الفصل الثامن (8)
سوء تفاهم ... جنون وغيرة ......ألم وعذاب
هي الخلطة السحرية غير المفهومة للحب
حدق ( ثائر ) بغضب في تلك العينين الخضراوتين المتسعتين بصدمة واللتان تنظران نحوه بخوف ودهشة مماثلة لدهشته وقد اغرورقتا بالدموع ...... مرر عيناه الرماديتان بحدة فوق وجهها ملاحظا جمالها الملائكي الناعم واستدارة وجهها على شكل قلب ووجنتيها المشرقتين بلون الخوخ الناضج واللتان تشبهان وجنتا الأطفال وشفتيها الرقيقتان المغريتان ليشعر بتيار غريب يضرب جسده مسببا رجفة امتدت من قبضة يده التي تتشبث بمرفقها بقوة منتشرة لتشمل أنحاء جسده .... أخذ نفسا عميقا محاولا استعادة هدوءه متعجبا لما يحدث له ......قطعت أفكاره الشاردة محاولة الفتاه التحرر منه ليقوم هو في المقابل بتشديد قبضته أكثر عليها مانعا إياها من الإفلات منه بسهولة مستعيدا شعوره بالغضب نحوها وهو يهزها بعنف صارخا في وجهها :
- هل أنت مجنونه ؟ هل تسعين للانتحار ؟
شعرت بالدوار يضرب رأسي بسبب هزه العنيف لي ..... فأسرعت بالتشبث بقوة بساعدي الرجل الضخم الذي يصرخ في وجهي وعيناه تلمعان اتجاهي بوحشية قاتلة أغلقت عيناي للحظات محاولة إستعادةً توازني المفقود والخروج من حالة التشوش التي أصابتني وأنا أشعر بأن ساقاي المرتجفتان من الصدمة لا تقويان على حملي ولكنني رغم ذلك حاولت انتزاع مرفقي من قبضة الرجل المحكمة ...... ليدفعني هو فجأة بعيدا عنه .... مشيحا بوجهه عني وواضعا يديه على خصره أسفل معطفه الجلدي الأسود الطويل المفتوح وهو يلعن بقوة ......كانت أبواق السيارات المتوقفة خلف سيارته تصدح معلنة إعتراضها عن توقفه في وسط الطريق معيقا بها حركة المرور لكنه لم يأبه لهم أو يعيرهم أي إهتمام لأري سيارة سوداء رباعية الدفع تقترب وتتوقف بالقرب من السيارة التي صدمتني ليخرج منها رجلين ضخمين كالمصارعين يرتديان بذلات سوداء ونظارات بنفس اللون ويضعون سماعات لاسلكية في آذانهم
يبدو أنهما الحارسان الشخصيان لهذا الرجل واللذان قاما بتولي أمر تحريك السيارات الأخرى الذي تسبب الحادث في عرقلتها
تملكني الشعور بالخوف فهو على ما يبدو شخصية مهمة لا يجروء أحد على الوقوف في وجهه
وهي مجرد لاجئة سورية دخلت البلاد حديثا فقد يتم طردها وإبعادها في أية لحظة ان أثارت المشاكل
إعتذرت له بصوت مرتجف معترفة له بخطأها :
- آسفة سيدي .... أنا حقا آسفة ........كانت غلطتي فقد كنت شاردة الذهن
أثناء عبوري الطريق
وأدرت وجهي بعيدا عنه لأجد أوراق فحوصات جدتي متناثرة على الأرض حولي نتيجة الاصطدام فأسرعت بالركوع على ركبتي شاعرة ببعض الألم فيهما لكنني لم أهتم سوى بجمع أوراقي بسرعة والإبتعاد عن هذا الرجل الخطير وإعادة حركة السير إلى طبيعتها والتي عرقلتها بسبب شرودي و حزني على جدتي و كان هذا هو عذري الوحيد أمام نفسي ......
إلتفت ( ثائر ) مجددا بإتجاه الفتاه عند سماعه إعتذارها منه واعترافها بخطأها بصوت مرتجف ملاحظا لكنتها التي تدل على أنها ليست ألمانيه
راقبها وهي تركع على الأرض أسفل قدميه محاولة جمع الأوراق المتناثرة بيديها المرتجفتين من أثر الصدمة فقد كادت تلقى حتفها تحت عجلات سيارته لو لم يتوقف في اللحظة الأخيرة ......... لفت نظره بنطال الجينز الذي ترتديه وقد تمزق فوق ركبتيها مع وجود بقع من الدماء يبدو أنها قد أصيبت عند سقوطها على الأرض بفعل الإصطدام ليزداد غضبه نحوها فكيف تكون بهذا الإهمال ؟وعدم الإهتمام ؟ أمعن النظر فيها قليلا أنها تبدو كشخص مشوش وغير طبيعي بالنسبة له
تبا .......أنه لا يستطيع تركها هكذا وهي مصابه ويرحل فهو ليس معتادا عن التخلي عن مسؤوليته رغم أنه ليس خطأه المباشر لكنه السبب بإصابتها على أي حال ولو بطريقه غير مباشرة
اتجه نحوها ليجذبها مجددا من مرفقها برفق هذه المرة لتقف مانعا إياها مما كانت تفعله لتنظر إليه بدهشه وهو يشير إلى بنطالها ويسألها بخشونة:
- هل أنت بخير ؟ هناك دماء لابد وأنك جرحت أثناء سقوطك
نظرت إلى المكان الذي يشير إليه لأجد أن ركبتاي تنزفان فعلا لكنني أسرعت أجيبه بصوت واثق :
- اطمئن فأنا بخير..... لا داعي للقلق بشأن هذا أستطيع التحمل
نزعت مرفقي من بين يديه مبتعدة عنه بأسرع ما تستطيع ساقاي المصابتان حملي لكنني شهقت بفزع عندما وجدت نفسي محمولة بين ذراعي ذلك الرجل وعيناه تحدق داخل عيناي والغضب يتطاير منهما لأشعر بإزدياد نبضات قلبي المضطربة وانتشار الخوف بداخلي واندفاع هرمون الادرينالين جعلني أتولى بين ذراعيه بعنف في محاولة مني للإفلات من قبضته المحكمة إلا أن الأمر كان مستحيلا
أمرته بصوت متوتر وبأنفاس مضطربة باللغة الإنجليزية :
- أنزلني ؟ هل أنت مجنون ؟ ماذا تظن نفسك تفعل ؟ اتركني...
اقترب فمه من أذني هامسا بصوته الرجولي الخشن مستخدما الإنجليزية :
- لا أتمنى لك رؤية جنوني لأنك حينها سوف تندمين على ذلك ؟ أما ما الذي أفعله فأنا أقوم بإصطحابك للمشفى للعلاج فأنا لا يمكنني الرحيل حتى أتأكد من أنك بخير ولا يوجد أي شيء خطير
قاطعته معترضة :
- أخبرتك أنني بخير .......
استمر بالتحدث كأنها لم تقاطعه
- وأريد تحذيرك أن لا أحد يجرؤ على إدارة ظهره لي والإبتعاد أثناء حديثي معه
و تحرك متجها الى سيارته حاملا إياي بدون جهد يذكر حيث قام
أحد الحارسين بفتح باب السيارة له ليضعني في المقعد المجاور للسائق وهو ينحني مقتربا مني ليضع لي حزام الأمان لأبتعد بجسدي عنه قدر استطاعتي وقد امتلأت رئتاي برائحته المسكية المزعجة ليقوم بعد انتهاءه بإغلاق باب السيارة بقوة
وهو يستديرحولها بسرعة مستقلا مقعد السائق برشاقة رغم ضخامته وهو يضغط عدة أزرار بأصابعه الطويله طالبا من جهاز الملاحة لديه أن يحدد له اقرب مشفى لينطلق بعد ذلك بسرعه وهو ينظر أمامه دون أن يعيرني أي اهتمام
تحدثت إليه مجددا في محاولة أخرى لإقناعه :
- أرجوك صدقني .... أنا حقا بخير
نظر الي بعينيه الرماديتين الحادتين ثم أعاد نظره للطريق مجددا بلامبالاة متحدثا معي بلهجة باردة :
- لا أستطيع الإعتماد على كلمتك في هذا .... فأنت تبدين لي كشخص مشوشا غير مدرك لما يحدث معه أو حوله ......
شعرت بغضب يعتمل داخلي وأنا أسمع رأيه المجحف بي
رمقها بزاوية عينه ثم تابع حديثة بلهجة مليئة بالإحتقار :
- أو ربما ...... أنت تدعين كل هذا لتقومي بتقديم شكوى ضدي والحصول على تعويض مالي كبير بدعائك مثلا بأنني صدمتك وفررت تاركا إياك مصابة على قارعة الطريق
كانت هذا الإتهام الظالم بحقي هي القشة التي قسمت ظهر البعير
إلتفت إليه بغضب وتحدثت معه بالعربية دون وعي مني
- يالك من إنسان حقير ومدع ..... أوقف هذه السيارة الآن وأنزلني .....
التفت ثائر نحوها بدهشة متسائلا بالعربية :
- هل أنت عربية؟
تجمدت في مكاني وقد اتسعت عيناي برعب وأنا التفت نحوه ببطىء تاركة مقبض الباب المجاور الذي كانت أحاول فتحه
- هل تتحدث العربية ...... حدق بي للحظات ليعود بنظره مجددا إلى الطريق وهو يتجاهل سؤالي لأشعر بأن السيارة تبطىء سرعتها عند إعلان GPSوصوله إلى وجهته ليتوقف أمام مدخل الطوارئ مترجلا من السيارة برشاقة متجها نحوي ليفتح الباب لي كنت قد أزلت حزام الأمان
لأنزل لكنني فوجئت بنحناءه فوقي ليحملني مجددا بين ذراعيه
صرخت فيه بحدة :
- ماذا تفعل .....أتركني يمكنني السير
همس في أذني ساخرا بصوته الرجولي خشن :
- لا أستطيع الاعتماد على كلامك في هذا أيضا ......فأنا لا أريد فتاة فاقدة الوعي وملقاة على الارض أمامي
كانت المرة الأولى التي أدقق النظر في وجهه كانت له بشره ذهبية ربما نتيجة تعرضه لأشعة الشمس ذا أنف مستقيم بتفاخر وفك حاد تغطيه لحية ذهبية وعضلة تتحرك دالة على نفاذ صبره .....شعرت برجفة تمتد إلى جميع أنحاء جسدي
فهو يبدو بخصلات شعره الذهبي الطويله والتي جمع جزء منها الى الأعلى برباط مطاطي تاركا الباقي منسدلا لأسفل عنقه كرجال العصابات الخطرين
دخلا إلى ممر الاستقبال في المشفى لتسرع بإتجاهنا إحدى الممرضات تحدث إليها واصفا لها ما حدث نظرت إلى ركبتاي ثم
أشارت لنا لنتبعها إلى غرفة الفحص
وضعني على سرير الفحص بلطف ناظرا الى وجهي الذي اشحته بعيدا عنه بخجل ظل يحدق بي للحظات ثم استقام فوقي بطوله الشاهق وهو يعقد ذراعيه فوق صدره العضلي ذارعا الغرفة بنفاذ صبر
حضر الطبيب إلى غرفة الفحص ليخبره عن الحادث بالتفصيل ورغبته بالتأكد من أني بخير
أومأ الطبيب متفهما وبدأ بفحصي متعمدة خلال ذلك الوقت عدم النظر بإتجاهه رغم شعوري بذبذبات الخطر التي تشع منه
طرح الطبيب علي عدة أسئلة أجبتها أثناء علاجه لركبتاي بعد قصه للجزء المحيط بالخدوش ......ليسألني إذا كنت أرغب بتقديم شكوى للشرطة
شعرت بنظراته الحادة نحوي متوقعا ربما انتهازي الفرصة كما يقول لطلب المال
حركت رأسي برفض متذكرة سبب سيري بدون إنتباه في الطريق تحدثت بصعوبة وبصوت مرتجف :
- كانت غلطتي ..... فقد كنت أسير بدون إنتباه
أومأ الطبيب موافقا
- حسنا كما تشائين ..... لقد قمت بتنظيف الخدوش فهي سطحيه تحتاج فقط للعناية حتى لا تصاب بالإلتهاب وقمت بوصف بعض المضادات الحيوية والمسكنات تناولت منه الورقه شاكره وأنا أقف على قدمي بحذر ثم بدأت بالتحرك لأشعر به يقترب نحوي يريد مساعدتي لكنني تجاوزته بسرعه خارجة من غرفة الطوارىء متجهة الى باب الخروج من المشفى وقفت على الرصيف أبحث عن سيارة أجرة تقلني
لأتفاجأ به يقف بجانبي دافنا يديه في جيبي بنطال الجينز الأسود خاصته و سمعته يتحدث بصوت هادىء :
- دعيني أوصلك الى المكان الذي ترغبين بالذهاب إليه
رددت بحزم رافضة عرضه بسخرية :
- شكرًا ..... على اهتمامك ولكنني أستطيع الإعتناء بنفسي منذ هذه اللحظة جيدا كما أنك على يقين الآن من أنني بخير ولن أطالبك بأي تعويضات مالية
التفت نحوي بحده يراقبني بعينيه الحادتين للحظات ...... لكنه في النهاية حرك كتفيه بلامبالاة وابتعد متجها الى سيارته ليقف أمام باب السائق مترددا لثوان ....ليستقل بعدها سيارته منطلقا بها من أمامي بسرعة مصدرا صوتا حادا بغضب جاعلا جميع المارة ينظرون إلى سيارته بإستهجان
تنفست الصعداء بتخلصي منه فقد كان يعيد إلي التوتر والخوف الذي ظننت أنني تجاوزته عند اقتراب أي رجل مني .....
نظرت إلى الأوراق التي أحملها وأنا أشعر بالإختناق والعجز ماذا علي أن أفعل ؟
توقفت سيارة أجرة أمامي استقليتها رغم أن هذا الأمر سيؤثر على محفظتي وأنا بأمس الحاجة لأي مال قد يتوفر معي لكنني لا تستطيع السير بتلك الحالة
.............
وصل ثائر إلى المكاتب الادارية لمصنع آل البيسار ليتفا جأ موظفي الاستقبال بوجوده أمامهم أسرع أحدهم بإستقباله وهو يتحدث بتلعثم
- سيد ثائر ......لم نتوقع حضورك اليوم
ابعد ثائر نظارته الشمسية وهو يرد عليه بسخرية فظة:
- وهل علي إعلامكم بتحركاتي ...... أين السيد ألديمير
أجابه الموظف بإضطراب :
- انه في مكتبه
شاهدا السيد ألديمير قادما نحوهما من بعيد بسرعة هو ومجموعة من الموظفين
- سيدي لم ........
قاطعه ثائر بحزم
- بالتأكيد كان عليك توقع قدومي بعد رؤيتي للملف الذي قمت بإرساله
أومأ السيد ألدمير معلنا موافقته:
- بالطبع سيدي ..... تفضل غرفة الاجتماعات من هنا
................................
دخلت إلى الشقة لأجد جدتي جالسة أمام الطاولة الخشبية في غرفة المعيشة تقوم بتجهيز طعام العشاء لنا
التفتت إلي بدهشة عند دخولي إلى المنزل متسائلة بصوت ضعيف نتيجة السعال :
- لقد عدت مبكرا ؟ لتنتفض بفزع عند ملاحظتها لبنطالي الممزق لتصرخ متسائلة بفزع وهي تحاول الوقوف بصعوبة :
- ما الذي أصابك ياسمين ؟ هل أنت بخير ؟
اتجهت إليها مسرعة لأطمئنها وأنا أمسك بذراعيها لأعيدها إلى مقعدها مجددا
- أنا بخير جدتي إطمئني .... فقط تعثرت وأنا في طريقي إلى المنزل
لا شيء خطير
تنهدت الجدة وعادت للاسترخاء مكانها وهي تسعل قليلا
- عليك الانتباه أثناء سيرك .... حتى لا تتأذي أكثر المرة القادمة
جلست على المقعد المقابل لها متردده وأنا أفكر كيف سأقوم بإقناعها بالسفر معي إلى برلين لعرضها على طبيب آخر كما إقترح علي الطبيب هنا ......استجمعت شجاعتي أخيرا متحدثة بخفة :
- لقد ذهبت إلى الطبيب في المدينة اليوم للحصول على نتائج الفحوصات نظرت إلى جدتي تنتظر مني الإنتهاء من حديثي أجليت حنجرتي وتابعت بتوتر :
- طلب منا الذهاب إلى برلين فهناك طبيب .....
قاطعتني جدتي بحزم :
- لن أذهب إلى أي طبيب آخر
اعترضت بقوة :
- ولكن جدتي .....
تابعت وهي تنهض من مكانها ببطىء :
- لا أريد أي نقاش فأنا بخير منذ تناولي الأدوية التي وصفها لي هذا الطبيب ....حتى أنني أصبحت أنام براحة ....لذا توقفي عن القلق
لتتحرك بثقل متجهة إلى المطبخ حاملة ما كانت تجهزه في يدها مغلقة النقاش نهائيا حول هذا الأمر
تنهدت بحزن وأنا أنظر في أعقابها :
- كيف لا أقلق؟ ....... وأنت سترحلين وتتركينني أيضا
أحرقت الدموع عيناي فأغلقتهما بقوة مانعة إياها من النزول
سمعت طرقات قوية على باب الشقة فنهضت مسرعة لأفتح الباب لأجد
صوفيا زميلتي في المصنع تقف أمام الباب ويبدو التوتر على وجهها وهي تتحدث بأنفاس مقطوعة وكأنها كانت تركض للوصول إلى هنا
- ياسمين السيد تحسين والسيد ألديمير .....يطلبان منك الحضور إلى المصنع حالا .......أتمنى الفصل ينال إعجابكم
قراءة ممتعة للجميع 🌹
أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
عاطفيةالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...