استيقظت لورا على صوتِ زقزقة العصافيرِ المُغرّدة التى تتغنى على الشاطيء،
قامت من سريرِها سريعًا لتفتح النافذةَ فتسللت أشعة الشمس الذهبية إلى الغرفة و داعبت رائحة البحر أنفَها.
خرجت من غرفتِها و هى تلعب بخصلةٍ من شعرِها فالتقطت مسامعها صوتَ بيانو صادرًا من غرفة طاهر.
ظلت تسير ببطءٍ إليه لتجده جالسًا بالقربِ من النافذةِ يعزف بخفةٍ بأصابِعه الذهبية.
وجدته يعزف أغنيتها المُفضلة فجرت نحوه سريعًا بإبتسامةٍ و جلست على الأرضِ بالقربِ منه..
ضمت رجليها إلى صدرِها وأخذت تهز رأسها طربًا و هى تُدندن مع الألحانِ و تتأمله و قد انعكست أشعة الشمس على عينيه فصبغتهما بلونِ الذهبِ و كان شعره غير مُرتب بطريقة أحبتها كثيرا!
انتهى طاهر من العزفِ و جلس أرضًا أمامِها و قال بإبتسامة:
-"عكس بعض" لعمرو دياب.
ابتسمت لورا ابتسامة واسعة وقالت وقد لمعت عيناها:
- و كيف علمت اننى أحبها؟
-رأيتكِ تسمعيها مرارًا و تكرارًا من قبلِ فعلمتُ أنك تُفضليها!
"رد طاهر بإبتسامة هادئة"ضحكت لورا و قالت تُمازحه:
-يبدو أنك سريع البديهة على عكسِ ما قيل لي!
نظر إليها مندهشًا للحظة ثم انفجر ضاحكًا و قام من على الأرضِ و مد يده إليها فجعلها تقف و قال :
-تجهزى سنذهب للشاطئ!دخلت لورا غرفتها و ارتدت ملابسَها سريعًا و فجأة وجدت طاهر يطرق الباب فأذِنت له ففتح و دخل وكان مُرتديًا طقمًا رياضيًا جعله يبدو شابًا فى العشرين.
أخبرته بأنها قد تجهزت ثم التقطت معطفها و خرجا سويًا.
لم يتأخرا كثيرًا ففى غضون دقيقتين كانا جالسين على الشاطئ صامتين تمامًا يتأملان البحر من أمامِهما.-هل تعرفين أننى رأيتك مرة قبل حفلة العشاء اللطيفة التى كانت فى بيتِك؟
"قال طاهر محاولًا كسر الصمتِ"
عقدت لورا حاجبيها بإستغرابٍ و سألته:
-أين؟-عندما كنت فى طريقي لبيتي مرةً و استوقفتني فتاة تتراقص تحت الأمطارِ على صوت الموسيقى فى شرفةِ بيت.
اتبتسمت لورا و نظرت إليه بحزنٍ ثم عادت تنظر إلى الشاطيء.قام طاهر و نفض الرمل من على ملابسِه و قال:
-انتظرى لثوانٍ سأُحضر شيئًا من السيارةِ.و ما لبث دقيقة حتى وجدته لورا قادمًا يحمل صندوقًا صغيرًا من الخشبِ عليه رسوماتٍ مميزةٍ؛
مد طاهر الصندوقَ للورا فنظرت إليه بعدم فهمٍ و فتحت الصندوق لتقولُ بدهشةٍ:
-رباه، هذه الكاميرا.. إنها المفضلة لي!
ابتسم طاهر و قال:
-هل أعجبتكِ؟
-كثيرًا حقًا!
لكننى لا أستطيع التصوير الآن.. أكاد أكون نسيت الطريقة!
"قالت جملتها الأخيرة بحزنٍ و قد تركت الكاميرا من يديها"
نظر طاهر إليها و إلى الكاميرا بحزنٍ ثم قال يحثُها:
-حاولى.. فقط!
مسكت لورا الكاميرا و وفتحتها و قربتها من وجهِها فابتسمت بشدةٍ دون إرادة منه فخفق قلبُه و ابتسم بفرحةٍ.
و فجأة أحس طاهر بيدٍ صغيرةٍ تُربط على كتفِه ليجد فتى صغيرٌ يقول له:
-هل تأتى لتلعب معنا الكرة؟
نظر طاهر خلف الطفل ليجد جماعة من الأطفالِ ينتظرون رأيه فابتسم بعفويةٍ و هز رأسه موافقًا و التفت يستأذنها فأمآت له و ابتسمت و ركض طاهر مع الطفلِ و بدأوا جميعًا فى اللعبِ.
كان يلعب ببراعةٍ و هو يضحك و قد ظهر على وجهِه الإستمتاع و هو يُقهق كالأطفالِ.كان يبدو رائعًا للغاية!
أمسكت بالكاميرا سريعًا و ظلت تلتقط عدة صور له فى وضيعاتٍ مختلفةٍ،
كان شعره يطير فى إحداهما بينما فى الآُخرى كان يُمثل أنه يسقط ليُخيف الصغار و فى ثالثةٍ كان يضحك بشدةٍ و هو منهمكًا فى اللعبِ.
تركت الكاميرا من يديها و هو قادمٌ عليها فسأل بتعبٍ و هو يلتقط أنفاسَه:
-كم الساعة؟
-إنها السادسة و النصف.
ضرب جبهته بحنقٍ و قال:
-يا آلهى سنتأخر!
و هى تلتقط الكاميرا جذبها طاهر من ذراعِها لتقف و ركض أمامها سريعًا ليفتح بابِ السيارة لها.
ركبا السيارة و سُرعان ما شغّلَ المحركَ و بدأ فى القيادةِ.
لم تمر نصف ساعة حتى وجدت السيارة تقف أمام شاطيء يجتمع به حشدٌ كبيرٌ بدوا لها و كأنهم جميع سكان الجزيرة!
-كم الساعة؟
"سألها قَلِقًا"
-السابعة الا عشرِ دقائق!تنهد براحةٍ بينما سألت و هى تستوعب:
-لِمَ تركنا الشاطيء الهادئ و جئنا إلى هُنا؟-فى عاداتِ سكان تلك الجزيرة أنهم يطيرون مصابيح السماءِ فى يومٍ معينٍ و فى ساعةٍ مُحددة!
و ها هو اليوم و الساعة هى السابعة!-ما هى مصابيح السماء؟
"سألت بإستغراب"-هل شاهدتى فيلم "روبانزل" من قبلٍ؟
-بالطبع!
-المصابيح التى كانت فيه!
تفاجأت لورا و قالت بسعادةٍ:
-لطالما حلمت بأن أراها منذ كنت صغيرةً و لم أتوقع بتاتًا أنها حقيقة!-ثلاثة..إثنان... واحد
"قالوها معًا جميعًا فبدأت المصابيح تتطاير عاليًا فى الهواءِ.
ابتسم كلاهما بحركةٍ تلقائية من جمالِ ما رأوا فقد بدت المصابيح و كأنها شمسًا صبغت السماء بلونٍ ذهبيٍ.-إنه أجمل مشهد يمكن أن يرآه إنسان!
"قالت لورا مندهشةً و هى تُحاول مراقبة كل المصابيح فى آنٍ واحد"-نعم كثيرًا!
"رد طاهر بسعادةٍ"ابتعدت المصابيح عن مرمى البصرِ و تفرق الحشد فركبا لورا و طاهر مرة أخرى و بدأ طاهر يقود عائدًا.
-لم نأكل شيئًا منذ الصباح!
ما رأيكِ فى "نودلز"؟
ابتسمت لورا و قالت:
-انها وجبتي المُفضلة!
وقفت السيارة أمام محلِ البقالة و ذهب طاهر لجلبِ النودلز من محلِ البقالة و لم يتأخر.
صعدا معًا إلى المنزلِ و دخل كل منهما إلى غرفتِه ليُغير ملابسِه و ذهبت لورا لإعدادِ النودلز و جلس طاهر يُشاهد التلفاز.
لم تتأخر كثيرًا عليه فوجدها قادمة بصينية عليها طبقين يتصاعد منهما البخار.
جلست بجوارِه و مدت إليه طبقه و أخذت هى طبقها.
نظرت إليه و قالت بصوتٍ خفيضٍ:
-شكرًا لجعل يومي مُميز،
لم يفعلها لى شخصٌ من قبلٍ..
جعلتنى سعيدةً!
نظر إليها بإبتسامةٍ و هو لا يعلم بما يُخبرها!
أيُخبرها أنها من غيرت حياتَه و أشعرته بالأمانِ؟
صمت و هو يتأملها تأكل و فبدأ هو الآخر فى الأكلِ و لم يلبث أن إنتهى من طبقِه و تثائب ثم إستأذن منها ليخلد للنومِ.
دخل إلى غرفتِه و دخلت هى إلى المطبخِ لتغسل الطبقين ثم اتجهت إلى غرفتِها و تنام وكلما أغمضت عينيها تجد صورته أمامها تُرسم و هو يضحك مع الأطفالِ على الشاطيء.
إنها تُحب كلَ شئٍ به.. عينيه و طريقة إبتسامته و كل شيء.. ابتمست ثم أغمضت عينيها و نامت و هو كذلك.
كلاهما نام سعيدًا من جمالِ هذا اليوم!