الفصل الثامن عشر

6.1K 155 4
                                    

وانِّي أُحبُّكِ..
لكنْ أخافْ التورُّطَ فيكِ,
أخافُ التوحُّدَ فيكِ,
أخافُ التقمُّصَ فيكِ,
فقد علَّمتْني التجاربُ أن أتجنَّب عشقَ النساءِ,
وموجَ البحارْ
أنا لا أناقش حبَّكِ.. فهو نهاري
ولستُ أناقشُ شمسَ النهارْ
أنا لا أناقش حبَّكِ
فهو يقرِّرُ في أيِّ يوم سيأتي.. وفي أيَّ يومٍ سيذهبُ
وهو يحدّدُ وقتَ الحوار, وشكلَ الحوارْ
نزار قباني
الحب..
هو أن تقترب وتبتعد..
هو أن تريد ألف مرة وتهرب مائة فرسخ!
هو أن تضمها نحوك إلى الأبد.
الحب هو أنتِ يا ليلى.
كانت تجزم لنفسها أنه سيكرر الأمر.. يقترب ليبتعد, ويبتعد حتى يقترب..
آدم حائر.. آدم يتردد.. آدم يتأرجح!!
إذاً.. فليتأرجح وحده.. هي اتخذت قرار.
وكانت مشرقة.. رغم أرق ليلها الذي لم تفلح قضبان النوافذ في إيقافه..
أهداها أمين كوباً ثقيلاً من الشاي أيقظ صباحها وكان يوماً طويلاً فالرحلة
مرتب لها منذ أسبوع, وسيخرج قاربان متجاوران بفوج كبير يتبع أحد الفنادق
المرموقة..
بدأ البرنامج بسباحة صباحية في بقعة هادئة اختارها حمزه, ثم تناولوا وجبة
خفيفة في أثناء توجههم نحو جزيرة صغيرة لقضاء بقية اليوم..
كانت جزيرة ا رئعة ولون المياة كان ساحراً, بدت وكأنها شفافة تحمل نكهة كل
مخلوقات البحر
وأسيهديه البحر عروساً!!
حرك شفتيه بنصف ابتسامة وهو يرمق ضربات الأمواج الصغيرة فوق ساقيه..
همهمات الجميع بدت بعيدة عن عزلته التي اختارها بعناية في بقعة خاصة على
الجانب الشمالي للجزيرة..
وكان يعلم أنها ت راقبه..
تنظر نحو ظله البعيد حائرة ومعاندة ربما مثله تماماً..
ومتعة استدارته نحوها فجأة لا يضاهيها شيء, ولو على بعد عشرات الأمتار
هو يحفظ ارتباك عينيها حينما يخصها بتلك النظرة..
ولا تعلم هي أن تلك النظرة تترجم طوفان.
وعدتك ألا أحبك ثم أمام القرار الكبير جبنت
وعدتك ألا أعود وعدت..
وألا أموت اشتياقاً ومت..
وعدتك ألا أقول بعينيك شعراً.. وقلت.
وانتهى اليوم.. دون حرف, فقط اختلس النظ ا رت نحوها من بعيد..
وكانت الساعة قد قاربت على السادسة مساءً ولا تعلم لم أصر أن ترسو بقاربها
ببقعة شبه فارغة!
ولكنها أوامر الكابتن..
وكان الجميع قد غادر وأعطت هي لرحيم بضع تعليمات قبل أن تهم بالرحيل
بدورها وتتركه لينظف القارب..
كانت لحظة أرجفتها عندما أيقنت أن بطريقها ذراع..
رفعت عينيها نحوه لتجده ينظر نحوها بتسلية وقد استند على مقدمة القارب
ويمد ذراعه كي يساعدها على الهبوط, رفعت أحد حاجبيها تنظر نحوه في
لامبالاة ثم تخطه ببساطة لترحل..
بل ابتعدت بضع خطوات بالفعل غير مكترثة, ولكنه أوقفها بنبرة صارمة تحمل
اسمها لتستدير وتجده يقف خلفها مباشرة..
رفعت رأسها نحوه لتنطق بجفاء:
في حاجة؟
بحبك..
وبعدها صمت.. حتى صوت البحر اختفى..
كانت تقف مشدوهة ولا تدرك أن شفتيها انفرجتا قليلاً وارتعشتا وترددت فوقهما
ألف كلمة وتقيدت كل الحروف والنظرات في عينيه
تلك النظرة..
بل أخرى.. مختلفة وحقاً لا تُقاوَم!!
أدركت أنها تتنفس بسرعة لتجحظ عيناها أكثر وهو يرفع كتفيه وحاجبيه وكفي
يديه وكأنه يقول بكل تعبير حركي يملكه
"ما باليد حيلة!!"
وقبل أن تجيب ولا تعرف أصلاً بماذا ستجيب جاءها صوته بنبرة أكثر حدة
وربما أكثر حيرة:
أعمل إيه.. بحبك!!
وكأنه.. نادم!!
وجدت نفسها تستدير..
هكذا ببساطة يخبرها أحبك فتتركه وتستدير..
أين القُبلة!!
وجد نفسه يزعق ولكن بتسلية أمتعته:
استني..
تجمدت مع نبرته لتستدير نحوه من جديد وكانت المسافة بينهما ثلاث خطوات
ابتعدتهم هي لتهرب..
وكأن من هذا الرجل هروب..
ردّت بحدة وارتباك بذات الوقت:
عايز إيه!!
كانت ممتعة.. بخجلها وارتباكها وضياعها ومقلتيها الحائرتين بفضله, همس
بنبرة مقصودة تلك المرة:
بقولك بحبك..
ما هذا؟!..
كيف يمكن لكلمة تحمل أربعة أحرف أن تملك كل هذا التأثير.. قلبها يعدو
وأنفاسها تصرخ وتشتاقه وهو أمامها وهذا سيء..
حقاً سيء..
رفعت هي كتفيها في حيرة لتستدير مجدداً وتهرب لا تنوي رجوع وسمعت صوته
يرافق خطواتها.. يزعق بشقاوة.. بتسلية
وكأنه قد تخلص من همه وارتاح!
ليلى.. طيب مش هتبصي و راكي بعد كل خطوتين زي الأفلام!
الآن هي تبتسم!..
كيف يستطيع بأسوء المواقف أن يُخرج منها ابتسامة!..
وزمت شفتيها فجأة..
"لا تلتفتي نحوه"
العقل يأمر وستنفذ..
كانت تؤنب نفسها وتدفع خطواتها أكثر..
سترحل..
ليس منه حقه استدارة.
ولكن الخطوات كانت بطيئة..
تكاد تتآمر عليها أيضاً..
كانت تغمض عينيها وتفتحها مع ألف فكرة تخبرها أن تستدير
أن تخبره أنها لا تريد.. لا تحب ولا تنوي..
أن تهرب
أحبك!
بأي قانون يقرر أن يقيدها بتلك كلمة..
وكأنه ق ا رره منفردا تُرى هل ما زال هناك.. أم رحل؟.
لقد مرت دقيقة.. بل خمس, هي متصلبة دون خطوات لأكثر من خمس دقائق
لم ترحل ولم تهديه نظرة.
وأغمضت عينيها مجدداً بقرار..
واستدارت دون كلمات حقيقية تمتلكها ولم تكن تحتاج, كانت التفاتة مترددة ولم
تنتهِ كما تصورت
فالأمر لم يكن وداعاً مكرراً بفيلم رومانسي قديم..
استدارت لتصطدم بصدره!
كان يقف خلفها مباشرة..
وأجفلها ففتحت عينيها لترتد للخلف خطوة لم يسمح بها بل أسند ظهرها بيده
لاغيا كل هروب
وشفتاها ارتجفتا من جديد..
وهو بشر وليس بحجر..
وعيناه اخبرتاها بانهيار, وقبل أن تنطق أو تفكر أو تفهم أو تستوعب لما عطره
قريباً وكأنه غزو!
بل اجتياح واكب همس صارم يقترب:
أنا مش فارس ولا فتى أحلام!
وبعدها شعرت بدفء
دفء لم يستغرق فوق شفتيها سوى ثانية واحدة..
قبلة خاطفة كانت هي الحياة..
ليبتعد بعدها ببطء بأروع ابتسامة رأتها يوماً..
ابتسامة توقفت عندها كل فكرة وصفعة وكلمة ونبهتها بالسبيل الوحيد المتاح
لديها الآن..
"اهربي يا ليلى".
"حالاً يا ليلى"..
وكان عقلها هو من يصرخ تلك المرة
*********************
يعلم أنها غاضبة منه..
أصابعها متشابكة, تنقل هذا وتحرك ذاك وترفع آخر فوق خصلة شاردة فتدور
الخصلة في حلقات مفرغة.. ممتعة.. بندقية.
وتلك الأصابع أعدت له منذ ساعات أسوء قهوة تذوقها في حياته والسبب أن
رفيقه كان حسن..
منذ ظهر حسن أمام منزلهم وهي تغلي, كيف يستضيفه ويقدم له قهوته
ويتسامر معه بغرفة مكتبه بعد ما حدث!!
وزاد الأمر بأن صعد حسن لغرفة محمود
هكذا صعد ليمكث فوق نصف ساعة وينتهي الأمر, ويعود الطفل لغضبه ولحزام
بنطاله!!
أسندت رأسها فوق حافة الفراش وقالتها بنفس الوتيرة, كما تشعرها وكما تتوسم
في المدلل حسن:
رجعتهوله علشان يضربه تاني
امتدت يده نحو فنجان آخر من القهوة أعده لنفسه تلك المرة ليرتشف القليل
قبل أن يجيب بثقة:
حسن مش حيمد إيده على محمود تاني.
هه!
خرجت منها رغماً عنها, لم تكن تقصد الاستهزاء به ولكنها لا تثق في هذا ال
"حسن"..
رمقها بنظرة جانبية غاضبة ليترشف باقي القهوة ويجاورها مسنداً رأسه على
حافة الفراش بدوره:
الطفل اللي خرج ده مش هيسمح لأبوه إنه يضربه تاني!
كانت ملامحه هادئة وكأنه لم يفجر لتوه قنبلة..
استدارت نحوه وهي تتسائل بتلعثم:
بس ده..
قاطعها:
مخيف؟..
قاطعته هي:
ده طفل لا حول له ولا قوة
أغمض عينيه ليجيب بصلابة:
بس لما يكبر هياخد حقه بالقوة!
تنهدت في حيرة..
لا تفهم ولا تدرك لما أرسل محمود مع حسن بكل يسر, بل لا تدرك عن من
يتحدث محمود أم خالد..
قربت أناملها من منابت شعره لتملس عليه في حنان..
كانت غاضبة والآن هي من تواسيه, مدلل أنت يا خالد..
خرجت نبرته تلك المرة أجشة بعبق ماضي لا يُنسى:
ما ينفعش محمود يتربى بعيد عن بيته.. ما ينفعش نحرمه من حقه في أبوه
حتى لو أبوه مش مستوعب الحق ده..
تركت خصلاته لتستند هي فوق صدره وتهمس في حيرة:
لكن الولد مش سعيد هناك يا خالد.
تسارعت أنفاسه قليلاً ولكنه عاد ليتحكم بها ونبرته مجيباً:
حقه يكون هناك زيه زي أخوه والا خالد أول واحد هيدفع التمن.
لوت شفتيها, لم تكن راضية ولم يكن بها طاقة لجدال..
بل يقودها عقلها نحو أم الطفل التي قررت هكذا أن تتركه دون حنان, كيف
طاوعها قلبها بل كيف تنام!!
تحركت شفتيه ببطء لتخرجها من أفكارها:
القهوة كانت بشعة يا إيناس!
كتمت ضحكتها لتعتدل وتنظر نحوه متحدية:
كويس.. القهوة تليق بحسن.
رفع أحد حاجبيه ليرمقها بمكر:
وخالد يليق بيه إيه؟
رفعت هي كلتا حاجبيها وكأنها تفكر ثم ابتسمت لتدير ظهرها وتنام!
هكذا بكل بساطة..
اعتدل يرمقها غير مصدقاً فتمتمت بكلمات متلاحقة:
اطفي النور علشان لازم أصحى بدري.. وعدت محمود اعمله بيتزا هاعملها
واروح بيها عند رقي.ة
محمود.. رقية.. بيتزا!
ماذا عنه خالد..
ربما الأزرق يليق بك كان سيجدي..
رمقها بغيظ ليدرك أنها ستنام بحق..
بل ربما تعيد بذهنها وصفة البيتزا خاصة محمود.
لا تفكر بالأمر سوى كأم
إيناس في النهاية أم..
كررها عقله قبل أن يطفئ المصباح بجانبه ويحيط خصرها بذراعه مقرراً هو ما
يستحق بفطرة رجل اعتاد على أخذ حقه..
*********************
ليلة شهرزاد الأخيرة..
نعم.. إنها النهاية.
ولن تكون مجرد حكاية من ليالي تلو أخرى..
بل هي الخاتمة..
أليست المتعة في الختام, وعفواً شهرزاد..
فشهريار هو بطل إغلاق الستار..
وأنتِ يا شهرزاد مجرد رقصة
انحناءة..
إيماءة!
جسد..
وكل جسد مسكنه تراب..
والموت ضيف ثقيل نصر نحن على نسيانه..
ولكن شهرزاد تفهم..
تدرك بحنكتها خبايا, أليست هي ملكة الحكايا!!
أما شهريار فهو رجل وكل رجل ملول..
كل يتشبث بذريعة مثنى وثلاث ورباع والمدان..
"ملل"
نعم سترحل شهرزاد ليس اختيار وليس ق ا رر..
ببساطة هي رغبة ملك..
انتهى وقت العبث وحالمية النساء..
دعونا نتوسد الواقع..
فشهريار قاتل..
شعرت بأنفاسها تختنق.. توقف كل شيء, لا شهيق ولا زفير وكأنها تموت
بكلمة..
بكل سلاسة وواقعية وبهجة..
"سأقتلك!!"
مراد قرر أن ينهي اللوحة بسكينه الخاص وتكون ألوانه دماء!!
خديجة ماتت بعيدة عنه بعد أن حالفه حظه ليُقنعها برحيل..
ولكن كارمن هي أيقونة النهاية..
والبداية..
كارمن هل الألم المتجسد في رحيل ملكة..
وجارية..
وعاشقة..
وعاجزة تنقاد نحو مصير..
وهو رجل يمتلك قوة سرد هذا المصير!!
ابتسم.. وبغرور
بل غذت ارتجافتها جنونه, اقترب ليهمس بشغف حاذق:
ما فيش ألم بعد الموت يا كارمن.
لمعت عيناها بشبه دمعة.. شبه.. لم تبكي, وخرجت نبرتها ثقيلة:
في إيه بعد الموت؟
غامت عيناه للحظة قبل أن يعود لبهجته ويهمس مجدداً:
راحة!
استدارت له فجأة وبزرقة لامعة اجتاحت عينيها.. وكأنها صحوة بعد سبات:
وأنت؟!
رفع حاجبيه في دهشة فأكملت دون أن يخفت الضوء الأزرق بمقلتيها:
هتتحاسب يا شهريار؟
تملكت شفتيه ابتسامة راضية:
بس أنا مش شهريار
اقتربت منه حتى واجهته:
قررت أنك تستأثر بالدور بقتلي!
تأمل ملامحها المتحدية.. تظن القطة بين ضلوعها أنها في النهاية من حقها
السبعة أرواح!!..
أدارها بعنف فتناثرت خصلاتها الحمراء فوق وجهها الضعيف وخمد ضوء
عيناها رغماً عنها وهي تواجه ملامحها بمرآة.. كانت منتهية..
جميلة ولكن منتهية..
وكأنه وجه قارب على فقد الماء والدماء..
أحاط خصرها من الخلف بذراعه ومرر الآخر على طول ذراعها ببطء وهو
يهمس قرب جيدها بتوحش:
شهريار الحقيقي قتلك من زمان يا كارمن.. قتل روحك في بداية حب, قتل
جسدك برفض بعد انقضاء المدة وقتل كل لحظة فاتت وجاية ليلة ما نفاكِ يا
كارمن..
شهقت بأنين وقد اشتعلت أمام عينيها نيران لتعود ذكرى..
لم تنسَ هي حقاً.. لم تنسَ..
كريم..
وحمزه..
وصراخ.. وخيل..
وهو.. وهي.. والآخرى..
ودماء.. وموت.
موت كانت ستهديه إياه في لحظة جنون..
جنون كان سي ا رفقها بقية العمر إذا نجحت, كانت ستفقد عقلها لو رحل خالد!!
ارتعشت بشبه بكاء.. ضحية.. بل ذبيحة جاهزة للالتهام, وشره مراد نحو
دماءها في أوجه..
كرر ببطء شرس:
أنتِ شهرزاد من زمان يا كارمن.. إنتِ اللي اخترتِ قصر الجواري.. وأقنعتِ
نفسك إنك ملكة!
كانت أنفاسها تتسارع أكثر.. وبدا بصوتها شبه نحيب ا رفق انهمار عبرات
مالحة فوق وجنتيها..
