دخلت لورا منزلَ طاهر و هى تُحاول جاهدة السيطرة على نفسِها.
جلست على الأريكةِ و قفل طاهر البابَ ثم تقدم بهدوءٍ و جلس أمامها.
تحمحمت لورا و بدأت فى الكلامِ:
-كان اليوم ممطر،
كان صوت الرعد يصدر صوتًا غاضبًا فيزلزل السماءَ و قلوبنا معًا،
و الغيوم كانت تملئ السماءَ حينها،
وقفت سيارةُ أبي أمام منزلِنا فى لندن،
فتحت البابَ و نزلت أنا وركضت متجهة إلى المنزلِ و دموعى تهطل بغزارة على وجهِى حتى غلبت المطر الغزير.
دخلت غرفتي و أنا أتخبط و شعري يتطاير على وجهِى الحزين و عيناي اللاتى لم تتوقفا عن البكاءِ.
وقفتُ أمام المرآة وظلت اتحدث بنبرةٍ هزيلةٍ و أنا اتحسس وجهي:
-هل أنا قبيحة إلى هذا الحد؟
كنتُ فى الخامسة من عمري حينها.. و كان كل ما يشغل بالي في تلك اللحظة ويجعلنى أبكي هو سؤالى الذي كاد يُدمر خلايا عقلي من فرطِ التفكيرِ به؛
سمعت حينها صوتًا صادرًا من الراديو.
كان الصوت لمذيع يسأل شخصًا اسمه "طاهر ألفريد"
وصلت بجوارِ الراديو كى أستمع جيدًا..
-لِمَ تُدافع عن حقوقِ المرآةِ لهذا الحد استاذ طاهر؟
=لأننى أؤمن بعدم وجودِ فتاةٍ قبيحةٍ قط...أو خبيثة القلبِ و لا أؤمن حتى بكيدِ النساءِ
الفتيات كلهن جميلات كالملائكةِ تمامًا أرسلهم الله لنا ليكنّ الأم و الزوجة و الابنة و الناجحة و المُصنعة و العاملة و المُتعلمة.. النساء جميلات و قادرات و أقوى من الرجالِ.
صفق المذيع حينها ثم اختتم الموضوع قائلًا:
-حظًا موفقًا سيد طاهر فأنت حققت انجازاتٍ كثيراتٍ و انت فى العشرين من عمرِك.
ابعتدت عن الراديو بعدما أقفلته و عدت إلى المرآة و أنا أُجفف دموعى.
نظرت إلى نفسِي مرة أخرى بطريقةٍ مختلفةٍ تمامًا!
أحببت نفسي لكونى فتاة.
جريت على أبي و طلبت منه تسجيل هذا البيان لي كى أسمعه دومًا و بالفعل كان طلبي قد استجيب بعدها بقليلٍ و طلب منى شرب الحليب و نمت بعدها و الابتسامة تحتل ملامح وجهى الصغير.
توالت السنوات و أنا استمع إلى هذا الشريطِ كلما شعرت بضعفٍ او كنت على حافةِ الانهيار.
و بعد مرورِ سنتين من تلك الواقعة سمعت فى الراديو أنك فى مبنى الصحافة فى بولندا.
ركضت لأمى سريعًا و طلبت منها أن أُسافر لك.
ضحكت و قالت:
-أنتِ مازلتِ صغيرة على السفرِ.
ظللت لمدة شهرِ اترجى جميع من فى المنزلِ حتى وافقوا فدخلت غرفتي حينها بسعادةٍ و رسمت لك العديدَ من الرسوماتِ و كتبت عليها جميعًا عبارات امتنان ك
"شكرًا لجعل حياتي سعيدة"
ركبنا الطائرة المتجهة إلى بولندا و جلست محتضنة رسوماتى حتى وصلنا و ذهبنا جميعًا أمام مبنى الصحافة.
دفعتنى أمى برفقٍ قائلة:
-اذهبي و إعطيه رسوماتِك.. سننتظرك هنا.
تقدمت حينها و كدت أدخل المبنى لولا وقف أمامى رجل الأمن الذي يُشبه الحائط.
رفعت رأسي إليه وقلت:
-أرجوك فقط أودّ أن أعطى تلك الرسوماتِ لسيد طاهر فقد جئت من لندن لأجلِه..
أنا أعلم أنه هنا فى الداخلِ.
جثى الرجل على ركبتيه و أنا واقفة أمامه بشموخٍ فأخذ مني الرسوماتِ قائلًا:
-سأعطيهم أنا له و إبقي أنتِ هنا!
شكرته و قبلته على خدِه و عدت إلى أمى و أبي.-ما رأيكما فى مثلجات؟
"سأل أبي مبتسمًا"-نعم، أُريدها بالشيكولاتة!
"أجبته بفرحةٍ"-حسنًا إبقي هنا و انتظرى رأي طاهر عن رسوماتِك و سنذهب نحن لنجلبه.
"رد أبي و هو يلتفت مع أمى ليذهبان"
جلست على كرسي كان موضوع أمام البنية الضخمة و التفيت بجسدِي الصغيرِ نحو البابِ و أنا مُنتظرة طاهر بإبتسامة لكن ما حدث صدمني كطفلةٍ!
وجدت رجل الآمن يخرج برسوماتِي و كورهم بإهمالٍ و رماهم فى سلةِ المهملات.
جريت على سلةِ المهملاتِ و أخرجتهم ووضعتهم على الكرسي بعشوائيةٍ و جلست على ركبتي أبكي أمام الكرسي.
أقسمت حينها على الا أحاول لرؤيتك مرة أخرى و أقسمت على عدم مجيئ إلى بولندا أيضًا!
خبئت رسائلي و مسحت دموعى و استقبلتهما بإبتسامةٍ و قلت و أنا أخذ المثلجات من يدِ والدي:
-هلا رجعنا إلى لندن يا أبي؟
أخبرانى حينها آننا لن نستيطع الرحيل الآن و فى اليومِ التالى رحلنا بعد انتظارى طوال الليل للرحيلِ و عزمت على عدم الاهتمام بأي شئٍ يخص اسمك فبالأحرى قد خاب ظنى فيك!
رجعت إلى لندن و حاولت أن أعيشَ حياةً عاديةً و بالفعل استطعت حتى بلغت الجماعة و تخرجت أيضًا لكن من سنتين فقط عدت بسببٍ ليس لدي منه حيلة.
حلمٌ أعاد لى كل شئ..
"و بدأت فى سردِ الحلمِ و مدى علاقته باسطورة ديسمبر و التى تحققت بالفعلِ!"
و حتى الفستان الذي جلبته لي كان كهديةٍ كان هو الفستان نفسه الذي ارتديه فى الحلمِ!
و عندما أحبرتني بحبِك خفت... خفت أن تكسر قلبي كما كسرته و أنا طفلة،
خفت أن أُخبرك أننى أُحبك منذ نعومة أظافرى!
"قالت جملتَها الأخيرة بحزنٍ و هى تمسح دموعَها"
تضطربت مشاعر طاهر ما بين الحزنِ و الفرحةِ و الندمِ و الصدمةِ.
حتى ظن أنه يحلم و ما إن انتهت حتى اتجه للجلوسِ بجوارِها و مسك كفها و لمس جبهتها بجبهتِه قائلًا:
-ها أنا هنا.. أنا هنا بجوارِك.
ليس لى ذنب في كل هذا لورا،
لنرمى الحلم دبر أذننا و نكمل حياتَنا و أنا آسف لما سببته لكِ من أذى!
ابعد رأسه عنها و نظر إليها بسعادةٍ طاغيةٍ و قام سريعًا إلى غرفتِه و فتح الدولاب ليُخرج ورقة ثم عاد إليها وهى تُراقبه بعينين متورمتين من البكاءِ.
مد ها الورقة ففتحتها و صُعِقت فضحك هو قائلًا:
-يبدو أنكِ نسيتي رسمةً منهم فى السلةِ.
بدأت فى البكاءِ مرة أخرى و احتضنته و قالت و هى تغرس رأسها فى صدرِه:
-اشعر بالراحةِ لإخبارِك بهذا!
عدلت ملابسَها و شعرها و قامت مُستأذنة إياه للمغادرةِ فرفض طاهر تركها تُغادر وحدها فقد بدأ الصبح فى الإشراقِ.
ركبا سيارتَه و وصلا سريعًا عند منزلِها ثم غادر و قد تأكد أنها صعدت إلى المنزلِ.
خلعت المعطف الأسود و فكت ربطة شعرها و ارتمت بتعبٍ على السرير لتجد صوتَ إشعارٍ فى هاتفِها؛
مسكت الهاتف فوجدت رسالة من رقمِ طاهر:
-شكرًا لجعل كل أيامي مُميزة!