اتجهت لورا إلى غرفة سلمى فوجدت الباب مُغلق و النور مُضاء فعلِمت أنها لم تنم بعد!
قرعت الباب و دخلت الغرفة ببطءٍ و قد انتابتها حالة الذهول من جديد..
شدت كرسيًا وجلبته وجلست أمام سرير سلمى فتركت سلمى الكتاب من بين أيديها و نظرت إلى لورا و فهمت من عينيها و طريقة نظراتِها أنها سيتم إستجوابِها الآن.على عكس كل ما توقعته سلمى من قوة وغضب وجدت نبرة وهن ونظرة حزينة عندما قالت لورا:
-لِمَ جلبتيه معكِ اليوم؟-وددتُ جمعكما معًا.. وددتُ إعطاءكما فرصة مرة أُخرى..الذنب ليس ذنبه فيما حدث منذُ تسعة عشر عامًا عندما.. وقعتى فى حُبِهِ!
وقعت كلمتها الأخيرة على قلب لورا كالسهم الذى سقط و اخترقه.
أستجمعت سلمى شجاعتها لتُكمل قائلة:
-أنتِ تعلمين ذلك جيدًا.. أنه ليس المذنب لذا لا تنكرى ذلك أبدًا!
حزنت لورا بشدة و أكملت بضعفٍ:
-و لِمَ لم تُخبريني أنكِ قابلتيه منذُ ثلاثة أشهر.. وكنتِ تتهربين منى دومًا حتى صرتي لا تقدرين على النظر فى عيني.. لانكِ تدرين اننى أفهمك جيدًا!
-خفت..خفت عليكِ ومنكِ..
خفت من ردة فعلك!
خفت من الحب المُقيم فى قلبك منذُ تسعة عشر عامًا!
خفتُ من كل شيءٍ حينها!
"ردت سلمى بحزنٍ أخفته طويلًا و انهمرت دموعها على خديها"
اخذت نفسًا عميقًا وأكملت قائلة:
-أما هو فهو لا يدري شيئًا... لا يدري شيئًا عنك ولا عن حبك ولا عن الحلمِ المتكرر الذي يُعكر صفوك مرارًا وتكرارًا!هذا الحلم اللعين الذي يُصيبنا دومًا بالقلقِ والحيرة.. ويُعقد عليك وعليّ الأمور..
ضعي نفسكِ مكانى..خفتُ حقًا من كلِ شيء!قامت لورا من على الكرسي و هى تمسح دموعها و جلست بجوارِ سلمى التى غطت وجهها بكفيها و بدأت تجهش فى البكاء.. احتضنتها بشدة وقالت بابتسامة اغتصبتها على وجههِا الحزين:
-هل تعلمين أننى أكثر الناسِ حظًا لإمتلاكى صديقةٍ مثلك!
ضحكت سلمى من بين دموعِها و احتضنت خصر لورا بذراعيها.
رعت لورا وجه سلمى بين كفيها و مسحت دموعَها قائلة:
يا دودتى.. لا تبكي.
هيا اخلدى للنومِ الآن.
ابتسمت سلمى و أومئت للورا فردت لورا بحنان:
-أحلام سعيدة!
أخذت سلمى نفسًا عميقًا لتهدأ و ردت:
-و أنتِ أيضًا..
تُصبحين على خيرٍ.اتجهت لورا الى غرفتها و فتحتها و هى تشعر بالراحة رغم كل شيء... فهذا هو أسعد جزءًا من اليومِ... جزء العودة الى المملكة الخاصة بها.
صعدت إلى سريرها وارتمت عليه بتعبٍ و بدأت وصلة أفكارها تراودها وتتلاعب بعقلِها من جديد..
أسئلة تعبث بداخلِها ولا تعرف لها جوابًا!"فى يومٍ و ليلة جئنا إلى ڤيينا..
فى فترة لا تُذكر توظفت سلمى للعمل فى أكبر جريدة فى المدينة..
رغم بحثها المستمر فى لندن ولكن دون جدوى..
و بحثها وتجاربها و محاولتها فى ڤيينا ولكنها لم تتوظف الا فى تلك الشركة خاصة!شركة صديق طاهر!
"الغائب سيعود فى أحد ليالي ديسمبر"
سمعتها بصوتِ طاهر.. عندما قالها لها و هو بجوارِها.. فى الحلم!
يال هذا الحلم المُدمِر.
مدت يديها لتجلب الكتاب الخاص بها من على الكرسي المجاور لسريرها.. فتحته ببطءٍ وهى لا تعلم ما الذي تُريد أن تكتبه.. هى فقط تُريد أن تكتب!بدأت يدها فى الكتابة والآف و الآف من الآسئلة تدورُ فى بالِها لتجد نفسها كتبت شيئًا واحدًا!
"واحد من شهر ديسمبر"
بدأت ترتعش و شعرت بالخوفِ الشديد فى قلبِها و قد ازدادت أنهار دموعِها فى الإنهمار و قد بدأ الوسواس ينتابها من جديد.
ما إشارة هذا الحلم؟
ما تلك الرموز التى يحتويها؟
و تلك الأسطورة..
أسطورة ديسمبر!
نحن فى ديسمبر..
والغائب قد عاد بالفعل.. طاهر!عاد الغائب المُنتظر.. المطلوب منذُ تسعة عشر عامّا!
عاد فى ديسمبر..
تحققت الأسطورة.خلدت إلى النوم محتضنة كتابِها و لم تستطع حتى مسح دموعها.. فقد غلبها النعاس و هى بين كل تلك الأسئلة ليجذبها إلى الراحة قليلًا.. وكأنه أشفق عليها!
------------------------------------------------------------
داعبت أشعة الشمس الذهبية الدافئة وجهها بلطافة ففتحت عينيها العسليتين و أخذت تتثائب بكسلٍ حتى وجدت صوت إشعارٍ من هاتِفِها.
رسالة من رقم مجهولٍ:
-ما رأيك فى كوب قهوة فى صباح الغد؟
ابتسمت و لمعت عيناها ثم كتبت:
-حسنًا أراك غدًا فى الصباحِ، طاهر!