مرر سبابته على طول خدها ليتذوق عبرتها المالحة بانتشاء ويُكمل بعينين
منتصرتين:
أنا هحررك يا كارمن.. أنا هاقتل شهر ا زد بين ضلوعك لأنك عارفة إنها تستحق
الموت!
رفعت بصرها لتنظر نحو انعكاس صورته في المرآة خلفها..
بدا كجلاد, هذا الذي يقدر بقعته جوار المقصلة ويكتسب عظمته من تذكرة
رحيل.. جلاد لا يخفي وجهه ولا يحيد نظره عن عيون ضحاياه..
بل هي تلك النظرة التي يبحث عنها..
تلك التي سيحررها بريشته عن قرب وفوق خشبة المسرح..
سيكون قريباً تلك المرة..
سيحفر ألمها بخياله ويجسده بأعظم لوحة..
ستكون آخر وأهم عمل..
وسينقش حروف اسمه بالتاريخ بجدارة الدماء
حال كل عظيم احتل الأوراق والكتب..
ستسقط شهرزاد بين ذراعيه قتيلة..
وسيصبح عرض بولوني حديث الصباح, وستكتسب نجمته الشهرة بعد رحيلها..
وستدور أصابع الاتهام والذريعة خنجر مُستبدل..
هكذا ستظل الحقيقة غائبة لأشهر لتسطع مع آخر لون في تحفته الفنية..
سيدسل الستار عن "كارمن"..
وسيوقع تحفته الفنية بنهجه الخاص, بتفاصيل فنان أصر على دماء بطلته كي
تكتمل اللوحة..
وحينها فقط ستبدأ المتعة..
*************************
حورية ابتلعت وحدها مفاتن النساء..
خصر وردف ونهد بمقاييس راقصة, أي متعة أكثر!!
كان يرقب ملامحها من خلف سحابة دخان, تميل وتميل.. بكل اتجاه وتضرب
خطواتها الأرض بحساب وخلعت النعل والثوب والحياء وكل هذا ليس بكافٍ!
زفر بضيق لتترك موسيقاها الصاخبة وتتوجه نحوه..
هي تفهمه وتدرك أمثاله من الرجال فهي امرأة واسعة الخبرة!
عدلت من أحجار مِزاجه وهمست باغواء:
صبري عليك طال!
كانت تقصد مداعبته فتلقت التفاته قاسية, ولا تنكر أنها تخافه..
رغم حنكتها وقسوة الأيام وضنك العيش فوق جسدها إلا أنها تخشاه بحق,
حتى عندما قرر أن يتزوجها لم تمتلك رفض.
أزاح بصره عنها ليجذب ثمرة تفاح ويقربها لفمه بقضمة قاسية..
قضمة تلو أخرى وكأن مصير التفاحة ينتهي بمجرد الاقتراب من هواءه..
رفعت حورية عينيها في محاولة لاستجداء رضاه:
مشاكل الشغل حورية مش قادرة عليها!
رفع بصره نحوها تلك المرة باستهجان فتابعت خافضة بصرها بخضوع ماكر لا
تمتلك سواه:
أمشي؟
ظل على نظرته نحوها دون رد فعل يُذكر ثم رد بنبرة صلدة:
لسه..
كان هاتفه على وضع استعداد..
فقد اقتربت ساعة الثمن وستدفعها الصغيرة المتباهية, منذ زيارته الليلة
لجد ا رن.. حمايتها وهو ينتظر ردة الفعل التي لم تأتِ..
الحمقاء لم تخبر أحداً..
وتركها هو لتتشبث بحماقة أنثى تظن أن بمقدرتها دفاع!
لمعت عيناه مع صوت كلب وفي من أحد تابعيه:
كله تمام يا ريس..
التوت شفتيه بابتسامة إبليسية, وتابع مساعده بفخر!
بكرة بالليل التنفيذ يا ريس وحتى لو فكرت تستنجد بصحابك مش هتعرف.
أغلق الهاتف وقد اعتدل مزاجه مائة وثمانون درجة..
مجرد ساعات وسيمتلك كل ما آراد..
بل سيرضخ له الجميع بعد أن يمتلك غالية منصور..
بل ربما يحصل على الاثنتين!!
وعندها توحشت ابتسامته أكثر لينظر نحو القابعة أمام قدميه ويكرر بين أنفاس
دخانه:
ارقصي..
وكانت أفضل رقصة.. فهي لحظات ما قبل المنال وشغفها يضاهي المنال نفسه
حتى وان كانت أخرى!!
********


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن