأسي موافقة دون تردد متنفسه الصعداء بارتياح وأنا أراه يخرج من الجناح بعد أن ألقى نحوي نظرة سريعة قبل أن يغلق باب الجناح بهدوء خلفه
كانت الساعة تشير للرابعة عصرًا كنا أنا وجدتي قد تناولنا غذاءًا خفيفًا منذ ساعة تقريبًا لأتركها بعد ذلك لكي تنال قسطًا من الراحة لأعود وأكمل دراسة تلك الملف مجددًا وشعور من الذنب يتآكلني لأنني لم أقم بأي خطوة أو اجراء للبحث عن ذلك الطبيب الذي نصحت به في بافاريا وعرض التقارير الطبية عليه قبل أخذ موعد لإحضار جدتي له
زفرت بحنق وأنا أهب واقفه من فوق الطاولة التي أعمل فوقها منذ الصباح وقد شارفت أخيرًا على الانتهاء من دراسة جميع تلك الملفات
كنت أذرع الغرفة بعصبية وأنا أفكر أن علي الخروج من هذا القصر بأية وسيلة
أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
Romanceالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...