الفصل السادس

32.1K 1K 22
                                    


تصنمت في مكانها فور أن سمعت صوته، أغمضت عينيها وتنفست بهدوء تحاول قمع غضبها، التفتت مقابلة له وابتسمت ابتسامة صفراء:

-شهاب، إزيك.

تقدم منها الآخر وهو يتفحصها بنظرات وقحة من أخمص قدميها لأعلاها، شعرت بالاشمئزاز من نظراته وهو يحوم حولها.

-أنا كويس، عدى وقت كتير من آخر مرة مش كدا.

سكت قليلًا وعاود النظر لها مجددًا وهو يضحك ساخرًا، ابتعدت عنه وهي تحاول أن تسيطر على نفسها، لِيكمل الآخر قوله:

-لا واحلويتي كمان و...

فجأة سمعت صوت البواب يأتي من خلفها وهو يزيح البوابة الحديدية ويخفض رأسه احترامًا لها:

-بتول هانم اتفضلي يا هانم، البيه كان طالبني فعشان كدا اتأخرت.

أومأت برأسها له، ونظرت له نظرات شكر لِإنقاذها من هذا المأزق الذي وقعت به، أعرضت عن الذي يقف خلفها وأكملت ساحبة حقيبتها خلفها حتى وصلت لباب المنزل.

تنهدت وهي تنظر لباب المنزل قبل أن تضغط على الجرس وما هي إلا دقائق وسمعت صوت أقدام تقدم ناحية الباب في خفة، فُتح الباب وظهرت أمامها شابة ريفية ترتدي ملابس بسيطة ويعلو وجهها ابتسامة هادئة:

-أيوة مين؟

كادت بتول أن تنطق باسمها حتى سمعت صوت صباح يصدح من خلف الفتاة وهي تطلق بعض الزغاريط المعتادة بالبلد للترحيب، تقدمت وهي توبخ الفتاة:

-اوعي يا هنية دي بتول هانم، وسعي وخدي الشنط بتاعت الهانم جوا، يلا بسرعة ونادي على الست الحاجة.

ابتسمت بتول وهي تنظر لصباح، مازالت كما هي امراة تتوسط الأربعينات تخدمهم منذ أن كان عمرها خمس سنوات، لا تغادر الابتسامة وجهها.

-معلش يا هانم أصل البت هنية لسه جديدة في الشغل ومتعرفكيش، امسحيها فيا يا بنتي.

ابتسمت بتول وقالت:

-ولا يهمك يا صباح، أومال البيت فاضي ليه؟

أخفضت صباح رأسها وقالت بنبرة فقدت لونها:

-البيت كدا يا ست هانم من ساعة ما سبتيه وكمان البيه يعني، البيه ب..

قطع حديثها صوت امرأة تقف خلف بتول:

-صباح بطلي كلام وروحي شوفي شغلك وخلي هنيه تجهز أوضة بتول.

أومأت صباح بسرعة بعد أن رمقتها المرأة بأعين حادة، تنهدت بتول ومسحت على وجهها قبل أن تلتف بمواجهة والدتها.

تُرى كيف على المرء أن يقبل على أمه بعد أعوام من الغياب؟

اقتربت منها بهدوء تنظر في عينيها الدافئة، ارتمت في أحضانها دون أن تنبث ببنت شفة، فقط عناق ساكن حاوطت فيه كل منهما الأخرى في صمت، دقائق مرت حتى ابتعدت أمها عنها وأمسكت وجهها:

أصبحت  زهرةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن