الفصل التاسع عشر

503 58 143
                                    

حدقت فيه بذهول وهو يهزها بين ذراعيه بقوة مع انفجار مشاعره العاتية التي انحسرت طويلاً حتى انطلقت كطوفان هائج اخذ كل ما في طريقه من رواسب مع انجرافه
سلبها لسانها وحروفها ؛ أطفئ فتيل غرورها المتقد لتخبو وتنظفئ ، لم تتمكن من الحراك امام كل تلك المشاعر التي فاضت من بين شفتيه فما كان منه الا ان يضيف بصوت عاجز منهزم : لقد اكتفيت .، من هذا الحب الأحمق من طرف واحد لطفلة امية لن تتعلم القراءة يوماً ، يكفي الى هذا الحد ، اياً كان ما تريدينه خذيه وارحلي من قلبي الى الأبد ..

دفعها بقوة مع نهاية حروفة ليغادر الغرفة كالرياح الهائجة ؛ لم يلتفت لجسدها الذي تهاوى أرضاً مع تخدر حواسها وقوة دفعه لتحدق في الفراغ مسلوبة العقل والحواس
ما كان ذلك الذي حدث بينهما منذ قليل ؛ ما كل تلك المشاعر التي فضحها في لحظة واحدة وما كانت تدرك أياً منها ؟
هل كان عاشقاً لها بذلك القدر منذ ثلاث سنوات حقاً وطيلة ذلك الوقت كتم تلك المشاعر بداخله دون ان تدركها ..!

رفعت بصرها الى الباب المغلق كأنما ترتجي عودته منه ليحتويها بين ذراعيه من جديد بلا أمل
انهمرت دموعها كالسيل من عينيها ؛ لم تكن على دراية من قبل انها تملك ذلك الكم الهائل من الدموع في عينيها
لم تعلم ان هناك ركام من الالام محصورة بداخل قلبها حتى انفجرت جميعاً بضغطة زر واحدة منه لتقعدها عاجزة عن الحراك
لا تستطيع سوى البكاء بسخاء على اطلال حب اعلن نهايته قبل ان تدرك بدايته .. تماماً كطائر مالك الحزين ...

اما هو فغادر المنزل مختنقاً باحثاً عن اي منفذ للتخلص من تلك الهموم التي راكمتها فوق صدره
يشعر برغبة عارمة في البكاء كطفل صغير لولا انه لا يجيد البكاء على ما مضى وانتهى
عليه ان يظل قوياً شامخاً ، ليس من شيمه الانهيار امام شيء ؛ ليس من اجل فتاة لا تعده اكثر من رجل عابر عبثت معه قليلاً وستسعى لرجل غيره بعد ان سئمته وهو المؤمن بالأبدية والأزلية ..!

الى متى عليه ان يسرف بشعوره نحوها بلا فائدة ؛ الى متى عليه ان يهدر نبض قلبه على فتاة سيئة مثلها لم تجلب له منذ وقع لها سوى الحسرات ..!
للمرة الأولى منذ الأزل يشعر بنفسه عاجزاً ضعيفاً ؛ انه الحب من يتركنا عاجزين امام لوعة نكباته ، الحب الذي يغدر بنا ويفتك بقلوب بريئة امنت به وتبعته بعفوية ليلقيها الى جحيم الرفض والنكران .

لكنه - رغم جحيم قلبه - لازال بشكل بائس يرفض التخلص من شوائب حبها المعششة بصدره ..
لا زال يراها جوهرة سحرية ثمينة منحته انواعاً مختلفة من الشعور ما كانت امرأة اخرى قادرة على خلقها بداخله
بشكل احمق لا يريد ان ينساها ، بشكل متهور يرفض التملص من هذا الشعور الجميل الذي احتواه بداخله لها يوماً ..!

حتى لو لم تكن له ، حتى لو غادرته مخلفة بصدره الدمار وطعنة في القلب لا تندمل ؛ فهو يريد ان يتمسك بشعور الحب الذي أحيته فيه يوماً ..
لا يريد ان ينسى تلك الذكريات الجميلة التي عايشها ؛ تصرفاتها الطفولية التي تتمازج مع غرورها الأخاذ
حركاتها العابثة التي كانت تتلاعب بعدادات نبضه ؛ ابتساماتها الشقية ، لهجتها الفظة ، نظراتها المشاغبة ..
كل تفاصيلها الصغيرة التافهه ؛ كل لحظاتها الجنونية الآسرة ، رقصتها المترنحة ، قبلاتها اللعوبة ، همساتها الشيقة ، لمساتها المدللة ..

" الطائر الحزين " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن