الفصل السابع

8.2K 195 0
                                    

العطر عطرك والمكان هو المكان
واللحن نفس اللحن
أسكرنا وعربد في جوانحنا
فذابت مهجتان
لكن شيئا من رحيق الأمس ضاع
حلم تراجع..! توبة فسدت! ضمير مات!
ليل في دروب اليأس يلتهم الشعاع
الحب في أعماقنا طفل تشرد كالضياع
نحيا الوداع ولم نكن
يوما نفكر في الوداع
فاروق جويده
عشقها رجل مع همسات جواد...
غابت الهمسات
وغاب الجواد
وعشقه..
ارتجفت شفتاها وهي ترمق الغرفة الخالية, غرفة رعد الذي أبت أن تحتضن
غيره. تنهدت ببطء.. بحرقة..
مرة.. اثنان.. ثلاثة.. عشر.
هل توقف عن حبها؟!
السؤال الأكثر قسوة الذي تواجه به نفسها كل مساء.
هل غاب عشقه مع غياب رعد؟
أهي التي على حافة الجنون؟
أهي التي انهارت مع موت رعد؟
خافت..
جزعت من خالد الآخر بعد أن فقد نصفه الآخر..
سنوات الزواج التي كانت تمر بجنون وبهجة توازي عينيه بعد امتطائه..
وانطفأ البريق ليس فقط بصدمة فقدانه, بل فقدها هي بذات اليوم..
فقدها ولا تعرف ذنب مَن هو أم هي!!
****************
لماذا يتعارض الواقع دوما مع الحالمية؟..
ألا يمكن للواقع أن يكون وردي اللون يبعث في العقل طيو ا رً تغرد!..
ألا يمكن أن تستفيق من شرودها على قبلة منه.. رائحته؟!..
أن تستدير لتخبره بعينيها لا شيء فيفهم..
أن تسامحه دون تعقيدات!
صهيل الجواد أنبأها أنها تحلم ولم تكن حتى محظوظة بحلم كامل..

استدارت وآخر ما توقعته تلك العينين الصغيرتين اللتين تراقبنها بشغف..
ابتسمت..
فهو نسخة مصغرة منه رغم أنه ابن حسن..
تراجع محمود خطوتين في خجل فاقتربت منه بحاجب مقتضب مصطنعة الجدية:
امممم أنت هنا من إمتى؟
تلعثم الفتى الصغير ليرد في رقة ليست من طبعه:
أنا آسف.. كنت بس عايز اتفرج من بعيد على الحصان.
ابتسمت بشرود.. وخلف الشرود شفقة..
كم يشعر هذا الطفل بالعزلة..
عزلة تخلق توحشاً..
وتوحشاً ينتهي بهروب..
والهروب يتوقف عند حد شغف خفي بامتطاء حصان!
تعال..
هكذا وببساطة قالتها..
عقصت خصلاتها واستدعت سائس وحققت له أمنية قبل أن يطلبها..

سعادة غامرة اجتاحتها وهي تراقب ابتسامته فوق المهر الصغير والسائس يدور
بهما في حلقات مكررة..
حلقة تحمل ابتسامة محمود..
أُخرى تحمل ضحكات تميمة التي تفوتها مرة تلو أخرى..
خافت عليها فحرمت نفسها من مشاهدة تلك المتعة مع ابنتها..
وهناك حلقة أخرى..
رجل وليس طفل..
توحشه كارثياً ولكن قدرها أن تتحمله..
قدرها أن تقطع طريق الهروب لا أن تهرب مثله.
*********************
ماذا يحدث!
لما يبتعد عنها وسحقاً لما لا تقاوم؟!!.
شعور حارق اجتاحه وهو يحمل جسد تلك اللاشيء..
اقتراب يفتقده مع زوجته وتمر الأشهر..
وكلما حاول..
كبرياؤها يصده وكرامته تمنعه.

ترك الفندق وتوجه نحو اسطبلات الخيل, الغرف خانقة وهواء المكيف الهوائي
يحمل رائحة!
كان يحل أزرار قميصه واحداً تلو آخر وهو يقود السيارة..
يشعر بالاختناق..
يشعر بالحاجة..
ويقتله هذا الشعور لأنه أقسم ألا يقترب!
أمسك بالهاتف وعبث بأرقامه ليحدث أحدهم ويطلب تجهيز جواد..
الأفضل..
الأسرع..
يود أن يعدو..
يعدو.. ويعدو..
دون تفكير.. ودون توقف..
***********************
كان محمود قد أنهى جولته الممتعة ليظهر بعينيه بريقاً مختلفاً..
بريق أصرت أن تختبره مع تميمة متغلبة على خوفها وحماقتها..

ودَّعت الطفل بحنان وأوصت أحدهم أن يوصله منبهة عليه بشدة ألا يتخذ
الطريق الطويل وحده مرة أخرى..
اقتضابة منه أنبأتها أنه يعامل نفسه كرجل ا رفضاً حتى تلك التربيتة الرقيقة فوق
راسه فهي تليق أكثر بابن رقية وليس به..
رحل الطفل وهي تفكر كم يبدو سهلاً للغاية أن تحتويه أم وكم يبدو صعباً أن
تكون تلك الأم هي رقية!..
أحضر لك فرس يا دكتورة؟..
صوت السائس الغليظ أفاقها من الشرود, ابتسمت لحالها ساخرة تردد بشرود:
فرس!!
هي لم تمتطِ فرس منذ سنوات..
جربت الأمر في بداية الزواج ووعدها بتعلميها, ولكنه كان يخادع..
فبكل مرة كان يقفز خلفها لينفرد بها ويلقنها شيئاً آخر..
وبعد ولادة تميمة جربت أكثر من مرة ولكن دون اهتمام فكانت تعود مسرعة
دوماً لحضن صغيرتها..
وبعد موت رعد ابتعدت عن المكان ولم تقربه..
يا دكتورة؟

الرجل يصر على قطع شرودها, أم ما بالها هي هذا الصباح غارقة بحالمية في
الذكريات؟..
هل بسبب تلك المراة؟!
لامت نفسها..
هل تسحبها ك ا رمتها نحو شعور مهين بالغيرة؟..
وهل يسعى هو لهذا أم أن غروره كالعادة يمنعه أن يوقف اهتمام أُنثوي؟..
كانت شفتيها مزمومة وهي تتذكر تلك اللزجة التي كانت بجواره..
تتذكر نظرته نحوها..
صبره على تجاوزها..
استمتاعه؟!
عايزة مني حاجة يا دكتورة إيناس؟
السائس المُلح غليظ الصوت..
ما به؟..
فاليذهب الى الجحيم ويتركها وشأنها..
استدارت بحدة..
أطالت النظر نحو السائس الشاب حتى ارتبك ثم قالت دون تفكير:

عايزة حصان.
الجنون فوق صهوة جواد ولكن وحدها دونه..
في البداية كانت مترددة حتى أنها فكرت أن تطلب مساعدة من السائس ولكنه
إن علم سيقتلها!
صرفت الشاب وجذبت اللجام..
كانت فرسة أنثى..
لون رمادي فاتح..
بِنية متوسطة..
وزمجرة طفيفة..
اختيار ممتاز ويناسبها..
زفرت.. ترددت..
مالت براسها فوق الخصلات الرمادية..
ومالت خصلاتها من فوق جبهتها فاختلطت بندقها بشحوب..
كانت وأصبحت!
ارتجفت شفاتها وهي تفكر لأول مرة كيف يراها..
لم تكن يوماً متوهجة بخصلات حمراء..

ولن تصبح مغناج بجدائل عقيق أسود..
هي كما هي..
خصلات البندق..
أشعت عيناها ولكن بحزن لتطلق كم آخر من التنهيدات قررت أن توقفه بقفزة.
رفعت ساقها اليمنى واستندت بقوة على حزام الجواد لترفع جسدها برشاقة
فوقه.. الأمر لم يكن صعباً فتكراره معه عدة مرات أكسبها خبرة..
خبرة لن تفيدها مع امتطاءها للفرسة الصغيرة وحدها ولأول مرة.
"اسحبي اللجام.. حركي رجلك.. اخبطيه بس برقة"
تعليمات خالد لها بدروس سابقة..
كانت تحرك الفرس خطوات عدة وتنزل أو يختطف هو كلاهما..
زفرت بضيق وهي تحاول بمجهود مضني أن تحرك الفرسة..
ولكن المخلوقة الرمادية ثابتة كصنم..
لوت شفتيها متحسرة عن تجربة كانت حتماً ستسعد بها تميمة
أو تخبره..
ليعلم من تميمة وليس منها..
فكرت بمعاندة وهي تحث الجواد على الحركة ولكن دون استجابة..

ركلاتها ربما ضعيفة أم اكتسبت بعض الوزن..
عبست بحنق امراة آخر ما تود التفكير بشأنها هو زيادة في بضعة كيلو
جرامات!!.. اقتربت من فقدان الأمل وزفرت..
وطارت خصلات البندق وطارت خصلات أخرى رمادية عندما انفجرت الفرسة
بانطلاق صاروخي مخيف!!
كسرت حاجزين وهربت ببساطة نحو الصحراء.
********************
كان قد وصل مع خروج جواده..
جهز السائس كل شيء مسرعاً وانشغل هو بمكالمة عمل أوقفها على إثر
عبارة واحدة:
الدكتورة هنا يا بشمهندس.. وسالم طلعلها نجوى.
لم يستوعب الأمر إلا حينما استدار للمضمار ليلمحها فوق صهوة الجواد
الرمادي. تبتسم وتعبس..
تركل قدميها بشكل مضحك فوق صهوة صنم..
فالفرسة "نجوى" رقيقة جداً وتتحرك ببطء دائم من أجل الضيوف قليلي الخبرة..
ابتسم ساخرًا..

فزوجته تبدو مثلهم "قليلة الخبرة"
كانت قد بدأت تيأس وبتيبُس الجواد شيء أسعده, ربما لأنها ستحتاجه رغماً
عنها.. كان الجواد خاصته قد أصبح جاهزًا فأغلق هاتفه على عجالة قبل أن
تنتطلق سارينة مفاجآة تُبدل كل شيء..
كانت سارينة اسعاف من طريق مجاور ويبدو أن شيئاً ما أصبها فدوت بجنون,
جنون صم آذان الجميع وأفزع الفرسة فانطلقت تهرب ببندقيته عليها..
**
كانت لحظة لم تدرك بعدها شيء..
صوت ارتطام الحواجز كان مرعباً وشعرت أنها ستفلت اللجام وعند تلك النقطة
خاصة ارتعبت فتركته!
تركته لتحيط عنق الفرسة بكلتا ذراعيها في تشابك هستيري وتميل براسها فلا
ترى شيء..
كلتاهما خائفتان ولا تملك واحدة أن توقف أخرى فتشبث إيناس بعنق الفرسة
ا زدها رعباً وعدو الفرسة بسرعة رياح أوقفت عقل إيناس عن التفكير.
لم تشعر بشيء سوى بحوافر تقترب..
صهيل آخر..

صوت تحتاجه وصراخ باسمها قبل أن تستدير بحماقة فلا استطاعت الصمود ولا
قدر أن يلتقطها..
كانت ذراعه تجاهد لاحتواء خصرها ولكن سرعة الفرس لم تسعفه, فغابت من
تخدُّل ذراعيها لتسقط ولولا عزم ذراعيه لكانت سقطتها مريعة فوق ما يحتمل.
أوقف فرسه ليترجل مسرعاً..
كانت ممدة تأن في ألم, لا يعرف ماذا يواجه..
كسر أم شرخ؟.. وأين؟!
قوة أعصابه لم يكن لها وجود..
كان يترجف وهو يحرك أ رسها ويناديها دون جواب
عيناها تغيب وتبكي
تتألم..
كان يجاهد لتفيق وهاتفه يهتز بين يديه مستدعياً بكل وجل طبيب..
*******************
مجرد شرخ بسيط.. الحمد لله واضح إن حضرتك لما حاولت تسحبها قللت من
قوة الإصطدام.
كلمات الطبيب وازت رحيله..

كانت تشعر بوخز بسيط وترمق قدمها الملتفة داخل رباط أبيض سميك..
تحسست ببطء كدمة بسيطة على جانب وجهها وان لم تؤلمها فتقتلها نظرة
القلق بعين تميمة..
وأبو تميمة..
حشرجة صوته وهو يصرخ باسمها منادياً لن تنساها..
ما به؟!.. وما بها؟!.
هل يجب أن يختبر ألم قلقه عليها بهذا الرعب!
انكمشت عندما رمقها بنظرة نارية..
كانت تتنفس باضطراب غير محتمل لطوفان غضب آخر..
ماما بقت كويسة يا تميمة.. روحي على أوضتك.
استاءت الطفلة لتجيبه برفض متعنت:
عايزة أقعد مع مامتي.
أيقن أنه احتد على تميمة في الساعات السابقة أكثر من مرة..
قلقه أحاله وحشاً يصرخ بالجميع..
استعاد نفسه قليلاً وهو يرمق الطفلة بحنان جاثياً على ركبتيه قبل أن يستكمل
بصوت يخصها هي فقط:

ماما هتاخد حقنة كبيرة.. اقعدي شوية في أوضتك علشان أعرف أضحك عليها
وأديها الحقنة!
ابتسمت الطفلة ببراءة لتتقدم نحو أمها بقبلة رقيقة فوق جبهتها قبل أن
تطمئنها بعفوية:
ما تخافيش يا ماما.. بابا مش معاه حقنة.. دي تورتة جميلة!..
ذُهلت ملامح خالد وهو يستمع لكلمات ابنته ورحيلها بفخر قبل أن تتمتم إيناس
بحماقة موازية:
هو أنا هاخد حقنة؟!!
كانت عيناها منفعلتان بشكل غامض, رغم أن الطبيب طمأنهم إلا أنه شدد على
عدم الحركة..
كان بدوره ثابتاً كصنم يحدق فيها..
لا ملامح..
لا تعبير واضح..
تنفست ببطء وهي منتظرة زعيق..
حتماً سيصرخ..
سيثور..

سيلقي بكلماته عبثاً ويتركها ويرحل كالعادة..
انكمشت قدماها رغماً عنها فحاولت أن تضمها وكانت النتيجة تأوه..
لفظ آه عفوي للغاية..
إن لم يعبر جموده فهو على الأقل جذب انتباهه ليتحرك مسرعاً مربتاً بدفء
فوق قدمها المصابة وهو يأمرها بصلابة مناقضة:
الدكتور قال ما فيش حركة وما تدوسيش عليها خالص لمدة أسبوع.
استسلمت..
بل تصلبت دون حراك وهي تفكر بألف طلب يخص البيت وتميمة..
كانت ما ا زلت بملابس الصباح, سروال بلون رمادي فاتح قص الطبيب أحد
أط ا رفه ليتمكن من معالجة الشرخ وقميص بلون أزرقزا هي جعلها تبدو
وهمية..
هي لا تحتاج لتبرج لتبهره ولا حتى لعرض إغواء رخيص..
هي بتفاصيلها ما ا زلت تثير جنونه ولكن..
لكن غضبه كان يحمل الكثير..
يحمل ابتعاد.. رفض.. صمت متقن..
وألوان باهتة تختارها خصيصاً بالمساء..
والآن ترتدي الأزرق وهي تعرف ولعه به!
تحرك خطوتين مبتعداً ليسقي نبتة تحتفظ بها على حافة النافذة..
كانت هديته لها بعيد زواجهما قبل الأخير..
كانت نبتة كوليوس بلون أرجواني مميز متماشي مع ديكور الغرفة..
اختارها ل ا رئحتها العطرية المميزة..
منعشة.. تشبهها بشكل ما.
أنا بعتت لوالدتك علشان تيجي تقعد معانا الأسبوع ده وتاخد بالها من تميمة..
قرار دكتاتوري رقم واحد..
هكذا تحدث دون أن ينظر نحوها, كان مشغولًا بالنبتة.
همت لتقاطع ولو بلا شيء ولكن هو كان الأسبق.
ما فيش إهمال.. رجلك ما تدوسيش عليها خالص واذا حكمت تقومي من
السرير أنا هشيلك!
ق ا رر دكتاوري رقم اثنان..
لا تنكر أنها عند تلك النقطة رفعت حاجبيها, ألديه طفلتان هي وتميمة!
ولو أن النبرة مختلفة لكان الأمر أسهل ولكنه كالعادة يبدو غاضب
جداً غاضب..
الموضوع أبسط من كده وأنا أقدر اتصرف
رغم أن تلاقي الحروف وترتيبها يحمل ثقة إلا أن صوتها كان مرتجفاً للغاية..
ارتجاف ليس به طاقة لعراك آخر قد تفقد به كل ثباتها وتندرج لمرحلة جديدة
تحت مسمى..
"غيرة أنثى"
وهو..
هو استدار وبسلاسة وبهدوء اقترب منها ليحل زر قميص أزرقزاهي..
فآخر وآخر
بعملية تامة ونفس الملامح..
دون تعبير!
وجلت في البداية لا تفهم ثم تراجعت مسرعة بجملة مرتبكة:
خالد.. أنا هاتصرف.. الموضوع مش مستاهل.
تفتكري؟
كان آخر جواب توقعته منه وربما آخر نبرة..
فقد بدت رقيقة متفهمة ولكن..
لم يدم الأمر طويلاً..

عندها توحشت عيناه وانتصب ليطل فوقها بظله وهو يردد بغضب مكتوم:
تفتكري يا إيناس الموضوع مش مستاهل؟.. تفتكري أنه عادي.. أنه ممكن
كنتِ تتهرسي تحت رجلين الحصان..
كان صوته عالياً جداً لدرجة أنها حينها لم تكن تفكر سوى بفزع تميمة..
قاطعته..
هو لديه الكثير وسيكمل وهي لا تود أن تسمع..
تلألأت عيناها بعب ا رت وصوتها برجاء:
خالد كفاية..
عاشقة هي للصمت..
تقدسه!
لم ينطق ولم يجادلها..
وظل ثابتاً رغم العبرة ورغم الإرتجافة ورغم هوس فقدانها الذي طاله..
توجه لخزانة الملابس وأخرج أول ثوب نوم طالته يداه, وعاد ليضحل اعتراضها
الغير مبرر ويساعدها رغماً عنها في تبديل ملابسها في جدية تامة وكأنه
يساعد تميمة!
جدية مصطنعة بشكل فاق تصوره فقد افتقدها بجنون لم يكن هو يدرك أبعاده
حتى اليوم.
**********
كانت ما ا زلت على وضعها متحررة من كل شيء..
جذبت حاسبها المحمول لتنقر نقرات إضافية, لولا تلك التكنولوجيا لقتلتها
الوحدة, وأيضاً رغم تلك التكنولوجيا تبحث حواء عن آدم بشكل بدائي للغاية
وكذلك هو..
أعادت خصلاتها للوراء دفعة واحدة وهي تحرك بين شفتيها قطعة جافة من
الجبن تمضغها بملل كإفطار وغداء وربما عشاء..
أتتها كلمات محدثها مضيئة فوق الشاشة:
مودك زفت يا شيري؟
تبعها بعلامات يد تشير لأسفل في إشارة ليأسه..
زفرت ببطء لتوقن أنها ملته..
أربعة أشهر من القيل والقال في كل شيء ولا تشعر معه سوى بخواء..
يرفضها خالد فتفتح حاسوبها تبحث عنه..
ترسل صورة فاثنتين وتنتظر منه عبا ا رت غزل أخذت وضعاً أكثر جراة في الآونة
الأخيرة, واليوم هو مملاً للغاية حتى أنها لم تفتح الكاميرا كما وعدته

ببساطة أغلقت المحادثة وحذفته وطفأت الحاسوب ونامت..
واحد كاثنين كعشرة..
أيقنت فعلياً أنها لا تتذكر عدد من مروا عليها من الرجال وضحكت..
ضحكت بهستيريا وهي تلمح بالمرآة ظل ما أصبحت عليه..
بل ظل ذكرى هذا اليوم بتفاصيله عندما قررت الم ا رهقة ذات الستة عشر عاماً
أن تتخذ قرارا جنونياً..
قرار يجزم أنها وحدها تمسك الدفة حينما تشاء.
كانت وقت الظهيرة.. موعد غداء مقدس, السيدة واجدة لا تحبذ الإختلاط وتثق
بالقليل.. القليل جداً, ومن القليل جداً اختارت أسوأ رجل كي تمنحه فرصة
الإنفراد بابنتها..
يبدأ الأمر بضربة خفيفة فوق الساق وفي التالية قرصة والثالثة رفع تنورتها
وهو يبتسم لأمها فوق المائدة!
يبتسم بثقة تقول لها لن تصدقك..
وكان محقاً فكيف ستصدق أمها أن الأربعيني الوقور ابن خالتها يتحرش بها..
أصبحت تكره تجمعات الغداء تلك وتثق أن ضفائرها وفستانها المحتشم لن يشفع
لها..
تهرب فتستدعيها الأم بصرامة..

تتحجج بمرض فيكون هو بغرفتها بغرض الإطمئنان..
بدا كابوساً لن ينتهي وفهمت الكارثة عندما أيقنت أن الأم تطمع بزواج من
قريبها الوسيم.
لينتهي الأمر في الظهيرة وعلى مائدة غداء, في عين أمها كانت عادية..
عادية للغاية..
فستان أنيق له أكمام قصيرة بنكهة طفولية..
قصير ولكن هو مثل أبيها..
خصلاتها ليست ضفائر ولكنها مشذبة بعناية خلف أذنيها.
بب ا رءة طلبت من أمها وجبة تعرف أنها ستمنحها وقتاً لتنفرد به..
طبق شهي من السلاطة يتطلب على الأقل عشر دقائق وهي أكثر من كافية.
انسحبت الأم واختلفت هي في لحظات..
الأكمام بدت غير ذات أهمية عندما انحسر الرداء عن كتفيها لينحدر بسلاسة
مرتبة..
صدريتها أعطت مفاتنها مظهرًا لا بأس به على الإطلاق, وساقيها بدتا أجمل
عندما اختارت أن تجلس فوق يد المقعد تنظر نحوه في براءة!
كل شيء تم بسرعة..

تم كما تريد..
لتضبطهما أمها وهي فعلياً على مقعده..
دفعها..
بدأ يغلق أزرار قميصه..
تعرق..
تلعثم..
هرب وكانت هي منتصرة بخبث مبكر جداً من حواء.
حواء التي ستخرج بخطة أخرى حتماً أفضل وحتماً ستعطيها ما تريد..
************************
صباح جديد..
تستيقظ هي في الخامسة فجرًا مع كوب تقليدي من الشاي بالحليب, نسيم
الصباح هنا له انتعاشة خاصة لا تستطيع تفويته لأي سبب.
بشرفة صغيرة من مبنى سكني لا يتجاوز العشرة أدوار وشقة بمساحة لا بأس
بها تشارك ليلى أم ا رنيا بالسكن..
فاتن لا تحبذ اسمها بل تفضل "أمرانيا" وحروف ابنتها الكبرى, أمومة فاتن
تقليدية ودافئة للغاية تذكرها بأمها..
افتقدت ليلى أمها..
افتقدت أخويها..
أسرعت لتخرج قبل أن يتمكن منها هاجس الاشتياق..
ستعمل..
ستشغل نفسها بكل شيء ولا شيء وتكفيها ذكرى منصور..
كانت تشعر بال ا رحة لمرور الرحلات الأخيرة دونه, فوجوده ومحيط شقرواته
يوترها..
في البداية ظنت أنه من هؤلاء طالبي الزواج السحري من أجل سفرة دون عودة
لأي بلد سوى هذا العبث, ولكن اتضح أنه يفعل ذلك من أجل المتعة والمتعة
فقط وهذا عبث أسوأ..
وصلت مبكرة..
كان رحيم الفتى الصغير ما ا زل ينظف مركبها وأمين وحمزة لم يظهرا بعد..
تنهدت وهي تعلم أن صباحها لقاء آخر بعد أيام من الراحة ولكن في العمل لا
اختيار..
وفي المصادفة أيضاً لا اختيار على الأقل بالنسبة لها..
اصطدمت بحائط لزج وابتسامة صفراء..
صبري
أكثر اسم تكرر أمامها منذ وصلت ولم تره سوى مرة في العزاء دون تركيز بأي
شيء يخصه..
عادت خطوتين للخلف ترمقه في استهجان, هذا الرجل يمتلك ابتسامة منفرة
بشكل لا يوصف..
زعلان منك يا بنت الغالي!
صوته خرج ليغلب ابتسامته, رفعت أنفها في شموخ واستعدت جفاء العالم وهي
تجيب:
خير يا ريس أي خدمة؟
حافظ على ابتسامته وهو يخرج سيجارة رفيعة أشعلها ببطء وهو يكمل:
مش اتفقنا هنتكلم؟
كانت هي تقف ثابته دون حراك, ترتدي بنطالاً يبدو ذكورياً بعض الشيء وفوقه
بلوزة قطنية بسيطة دون نقوش..
علمها البحر أن تحتفظ بشعرها تحت قبعة بسيطة وتتخلى عن أي مظهر
تجميلي سوى كريم صباحي اضطرت له كي لا تحترق بشرتها ولكنها لا تزال
أنثى!

هاجس مفزع يجتاحها وهي وحيدة بعمل يخص الرجال, وهذا الذي يقف أمامها
تنتطق عيناه بذات الأمر ربما فقط بغرض تخويفها..
ماذا يجب أن تفعل فتاة أمام عينين تترك وجهها وتتحدث فقط مع مفاتنها دون
حياء!!
بعشوائية ضمت ذراعيها في وضع مربع أمام صدرها وهي تجيب بحدة:
أنا ما اتفقتش معاك على حاجة يا ريس صبري وعن إذنك ورايا شغل.
فرك ذقنه بضحكة مختالة..
ضحكة مغرور يظن أنه مخيف..
هكذا كان يردد عقلها..
يظن..
محافظاً على ابتسامته التي غادرت رحاب اللزوجة نحو التشفي قال:
أنا سيبتك بم ا زجي وقلت يومين وهتيجي ونتكلم.
ما فيش كلام يتقال يا ريس.
لا في يا بنت الغالي.. ولا نسيتِ إني عايز ليلى!
عيناه تسخر بتلميح حقير..
الأمر يتطور نحو وِجهة لم تكن تعلم أن لها وجود..
نحو ذكورية تجد في أنوثتها ضعفاً تنوي استغلاله..
تنفست ببطء وقبل أن تجيبه أو ربما تصرفه وتنتهي من هذا الحوار السمج
تابع هو بهدوء واثق:
المركب دي بتاعتي.. النهارده.. بكره.. بعد شهر.. في الآخر هتبقى بتاعتي!
استدعت هي الآخرى برود واثق لتجيب بنبرة جافة:
خلصت؟.. اتفضل بقى لأن و ا ريا شغل.
ضحك بعلو غريب قبل أن يتقدم نحوها خطوة:
طيب نتفق.. مش بيقولوا الكلام أخد وعطا..
ظلت على جمودها دون تعليق على انفعاله المبتهج!
بس أنت كلامك أخد بس يا ريس صبري.
لمعت عيناه بقسوة.. ولكن لم تفارقه الابتسامة بلزادت وهو يؤكد:
أنا كده عامل زي واد الكوتشينة أحب أقش, وعلى فكرة معايا البت تكسب أكتر
من الشايب
تشبيهه أزعجها فأيقنت أنه لا يستحق جواب..
استدارت لتتركه دون اكتراث..
يحدث نفسه..
ني
يأكل نفسه..
لا تبالي..
ولكنه تخطاها ليسد طريقها.. أظهر شره بخشونة صوت في تخويف بائس:
مش حلو الكلام كده.. والشغل هنا خطر وكله مشاكل.. معلش إنت لسه
ورور.. لسه في البداية.
شكرًا على النصيحة.
قاطعة نبرتها..
وتخطه بدورها دون أن تنظر نحوه, معه لا سبيل سوى التجاهل التام, ولكن
هو يود أن يرسم النهاية بقوة ذراعه إن تطلب الأمر, فأوقفها تلك المرة بقبضة
غير مستحقة فوق ذراعها..
استدارت بغضب بيِّن تلك المرة ولكنه لم يبالِ..
تركها ثم رمقها بنظرة تقييمية مهينة قبل أن يلقي بدلوه الأخير:
أنا ممكن أزود السعر علشان خاطر عيون ليلى.. وصاحبة ليلى!
استعادت رباطة جأشها بعين مغمضة.. ولكن نبرتها غلبها الزعيق..
مركب منصور مش هتتباع.. وكفاية كده علشان ما تضيعش وقتي وأنصحك
ما تتكلمش معايا تاني..

تحلم ابنة منصور..
تظن أن بضعة الرجال حولها سيحمونها ومركبه, فقط ستمر الأيام وسينسون
الدفاع عنها لتغدو وحيدة وعندها لن يمانع بآخذها والمركب سوياً, فهي فاكهة
نضرة لم يتذوقها من قبل..
أفكاره معها ابتسامة تترجمها ومراقبة لرحيلها ونشوة بلذة معركته تلك المرة..
فالعراك مع منصور جيد ولكن مع تلك.. ممتع.
*******************
استدعاء أمها كان أسوأ ق ا رر اتخذه بحياته..
المنزل تحوَّل..
رقية تأتي منذ الصباح لتجلس مع الجدة ويتحول منزله لمطعم فطائر!..
وايناس في فراشها أغلب الوقت بأمره والمزعج أنها لا تجادل..
ليتها تجادل لينفج ا ر سوياً وينتهي الأمر.
وتميمة تقضي وقتها في لعب ممتع مع صديقها خالد الذي أصبح مقيم بمنزلهم
هو وأمه..
طرقات مزعجة تلقاها حسن, كان ما زال على الفراش في نوم عميق..
رقية تعاند وتكابر وترحل..

تعد إفطار محمود وخالد وتتركه ليخدم نفسه, وبغضبه لم تعد تبالي حتى أنه
يشك الآن أنها تتعرض لنوبة مبكرة من سن يأس يرفض احتياجاته!..
كان يصب القهوة لخالد المنفجر غضباً وهو يضحك باستهانة..
اختار بضعة مقرمشات مالحة ووضعها بسخرية:
معلش يا خالد.. مصنع الفطاير عندك!
رفع خالد حاجبيه في استشاطة:
إنت بتهزر.. روح خد مراتك وحل مشاكلك.. البيت ريحته فرن!
سحب حسن لفافة تبغ ليزيد ش ا رهة تدخينه وهو يسأله:
وقاعد فيه ليه؟.. ما تروح صومعتك.. أنا بفكر أعملي واحدة زيها!
جذب خالد لفافة صديقه لينفثها ببطء ثم يرميها..
خليك في نفسك!..
تأمل حسن صديقه..
زحفت بضعة شعيرات بيضاء لراسه..
عيناه تحمل هموماً رغم أنه يمتلك المراة التي يحب..
أليس مثله؟..
ألا يحب هو رقية؟..
ولكن ماذا حدث
لما أصبح هجومياً معها في الآونة الأخيرة؟..
أم لأنها تكره محمود؟...
وكأن عينه استشاطت فجأة..
انتفض ليدور بالمنزل كالمجنون وهو يناديه:
محمود.. محمود..
ا رقبه خالد بهدوء يعي كل ما بداخله..
رغبته التي استفاق عليها مؤخرًا بشأن ولده, أم ربما تلك المسؤولية التي قرر
أن يعاقب عليها رقية..
عاد ولم يجد طفله ليجيبه خالد ببطء متعمد:
محمود عندي في الفرن.. قصدي في البيت بيجي مع رقية وخالد.
امبارح سابته.
كانت نبرة حسن قاتمة بها توعد مقلق, اقترب منه خالد ليجيبه بنبرة صارمة:
امبارح أنا بعتله يجي يركب خيل... هيتدرب مع تميمة.
هدأت ملامح حسن قليلاً, شرد ليسأله:
هو محمود بيحب الخيل؟!
ربت خالد فوق ظهره ليرتشف باقي قهوته دفعة واحدة ثم قال بتنهيدة ناصحة:
ما تهدش بيتك يا حسن.. ما تعملش في خالد زي محمود.
استدار قبل أن يدور حوار آخر وربما قبل أن يدافع حسن عن سلوكه بمهاجمته
شخصه هو وبنفس الجملة:
وانت كمان ما تهدش بيتك..
*********************
الحاجة ثريا رغم تمكن العمر منها ما زالت جميلة..
قررت أن تدخل في منافسة حامية مع رقية بالمطبخ علها تحصل على المراد..
ابنتها قليلة الكلام وتخفي أجواء التوتر مع زوجها ولكن قلب الأم يخبرها
بخبايا..
تنهدت رقية بطء قبل أن تهمس حتى لا تسمعها إيناس:
انصحيها أنتِ يا ست ثريا أنا غلبت معاها.
خلعت ثريا نظارتها الطبية قبل أن تلوي فمها ضيقاً:
أنا عايزاها تخاوي تميمة وتجيب عيلين كمان.
ضربت رقية عجينتها بقسوة وأجابتها:
نصحتها كتير.. بتكسل سنة ورا سنة.

رمقت ثريا رقية بدهاء ثم اقتربت منها لتسأل:
وخالد مش مظبوط بقى له فترة حتى مش بيجيلنا كتير زي الأول.
ارتبكت رقية بعفوية لتجيب مسرعة:
تلاقيه مشغول بمشاكل المزرعة
رفعت ثريا حاجبها عن غير اقتناع ثم ألقت ما في جوفها بغضب:
ومين البت الملزقة اللي جات سألت عليه امبارح دي؟
استدارت رقية بدهشة لتستفسر بدورها:
ملزقة!.. إحنا ما عندناش ملزقين في المزرعة.
استشاط غضب ثريا لتجيبها بزعقة حادة:
لا عندكم.. وشكلك نايمة في العسل إنتِ والهبلة اللي فوق!
ضحكت رقية وتركت عجينتها لتقترب من ثريا من فضول:
طيب شوفتيها فين دي؟
جلست ثريا على مقعدها في غضب ورمقت مدخل المطبخ قبل أن تردف في
همس مغتاظ:
الوقت كان بالليل.. ممكن 9, وايناس كانت في أوضتها وهو كان لسه ا رجع
وطلع يغير هدومه ولقيت الباب بيخبط ودي قدامي بتقولي عايزة مستر خالد!

كانت ثريا قد رفعت من نبرة صوتها مقلدة شيرين مما أضحك رقية ولكنها كتمت
انفعالها لتعرف الباقي..
أكملت ثريا بضيق امراة:
لابسة بنطلون محزق.. قلة أدب.. وبلوزة بقى لي أربعين سنة متجوزة ما
لبستش وحياتك يا بنتي زيها لا برة ولا جوة.. إيه الأشكال دي!!.. وبتشتغل هنا
إزاي؟.. وليه إيناس ساكتة على كده؟..
سألتها رقية في فضول دون تعليق على حديثها:
وكانت عايزة ايه؟
أجابت ثريا ببديهية ماكرة:
ما اعرفش.. هو أنا ندهت له!.. قولت لها نايم ومشيتها قبل ما ينزل,
والخايبة دي ليا كلام معاها.
ضحكت رقية في محاولة لتهدئتها:
هتتكلمي معاها في إيه بس!.. دي مجرد موظفة وايناس مش بتبص للتفاهات
دي.
نظرت ثريا نحو صديقة ابنتها الحمقاء في نظرها لتجيبها بنصح واثق:
بس الرجالة بتبص.
فركت رقية جبهتها لتنطق بذلة لسان غير محسوبة:
بس مشكلة خالد وايناس أكبر من التفاهة دي صدقيني.
وعندها انتفضت ثريا فوق أ رس المسكينة كمن وجد ضالته لتلمع عيناها وهي
تحيط بها دون أمل في الهروب:
قولتي لي.. مشكلة إيه بقى؟!
*******************
يتجاهلها
منذ ما حدث لم يظهر بالفندق..
تجاهل تام..
ثقتها تخدعها أنه هروب.. وقسوته تخبرها أنه لا يبالي.
بالأمس اتخذت قرارا جنونياً..
فلتغضب زوجته ولتحصل مشكلة عله ينفجر بها ويكسر هذا التجاهل, ولكن
ظهرت عجوز لا تعرفها وأنكرت وجوده..
أم ربما هو من طلب منها ذلك..
كانت تجلس بمكتبها وتنظم برنامج الحفل المنتظر دون تركيز..
تتصفح مواقع إلكترونية غير ذات أهمية وتقتل الوقت..
وفجأة انتفضت ككل..
ما بها؟..
هي لم يؤثر بها رجل من قبل..
لم تنتفض من قبل أو يغزو وجهها احمرارا وهكذا فجأة تبدل الأمر مع صوته..
بسرعة خارقة وضعت على وجهها نظارة طبية لمظهر أكثر إلتزاماً رغم تناقضه
مع فتحة القميص الأحمر والحلة الرمادية والسروال القاتل كما يطلق عليه
معرض أزياءها المفضل.
طرقات الباب أوحت أنه لم يكن هو..
كانت موظفة تخبرها أنه ينتظرها بمكتبه وقبل أن تندهش وتتوجه نحو مكتبه
بالفندق نبهتتها الموظفة أنه ليس هنا بل بالمكتب الآخر بالمبنى المتواضع
قرب مزرعة الخيل..
حتى الآن هي لا تفهم إص ا رره على معاداة الرفاهية..
المبنى قديم لا يحتوي سوى على عدة غرف إحداهما له والأخرى لحسن..
كان يجلس على طاولة مكتبه ويوليها ظهره حتى عندما طرقت الباب سمح لها
بالدخول دون أن يستدير وظل على زعيقه بمحادثة تليفونية مع مورد ما..
جلست على أحد المقاعد بملامح ثابته تنوى تجاهل ما حدث بالمرة السابقة..
تأكدت من ملف تنظيم الحفل الذي يود الإطلاع عليه وعبثت بأوراقه مرة تلو
أخرى لتوقعه ولكن تلك المرة عن غير عمد..
زفرت لتجلس على الأرض في ضيق تلملم أو راقها ولم تدرك أنها أنهى مكالمته
ويراقبها في صمت..
نظرة غامضة ولا تظهر بملامحه أية تعابير..
استقامت مسرعة لتعطيه الملف بحرفية وصمود على غير عادتها:
اتفضل يا فندم.
كانت خائفة أن يغضب بسبب زيارتها منزله وحضَّرت بضع مبررات ولكن يبدو
أنه لا يعلم..
سحب هو الملف ليتأمله وعندما استأذنت لترحل أوقفها بإشارة إصبع
مغرور يتحكم بها دون اكتراث ولكن صبرًا جميلاً..
هكذا منت نفسها قبل أن يسألها هو بصوت أجش قاطعاً شريط الخيالات:
إيه فرقة إكست رادي؟
نظرت نحو ملفها بجدية ثم أجابته:
دي فرقة عروض فلكلور.
حرك شفتيه باستهانة:
ده قديم ومكرر ودوشة دون داعي, عندنا عروض الخيول.
كانت ستفقد حماسها لولا أن لمعت براسها فكرة جهنيمة..

لمعت عيناها لتوافقه وتبدي حرفية مصطنعة:
ممكن أغيرهم بأي حاجة جديدة؟..
فكر قليلاً ثم أغلق الملف وناولها إياه:
اتصرفي.. المهم الفيلم الترويجي للفندق يتعرض أول الحفلة والمخرج ياخد
لقطات حلوة منها علشان أنزلها في الإعلان.
ابتسمت بثقة عادت لها بعدما تجاهل موقفهما الأخير لتهمس بنبرة أنثوية
واضحة:
ما تقلقش هفاجأك!
وقبل أن يرفع بصره نحوها كانت قد اختفت مسرعة..
الجملة الأخيرة ستكون لها ولن تمنحه رفاهية الإعتراض.
***********************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن