أتعلم عيناك أني انتظرت طويلا كما انتظر الصيف طائر
ونمت.. كنوم المهاجر
فعين تنام لتصحو عين.. طويلا وتبكي على أختها
حبيبان نحن, إلى أن ينام القمر
ونعلم أن العناق, وأن القبل
طعام ليالي الغزل
محمود درويش
رغماً عنها تهاجمها تلك الابتسامة!
وتثير جنونه..
وحملقته وذهوله وصمته التام أمام مستخدمته الجديدة..
ألم يرفهها بحق الاختيار فليتحمل!!
وصوتها كان رنان..
"مدام سندس"
أولاً.. مدام
وثانياً.. سندس!
والسندس نوع من الحرير..
ديباج
نعومة ونقيض تام لطباع المرأة الواقفة أمامه
وليست مدام.. بل هي أرملة..
خمسينية وتوقفت حدود الألوان لديها عند اللون الرمادي.
خصلات رمادية.. ثوب رمادي.. والجوارب رمادية أيضاً!..
هكذا..
محروم أنت من الألوان يا خالد!
تعلم هي ضعفه أمام إندماج الأزرق بصبغة بندقية, الأحمر يثير جنونه كحال
الرجال, والزهري فإن كرهه هو يُضحي!
وسندس كانت يوماً ما ام أ رة ملونة كحال جميع النساء, فتاة متفوقة وجامعية
طموحة..
وعمل استمر لأربعة أعوام في مؤسسة سياحية مرموقة حتى جاء صاحب
النصيب, ونفض كل شيء من حولها بأنانية رجل..
العمل والأصدقاء والأهل.
استأثر بها ولا تنكر أنها في البداية كانت سعيدة..
كانت!
فعل ماضي والماضي لا يعود..
وكان حنوناً لا تنكر ولكنه ذهب لتراب وأصبحت تختزله بصورة مُعلقة وشريطة
سوداء تخبرها كل صباح أنه رحل..
تركها مع ثلاث أبناء, فهاجر الأول ولم تعد تتذكر اسم مدينته, وهاجر الثاني
خلف لقمة العيش والحياة رغم أنه معها بنفس البلد, والثالثة أصبح زوجها يعد
عليها أنفاس الزيارة فحلت قيد مسؤوليتها منها بنفس ا رضية..
وايناس ربما فكرت بأنانية أنثى قطفت من حول زوجها جميع الفواكه, ولكن
هناك شيء ما لمسها بتلك المرأة
لمس ماضٍ قريب..
لمس احتياج عويص لتلك المهنة..
لأي مهنة..
لعزلة نتذرع أننا عليها مجبرين ومن يعلم ربما مثلها تجد هنا..
السعادة.
********************
تدللها فاتن, وتناديها ابنتي الصغرى..
رقيقة تلك الم أ رة ببشرتها السم ا رء المحببة ووشاحها الهاديء بدرجات الأخضر
المتدرج والذي لا يغادر أ رسها سوى عند النوم..
و رأس ليلى العنيد أمهله الطبيب أربعة أيام حتى يلتئم جرحه..
وينفذ حمزه تعاليم الطبيب بحذافيرها, فيطمئن عليها كل صباح بمحادثة
تليفونية يضمن بها عدم نزولها إلى العمل..
ومحادثة أخرى وقت الظهيرة يخبرها فيها أن أمين كاد أن يحطم القارب بشبه
قيادة, ويتصور تجول حدقتيها قلقاً ثم تلك النظرة حيث تستطيل عيناها بشكل
مستعرض وتضيق مع زفرة غاضبة تحمل عطرها الذي حتماً لن يجيئه من خلال
الهاتف..
وفي المساء يحادثها دون سبب وتتردد هي كي لا تجيب ولكنه لديه أسباب
عملية خالصة.
تقرير مفصل عن رحلة الي وم والأمس والغد على قاربها الذي هجرته مضطرة..
هي فقط تطمئن.. على القارب.. على ليلى
وهو أيضاً يطمئن.. على ليلى!
وصوته بالهاتف له دفء..
دفء نبرة لم تستشعرها مع رجل من قبل..
مع وجدي الذي كان يقتصد في المكالمات بحرص مقصود.
وسمعت تأوه غريب منه في محادثة ما وسألته بتردد:
في ايه؟
ولم يجب وكأنه ترك الهاتف وفكرت أن تغلق ولكنه عاد يخبرها أنه سكب قط ا رت
الماء الساخن فوق أصابعه..
كان يعد مشروباً وسألها بمرح:
تشربي معايا؟
ولم تجب..
بل اجتاح ملامحها ضيق من محادثة تعدت نصف ساعة!..
واعتذرت أنها أزعجته..
هي أزعجته!
هو يعود باكرًا للمنزل بفضل تلك المحادثة..
واليوم تخلى عن موعد مع فتاة أوك ا رنية.
أوكرانية يا أهل الدار..
أوكرانية ببشرة منكهة بحمرة نبيذ وخصلات شعاع شمس!..
أوكرانية لا تمتلك سواد ليل قصير يتهدل فوق أذنيها, لا تمتلك تيه حدقتين فوق
البحر نجاتهما بين ضلوعه..
ولا تمتلك هذا اللسان المعاند والرأس القاسي بشهادة طبيب أجزم أن جرح مثل
هذا كان يجب أن يهديها ارتجاج!
وابتسم فجأة وأدرك أن صمته عليها طال فهمس بمشاكسة:
تشربي شاي بلبن؟..
وابتسمت هي رغماً عنها ورغماً عن تقطيب الحاجبين الرافضين لهمسه والعقل
الذي يصرخ أغلقي الهاتف وأظافرها التي أصبحت تتسلل نحو فمها مع كلماته
وتلعثمها يصله عبر أسلاك لتنطق أخيرا بنبرة مضحكة وعالية تتحدى الهمس:
تصبح على خير..
وأغلقت وأعدت لنفسها كوب ساخن وشفتيها تضحكان..
"شاي بلبن"!
******************
بندقية ماكرة.. وقاسية أيضاً!
تضحك بصدق حقيقي أمام نبرته المغتاظة على الهاتف مع مساعدته الجديدة
التي تعامله وكأنه هو مساعدها!..
بل أنها قامت بتوبيخ بعض الموظفين بالأمس وهرعت الفتاة عبير من مكتبها
باكية!!
ما هذا!!!..
لا أحد يُبكي موظفيه سواه.
ولكن رغم كل هذا المرأة الرمادية نشيطة بشكل لا يوصف, في السابعة صباحاً
تتواجد بمحيط الفندق..
تمر على الجميع من أكبر موظف لأصغر عامل وتشارك النزلاء صباحهم في
قاعة الإفطار بابتسامة ودية وتسألهم بلطف عن إقامتهم واحتياجاتهم..
وبعدها تتوجه لمكتبها وتلال أوراق وتنهي كل شيء بحرفية تامة..
ولا تترك الفندق سوى في التاسعة مساءً بعد أن تطمئن على النزلاء وموائد
عشاءهم فترحل راضية..
دقة متناهية تصل لسن إبرة في كومة قش..
وهذا ما يغيظه.
والآن بندقيته ترتدي الرمادي, أهي خطة خبيثة أم ماذا؟..
يشفع لها أنه رمادي فاتح وأنه ثوب ضيق ماكر فوق الركبة وأنها خصرها
الرشيق يلتف بحزام تركوازي رفيع وأنها خصلاتها تتناثر بتصفيفة غجرية تفعلها
لأول مرة وأنها حافية وترتدي بقدمها اليسرى خلخال!
وبتدقيق النظر ليس خلخالاً بالمعنى المفهوم..
هي ربطة رأس بندقية بألعاب رنانة صغيرة تتدلى منها
هي تبتكر لأجله..
وتسمع موسيقى صباحية بصوت فيروز وتغني معها..
يا أنا يا أنا أنا وياك
صرنا القصص الغريبة
يا أنا يا أنا أنا وياك
وانسرقت مكاتيبي
وعرفوا إنك حبيبي
عرفوا إنك حبيبي
مزاجها مُعتدل بفضل سندس..
كان يبتسم وي ا رقب بعنين لا ترمش, وظل دون حراك أمام قهوته ي راقبها وهي
تودع تميمة حتى يقلها السائق لمدرستها..
ورغم أن طرفها فعليا لم يظهر من الباب والا كان قد قتلها فوجئت بذراعه
يجذبها مغلقاً باب الفيلا ومبتعداً بها بأحد الأركان هامساً فوق جبهتها بقسوة
ممتعة:
الفستان ده حتخرجي بيه!؟
لا تنكر أنه أجفلها فأصبح تنفسها سريعاً..
ولا تنكر أنها ابتكرت ملابسها خصيصاً لأجل أن ت ا رضيه بعد أسبوع كامل قضاه
في مشاحنات مع اختيارها "سندس" دون أن يلومها بحرف..
ولكن معاندته لذة!
رفعت عينيها نحوه لتهديه ابتسامة مراوغة قبل أن تجيب:
جايز
ظل بصره مرتكزا على عينيها, لا يحيد ولا يهتز..
مرتكزا بصمت أربكها فهربت تبلل شفتيها وتردد بتلعثم ناقض ثقتها السابقة:
أنا لازم أغير علشان ألحق الشغل!
ولكن تحركها كان مستحيلاً فهو لم يخفف قبضته فوق خصرها ولم يتحرك من
أمام جسدها قيد أنملة..
حركت عينيها متسائلة وعندها سمعت منه صوتاً أجش مع ابتسامته الجانبية
التي يختصها بها:
مش لازم!
وبفضل ابتكارها الصباحي تأخرا كلاهما عن العمل ثلاث ساعات!!
******************
مرحباً.. يسعدنا أن نقدم لك عرض النهاية
رحيل أميرة!
همسة.. غنوة.. رقصة!
موت..
ولمعت عيناه.. بنشوة غامضة..
لِما يجد البعض في الرحيل خسارة؟..
هو أحياناً أفضل الحلول!.
وشهر ا زد الآن ضيفة بمنزله ولم يبذل حتى جهداً بإقناعها, تحركت تبع أهواءه
بهشاشة, وبالأمس راقصها مرة أخرى بعد العشاء وكانت ضعيفة بشكل مُرضي..
طوع بنانه كما يقال حتى خصرها كان يتمايل تبعا لأوامر قبضتيه..
والموسيقى أضحت شرقية.. هادئة بنكهة كمان
ولم تعطه عيناها فضولاً فاسترسل هو بانتصار:
دي موسيقى العرض النهائي!
وشردت.. تستمع لها بوجه آخر..
شرود غامض مع معزوفة موت..
أي عازف مجنون صمم تلك المقطوعة..
هي آسرة وتشعر باللهب بين ضلوعها فقط لفكرة وجودها فوق المسرح ترقص
عليها
ولا ترى نفسها شهر ا زد ولا ترى نفسها كارمن بل ترى امرأة أُخرى..
وابتسمت..
فقط نصف ابتسامة وهذا الإعوجاج بشفتيها لم يظهر منذ زمن وضم حاجبيه
يسألها بعد تأمل:
عجبتك؟
وأجابت بهدوء متأني دون أن تنظر نحوه:
عايزة أرقص لوحدي.
ودفعته ورغم انتشاءه بدور شهرياري مؤقت إلا أنه كان يفضل المشاركة..
أناني هو, حتى خصرها يقرر أن يتحرك وفق هواه
وان كان اغواء الرجل يتمثل برقصة فهي أكثر امرأة في العالم قادرة على هذا
الإغواء..
وتحكمها في الأمور لا يساعد..
وخلع حذاءها لا يساعد ووجهها المضيء رغم الهزل لا يساعد..
وحمرة الظلال لا تساعد..
وهي ترقص وترقص ولا ت ا ره
تدور..
تارة ببطء.. وتارة بعنف
تتهاوى.. وتستقيم.. ويميل رأسها حتى تلمس خصلاتها سجادة العتيق وترتفع
ببطء محترف..
وأحلامها ليست وردية
أحلامها لهب
عيناه..
طيف من مراهقتها فوق صدره وان كانت وسيلة.
ازدراءه.. وقربه.. وهمسه.. ولمسه.. ورفضه.. ونيران
حريق..
وكريم ودماء
وموت.
أي خديعة تعيش فالنهاية الموت وهي تحدد الآن لنفسها رفاهية الطريقة!
وتظن أنها ترقص له..
وأنه هناك بمقعد بعيد يجلس ولا يبالي ولم يبالي من قبل..
ولكن هي أنثى كحال النساء تتعاطى الخديعة.
ووسط دموع هاجمتها وشجن استحوذ على وجهها ودوار أرهقها أسندتها
قبضتين.. عينان خضراوتان وذقن غير مشذبة قليلاً..
وتملك يفوق غطرسة جميع الرجال.
وتملك شاهد اغماءة بين ذراعيه
ليست مصطنعة وليست مباغِتة
هي نوع جديد من الاسترخاء
شبه موت!
وابتسم هو أيضاً نصف ابتسامة..
اعوجاج غريزي لم يحظ به منذ سنوات.
ولكن ليست تلك الغريزة المتلهفة على عطر جسد..
ليست نشوة جنسية لرجل..
ليست رغبة..
وليس اشتهاء..
هي غريزة الخلاص..
هي الخطيئة الثانية في تاريخ البشر
القتل.
*********************
استيقظت مبكرة.. بقرار..
أنهت إفطار الجميع وتوجه حسن نحو عمله ومحمود نحو حصان وبقي خالد
وحيدا حتى أنه أصبح مؤخرا يتجنب اللعب وأغضب تميمة بالأمس وأخبرها أنه لا
يودها أن تكون صديقته!!
وهي انزوت بنفسها كثيرا في الأيام السابقة..
ق أ رت عن مواضيع شتى وحادثت طبيبة ما مختصة بسلوك الأطفال وهجرها
النوم قلقاً على وليدها..
وسيمها الصغير
بل أوسم رجال مزرعة رضوان كما تخبرها إيناس..
والصغير كان وحيداً بغرفته يحرك سيارة فوق حاجز الفراش دون متعة..
توجهت نحوه لتمرر أنفها فوق وجنته الناعمة ورددت بصوت متذمر:
حبيبي مش هيفطر!
استدار نحوها فأجاب بسؤال:
بابا وافق أروح أركب حصان؟
لِما يظن أن حسن ربما لن يوافق؟.. لِما يظن أنه يفضل محمود عنه؟..
هذرت كأفكارها دون صوت:
"ربنا يسامحك يا حسن"
وتابعت بابتسامة واسعة لا تختص بها سوى ملامحه:
بابا موافق جداً وعايزك تروح من النهاردة.
وكما توقعت..
ليس هناك لهفة أو ابتهاج..
خالد يفعل الشيء عنداً بمحمود ليس أكثر..
تابعت وهي تسحبه ليجلس فوق ركبتيها:
وكمان في مفاجآة من ماما..
استدار نحوها بنكهة طفولية مشبعة في عينيه تفتقدها مؤخرا وسألها تلك المرة
بلهفة:
مفاجأة ايه؟
تنهدت:
مش إنت بتحب الجيتار
نظر نحوها الطفل لا يفهم..
فتابعت هي بثقة:
النهاردة معاد أول درس بالموسيقى.. وحتروح بالجيتار..
توسعت عيناه قليلاً وانفرجت شفتيه ليسأل بتردد:
بجد يا ماما!
أومأت رقية رأسها بابتسامة ثم توجهت نحو غرفتها لتحضر الجيتار الكبير عليه
نسبياً والذي بدا مضحكاً وهو يحتضنه ببهجة..
ضحكت بدورها ثم قربت وجهها منه تهمس:
عشر دقائق تكون لبست وروحت تصالح تميمة.
تبدلت ملامحه قليلاً وتحدث بنبرة جافة:
تميمة بتلعب عند الحصان مع محمود
جذبته هي ليجلس فوق ركبتيها مرة آخرى:
تميمة ومحمود إخواتك.. حتى لو محمود غلس شوية هو أخوك وما حدش
ينفع ما يحبش أخوه يا خالد..
تذمر مسرعاً وبنبرة عالية لا تعتادها منه:
بس هو مش بيحبني وكمان بابا!
بهتت قليلاً وكلمته تصدو بأذنيها
"وكمان بابا"
حركت ملامحها بتحكم عضلي قاسٍ كي لا تبكي وابتسمت بتشوه يحاول ثم
تابعت مسرعة:
لو محمود مش بيحبك متكونش زيه.. لأن ده مش صح وربنا بيحب الحلويين
اللي بيحبوا كل الناس.. مش عايز ربنا يحبك
أومأ خالد أ رسه بب ا رءة فتابعت هي بثقة أكبر:
وبابا بيحبك قوي قوي قوي.. اوعى تقول كده.
صمت خالد ولم يعقب فاحتضنته بقوة متنهدة:
ودلوقتِ تروح تصالح تميمة.. وهي في البيت علشان تعبانة النهاردة وزعلانة
ما ا رحتش تلعب.. اتفقنا.
وحرك خالد أ رسه إيجاباً وبدا أكثر سعادة
يستعيد صديقته ويمارس هواية يعشقها ومعه جيتار حمزه.
*******************
حورية..
حسناً هي اجتهدت واستحقت لقب زوجة ثالثة..
ولو علم والده بأنه مر بزيجتين بعد عبير زوجته الأولى وابنة عمه لأصابته
سكتة قلبية موجعة خاصة أن الثالثة راقصة!!
راقصة!..
وما المشكلة؟؟!!
أعطته الراقصة ما عجزت عنه ابنة العم التي لا تتقن سوى أتربة الفرن وخبزه
القاسي..
وأعطته ما أبخسته من قبل الجامعية التي هربت منه لمجرد أنها عرفت أنه
صاحب مؤهل متوسط لا يرقى لها..
نعم قبل حورية كانت هناك ولاء..
وولاء كانت جامعية رقيقة رآها مصادفة برحلة بحرية عندما كان يعمل مجرد
خادم على اليخوت..
ولم تلحظه بل أنها أهانته لأنه أوقع بعض العصير فوق رداءها دون حتى أن
تتبين ملامحه..
ودون أن تعرف أن الأنيق الذي طلب يدها بعدها بعام واحد هو نفسه العامل
الحقير كما زعقت بوجهه من قبل..
ولم تبالي لا هي ولا أبيها بتقصي ولا باستفسار أمام النقود التي رماها فوق
طاولتهما تحت مسمى شبكة ومهر ومؤخر صداق
بيعة وتمت
وبعد عقد القران وقبل الزفاف بيوم واحد علمت الحقيقة لتنفجر بوجهه تطلب
طلاق!
هكذا بكل بساطة..
أهانته من جديد لتهرب من رائحة عرق عمالته.
ضحكة صف ا رء مرت فوق أسنانه وحورية ترص أحجار دخانه وتدلك قدميه
بيدها الأخرى وهو يتذكر..
يتذكر الجامعية المتذمرة التي أركعها تحت قدميها بفستان ممزق تطلب الرحمة
بدلاً من أن يعيدها لوالدها تنقص لقب آنسة وتحصل على الطلاق بلقب
مت زوجة بحق.
ولم يثير ركوعها به سوى شهوة!
شهوة وانتقام استمرا لمدة أربعة أيام!
أربعة أيام احتجزها بمنزل الزوجية الذي رفضته, أربعة أيام نالت عقابها كزوجة
متمردة..
أربعة أيام نهل منها حتى استكفى وأعادها كما وعدها
امرأة بفضله..
مزاجك مش رايق يا سي صبري
هكذا يجب أن تنادي الأنثى رجلها..
تستحقه حورية فهي تتقن دلاله..
رقصة ومزاجية دخان وركوع تحت امرته وقتما يشاء..
ولم يجيب..
فقط أسند أ رسه للوراء يسحب دخانه, فاعتدلت لتجاوره لتملس برقه بسباباتها
فوق خصلات رأسه وتسأله من جديد:
مركب منصور؟
لمعت عيناه..
هو أصبح لا يود فقط مركب منصور بل ابنته أيضاً..
تلك الجامعية التي تحتقر كل ما يخصه وتظن أنه نكرة لا يستحق, تظن أنها
بمأمن بمنزل فاتن أم تظن أن أمثال حمزه وأمين سيمنعوه عنها وقتما يريد..
زادت لمعة عينيه مع ابتسامة خاصة
ابتسامة قاسية تعرفها حورية جيداً وتخاف من توابعها..
سحب هاتفها وضرب رقماً حصل عليه منذ أيام وحان وقت استخدامه والصوت
الرقيق هناك..
يجيب بأريحية تامة وكأنها لم تتعرض شبه محاولة قتل منذ أيام وكأنه لا
يخيفها!
الو
ازيك دلوقتِ يا بنت الغالي؟
نبرته.. تبجحه.. وسخريته.. وشبه رجولة على هاتفها..
أغمضت عينيها تطلب ثباتاً لتجيب بنبرة زاعقة تناقض كل ثبات تدعيه:
مش بنت منصور اللي يهددها واحد زيك!
نظرته القاسية أصبحت أكثر توحشاً..
حتى أن حورية انسحبت وفكرت جدياً أن تهرب من صحبته تلك الليلة..
وليلى لا تخافه بل تزيد:
ولعلمك مش حد تاني.. أنا اللي حاعرفك مقامك كويس!
صمت وقت ليس بقليل ولم تكن تعلم أنه يتحكم بغضبه قبل أن يهمس بفحيح
متخابث:
فاتن مش هنا النهاردة وبكرة.. صح؟
رغماً عنها.. كأنثى.. كفتاة.. تسارعت ضربات قلبها..
فاتن تتركها ليلة كل جمعة وسبت وتبيت برحلة صحرواية مع فوج يتبع الفندق
الذي تعمل به..
الأمر مجهد من بيات وتحضير طعام واهتمام بالضيوف ونوم بخيمة بالعراء
ولكن العائد يستحق..
ولا تعلم ماذا أصابها فقادتها غريزتها نحو مزلاج الباب ونحو النافذة ونحو
منفذ المطبخ والهاتف فوق أذنيها وفحيح صبري ينتصر:
بلاش عِند بدل ما أفاجئك بزيارة علشان أشوف حتع رفيني مقامي ازاي ساعتها
ولم يزد ولم تحتمل أكثر..
أغلقت الهاتف بيد مرتعشة وبعقلها تشوش أكبر منها وتصميم قاسي بأنها
يجب أن توقفه عند حده ولكنها لا تعلم كيف.
ورمقت الهاتف من جديد..
ولكن كملاذها الأخير
رسائله النصية البسيطة والبهجة الغير مفهومة
صباح الخير
تصبحي على خير
مناوشات! من نوع آخر..
ومنذ قليل أخبرها أن هناك رحلة صيد مع تحسين ولم يتصور أنها ستهاتفه
بعدها بربع ساعة..
ولِما يبتسم؟.. ولِما أصبح الهاتف صديقه!
هي فقط رسائل نصية ليخبرها أنها ليست وحيدة..
ألم يحتج هو لأصدقاء في بداية عمله هنا؟..
لمن يخبره "صباح الخير"..
أو يهتم بمساءه ب "تصبح على خير"
أن يخبره أحدهم أنه أ رس عنيد وأن خصلاته القصيرة هي أجمل خصلات وقع
بصره عليها, وأن شفتيه بلونهما الوردي المميز وهذا الإمتلاء خاصة بالسفلى
منهما والتوتر الذي يصيبهما يثي ا رن جنونه!!
وضحك من جنوح أفكاره وسحب الهاتف لتجيبه هي بأكثر نبرة مرتعشة لمسها
منها يوماً حتى أنها أجفلته فظنها مريضة ولكنها نفت بنفس الصوت المتردد:
لا أنا تعبانة شوية وما اعتقدش حاقدر على رحلة بكرة
كانت تكذب..
كانت خائفة أن تتحرك وحدها برحلة مسائية.
وتعود للمنزل وحدها بظلمته ولم تستطع أن تخبره بالحقيقة
ولم يفهم..
والغريبة أنه أصر وطمأنها أنها بخير وتحتاج هواء نقي لا أكثر..
وحاولت مرة أخيرة:
بلاش علشان ما يتهوش تاني
وأجاب هو بثقة واصرار:
ما تخافيش أنا ضامن إنكم مش حتوهوا المرة دي!
ورضخت في النهاية متحدية خوفها وجبنها إن صح التعبير..
وكان هو يثق أنها لن تضل الطريق.. ببساطة لأنه سيكون معها.
![](https://img.wattpad.com/cover/220731545-288-k852959.jpg)
أنت تقرأ
صمت الجياد بقلم /مروه جمال
Romanceسلسله عشق الجياد (همس الجياد الجزء الثاني ) تنبيه هام كل الروايات اللي علي صفحتي مش انا اللي كاتباها انا بس عجبتني الروايه و بحثت عنها ملقيتهاش علي واتباد فضيفتها عندي و اسم كل كاتبه لكل روايه موجود مع اسم الروايه