انتهى طاهر من حمامِه و خرج لاففًا المنشفةَ على خصرِه،
تتناثر قطرات الماء من شعره المبلل على كتفِه و جسده.
ارتدى ملابسه سريعًا ثم أمسك الهاتف ليطلب طعامًا من مطعم قريبٍ من منزله..
لم يتأخر المطعم كثيرًا فلم تمر نصف ساعة حتى وصله ما طلب و جلس يأكل بملل.. وحيدًا!
حتى انتهى من طعامِه وقام يُنظف الطاولة ثم عاد ليجلس مرة أخرى يُشاهد التلفاز بمللٍ منتظر مرور الوقت بفارغِ الصبر حتى ينتهى من تلك الوحدة و يُقابلها!
دقت السابعة مساءًا فقام طاهر ليُغير ملابسه بسعادةٍ.. ارتدى زى كاجوال مُناسبًا للموضة و مشط شعره بطريقته المُعتادة التى تُظهره أنيقًا وسيمًا دومًا!
غادر منزله بفرحةٍ وتشوق.. ظل يمشي بهدوءٍ حتى وصل إلى بيت لورا.. صعد الاحترام وطر المنزل بلطفٍ ففتحت له لورا التى ابتسمت عقب رؤيتها له فقال لها بإبتسامة:
-موعد القهوة سيدتي!
ابتسمت لورا و أشارت بيدها له على الداخل "علامة الإذن بالدخول" فدخل طاهر واضعًا يديه فى جيبيه خجلًا.
وجد المنزل هادئا كثيرًا عدا من صوتِ الموسيقى..
مُعبئًا برائحة القهوة!-أين سلمى؟
هى ليست هنا!
"سأل طاهر و هو يبحث حوله عنها"
-هى ليست هنا ولن تعود الا مُتأخرًا..
عُزِمت على العشاء الليلة!
"ردت لورا بهدوءٍ وهى تجلس على الأريكة المواجهة له بعدما أحضرت صينية القهوة وبها الفنجانين"-ذوقك فى كل شئٍ جميل؛
من بداية ملابسك حتى ذوقكِ الموسيقى.. حتى نظام شقتِك أيضًا!
"قال طاهر بهدوءٍ وهو يتأمل كل ما حوله.. حتى هى"
شكرته لورا بوجهٍ متورد و هى تمد له كوبَ القهوة.-ما رأيك فى الجلوس أفضل فى شُرفةِ غُرفتي؟
"قالت لورا و هى تحتضن الكوب بين يديها"-بالطبع فكرة رائعة!
"رد طاهر سريعًا و هو يضع الكوب الذي انتهى من شرب ما فيه للتو"
سارت لورا و طاهر خلفها الى الشُرفة.. سبقته هى و ظل هو يمشي ببطءٍ يتأمل ما حوله بهدوءٍ.المكتبة المليئة بإسطوانات من الأغانى.. جميعهم يخصون شخص واحد.. "عمرو دياب"
و الورود التى نُقيت بإتقانٍ كبير يُناسب الطراز التسعيني لتلك الغرفة..
و كاميرا موضوعة على رفٍ من المكتبة.
-ما هذا؟
انقرضت تلك الآلة منذُ زمنٍ!
گيف عثرتي عليها؟
قالها وهو ينظر إلى "الجرامافون" بدهشة"-اقتنيتها من محلٍ عتيقٍ يبيع الخُردة "كما تُسموها"..أغبياء صنفوا تلك العظمة بخُردى!
"ردت و هى تُحسس إليه بإعجابٍ"
وقفت هى و طاهر فى الشُرفة يتأملان الشارع و هى ترتشف ببطءٍ من قهوتِها و ساد الصمتُ لثوانٍ حتى كسره طاهر قائلًا:
-كنت أود إخبارك بشئٍ.،
"أكمل حينما وجدها التفتت له قائلًا:
-عندما جئت إلى هنا لأول مرة.. لم تكونى بخيرٍ،
لكنكِ كنتِ طباخة ماهرة..!
ابتسمت لورا و عادت تنظر إلى الكوب فى يدها و قالت:
-أحب الطبخ كثيرًا!
هل تُحب الطبخ أنت أيضًا؟
-فى الحقيقة.. لا،
دائمًا أطلب الأكل من الخارج!
"رد طاهر بحنقٍ"
-ماذا؟
هل تأكل طيله تلك السنوات من المطاعم سأطهو أنا لك!
من اليومِ ليس هناك داعٍ لطعامهم.. أنا هُنا.
-ماذا.. لا لا!
"رد طاهر يُحاول الرفض بأدبٍ"
-هذا شيءٌ لا يقبل النقاش سيد طاهر!
"ردت بجديةٍ مُصتنعة"
قالت جملتها ثم التفتت لتتأمل الشوارع مرة أُخرى.
لمعت عيناه وهو يتأملها أمامه...وكأنها لوحة رسمها أمهر الفنانين!
-تُحبين عمرو دياب؟
سأل محاولًا فتح مجرى حوار"
-نعم،
لكن كيف عرفت؟-رأيت الاسطوانات التى فى غرفتك،
و لأنكِ لا تسمعين أحدًا سواه!-تعلم؟
واحدٌ من أحلامِى حضور حفلة له.-أنا أيضًا أُحبه.
"تنهد براحةٍ لم يعلم مصدرها ثم قالها"-علمتُ ذلك حينما كنا فى السيارة وشغلت انت أغنيةً له.
"ردت لورا و هى تضحك بخجلٍ"-طعمُ قهوتك مميز.. أحببتها كثيرًا!
و حبك للون الأسود،
طريقة تصويرك،
طهوك،
وحتى شعرك!
"قال كلمته الأخيرة و قد بدأ يلعب فى شعرِها "
أكمل وهو يضحك:
-لكننى أشعر و كأنكِ تُخفين عنى سرًا ما،
ولا تودين إخباري به.. لكننى سأعمله يومًا ما!نظرت لورا إليه بخوفٍ ثم تحدثت راجية:
-هلا قضينا اليوم سويًا غدًا!نظر إليها طاهر بأسفٍ و قال:
-لدى عمل غدًا..لكننى سأحاول الإستئذان باكرًا!مرت حوالى ساعة و هما جالسين فى الشرفة يتسامران حتى تأخر الوقت فإستأذن طاهر ليُغادر فسارت معه لورا إلى الباب و ما لبثت أن أغلقته خلفه حتى عادت مرة أخرى إلى الشرفة لتُراقب عودته الى المنزل و تطمئن عليه.
لم تمر ثوانٍ حتى وجدت سلمى تطرق الباب..
كانت منهكة للغاية فقبلت لورا و اتجهت لغرفتها و سرعان ما بدلت ملابسها ونامت غير واعية بشئٍ.
أغلقت لورا أنوار المنزل و دخلت غرفتها،
جلست على سريرها و كادت أن تتكئ عليه حتى رنّ هاتفها و كان هو المتصل.. طاهر!
فتحت المكالمة لتجد صوته الهاديء يقول:
-يبدو أن القهوة قد عملت بجدٍ داخلى وظهر مفعولها.ضحكت لورا فأكمل بصوتٍ حانٍ:
-تُصبحين على خيرٍ.. احلام سعيدة!-تُصبح على خير.. أراك غدًا طاهر.
"ردت بنبرة تبدو فيها الراحة"
-وداعًا.
قالها وهو يُغلق المكالمة و ظل ينظر إلى السقف مُبتسمًا ببهجةٍ،
لم يمر بيومٍ مثله على الإطلاق!