ترنح خطوة للخلف بأعين مغمضة وشفتين فاغرتين مصعوقاً وكأن ماقالته إرتطم بجسده كحجر ثقيل أصاب نقطة دامية داخل صدره فإزداد نزيف قلبه وللحظة توقف الزمن وثبت دوران الأرض وإنكسر عموده الفقري أثراً لضربة سوط قوية.. تحدثه نفسه بلوم وخوف ( لم يكن تهديداً .. لقد نفذت ماقالته وإختفت وأنت السبب.. أنت من أضعتها.. ولتتحمل عواقب ما إقترفت).. و بأنفاس مرتجفة ولسان تجمدت فوقه الكلمات سألها محاولاً الوقوف مستقيماً : كيف إكتشفتم الأمر؟
نظرت له چوليا والدموع تترقرق بمحجريها : كنا نجلس أنا وخالتك مع جدتك بجناحها وإذ فجأةٍ دخلت علينا إحدى الجواري بملامح مرتعبة تخبرنا بأن سمو الأميرة تمر بنوبة بكاء هيسترية حتى أنها مزقت رداءها وقلبت خزانة ملابسها رأساً على عقب فركضنا سريعاً لنتفقد الأمر وجدناها تركت الجناح بحالة مزرية وتبخرت
إبتلع ريقه بصعوبة متسائلاً بتوجس : هل بحثتم جيداً داخل القصر ؟.. إنها تحب الجلوس على مقعدها المفضل بالحديقة .. ألم تجدونها هناك أيضاً؟
أومأت برأسها نفياً تقول بيأس : كلا.. صمتت لثواني ثم رفعت يدها ببطأ تعطيه شيئاً يخص هيلينا قائلة بحزن : هذا طوق الياسمين خاصتها..
جحظت عينيه بشدة كالمطعون وتناوله منها بيد ترتعش خوفاً قائلاً بضعف وعدم إتزان : أمي..
أمسكته چوليا من مرفقه تسنده قائلة بقلق : ماذا يا حبيب أمك؟
إنحنى للأمام قليلاً يقول بإعياء : أين سأجدها؟.. وكيف سأبحث عنها؟.. أنا بالكاد أستطيع الوقوف على قدماي.. وأقاوم شعوراً بفقدان الوعي و.. والغثيان
أحاطته والدته بذراعيها تقول بألم : الحراس يبحثون عنها .. وسيجدونها عاجلاً
رفع أنظاره الغائمة نحوها يقول بنشيج مرير : أنا الأجدر بهذا البحث.. أنا من ضغطت عليها حتى إنفجرت ..لم أكن أعلم بأنها ستنفذ ما توعدت به قلبي المتوجع وعاقبتني بطريقة مؤلمة لا أتحملها..
سألته چوليا بترقب : هل تشاجرتما سوياً؟
أجابها يعتصر جفنيه ليمحو صورته المتوحشة وهو يغتالها : جرحتها وجرحت نفسي معها.. أنا سئ يا أمي.. سئ ولا أستحق إلا الموت
إحتضنته والدته تقول ببكاء : لا تقل هكذا.. بعيد الشر عنك وعنها ياولدي ..
