الفصل العاشر

2.1K 114 4
                                    

أجفلت هيلينا من دخوله المفاجيء عليها ظناً منها أنه سمع حوارها مع والدتها لكنها حاولت تدارك الأمر قائلة بثبات زائف : هل ترى أحد بالكوخ غيري؟

إبتسم بسخرية قائلاً : كنت متأكد أنكِ مختلة عقلياً

رمقته بغيظ : نعم أنا مختلة وأتحدث مع نفسي وأحيانا أرد عليها .. إن لم تمانع لاتقتحم خصوصيتي من فضلك

تحولت إبتسامته إلى ضحكات عالية ثم قال لها هازئاً : تمكثين في كوخي وتطلبين مني عدم إقتحام خصوصيتك؟.. أرجو أن تنتبهِ لحديثك

فغرت شفتيها مصدومة من عجرفته في الحديث وللحظة شعرت بخيبة أمل من طريقته التي تثبت لها مدى إستيائه من وجودها مما آلمها كثيراً وأردفت بإبتسامة باهتة : أعدك أنني سأغادر في اقرب وقت

شعر ببعض تأنيب الضمير عندما لمح نظرة الألم في عينيها وأيقن أنه بالفعل تعامل معها بشكل غير لائق.. إقترب منها مطرقاً برأسه لأسفل ثم مد يديه بالطعام بهدوء : لا عليكِ يمكن البقاء قدر ماتشائين .. تفضلي هذا الطعام من أجلك

تناولت منه الطعام تسأله بتعجب : ألن تأكل معي؟

أولاها ظهره متجهاً إلى الخارج بتعب : لست جائع... سأمكث بالخارج ولا تفسرِ هذا بأنني لا أتحملك أنا فقط أحتاج بعض الهواء

تتبعته بأنظارها حتى خرج تماماً وإنتابها خوفاً غريباً عليه كأنها غير معتادة على القلق المصاحب لمشاعرها تجاهه.. لم تكن تعلم أن رؤيته حقيقة موجعة هكذا.. تود لو تحتضنه بقوة.. تطمئنه.. تسكن وجع روحه الذي يظهر بوضوح على ملامحه رغم تظاهره بالمرح.. من حين لآخر تلوح نظرة حزن داخل عينيه.. تؤشر لها بمعرفته بالدائرة التي رسمت حوله دون إرادته وهذا يؤلمها كثيراً ..أما هو آثر الصمت تحت تأثير حرم عينيها الزمردية.. في سابقة أولى من نوعها تأسره مقلتين.. يجاهد على المقاومة.. مقاومة غير منصفة.. مرهقة.. تضيف إلى همومه هماً حديث العهد به.. حداثته تكمن في رغبة موجعة لكنه كالعادة يكبت كل ماهو آدمي داخله حتى أصبح مثل رفقائه المؤنسين ..إستند بظهره إلى جذع الشجرة الموجودة بالفناء يضم ركبتيه إلى صدره وأغمض عينيه في محاولة لإستجداء بعض السكينة.. وفجأة شعر بخدر في ذراعه الأيسر يثقله بشكل مريب.. بالكاد إستطاع رفعه ببطأ يدلكه بكفه اليمنى ..فزع بشدة عندما تحسس مكان الوشم وجده بارزاً على غير المعتاد .. حاول إزالة أي شعور بالخوف داخله لكن سرعان ما تملك منه الذعر بعد سماعه لصوت فحيح يصل إلى أذنيه بهمهمات غير مفهومة.. إنتفض واقفاً بأنفاس لاهثة ولم يجد حلاً سوى التجول لبعض الوقت حتى يتخلص من هذه الوساوس

*************

لم تستطع هيلينا النوم أو الأكل طيلة الفترة التي قضاها چايدن بالخارج.. وإشتد الألم في ساقها المجروحة كثيراً فمدت يدها تتلمس سترته الملفوفة حولها.. إبتسمت رغماً عنها ولاح في ذهنها ماحدث بينهما صباحاً .. وقح.. بل شديد الوقاحة لكنها وقعت في فخ عشقه مرتين وكأن لرؤيته أمامها مذاق خاص.. أذابها خجلاً من تلميحاته الجريئة.. دغدغ حواسها بأنفاسه ..قربه الغير متعمد منها جعل عزيمتها علي إنقاذه أقوى.. ذراعيه التي حملتها ودثرتها بدفئ لذيذ أخبرتها بأن التضحية من أجل البقاء بينهما اصبحت محتومة.. عضت على شفتيها بغيظ عندما تذكرت نعته لها بأنها بلاء رأس.. تنفست ببطئ قائلة : إن كنت أنا بلاء رأسك فأنت بلاء قلبي ياولي العهد ..أفاقت من شرودها على صوت صرير الباب يفتحه مطلاً بكل وسامة الدنيا منه.. لم تأخذ وقتاً طويلا حتى تتبين ملامحه المكفهرة.. نظرت له بتعاطف ثم تحدثت أخيراً بعد دقائق من الصمت المتخاذل تسأله : هل مازلت غاضب من وجودي هنا؟

( خادم الوشم) بقلم ( نيللي العطار)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن