الفصل الثالث (3)
تأتينا الفرص مرة واحدة فإن لم يغتنمها الشخص ربما يفقدها وتضيع منه عندها يشعر بالندم إلى الأبد من جهة أخرى ..... قد يكون الذهاب إلى المجهول أمرا مخيفا حقا .......
شعرت بنبضات قلبي السريعة فهذه هي فرصتي الوحيدة التي ربما قد أرسلها الله لي لأنقذ من خلالها جدتي تابعت بعيني جميع الرجال في المخيم يركضون بإتجاه قائد جنود الحدود والذي أعلن عن الامر منذ لحظات ليجتمع حوله المئات من الرجال والنساء وأنا واحدة منهم نتمسك بالقشة التي تمنعنا من الغرق
نظر إلينا نظرة عطف وشفقة لم نراها من أي شخص طوال رحلة الموت تلك
سمعته يطلب ترتيب صفين واحد للنساء وآخر للرجال علمت عندها أن أمامي فرصة أكبر للخروج من هنا
وقفت في صف النساء وأنا أتعرف على بعض من كن معي في قارب الموت ذاك وهن يقفن معي أيضا في الصف وأنا أعلم أنهن لسن عاملات للنسيج بل بعضهن معلمات في المدارس وبعضهن طبيبات ومهندسات ولكن هذا هو الواقع الآن فالمطلوب للعبور حتى ولو خادمة فسوف يوافقن على ذلك دون أي تردد حتى يجتزن ذلك الحاجز الحديدي لينجون هن أطفالهن أو عوائلهن
زفرت بقوة لتخرج أنفاسي الدافئة مشكلة هواء أبيض حول وجهي وأنا أفكر كيف سيتم اختيارنا وعلى أي أساس ؟
وقفت وأنا أضم معطفي حول جسدي لربما أشعر ببعض الدفىء والطمأنينة
وأنا أردد في ذهني أن علي نيل هذه الوظيفة بأي طريقة وإلا فإن الهلاك سيقرع طبوله قريبا معلنا قدوم الموت
.................
خرج ( ثائر ) من قصره مرتديا جاكت من الجلد البني الفاتح وخصلة من شعره الذهبي تتأرجح فوق جبهته السمراء وهو يضع ذراع نظارته الشمسية في فمه بلامبالاة متجها إلى سيارته اللامبرجيني الرياضية السوداء المفضلة لدية والتي أحضرها له الخادم من المرآب والذي يضم بداخله أسطول من السيارات الرياضية السريعة والتي سعى جاهدا للحصول عليها فهو لديه ادمان منذ نعومة أظافره على إقتناء أسرع وأحدث أنواع السيارات
قفز إلى داخل سيارته المفضلة برشاقة رغم جسده الضخم منطلقا بها بسرعة قصوى عابرا الاراضي المحيطة بالقصر متجها إلى البوابة الرئيسية وقد انطلقت خلفة سيارة رجال الأمن المكلفين بحمايته
وقفت (جوليا ) خلف نافذة قاعة المعيشة تنظر إلى ابن عمها بغيظ لتلتفت لتجد والدتها جالسة باسترخاء ممسكة بكوب الشاي الخزفي بين يديها برقة ترتشفه باستمتاع وتلذذ
لتلقي جوليا بستائر النافذة البيضاء من قبضتها بعنف متسائلة بغضب :
- كيف بإمكانك الجلوس هكذا بكل هدوء ؟
نظرت ( جمانة البيسار ) إلى أبنتها بعيونها السوداء الجميلة رافعة حاجبا أنيقاً بدهشة وهي ترد بنبرة متسائلة تتخللها السخرية :
- ماذا تريدين مني أن أفعل ؟ هل أغويه أنا بدلا عنك ؟
وقد صدرت عنها ضحكة حادة مستهزءه وتابعت وهي تنثر الملح على جرح ابنتها
- إعترفي بهزيمتك الساحقة أمام ( ثائر ) وفشلك منذ سنوات في جعله يقع في غرامك مجددا ؟
حدقت ( جوليا ) في والدتها وقد ازداد غضبها أضعافا وقابلت سخريتها منها بضربة قاتله وهي تقول بنبرة متشفية:
- سخريتك هذه لن تفيدنا في شيء عندما يعود يوما ما إلى القصر ضاما بين ذراعيه فتاة يطلق عليها زوجته عندها أريد أن أرى هدوءك هذا عندما تنتزع منك جميع الصلاحيات بصفتها زوجة رئيس عائلة البيسار
ألقت جوليا بنفسها على الأريكة البيضاء ذات النقوش الذهبية بقوة ناظرة إلى أمها بشماته
والتي كانت هذه الأخيرة تمعن النظر في نقوش كوب الشاي الخزفي النادر وهي تمسكه بين أصابعها بقوة تكاد تحطمه وهي تعلم أن ابنتها محقة في ذلك....
وصل ثائر إلى مكاتب شركته الرئيسيه الواقعه في شارع فريدريش-إبيرت-شتراسه دويتشه بان ساحة "بوتسدامر بلاتس
حيث هبط من سيارته ملقيا مفاتيحها إلى أحد الحراس الواقفين خارجها للعناية بها ووضعها في الموقف الخاص بها وهو يتجه بكل ثقة وفخرملك إلى مملكته
أجل مملكته (مجموعة البيسار) المعروفة في جميع أنحاء أوروبا بصناعتها لأفخم وأجود أنواع السجاد الشرقي والتي يتهافت الجميع على اقتناءها ويسعون للحصول عليها بأي ثمن
لقد أسس جده ( جاهد البيسار ) أول مصنع له في ولاية بافاريا ثم في تورينغن ثم أسس شركته بعد ذلك في العاصمة برلين ليوسع أولاده بعد ذلك أمبراطوريته لتشمل جميع أنحاء أوروبا
جاهد البيسار الذي خرج من بيروت منذ قرن مضى ليستقر هنا في ألمانيا حاملا عائلته معه بعيدا عن الحروب وويلاتها باحثا عن أرض جديده يمد بها جذوره ومنذ ذلك الوقت أولاده وأحفاده يكملون ما بدأه هنا
أنت تقرأ
رواية مهاجرة إلى حبه ج1 (مكتملة)
Romanceالنهاية زحف البرد القارس يمزق أوصالي الرقيقة ويرج جسدي الضئيل والذي لا يكاد يحميه ثوبي الممزق هذا ..... لا أعرف كيف وصلت الى تلك الحديقة أو كم من الوقت استغرقته في الجلوس فوق هذا المقعد الخشبي فهذا لا يهمني لأن كل ما أشعر به الآن هو البرد والوحدة...