الفصل السادس عشر

590 80 117
                                    



مساء تلك الليلة ذات النسمات الخريفية الباردة ؛ تجولت في حديقة المنزل بخطوات تائهة قادتها مشاعرها المتنامية
حبها الذي يزداد حجماً وتفرعاً في دواخلها كلما حاولت اقتلاعة ؛ أفكارها المترددة نحوه وعلاقتهما المترنحة ..
تارة تراه أقرب الناس اليها ؛ تشعر به كلما تقابلت نظراتهما ينظر الى قلبها مباشرة لينفض عنه تراب الحزن ويحتويه بنظرة واحدة
وتارة تراه أبعد من الأمنيات ، مستحيل هو كالمعجزات ، لا يمكن الإتيان بقلبه حتى باستخدام الأسحار والتعويذات ..

كيف النجاة من هذا الرجل الذي تشرب المثالية وتعدى حدود الفتنة وهي تعلم انه لا يملك اي شعور نحوها ؟
الرجل الذي رفضها قبل ثلاث سنوات واثر الرحيل بلا عودة ؛ كيف تتمسك به دون ان تخشى رحيله بشكل مفاجئ كما حدث من قبل بعد ان يسأم من طفوليتها المزعجة وتصرفاتها العابثة !

وقفت امام بركة السباحة تنظر الى انعكاس ضوء القمر الذي تجلى في السماء عليها
ورغماً عنها داهمتها ذكرى قديمة عن اليوم الذي دفعها به الى الماء ممازحاً وكيف تعلقت برقبته لتسحبه الى الماء ثم فقدت الشعور بكل ما حولها عندما قابلت عينيه ..
ابتسمت بنعومة على تلك الذكرى قبل ان تستعيد وعيها وتضرب رأسها بغضب معاتبة نفسها
لا يجب ان تفكر بهذه الذكريات ان كانت تريد الانسحاب من هذه المشاعر والتخلص منها !

زفرت أنفاسها بغيظ قبل أن تلقي نفسها في الماء بثيابها ؛ أرادت ان تغسل أفكارها لكنها استقرت في القاع مغمضة عينيها متلذذه بسكون العالم في عمق المياه
ذلك السكون حولها جعلها تستجمع أفكارها المشتته ؛ بتعقل بعيداً عن ضجيج المشاعر التي تخلق الفوضى بقلبها
وجدت نفسها ترخي كل دفاعاتها بينما تتالى عليها صوره التي تأملتها بامعان منذ عرفته
وجدته يتربع على عرش قلبها وعقلها ؛ وجدته ملكاً لكل ذكرياتها مما يجعل النسيان امراً مستحيلاً فإلى متى سترهق عقلها بالنكران ؟!

فتحت عينيها أخيراً لتراه أمامها من جديد ؛ ابتسمت لصورة ملامحه التي داهمت خيالها من جديد لكنها شعرت بذراعه تحيط وسطها وتسحبها بقوة لينتشلها من الماء
لم تعلم كيف وجدت نفسها خارج البركة بين ذراعيه وهو يحملها حتى جلس أرضاً ليضعها امامه وهو يلتقط أنفاسه بصعوبة

وبملامح اكتساها القلق وعينين تبحثان في كل جسدها بخوف تكلم : هل انتِ بخير ، هل تأذيتِ في مكان ما ؟؟

حركت رأسها نافيه بذهول من قلقه ؛ وما زادها ذهولاً هو يده التي سحبتها اليه ليعانقها بقوة وهو يتمتم : حمداً لله ؛ ظننت انني فقدتك !

استكانت ملامحها وزارتها رجفة حنين للاستسلام في مساحات جسده وفعلت ؛ أغلقت عينيها متلذذة بذلك الشعور الذي يمنحه لها بملامسته
ضمته بقوة و تمسكت بقميصه ؛ انتشى نبضها على وقع انفاسه القلقة عليها وتمنت لو انها تبقى في مكانها الى الأبد ولا تريد شيئاً اخر من العالم بعد ذلك ..

" الطائر الحزين " حيث تعيش القصص. اكتشف الآن