تجلس تلك الفتاة الصغيرة على كرسي في أحد المكتبات العامة ، فتأتي أحد العاملات في المكتبة لتكلمها قائلةً بابتسامة لطيفة
"مامتك فين يا قمر؟ اسمك إيه؟"
نظرت لها وقالت:
" أنا اسمي خديجة وماما هناك"
أشارت الفتاة إلى امرأة ترتدي نقاب أسود وعباءة سوداء وكانت تجلس على مسافة غير بعيدة نسبيا من خديجة ، فنظرت الأم إلى العاملة وابتسمت لتؤكد لها أن خديجة تقصدها هي.
كانت الأم (حسناء) تجلس على الكرسي وتكتب شيئا في رسالة أو ما شابه اقتربت خديجة من أمها
" ماما هو انتي هتروحي هناك تاني وتحطي ده"
ردت حسناء وهي تومئ برأسها
" أيوة يا ديجة يلا بينا يا حبيبتي"
قامت من مكانها وبينما هي تلملم أغراضها في حقيبتها ، ودون ان تشعر وقعت منها الرسالة تحت المكتب الذي كانت تجلس عليه.جاء شاب في منتصف العشرينات وجلس بجانب كرسي حسناء بعد أن قامت مباشرة فلمح تلك الرسالة والتقطتها من الأرض وقال في نفسه
" مين اللي بيبعت جوابات زي دي في زمن الواتس والفيس؟!"
انتابه الفضول لفتح الورقة فقرأ ما فيها والمكتوب كان
" أنا عارفة إنكم كالعادة هتطنشوا رسالتي وتعملوا نفسكو مخدتوش بالكم ، بس أنا تعبت والله ،بقيت بقضي نص يومي في المكتبة عشان مروحش البيت ، بيضربني ويشتمني لأي سبب تافه ، طب مش عشاني انا ، عشان بنتي ذنبها ايه في كل ده؟"
تذكر الشاب أن هناك امرأة هي التي كانت تجلس هنا ، فقام سريعاً وخرج من المكتبة ليلحق بها قبل أن تذهب ، وعندما رآها كانت تمشي هي وابنتها بعيدا عنه ، لم يعرف ماذا يفعل أينادي عليها؟ فبماذا سيناديها! أم يلحق بها؟، قرر اللحاق بها بسرعة حتى يوقفها.
توقفت حسناء وخديجة عند باب منزل مكون من طابقين ، ويبدو أن من يسكنون في هذا المنزل فاحشي الثراء، رآهم الشاب من بعيد وقام بالاختباء ليرى ما سيحدث بعد ما قرأه ما في الرسالة فهذه المرأة لديها قصة كبيرة.قامت حسناء بطرق الباب مرات عديدة وكانت هناك كاميرا بالأسفل، يكن لم يفتح لها أحد فابتسمت ابتسامة جانبية وكأنها توقعت أن ذلك سيحدث كالعادة.
وضعت يدها في حقيبتها تبحث عن الرسالة لكنها لم تجدها،فظلت تبحث وتبحث ولم تجد شئ ، ومحمد يراقب الموقف من بعيد لا يريد أن يخبرها أن الرسالة معه حتى لا تشك في أنه قرأها ، فالتزم الصمت ، وجد حسناء تمسح على رأس ابنتها وتقول بانكسار
" تقريبا الرسالة وقعت مني في المكتبة يلا يا ديجة نروح".
ابتسمت خديجة بحنان ، وامسكت يد والدتها
" يلا يا ماما".
أحس محمد بنظرة الحزن والتعب في عين كل من حسناء وخديجة ، ورجع كل منهم إلى منزله ، محمد يفكر طوال طريقه في قصة حسناء وخديجة ، وهو شاب في منتصف العشرينات يدرس في آخر عام له في كلية الطب بجامعة القاهرة.عادت حسناء إلى منزلها مرهقة جدا من الطريق بسبب رجوعها سيراً على الأقدام ؛ لأنها لا تملك نقود تكفي للمواصلات العامة
دخلت إلى المنزل، وقالت دعاء دخول المنزل ملقية السلام ، لكنها لم تجد أحدا ، زفرت براحة لأن زوجها ليس هنا وقالت لخديجة بحماس
:" مين بقا اللي هتروح تتوضى وتيجي تصلي مع ماما صلاة المغرب ها مين؟!"
قالت خديجة بمرح:" أنااا"
ضحكت حسناء بلطف وقالت:" طب يلا روحي يا خوختي💟".
ادت حسناء وخديجة صلاة المغرب وقامت حسناء ؛ لتسخين الطعام قبل رجوع زوجها ، وما إن دخلت المطبخ حتى سمعت باب المنزل يفتح فعرفت أن زوجها قد عاد ، دخل عادل بغضب كعادته وقام بصفع الباب بقوة وصرخ "حسناء....انت يا زفتة "
ذهبت إليه حسناء لتلبي ندائه الغير مهذب لها لكنها اعتادت الأمر.