إبتعد عنها برفق وإستقام في وقفته قائلاً : لن أنتظر خبراً من الحراس.. سأخرج للبحث عنها بنفسي وإما أن أعود بها أو لا أعود******************
قبل قليل/
خرجت هيلينا من جناح چايدن بروح محترقة وقلب يتمزق ألماً وعلامة دامية تشوه شقها الأيسر .. تقاوم رغبة صراخ جاش بها صدرها وأصبحت فوق الإحتمال.. تتسائل بداخلها هل ظلمت نفسها حينما أعطته كل شئ دون شروط؟.. هل بالغت في المنح؟.. هل العطاء للمحبوب يمتهن الكرامة بهذا الشكل؟.. وكيف لها أن ترحل صامتة بعدما إقترفه بحقها؟.. لماذا لم تذكره بها وتخبره بأنها حقيقته المنسية؟.. وبعد وقت طويل مضته تسير بطعنة خافقها.. هائمة .. زمرديتيها غائمتين.. وظهرها منحني كالحدباء.. دخلت جناحها بقدمين مرتعشتين .. وقفت أمام مرآتها وأزاحت الوشاح عن كتفيها فهالها آثر فعلته على صدرها .. تلك الندبة إخترقت حدود عظامها كالسهم المسموم .. هي التي كتبت غيابه على جدران أضلعها بحروف من حنين .. ولم تكن تراه أجمل مافي الدنيا فقط بل كان لها دنيا كل مافيها جميل .. تغفو كل ليلة منذ عودتها وحيدة لديارها على نبرة صوته المحفورة بأذنيها وتصحو كل صباح على رائحة أنفاسه العالقة برئتيها فيتجدد أملها باللقاء وتتمسك بعهد الهوى وتحبه أكثر من ذي قبل .. اليوم أنهى آخر نقطة صبر أعانتها لتتحمل ما مرت به .. إبتلعت غصة مريرة .. متورمة.. إستقرت بجوفها لتخنقها.. ورفعت كفها تتلمس طوق الياسمين بأناملها تقول بصوت ممتلئ بالدموع : شكراً لك.. لقد كنت أوفى ممن صنعك.. صمتت للحظات وبدون تردد خلعته لتنفصل عنه .. وتعلن تحررها بتحرير خصلاتها المعقودة في جديلة تحولت نكهتها الياسمينية إلى دماء أزكمت أنفها بجرح لن يطيب إلا بإختفائها وذهابها إلى البعيد.. مسحت دموعها بجانب راحتيها .. وما أفقدها سيطرتها على أعصابها رؤيتها لذلك الرداء الذي شهد على ذبحها ولم تدري بنفسها إلا وهي تمزقه بيديها وكأنه من جرحها وليس هو .. إنتهت من تقطيعه جاثية.. باكية تحيط جسدها العاري بذراعيها.. شاعرة بالجليد يسري في أوردتها.. يجفف أنفاسها ويقيدها كالجاثوم .. إستمرت على تلك الحالة لبضع ثواني ثم نهضت متجهة نحو خزانة ملابسها .. أفرغتها بالكامل.. ناثرة محتوياتها هنا وهناك .. حتى إلتقطت رداءً أسود طويل .. قماشته ثقيلة .. ذو أكمام تصل للرسغين.. مقفل الياقة بأذرار لامعة.. إرتدته وبرغم كثافته إلا أنه لم يدفئها .. فتناولت سترة سوداء مصنوعة من الفراء لترتديها فوقه.. مُدَثِرَة خواء روحها لتمد أوصالها المرتجفة بالطمأنينة متخذة قرار بالرحيل .. أمسكت بوشاحها لتغطي خصلاتها وبسرعة خرجت من الجناح مغادرة القصر بل ليبرا بأكملها.. وصلت للأبواب الخارجية بشق الأنفس وإمتطت جواد أحد الحراس وإنطلقت راكضة بدون وجهة.. لا تعلم أين سترسو سفينتها المحترقة.. وللأسف لم تنتبه جاريتها لِمَ يحدث إلا بعد فوات الأوان ووصل الجميع متأخرون ليجدوا كل شئ مبعثر وأحد فساتينها مُمَزق وطوق الياسمين مُلقى فوقه كالجثة الهامدة..
************
عودة إلى چايدن /
بخطوات أقرب إلى الركض ترك چايدن جناحه وآلاف الإحتمالات السيئة تتجسد بمخيلته.. طيفها يطارده ومقلتيها المتوسلتين تلوحان أمام عينيه ألا يترك أثرها ويعيدها للقصر.. لوالدها المزعج.. لجناحها الملكي.. لوالدتها التي أغدقته بحنان لم تغدقها به.. ولأحضانه .. رفع طوق الياسمين خاصتها إلى شفتيه يقبله مستنشقاً رائحتها العالقة به.. وأثناء سيره بين أروقة القصر إنتبه لمارسيل.. فإستوقفه الأخير بهتاف هادر أخبره بالدخول في مواجهة لا تروق له ولا يريدها وبغير وقتها.. إلتفت چايدن ينظر إليه مستجمعاً شتات نفسه يقول بكل ماتعلمه من آداب إحترام الأكبر سناً : ماذا تريد ياعماه؟
باغته مارسيل بقبضته التي أمسكت بتلابيبه يصرخ به قائلاً : أين إبنتي؟
أزاح چايدن يده بعنف عن ملابسه يجيبه بغضب ممزوج بشعور قوي بالذنب : لا أعلم.. أقسم لك أنني لا أعلم وسأجن أكثر منك
لاحظ مارسيل وجود طوق إبنته مع چايدن ولا إرادياً جذبه منه بأعين حمراء وقلب مكلوم ليتمزق دون قصد وسأله بصوت كاد أن يصم أذنيه : ماذا يفعل طوق هيلينا معك؟
نظر چايدن للطوق مصدوماً وكأن أصابع عمه نهشت صدره لتسحق المتبقي من أنفاسه المحترقة ورفع مقلتيه الغائمتين يقول له بنبرة جوفاء : هل أنت سعيد الآن؟..هل تمزيق هذا الطوق سيعيد صاحبته إليك؟ .. صمت لثواني محاولاً ضبط إنفعالاته ثم قال : على كل حال أنا أخذته من أمي عندما أخبرتني بإختفاء إبنتك
لم يستطع مارسيل التحكم بأعصابه فصرخ بوجهه : ومن تكون بالنسبة لها حتى تحتفظ بغرض يخصها؟..
رد چايدن عليه هادراً به : أخفض صوتك ياعماه.. أنا مازلت أراعي فرق السن وصلة الدم بيننا لكنني لا أعدك بتحمل المزيد
إقترب مارسيل منه أكثر يقول بنبرة عالية : ماذا ستفعل؟.. هل ستضربني؟.. أجبني يا إبن لوريس؟
إشتعلت عيني چايدن أكثر وأجابه بصوت يماثل علو صوته : إذهب لتبحث عن إبنتك بدلاً من هذا الهراء
وقبل أن يهم مارسيل بالرد عليه تفاجأ بنداء صارم من أخيه فالتفت نحوه وجده يقف واجم الملامح ينظر إليه بعتاب وبجواره الأم ريڤا وسيلڤيا وچوليا والصدمة تعتلي ملامحهن مما يحدث.. سأله لوريس بلهجة لائمة : هل تتشاجر مع چايدن يا جلالة الملك؟.. أم أنك تتهمه بإخفاء هيلينا؟
أجاب مارسيل سؤال شقيقه بسؤال آخر متحدياً : ولماذا أبرء ذمة ولدك من إختفاء إبنتي بهذا الشكل المفاجئ؟
تدخلت الأم ريڤا قائلة بنبرة مهددة : ألديك وجه لتلقي بالتهم جُزافاً ؟.. ألا تستحي مما فعلت؟
وجه مارسيل أنظاره نحوها متناسياً ما دبره من وراء ظهور الجميع وتسبب بإحتدام الخلاف بين هيلينا وچايدن قائلاً بجمود : بالتأكيد اللوم في كل مصيبة سيقع فوق عاتق الحائط المائل المدعو مارسيل.. حتى في تأذي إبنتي وتركها للقصر أنا المخطئ وأنتم أبرياء..
ردت عليه سيلڤيا بألم يمزق نياط القلب : لا تكابر وتنكر مافعلته لأنك المتسبب فيما حدث .. أنت من إتفقت مع الجواري ليضربن عن عملهن ويطالبن بحق الفراش من سمو الأمير .. أنت يامارسيل الذي تحول بين إبنتنا وسعادتها.. وأجبرتها على ترك القصر والهرب بعيداً عنك وعن كل مايؤذي قلبها الصغير.. أنت الذي تمنع تذكر چايدن لها بحركاتك وأفعالك الصبيانية وغيرتك الحمقاء.. والآن هيلينا مفقودة .. أخبرني كيف ستجدها؟.. وماذا ستفعل إذا أصابها مكروه أو ضاعت للأبد؟
أنهت سيلڤيا كلماتها مغطية وجهها بكفيها لتنخرط في بكاء مرير أوجع الواقفين بجوارها وحاول چايدن إستيعاب ماتقول خالته .. كيف لعمه أن يكون بكل هذه الأنانية؟.. كيف سمحت له أخلاقه ومكانته بالتآمر ضدهما؟.. والأغرب ماذا تعني بأنه يمنع تذكره لها ؟.. وبعد صمت ساد بين الجميع سألها بعدم إتزان : ماذا تقصدين بتذكري لها؟..
لم ترد سيلڤيا من فرط بكائها وخوفها فإحتضنها قائلاً : أعدك بأن أعيدها إليكِ لكن أفهميني أولاً .. هل كنت على معرفة مسبقة بها؟
إبتعدت سيلڤيا عنه تنظر إليه قائلة بتوسل : جِدها أولاً وستفهم كل شئ .. أرجوك ياولدي لا تتركها فهي لم تتركك
ضم رأسها إلى صدره طابعاً قبلة حنونة أعلاه يقول بتأثر : لا تبكي ياغاليتي .. دموعك تؤلمني كثيراً
قاطعتهما الأم ريڤا موجهة حديثها لحفيدها : سامحني ياصغيري.. كنت أعتقد أن مارسيل أكثر تعقلاً
رد عليها چايدن مسلطاً أنظاره على عمه الذي يقف بينهم مطأطأ الرأس حرجاً من كشف فعلته وخوفاً على أميرته وحزناً لأنه دوماً يخيب ظن المقربين فيه وقال : وأنا أيضاً ياجدتي لكن الوقت ليس ملائم للعتاب وللأسف أشفق عليه مما يوقع نفسه فيه .. صمت لثواني ثم تنهد مطبقاً جفنيه يقول بتعب : الأحرى بنا الآن أن نبحث عن سمو الأميرة داخل المملكة لعلها تكون مختبئة بمكان ما
أمسكته جدته من مرفقه تقول بثقة : حراس الأبواب الخارجية أخبرونا أنها غادرت ليبرا بجواد أحدهم
نظر چايدن إليها بعينين ذاهلتين يشعر بأنها سكبت دلواً من الماء الساخن فوق رأسه أذاب المتبقي من ثباته الزائف ولجزء من الثانية أحس بتوقف نبضاته خوفاً على تلك المجنونة التي تركته صدراً بلا أنفاس وجسداً بلا روح.. فروحه تتبعت خطواتها ورحلت معها وبعد صمت واهن مثل قواه الخائرة وجه حديثه لمارسيل : لن أسامحك ياعماه إذا أصابها مكروه.. لن أسامحك ولن أسامح نفسي حتى أموت
رفع مارسيل أنظاره الدامعة إليه وأجابه بضيق : أنا دبرت أمر الجواري من باب غيرتي على إبنتي أما أنت ماذا كان مبررك لقبول طلباتهن؟..
وكأن مارسيل ضغط بكلماته فوق جرحه المتقيح فإنفلتت أعصابه وإنفجر صارخاً بصوت جهوري : لأنني غبي مثلك.. وأغار بشكل أحمق مثلك.. وألحق الضرر بقلوب أقرب الناس لي مثلك .. مثلك تماما ياعماه
أنهى چايدن حديثه ينهت من فرط توتره وعصبيته يضم قبضته نحو شقه الأيسر منحنياً للأمام قليلاً يقاوم الألم الذي يستبد به منذ ماحدث بينه وبين هيلينا مما أفزع والدته لمنظره المتوجع فإقتربت منه تحيط خصره بذراعيها قائلة : إهدء ياولدي.. لا تحمل نفسك مالا طاقة لك به .. تسمر الجميع مبهوتين.. يراقبون الموقف في صمت وقلق بينما ألقت الأم ريڤا نظرة معاتبة على مارسيل ثم سألت چايدن بترقب : هل ستستطيع الخروج من ليبرا بحثاً عنها وأنت متعب هكذا؟
أزاح ذراعي والدته الملفوفتين حول جسده برفق وإستقام في وقفته قائلاً : سأخرج ولو كلفني الأمر حياتي ولن أعود إلا بها
أومأت له جدته برأسها موافقة ثم قالت : فرسك الصهباء تنتظرك أمام القصر .. هل تتذكرها؟ .. حرك رأسه إيجاباً دون حديث فأردفت هي بتركيز : تلك الفرس مازالت تحفظ طريقاً أوصلتك إليه.. هذا الطريق يؤدي لهيلينا..
سألها بعدم فهم : هل تعرفين مكانها؟
ردت عليه مبتسمة بمراوغة : ربما أعلم وأريدك أن تصل إليها بمجهودك الشخصي
وزع نظراته بينها وبين الجميع ولاحظ عدم تفاجئهم مما تقول ماعدا مارسيل الذي يبدو على ملامحه الصدمة.. وبرغم ما إقترفه من أخطاء متعمدة في حقه إلا أنه أشفق لحالته .. أطلق زفرة حارة من أعماق قلبه يخفف بها أوجاعه التي لا تنتهي ثم تراجع خطوتين للخلف وإستدار ليخرج سريعاً .. وقبل مغادرته للمملكة إتجه نحو الحديقة حتى يصطحب معه صديقه المؤنس في تلك الرحلة الغامضة .. ومن سيكون أقرب من سينتو ليشعر به ويشد أزره؟.. إقترب منه وجده نائم بجوار مقعد هيلينا يسند رأسه الكبيرة علي قائمتيه الأمايتين.. رفع سينتو عينيه الناعستين مجفلاً من ملامح رفيقه المرتعبة وبطريقته المعتادة سأله بخوف عما يحدث .. جثى چايدن أمامه واضعاً جبينه فوق جبهته العريضة قائلاً بصوت مهزوز : سينتو.. أنا خائف
رفع سينتو قائمته اليمنى يمسح بها على وجهه بحنان فتحدث چايدن محاولاً ألا يبكي : إبنة عمي مارسيل.. صمت لثواني يستجمع الكلمات بعقله يقول بلهجة متقطعة : تلك الفتاة ذات الجديلة الطويلة.. التي تزين مقدمة رأسها بطوق ياسمين قرنفلي.. تركت ليبرا ويجب علي الخروج بحثاً عنها وأريدك معي
نظر إليه متعجباً من عدم قدرته على نطق إسمها ثم إستقام واقفاً ليلبي طلبه بينما تقدمه چايدن في السير يقول بتحفز : إتبعني سريعاً .. أرجوك .. أطاعه سينتو برضا تام ولم يستغرقا وقتاً طويلاً حتى وصلا أمام باب القصر وبالفعل وجد الفرس تقف بتأهب منتظرة تأدية مهمتها التي كلفتها بها الأم ريڤا.. إمتطاها بخفة وبحركة من ساقيه على جسدها أعطاها شارة الإنطلاق.. فركضت تطوي الأرض تحت قوائمها لتتجاوز أسوار ليبرا كالبرق.. يجاورها فهده الرشيق راكضاً بسرعة تماثل سرعتها.. الفرس تسابق الزمن وسينتو يسابقها أما چايدن فكان يسابق النَفَس.. لا يعرف إلى أين تقوده تلك الصهباء ولا يدري كيف سيجد قاتلته بهجرها .. كل مايريده الآن أن يلمس قلبها البعيد ويسألها ( هل أنتِ بخير؟) .. نادم على ما إقترفه بحقها.. يلعن تردده في قول كلمات علقت بصدره لأيام .. يشعر وكأنها كانت تنتظره على الطرف الآخر من الشوق عاقدة قرانها على نبض قلبه.. تحمل ملامحه وتحيا بدماء ربطتهما سوياً ولا تؤمن بشئ في هذا الوجود إلا به .. وكلما حاول تصنع التجاهل عندما تمر بجانبه يرى بزمرديتيها إبتسامة واثقة .. تؤكد علمها بأنها هي الوحيدة التي مرت بداخله .. وأن كل خلية في جسده تتوقف لحظة مرورها.. وأن وجودها يبعثر ضربات خافقه ويرسله لعالم لا يوجد به إلا الحب والسلام وهي .. يعتقد بأنه وقع فيها سهواً.. غير مدرك أن وقوعه بغرامها كان منذ زمن بعيد.. وأصبح متيماً بعشقها في طرفة عين والآن إليها يشتاق ومنها يحترق .. ورغبته بالعثور عليها والنوم بين ذراعيها مطمئناً تُعادل رغبات عاشقين أهل الأرض جميعاً .. وفي غياب روحها عن روحه ساد الصمت بطرقات مُدنه وتاهت مسافات الوصل بين عقله وذاكرته المفقودة وبقي عهد هواه يؤلمه ممزقاً أوردته بلا شفقة .. وبينما هو على حالته تلك وصلت هيلينا بعد عناء لمكان جمعهما سوياً .. لتستعيد بعض من ذكريات جميلة عاشتها معه لعلها تطيب ندوبها .. تكفكف دموعها التي لم تتوقف منذ ماحدث بينهما .. وما أن خطت بقدميها نحو الداخل حتي داهمتها لحظاتهما .. الذكرى الحلوة تمر قفز غزالٍ بين جفنيها ومقلتيها وكأنها كانت البارحة .. هنا جلسا وتقاربا ورأى منها مالم يراه رجلاً غيره .. هذا الفراش الماثل أمامها شهد على قبلاته الشغوفة وإعترافاته ووعوده التي صدقتها وعاشت بها إلى أن يُشفى ويعود .. وعندما عاد نظر إليها وكأنه لا يراها وملأ عينه عينها .. وعقله لم يذكر لها حسنة واليوم بفعلته لم يُبقي منها حية سوى رمقين إستعانت بهما لتهرب بعيداً عن محيطه بعدما قتلها مرتين.. مرة حينما تركها وذهب ليضاجع إيلار دون علمها.. ومرة حين أهانها وسحق كرامتها تحت أقدامه وشبهها بالجواري وهي الأميرة بنت الأصول الملكية.. وقفت هيلينا تتطلع أمامها بشرود .. لا تريد سوى النوم لتتخلص من هذا الوجع الذي يسكنها .. وليس لها مهرباً منه فأينما إبتعدت سيلاحقها .. إقتربت من السرير بخطوات واهنة.. ثم إستلقت فوقه بإعياء .. تلف نفسها المرتعشة بسترتها .. رافعة ركبتيها عند ذقنها متخذة وضعية الجنين ..خصلاتها تغطي وجهها وكامل جسدها وبأقل من الثانية غطت في سُبات عميق.. موجع .. لم تشتهيه أبداً إلا محاطة بدفأ أحضان سمو الأمير...
أنت تقرأ
( خادم الوشم) بقلم ( نيللي العطار)
Fantastikجميع الحقوق محفوظة للكاتبة ممنوع النقل او الاقتباس فانتازيا خيالية .............................................. عن مجري حياة يسير دون إرادتي ..داخل غابة مظلمة أعيش بوشمٍ مقرونٍ بذراعي الأيسر ... يتوغل بين أوردتي ويتحرك مبحراً في خلايا جسدي حتى أ...