الفصل العاشر (10)
هل يمكن للقدر ان يلعب معه تلك اللعبة الخطيرة ؟وهل هو سفينة تحركها رياحه العاتية كما تشتهي ؟ ولماذا تقلقه تلك الارتجافه الضعيفه التي لامست قلبه عندما وقعت عيناه عليها مجددا ؟ فهو لم يسبق له بأن أحس بهذا الشعور من قبل ......... عقد حاجبيه مفكرا ما الذي يحدث معه هل فقد عقله أم أنه يعاني من عدم اتزان سببه قلة نومه وآثار رحلته السريعة إلى بافاريا ............... و لماذا قد يؤثرعليه لقاءه بتلك الفتاة المشوشة للمرة الثانيه خلال أقل من ساعه فكر بحيره ... لكن التي تقف أمامه الآن تختلف كل الاختلاف عن الفتاه القوية التي واجهته هذا الصباح بكل تحد وكبرياء عن هذه التي يغلب عليها التوتر والارتباك حتى أنه ليكاد يسمع نبضات قلبها السريعه الخائفة منه من موضع وقوفه هذا عند النافذه وهاهو السيد تحسين يزيد من دهشته عندما أخبره أنها هي نفسها مصممة تلك الرسومات التي جاء خصيصا من برلين للقائها ......
كيف يمكن لفتاة مثلها مشتته الذهن و التي تقريبا القت بنفسها تحت عجلات سيارته ان تصمم مثل هذه الرسومات المبدعة مرر ثائر عينيه فوقها من رأسها ذو الشعر البني والذي ضمته إلى الخلف بإحكام وحتى أخمص قدميها ملاحظا أنها قامت بتبديل ثيابها الملوثة بالدماء بأخرى نظيفة في محاولة منه لاكتشاف سر هذه الفتاه الغريبه ليشاهد عيناها الخضروتان تتسعان برعب كرد فعل على رؤيتها له مجددا وكأنها شاهدت الشيطان متجسدا أمامها في صورة إنسان كبح بصعوبة ضحكة كادت أن تفلت منه و لكنه ابتسم بسخرية عوضا عن ذلك مستندا براحه فوق حافة النافذه الزجاجية ...عاقدا ذراعيه فوق صدره العضلي وقد تقاطعت ساقيه مع بعضهما أمامه بإسترخاء
وهو يتطلع نحوها بنظرة قط قد حصل لتوه على الجبن أخيرا
يا الله .... شعرت بأن أنفاسي تتصارع لكي تغادر صدري وأنا أفكر بأن القدر ليس منصف معي حقا ليجعلني التقي بهذا الرجل المغرور مرة أخرى وبهذه السرعة ولكي يكتمل سوء حظي فهو نفسه صاحب المصنع الذي أعمل فيه في تلك اللحظات البطيئة من ألزمن أردت أن أجهش بالبكاء كطفلة صغيرة سرق أحدهم لعبتها شاهدته يبتسم بسخرية نحوي وكأنه مستمتع مما أعانيه الآن
ازدردت كرة قلق كانت تسد حلقي وأنا أراقبه بنظرات حذره و ارى ابتسامته تتسع نحوي كبتسامة عنكبوت أوقعت فريستها في شباكها أخير
أغلقت عيناي للحظات مستنشقة الهواء بهدوءفي محاولة لاستعادة بعضا من توازني المفقود من وقع صدمة رؤيته مجددا وقد تسارعت دقات قلبي بقوة داخل صدري بخوف والذي اكاد أقسم أن بإمكانه سماعه من موقعه هذا عند النافذة لانتفض عند سماعه يتحدث إلي بصوته الرجولي الخشن بنبرة ساخرة خدشت أعصابي المتوترة:
- يبدو أنه مقدر لنا أن نلتقي مجددا ... ياسمين شاهين
نظر السيد تحسين نحوي بتساؤل :
- هل سبق والتقيت بالسيد ثائر من قبل ؟
شعرت بالارتباك عندما شاهدت نظرات السيد تحسين والسيد الديمير المتعجبة نحوي أسرعت بالتوضيح لهما بسرعة وأنا أتلعثم قليلا :
- كان مجرد ... حادث و ......
ليقاطعني بنبرة اتهام :
- كنت المتسببة به بسبب عدم انتباهك ......
اعترضت مقاطعة إياه بنبرة حاده :
- لقد سبق لي ...واعتذرت منك ماذا تريد أكثر ؟ ...
اعتدل فجأة من جلسته المسترخيه بخفة لا تناسب جسده الضخم متقدما نحوي بضع خطوات قادته ليقف أمامي مباشرة بكامل طوله المهيب والذي يبلغ تقريبا 180 سم لتتسع عيناي بذعر وهو ينحني نحوي ليتناسب مع قامتي البالغة 166 سم شعرت في تلك اللحظة بأنني قزمه أمام عملاق ليحدق في عيناي مباشرة وعيناه الرماديتان تلمعان كشذرات الفضة موجها حديثه لهما بتساؤل مستهزء مهين :
- هل أنتما على يقين بأن هذه الفتاه وأشار بأصبعه أمام وجهي التي تسير مشتتة الذهن في الشوارع تكاد تتسبب بالقتل لنفسها وللآخرين ...هي ذاتها من قامت بتصميم تلك الرسومات بالغة الدقة والاحترافية
لمحت بطرف عيناي كل من السيد تحسين والسيد ألديمير يحركان راسيهما بتأكيد على سؤاله وهما يحدقان في بعضيهما بقلق
فتح ثائر ذراعاه على اتساعهما باستسلام وهو يلتفت نحوهما واضعا يديه على خصره وهو يزفر بحنق وغضب دلالة على هزيمته لعدم قدرته على تغيير الواقع الذي أمامه
حاولت التحدث معترضة على اتهامته المجحفة بحقي :
- أرجوك أنا لا أقبل .......
ولكنه قاطعني رافعا يده في وجهي بحركة ملكية مغرورة ومشيرا بنفاذ صبر نحو مقعد حول طاولة الاجتماعات آمرا بلهجة خشنه نافذة الصبر :
- اجلسي ..... أرغب في مناقشة أمر هام معك
مشيرا بحركة خفيفة من رأسه للسيد تحسين والسيد الديمير ليغادرا المكان ويدعوهما بمفردهما واللذان بدورهما أسرعا في تنفيذ أوامره بلا نقاش
تحركت ببطىء بساقان واهنتان نحو المقعد الذي أشار إليه وأنا لدي رغبة شديدة في رفض أوامره والخروج من غرفة الاجتماعات أنا الأخرى لأعطي غروره درسا قاسيا لا يمكن أن ينساه لكنني للأسف في موقع ضعف فأنا بحاجة للعمل جلست أعصر بقلق يداي أسفل الطاولة وأنا أراقبه يجلس على المقعد الذي يتوسط طاولة الاجتماعات الزجاجية الأنيقة مسترخيا كملك يجلس فوق عرشه
إذن هذا هو (ثائر جودت جاهد البيسار) رئيس شركات ومصانع البيسار والذي كانت تسمع عنه من السيد تحسين والعاملين القدامى في المصنع على أنه قاس ومغرور ولا يهمه غير إنجاز العمل حتى ولو على حساب أي شيء أو أي شخص آخر
فهناك أطفال وعجائز يعملون في مصنعه ليل نهار لتلبية طلباته واحتياجاته دون أي تقدير لهذا كانت تحتقره دون أن تراه وعندما رأته الآن كرهته بكل ذرة في كيانها
لكن لماذا هو هنا ؟........ وما الأمر الذي يرغب في مناقشته معها وتتطلب رؤيتها بنفسه ؟
- ربما تتسائلين .........لماذا طلبت رؤيتك ؟
انتفضت متفاجأه ناظرة نحوه بحذر هل يستطيع قراءة أفكاري هل وجهي شفاف لهذه الدرجة ؟ لتلتقي عيناه بعيني لأشعر بالتوتر يجتاحني
أجبته بلهجة هادئة قدر استطاعتي :
- أجل
ليبتسم نحوي بخبث مداعباً لحيته بأصابع يده الطويلة والتي تغطي فكيه الحادين واضعا ساقا فوق الأخرى بأناقة مسترخيا للخلف في مقعده مشيرا برأسه نحو الأوراق الملقاة أمامه على الطاولة متسائلا بنبرة هادئه :
- هل أنت من قمت بتصميم هذه الرسومات
ألقيت نظره سريعة فوق الأوراق المبعثرة و التي يشير إليها فوجدت رسوماتي
أومأت براسي مجيبة بصوت خافت :
- أجل ... إنها تصميماتي
اعتدل في جلسته والتقط إحدى تلك الرسومات ممعنا النظر فيها
-هل سبق لك ودرستي فن التصميم
استعدت صوتي فجأه لأجيبه بثقة :
- نعم ... كنت في سنتي الأولى في كلية الهندسة قسم التصميم والزخرفة لكنني لم أكمل بسبب اندلاع الحرب
أومأ برأسه بتفهم وعاد لمداعبة لحيته وهو ينظر لأحد الصور التي التقطها هي الأخرى من فوق الطاولة ليضعها أمامي وهذه السجادة هل قمتي بتصميمها وحياكتها يدويا
ألقيت نظرة سريعه على الصورة التي عرضها أمامي
لأجيبه بصوت ناعم و بلهجة فخورة فهذه السجادة غالية على قلبي فهي أول عمل نسجته يداي
- أجل ... تعلمت حياكة النسيج على يد جدتي
نعم جدتها هي السبب في نجاتهما معا أغمضت عينيها بإمتنان وشكر لجدتها
لتتفاجأ به يهب قافزا من مقعده بسرعة كأن لا رغبة له في اضاعة المزيد من الوقت عليها آمرا إياها بصوته الخشن وبلهجة قاطعة لا تقبل النقاش
-إذن استعدي .....سترحلين معي الى برلين الآن
حدقت به مذعورة وقد فغرت فمي بدهشة
هل أنا أتوهم ؟.....أم أنه قال حقا .....انني .......سأرحل معه إلى برلين
تحرك خارجا من غرفة الاجتماعات دون أن ينظر بإتجاهي او يسمح لي حتى بالموافقة أو الاعتراض
فشعرت بالدماء الساخنه تتدفق إلى رأسي بقوة خاصة عندما سمعت جملته الأخيرة التي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير
- هيا لا وقت لنا لنضيعه ..... فالطائرة بانتظارنا
وخرج من غرفة الاجتماعات كملك ينتظر من رعاياه تنفيذ أوامره دون أي اعتراض تاركا إياي انظر في اعاقبه واثقا بأنني سأتبعه كعبدة مطيعة
اللعنة علي......... إذا تركت هذا الرجل يظن أنه قادر على التحكم بي
فالواجب علي أيقاظه من أوهامه بسرعة .....
أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
Romansالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...