"نعم يا عادل"
"نعم الله عليكي ياختي مش شايفاني دخلت حطي الأكل يلا هو أنا لازم أقول"
"مانا بسخنه "
" بإييه ياختيي؟! انتِ لسه هتسخني أمال بتعملي إيه كل ده"
"والله كنت في المكتبة بجيب حاجة والأكل مش هياخد عشر دقايق مش هتأخر".
تقدم منها بغضب وأمسك معصمها بقوة
"متخلنيش أقولك مفيش خروج من البيت خالص ولا حتى مرواح المكتبة ، يلا روحي اتنيلي شوفي الاكل وهاتيه".
وترك معصمها بقسوة شديدة وكالعادة كانت خديجة تخلُد إلى النوم كلما جاء والدها حتى لا تراه وهو يسيئ معاملة امها وهي لازالت طفلة صغيرة كانت تخاف منه بشدة.دخلت حسناء المطبخ وقامت بتسخين الطعام وإحضاره لعادل الذي ما إن رأى صينية الطعام حتى قام بالضرب بيده بقوة على المنضدة ، انتفضت حسناء من مكانها ، فصرخ قائلا
" انت عارفة إني مبحبش العيش بارد قومي سخنيه"
قالت بهدوء
" بس هو لسه طازة"
" أنا مطلبتش رأيك تنفذي كلامي وجزمة في بوقك ، انت سامعة؟"
" حاضر".
.............................................................محمد الذي لازال يفكر في حالة تلك المرأة المسكينة التي تعاني هي وطفلتها ولا تستطيع حتى الإستغاثة بأهلها ، فقال في نفسه
:" معقول حد يعمل في بنته كدا،طب وزوجها ازاي أصلا يعاملها بإهانة كدا ويخاليها تروح تستنجد بأهلها منه وغير كدا إن أهلها غاضين الطرف ومش بيعملوا حاجة!!".
قام محمد ليؤدي صلاة العشاء حتى جاءته فكرة وقال " طب وليه لأ...أنا ممكن أسال أي حد عن البنت وأمها دول واكيد هعرف كل حاجة عنهم وهي إيه اللي وصلها لكده".
فيظهر صوت آخر بداخله
:" طب وانت مالك بيها؟! ، هي حرة هي وزوجها يعملوا اللي هم عايزينه ، وهتعملها إيه حتى لو عرفت؟"
" مش جايز تكون فعلا محتاجة حد يساعدها ومش لاقية"
" يعني انت اللي هتساعدها ازاي بقا يا فالح؟!"
مرر محمد يده بين خصلات شعره وقال " أنسب حل أصلي إستخارة وأكيد ربنا هيقدرلي الخير".
أدى محمد فريضة العشاء وصلى استخارة وأحس بأنه يجب أن يسأل فقط عنها من بعيد حتى لا تعرف شيئا ويرى بعدها ماذا سيحدث.
..........................................................ذلك عادل لا يكف عن إهانة وسب حسناء دائما ، وعندما استيقظت خديجة خرجت لتلقي السلام على أبيها
" أزيك يا ابي؟ عامل ايه؟"
نظر لها باشمئزاز وقال موجها كلامه إلي حسناء
" متسرحي شعر بنتك بدل ماهي شكلها مقرف كدا"
لمعت الدموع في عيني خديجة من كلام والدها السيئ ودخلت غرفتها دون كلام ، دخلت حسناء خلفها ، وذهبت لغرفة خديجة ، اقتربت منها واحتضنتها وهي تجلس على السرير وتبكي، قالت خديجة والدموع في عينيها
" ماما أنا مش بحب أبي هو بيضربك على طول وبيقول عليا مقرفة ".
حاولت حسناء تهدئة إبنتها
"لا يا حبيبتي أبي بيحبك هو بس متضايق شوية من الشغل وكدا يعني "
هدئت خديجة قليلا ووضعت رأسها على الوسادة ونامت والدموع على خديها ، ابتسمت حسناء ابتسامة منكسرة على حال ابنتها وأنها بدأت تفهم كل ما يدور حولها وتدعو الله من قلبها أن يصلح حال زوجها الذي لا يراعي مشاعر أحد صغيراً كان أو كبيراً ، وقالت في نفسها بحزن شديد
" يارب ملناش غيرك إهدي عادل يا رب".
وقبلت ابنتها على جبينها وخلدت للنوم.*******************************
أنت تقرأ
هو أنقذني من عذابي
Romanceانتشرت قضايا العنف المنزلي في جميع المجتمعات في العالم وقد كتبتُ روايتي لأسلط الضوء على الأسر التي تتعرض للعنف الجسدي والنفسي يومياً الرواية تتكلم عن أسرة مصرية تتكون من زوج وزوجة وإبنتهم ذات الثلات سنوات وتعاني الزوجة والإبنة من تعامل الزوج السئ ل...