الفصل التاسع

551 94 48
                                    

مساء ليلة هادئة تنازل القمر فيها عن عرشة لحلكة الظلام الدامس ؛ وعلى ذلك المقعد الخشبي خلف طاولة الرسم حيث يقبع ذلك الرجل مهتماً بأعماله منذ ساعات مضت
أعاد ظهره للخلف بارهاق وأسند رأسه لظهر الكرسي محدقاً في الفراغ ؛ نال منه التعب من كثرة العمل ، لكن ضجة عقله الذي تحالف مع نبضه الهائج كان أكبر وطأة عليه ..

ترك خصلات شعره السوداء تعود للخلف متخاصمة مع عينيه الحالكتين بينما يتنهد بسكون
ذلك الحب الذي نشأ بين ثنايا أضلعه واحتل قلبه عنوة بات أكبر من ان يحتويه بصمت !
حاجة ملحة للاعتراف بما في داخله من كلام ومشاعر محملة بالحب لها ؛ رغبة عارمة بالاستماع لردها ومعانقتها عناق الألف عام ليشبع لهفة أوردته لها ..

هو الذي بات واقفاً على عتبة الجنون بها ؛ ما كاد يشغل عقله غيرها ؛ لا يشبع نظره سوى تأملها ، لا يرى الجمال سوى في عينيها
هي التي تسرقه من نفسه وتحتل مساحات أفكاره ؛ التي علمته معنى الحب مؤكدة مقولة ان فاقد الشيء يعطيه وبكثرة ...
هي التي ادعت انها لا تؤمن بخرافات الحب ولا تخضع لمنطق الهوى بينما خطت بأناملها دستور العشق على صفحات قلبه وأردته صريع هواها الفاحش وصبيانيتها الملفته وضحكاتها المشاغبة ..

غلغل أنامله بعمق شعره الكثيف ليدلك رأسه بلطف لعله يتغلب على صداعه المنهك بلا جدوى
ان كان يريد الحصول على الراحة فقد أصبح لزاماً عليه ان يعترف بما يعتمل من هوى في داخله لها
وسيترك لها الرد على مشاعره ..

اعتدل بجسده متجهاً الى سريره ؛ اتخذ قراره الحاسم ولا شيء سيثنيه عن ذلك في الصباح
ان كانت قد أشهرت سلاح الحب في وجهه فلابد له ان يسحبها معه الى دوامات هذا الحب وليغرقا سوية ..

وقبل ان يسترخي بجسده على السرير سمع صوتاً بات مألوفاً له يصدر من الخارج ؛ اسرع نحو النافذة ليزيح ستائرها فكانت هي كما توقع
تقف عند حافة شرفة غرفتها وتكلم أحدهم بصوت هامس جعله ينظر نحو الأسفل ليزفر أنفاسه بغيظ
من جديد انه ذلك الفتى الأجنبي الذي بات كالشوكة في حلقه يوخز قلبه كلما ابتلع انفاسه ...

تنهد مبتعداً عن تلك النافذة وعاد الى سريره لعل النوم يخفف من حدة غضب عارم يعتري فؤاده
عليه ان يضبط اعصابه وان يتحلى بالصبر حتى الغد ؛ حتى الصباح فقط وبعدها سيلقي باعترافه لها ويتملكها اذا ما كانت تبادله ذات الشعور دون ان يترك لأحدٍ شيئاً يسترقه منها ..

بعد ظهر اليوم التالي ؛ أثناء اجتماعهم في غرفة الطعام يتناولون الغداء تكلم موجهاً كلماته للسيد يون : كنت اتساءل عن وجود مكتبة في هذا المنزل ؛ ابحث عن كتاب سينفعني في عملي قليلاً

تكلم السيد يون : بالتأكيد لدينا مكتبة كبيرة ؛ أعجب من عدم زيارتك لها حتى الان !

" الطائر الحزين " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن