المقدمه

27.1K 378 8
                                    

تميمة
ابتسامة.. وليلة قمرية.
خصلات مشبعة بنكهة البندق كما اعتاد أبيها تسميتها, نظرات شقية وضحكة
صاخبة ونبرة رنانة افتتحت العرض.
كانت إيناس قد اتخذت موقعها في القاعة الممتلئة عن آخرها..
العرض كان على وشك البدء وتميمتها الغالية غابت عن عينيها من أجل أن
تحضر حالها..
تلك الشيطانة الصغيرة التي تصر منذ أشهر على اعتلاء المسرح بحفل
مدرستها السنوي رغم صغر سنها..
حادثت نفسها وهي تحاول أن تتصورها بفستانها الأبيض الذي جعلها تبدو
كعروس الماريونت وطوق الياسمين الذي صنعته رقية خصيصاً من أجل أ رسها
الصغير ليتواكب مع ابتسامتها الساحرة وهي تردد الأناشيد بجوار زميلاتها
بصوتها الرنان..
رجفة حزينة مرت على ا زوية شفتيها عندما تذكرت غيابه..

لن تغفر له أبداً تفويت حلم تميمة الأول وتشويه لوحة سعادتها ولو بكشطة
حمقاء..
بل هو الأحمق..
"نعم.. أنت الأحمق يا خالد!".
خفوت الأضواء نبهها لبدء العرض وما هي إلا لحظات حتى أبصرت صغيرتها
تتصدر الجميع منفردة بأداء طفولي مبهج منشدة أول أغاني العرض.
فعلياً لم تدرك الدقائق القليلة التي مرت فقد كانت ت ا رقب كل لمحة وهفوة
وابتسامة على شفتيها..
ضحكة عينيها الصغيرتين ودلالها الطفولي وعفويتها وهي تضحك وتستجيب
لصفير الجمهور..
طفلتها مميزة ليس فقط في أعينها بل بأعين الجميع..
تسارعت نبضات قلبها وهي تستمع للمديح المار بجانب أذنيها
"عسل"..
"شقية"..
"سعاد حسني صغيرة"...
ابتسمت وخافت فأغمضت عينيها تتلو من أجل صغيرتها المعوذتين.. شقيتها
التي اكتسبت ب ا رءة ملامحها وحضور أبيها..

ومع انهمار آخر عبرة من عينيها فرحاً وتأثرا بصغيرتها التي تشب بجنون فوق
السنوات وتتمايل على المسرح الصغير ملوحة لتصفيق الجمع أمامها,
استشعرت أنامل دافئة تحيط خصرها بثبات وقبلة عميقة استأثرت بكتفها في
إشارة واضحة لاشتياق رجل وغضب زوج لإنزياح شالها الأنيق عن كتفها الشبه
عاري..
استدارت لتلمح ملامحه الصلبة ترمق طفلته وهو يتمم بابتسامة ثابتة: "تميمة"
***********************
خالد
كانت كعادتها قد اتخذت موقعها بالحديقة ككل مساء, تنسج بين إصبعيها كنزة
صوفية وت ا رقب طفولته..
تلك الطاقة المذهلة من العفوية المتمثلة في ب ا رءته..
تدرك رقية أن جوهرتها الثمينة تختلف عن الجميع فهو لم يكن من هؤلاء
الأطفال المتعلقين بركل الكرة أو سباقات السيا ا رت وجنون أفلام الكارتون, بل هو
أشبه بنبتة لافندر عطرية وجودها يبعث بنفسك الهدوء والطمأنينة أينما كنت..
ملامحه تحمل منها الكثير خاصة عينيه الصغيرتين بلونهما الأسود اللامع
ولكنه ورث عن حسن خصلاته الناعمة وغمازتين ساحرتين تغوصان بوجنتيه
مع كل ابتسامة, كان وسيماً للغاية بل كما تردد إيناس دوماً هو أوسم رجال
مزرعة رضوان.

ابتسمت بآسى وهي تتذكر تسلله لغرفتها منذ أيام ليحصل على اللعبة المحرمة
التي تصر دوماً أن تخفيها عنه بجبين مقطب وهي تتمتم
"جيتار حمزه ليس للعب"..
نعم تلك الأيقونة الباقية من حمزة الذي رحل مستغنياً عن كل شيء حتى
موسيقاه..
انفرد خالد بلعبته الثمينة التي تكاد تضاهيه طولاً بعيداً عن أعينها وعندما
لمحته وتوجهت نحوه متذمرة لم تملك سوى عبرتان انهم ا ر من عينيها وهي
تشاهد صغيرها يجلس متكئاً على سور الحديقة محتضن تلك الآلة السحرية
وترتسم على شفتيه الصغيرتين ابتسامة انتصار كلما أدرك نغمات أوتاره. وقتها
همست لنفسها بحزن ممتزج بسعادة مفقودة:
"حمزه الصغير".
*************************
محمود
كعادته..
ملامح مقتضبة تسبق عمر طفولته بسنوات وشفتين مزمومتين على الدوام
وكأنهما نسيا الابتسامة..

قبلة أمه الحارة فوق جبينه كل سنة وحقائب الهدايا المتناثرة لم تشفع لها ولن
تشفع لها حتى آخر العمر..
"إلى اللقاء مدام سهام"
كان يرددها في عقله بسخرية كلما جاءت لتذهب من جديد..
تنتقل جسداً وروحاً بجوار رجل غريب عنه, أجبره الزمن أن يناديه عمي.. يحمل
رحمها أجساداً صغيرة واللقب شقيق, ولكن هو لا يعرفهم ولا يشعر بهم, وحتماً
يحقد على أنفاسهم المحاطة بحنان أمه على الدوام تماماً كالشقيق الآخر..
الأصغر..
مدلل أبيه وأيقونة قلب أمه
"خالد".
وكأن حاله أن يظل منبوذاً عن عالم أبويه اللذان اختا ا ر كل شيء سواه.
ابتسم ساخرا ليردد بنفسه مرة أخرى..
"وأنا لن أختار سوى محمود عندما أملك قررا الإختيار".
*********************

صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن