زيديني عِشقاً.. زيديني يا أحلى نوباتِ جُنوني
يا سِفرَ الخَنجَرِ في خاطرتي
يا غَلغَلةَ السِّكِّينِ
زيديني غرقاً يا سيِّدتي..
إن البحرَ يناديني
زيديني موتا ..
علَّ الموت, إذا يقتلني,
يحييني
جِسمُكِ خارطتي.. ما عادت
خارطةُ العالمِ تعنيني..
نزار قباني
نعم..
كانت ليلة قاتمة وستظل عالقة بذهن الجميع..
كل ما تتذكره تميمة أنها محمولة على كتف خالد تراقب اهتزاز منزل ماما
رقية..
لم تدرك طفولتها حينها أن ذراع خالد كان هو المنتفض وقتذاك.
لم تدرك كيف كان تنفسه سريعاً..
كيف وضعها في فراشها على عجالة ليجذب الصغير الآخر بحنو ويقوده نحو
غرفة أخرى يهمس فوق أذنه بصرامة حنون:
نام يا محمود..
كانت كلمة واحدة لم يزدها ولم ينظر نحو إيناس الواقفة بنفس الغرفة, تخطاها
نحو غرفته وقد اشتعل رأسه بحرارة..
اشتعلت ذكرى..
بل ذكريات..
قسوة الأقربون موجعة ويوازيها التخاذل..
وايناس كانت تشعر بتلك الحرقة ببدنه..
بل تكاد تلمس استعار أنفاسه وشعرت بأناملها بارده فوق ذراعه..
نعم كانت تحتضنه..
تتلكأ أناملها على استحياء فوق ذراعه العاري..
تود احتواءه ولا تعلم كيف وخاصة أنه ولاها ظهره متظاهرا بالنوم
لم تكن له رغبة في حديث ولا حتى في صحبة..
في تلك اللحظة لم يكن محمود هو الطفل
كان خالد..
********************
وكانت صباحات متتالية..
مكررة..
تستيقظ تميمة فتلمح محمود يأكل دون شهية ويغادرها دون أن يتحدث..
فقط ينفرد بلعبة إلكترونية في ركن بالحديقة..
منزوياً ليس له رغبة بمصاحبة أحد.
وايناس جاءتها رقية بصباح آخر وهمست بكثير واتضحت الأمور, وايناس كانت
ترجف من داخلها مع ذكر اسم سندس..
العجوز طلبت من حسن تبني محمود وعندما انفعل ليخبرها أنه ابنه كانت فجة
في رد ترجم حقيقة يتجاهلها الجميع..
"أنه لا يتقن ذلك"
وحسن حال كثيرين من أمثاله يظن أن فطرة الكون خُلقت طواعية له وأنه إله
منزه عن التقصير..
وثار حسن ثورة جنون لم تختبرها معه من قبل حتى أنها استفاقت على صرخته
واغلاق باب الغرفة لينفرد بمحمود, لوت شفتيها بابتسامة منكسرة:
مش عارفة كان بيعاقبه ولا بيعاقب رفضه!
وحينها كانت نبرة إيناس خشنة.. مغتاظة:
بطلي تبرري له بقى!
ولم تعبأ حينها بعينيّ رقية وعبراتها التي تتلكأ للظهور..
بالقصة المكررة عن سهام وعنف محمود وغضب حسن وحماقة امرأة
سيتخذونها ذريعة..
وفجأة غامت بفكرها بعيداً عن رقية..
هل سيتخذها خالد أيضاً ذريعة؟!!
منذ تلك الليلة وهو بعيد والغضب بعينيه لن تصلح معه أي ابتكارات..
حتى أنها منذ يومين تصنعت التأخر باستحمام مسائي لتخرج ببشرة منداة
ومنشفة قصيرة لفتها فوق جسدها لتجده شارداً فوق الفراش..
قبلت خده الأيسر وسألته إن كان يريد مشروباً ما فرفض بصمت وقبل رأسها
ونام.
وهذا أسوء ما قد يفعله رجل!
وتنهدت هي بإحباط لتوليه ظهرها وتنام أيضاً..
والآن وبعدما اتضحت الحقيقة ومع ذكر سندس ذريعة حسن بالأمر يهاجمها
هذا الخوف المتمثل في مواجهة انفعال آخر من انفعالاته..
لوم.. ثورة..
إنفجار.
بل أباح لها عقلها تصور سيناريوهات..
سيزعق وتنزوي واذا نطقت فقد تضرب وت ا رً آخر تدرك بعد فوات الآون حساسيته
ولم يكن لها رغبة بصمت..
فلتسقط السماء فوق أ رسها معه لا تبالي ولكن لن تصمت..
وانتظرت حتى حل المساء وكان قد عاد متأخرا لتراكم بعض الأعمال بفضل
اختفاء حسن..
نعم..
فحسن المدلل يحتاج أن يريح أعصابه وينفرد بنفسه كما ذكرت رقية فقرر
الغياب ربما أمام بحر ما ليحتسي عصير البرتقال ويدلل ضيقه!!
أخرجت من عقلها حسن وسيرته التي لا تجلب سوى ضيق وتوجهت نحوه
تساعده في خلع ملابسه..
كان شارداً بحزن غريب..
منذ تلك الليلة ومنذ انقض حسن على ابنه كفريسة..
طفل آخر عليه أن يحيا قهر ما..
أن يختبر قسوة لا يملك لها رادع!!
وان كانت لحظية وان كانت مبهمة وان كانت غير مخططة..
فستظل قسوة.
قسوة تجبره على أن يتذكر..
أمه.. مختار.. جوف ليل حالك السواد.. وحرمان.
لم يشعر سوى بأنامل إيناس تقترب..
تساعده..
تجتهد فوق طاقتها لاحتواءه..
يشعر بها ولكنه ببساطة لم يكن به طاقة لحديث..
لم تكن به طاقة لأي شيء سوى النوم والعمل والخروج من تلك البؤرة القاتمة
التي حفرها الغبي حسن لتطل أشباح ماضي.
وأشباح مستقبل تطل على عالم محمود..
منذ ما حدث وهو يفكر في الطفل..
طفل يستحق حنان أبيه رغم أنفه..
يستحق منزله رغم أنف رقية..
يستحق.. طفولة.
وأناملها تسللت من بين أزرار قميصه..
امرأته تدلل باستحياء!..
ووسط كل هذا همست بأحمق عبارة قد يسمعها:
أنت زعلان مني بسبب سندس!!
هكذا تهمس بكلمة غبية مثلها!
أي سندس!!..
وكأن محمود يشعر باليتم بفضل سندس..
وحينما استدار لها لم يكن للغباء المذكر حينها وجود
كانت خائفة..
ملامحها تنبض بالخوف..
ليس خوفاً منه ولكن خوفاً من إنفجار غاضب بوجهها قد لا تملك القدرة على
احتواءه.
أي غضب هذا الذي تخافه بهذا الثوب!!..
كريمي بأكمام شفافة وينساب بسلاسة فوق جسدها لتتساقط طبقات رقيقة من
الشيفون الناعم حتى كاحليها.
ودون إد ا رك هي فعلت ما يحب..
لم يخبرها من قبل أنه يفضل جيدها دون قلادة, هذا التجويف الناعم بمقدمة
رقبتها.. التناغم بين عظمتي الترقوة والمساحة الملساء النابضة بأنفاسها
وجنونه.
رفع حاجبه الأيسر وهو يسخر في داخله..
تلك أسرار حربية لا يجوز لها أن تعرفها!
ارتجفت شفتيها تود أن تكرر تساؤلها ولكنه أوقف السؤال والجواب بتربيتة
خفيفة فوق شفتيها ليهمس ببطء:
واللي عايزة تصالح جوزها تقوله سندس برده!!
رفعت عينيها نحوه في حيرة فترك إصبعه شفتيها ليمرره على طول خصلة توازي
وجهها ثم أكمل:
أنا مش زعلان بس ما عنديش مانع إنك تصالحيني!
كانت نبرته الأخيرة ماكرة بشبه ابتسامة..
وكأنه يتشبث باقترابها ليخرج من الهالة المظلمة حوله..
وهي كانت مختلفة
ذكية..
جذبته ليجلس جوارها على الفراش لتمسك برأسه بحنو توسده صدرها وتملس
فوق رأسه بحنان أمومي:
إيه رأيك أحكي لك حدوتة من حواديت تميمة!!
غبية!
هو قريب من مصدر جنونه بها وهي تخبره عن حكاية!
كانت بدأت تقص بالفعل..
نعم هي تحكي قصة طفولية عن أمير وفتاة وضفدع.. هي تقص وهو يقبلها..
أي عبث مسائي يحدث..
لم يشعر بحاله إلا وهو يكمم فمها الثرثار بقبضته ويهمس في أذنها بشغف:
أنا هكمل
ولعشقه بها رواية أخرى..
"عندما تكون هي..
عندما تحبها..
عندما تتوق لإحتواء..
تنبض بداخلك تلك الشرارة, تلك التي تسبق وتلي وتجاور كل متعة وشغف بها
ومعها..
تلك الشرارة التي دونها لن تنال اكتمال..
إنها العاطفة"..
باولو كوييلو
*********************
"خايف أحبك"
هل منها تبدأ الحكاية أم تنتهي؟!!
كانت تجلس جوار فاتن ترتشف كوباً ساخناً من الشاي بالحليب, تراقب تلك
النافذة التي أصلحتها فاتن واستبدلتها بقضبان حديدية لا تنكر أنها بعثت في
نفسها اطمئنان لا يوصف..
هي لم تخبر فاتن بحقيقة الأمر فقط أخبرتها بكسر النافذة وأنها تشك بدخول
لص, لص لم يسرق شيئاً!
واللص المزعوم لم يحاول الا تصال بها منذ هذا الحين وها قد مرت عشرة أيام..
عشرة أيام يهرب فيها حمزه بجدارة..
تلمحه كل يوم وربما كل يومين ورغم أنهما يعملان سوياً على نفس القارب إلا
أن اللمحة هي أمثل وصف لتلك اللحظات الخاطفة التي تجمعهما معاً..
وهي التي فكرت أن تخبره بأمر صبري كي تطلب منه حماية!!
لم تكن تدرك أن شفتيها تتحركان بأحاديث صامتة..
تخبر نفسها عما تود قوله له..
عن صراخ يستحقه وغضب ولامبالاة..
نعم هي بدورها تتجاهله..
هي لا تحتاج حمايته, ولا تحتاج عشقه, ولا حتى خوف عشقه..
بل هي تستطيع أن تتدبر أمورها ببساطة وكما فعلت فاتن..
قضبان حديدية..
محادثة مالك البناية عن وجود لص..
وابتاعت هي من موزع يعلن عن بضاعته بجريدة أسبوعية صاعق كهربائي
سيهديها حماية..
ما الحاجة إذاً لرجل خائف!!..
وابتسمت شبه ابتسامة..
التواء ممتع بشفتيها منكه بلمحة انتصار..
حتى عندما رأته صباح هذا اليوم تمتمت..
"صباح الخير"..
وتخطته وكأنه غير موجود..
اليوم لم تكن تقصد تجاهل بل أصبح التجاهل أسلوب حياة!
والفرق شعره أدركها هو وثار جنونه..
في الأيام الماضية كان يسترق النظر إليها من حين لآخر, يحتال على قراره
بالابتعاد وتلك النظرات هي أشبه بجرعات المخدر التي يتعطاها المدمن كي
يُنهي العلاج
كي يشفى منها إلى الأبد..
والآن هي تنهي شفاؤها وليس شفاءه!
هل ببساطة تنساه.. تتناساه؟؟
يصبح خارج حياتها وعالمها, ومنذ الصباح تلتصق به إلجا وهي لا تبالي!!
من قبل لمح بعينيها نظرة غيرة وغضب واستعار وغيظ مكتوم ورغم أنه يود
الهروب ويتقن الهروب تلك النظ ا رت كانت تمتعه..
كانت أشبه برشفة لذة..
ترضي القلب وتحارب العقل لأنها تهتم..
واللذة الآن تبدلت لإستشاطة!!
احتراق..
وغضب وغيظ وجنون سيحطم بهرأس هذا اللزج المتطفل على وحدتها..
وحيدة نعم..
مع غيره لا..
وألف لا
أنانية.. استئثار..
ربما ولكن هو لا يلقي بالاً لتفسي ا رت الآن..
هو يحتاج لقبضة يحطم بها أنف هذا السمج
وأزاح ذراع إلجا ورمى بمنشفة كانت تحيط كتفيه وتوجه نحوهما..
*****************
ما ينقصها مصري لطيف!!
عادة هنا هي تصنف الناس بعرقهم..
ألماني وفرنسي وهذا روسي وتلك هولندية والجا نرويجية حمقاء..
وضاقت عيناها بغيظ مع ذكر اسمها..
على مدى عشرة أيام وهو يلتصق بها لا يبالي
أحمق.. غبي.. ككل الرجال..
اليوم يود تقبيلها وغداً يترك لذراعه حرية التصرف في خصر إلجا..
وان كان يظن أنها ستغتاظ وستظل هكذا تلاحق مرورهما وضحكاتهما
ورقصهما بنظراتها فهو واهم..
المثل يقول..
"اشربها وبلفظ أفضل اطفحها!!"
وينقصها الآن هذا اللطيف بجانبها ويسأل أسئلة لطيفة مثله!!
وزفرت وابتسمت بسماجة وأخبرته أنها مشغولة وأن مكانه مع الضيوف
بالخلف..
ولا تعلم ماذا يفعل هو مع فوج هولندي ليخبرها وسط حديثه عن نفسه بافتخار
أنه يحمل الجنسية الهولندية وله مشروعه الخاص بالعاصمة هناك..
"مطعم شاورما"
توقف حديث عند ظهور نبرة مُتَقِّدة!
صوت قابل للإشتعال..
حضرتك نورتنا يا أستاذ شاورما..
استدارت هي والرجل اللطيف بذات الوقت لتلمح بوقتها عينيه..
تأكلها..
وتضربها وتأسرها بقضبان حديدية تخصه وحده..
أكمل موجهاً حديثه لصاحب الشاورما ولكن دون أن يحيد نظره عنها:
الجروب بتاع حضرتك بيدوروا عليك, وآنسة ليلى ما عندهاش وقت للشات
اللطيف ده!
فهم الرجل..
ليس الرجل وحده..
لو طفل يحبو مر من أمامهم الآن لأدرك أن الكابتن يغار..
وعندها ابتسم بتفهم ليودعها ويتخطى حمزه بعد أن رفع كلا قبضتيه معتذرا:
حق عرب يا كابتن حمزه.. ما كنتش أعرف والله.
أومأ للرجل دون تعابير واضحة وعاد إليها..
بنفس النظرة!
استدارت تتجاهله وتحدثت بنبرة رسمية:
تحب نتحرك دلوقتِ؟..
لم يجب..
ظل يحدق فيها بصمت..
فأصابها اغتياظ لتستدير نحوه بانفعال مكتوم:
في حاجة!
لمعت عيناه وتحركت حدقتيه ترتشف ملامحها..
تلك النظ ا رت المسترقة لا تُحتَسب.. هو يحتاج أن ينصهر أكثر..
وابتسم حينها ابتسامة افتقدها على شفتيه.. ليجيب فورا:
في حاجاااات..
ومثل زرقة البحر تموجت عيناها..
اضطربت ولكن لبضعة ثوانٍ استفاقت بعدها لتعود لنفس الجمود الذي أتقنته:
أنا عندي صداع فياريت تقول بسرعة هنتحرك امتى؟
اقترب منها وهمس بمكر:
سلامتك
ردّت مسرعة وبعفوية تود الفرار:
الله يسلمك يا سيدي
هو ينظر نحوها وهي تبتعد تخشى عينيه..
تهرب بأنوثة ممتعة فهمها هو..
وهو الآن أمامها فلا مجال لهروب..
فليشاكسها وينتهي الأمر!
أخفض صوته واقترب منها أكثر..
كانت جالسة فأمال هو جسده ليقرب شفتيه من وجهها..
وجهها فقط وجهها يا حمزة لا أكثر..
أعملك شاي بلبن!
وحينها استدارت له وبعينيها..
حزن!
لا غضب ولا غيظ ولا استعار..
هو حزن لأنه يقترب ويبتعد كما يحلو له..
وكأن الأمر هو وليس هي!!
واستدارتها تعني أن شفتيها أقرب..
حتى أنها ابتعدت على الفور وتصلب هو..
يريد شفتيها وقد أحزن عينيها..
هل يجوز!!..
وتبدلت نظرته لأخرى هي لن تحتملها..
نظرة لا تكذب ولا تتجمل..
نظرة تختصر كل قول.. وفعل كان.. وسيكون..
نظرة عشق..
وحينها..
هربت..
اتخذت من القمرة السفلية جدران حماية..
أعدت لنفسها في نصف ساعة كوباً من الشاي..
كانت تود أن تفكر وتفكر.. وتقرر..
وكأنه من السهل أن تتخذ هذا قرار
تقترب أم تبتعد؟
تحبه؟
هل هناك اختيار بالحب؟..
وزفرت ربما للمرة المائة وتمنت حينما عادت لسطح المركب أن تجده منشغلاً أو
متشاغلاً وقد كان..
فقد عاد الغواص للبحر من جديد..
لا تعرف هل لكي ينساها أم ليُخمد ما بداخله من نيران.
"لا يوجد ما هو أصعب في الحياة من الحب"
جابريال جارسيا ماركيز
*******************
ويحكى أن شهرزاد في آخر ليلة من انتهاء الحكايا اقتربت من مليكها لتهمس
بعبق أنثى وتقبل الأرض من بين قدميه..
ووضعت أولادها الثلاثة نصب أعينه لتبكي متوسلة..
"مليكي.. يا سلطان.. من عجائب الأزمان قصصت لك حكايا.. والعجب العجاب
عن الإنس والجان ولكن.. انتهت الحكايا مولاي وفرغت جعبت شهرزاد إلا من
عشقك وقرة أعيني الثلاثة بين يديك
والأمر يعود إليك..
تقتلني وتتركهم لليتم صيداً أم تعفو بكرمك كي لا نتركهم لقمة سائغة للأنس قبل
الجان".
ويُحكى أن شهريار بكى وضم لصدره أولاده ليوجز عفوه بعبارة عشق.
ورفعت الزينات وقدمت الولائم وأ جزلت العطايا واحتفلت المدينة لمدة ثلاثين
ليلة..
هكذا ببساطة روضت شهرزاد شهريار!!
بل احتوت بداخله الطفل الملول لتشغله بثلاثة..
ولكن ماذا عن شهرزاد الحمراء
هل امتلكت من قبل لشهريار ترويضاً!!
هل سينضب البئر؟!
ربما هي تشتهي الموت..
ربما وجدت فيه ملاذاً ولكن..
هل ستكون هي الأخيرة؟..
اقشعر بدنها وهي تستمع لتلذذه بحكاية خديجة..
العذراء التي بفضله سلمت نفسها لفكرة انتحار..
ألم تضبط عارية بمخدعه؟!
ألم تخسر نفسها وسمعتها وب ا رءتها؟!
ألم تنفجر الدماء بوجهها من صفعات أخيها ونحيب أمها وكل هذا بفضله
لأنه أراد أن يدفنها بلوحة!
باقي الحكاية كان موجعاً..
عندما عادت له هاربة لتجده ببساطة قد أنهى لوحته..
مُلهمة.. جميلة.. وموجعة!
بل اعترف ببساطة أنه هو من أرسل لأخيها كي يضبطها..
كي تكتمل لوحته!!
لا تعلم هل كان يتباهي أم لأنه لمس في دواخلها اص ا رر على الموت فلم يعد
يبالي؟؟..
أم ربما ليثبت لها أنه هو من يستحق دور شهريار..
خالد قتل شهر ا زد واحدة بليلة..
مراد يقتل شهرزاد كل ليلة..
وسألته.. بشرود بل بتخوف:
شهرزاد.. لوحتك الأخيرة؟
ولم يبدو بملامحه تأثرا.. بل كان يشذب ذقنه ببطء أمام مرآة ثم تحدث بنبرة
ساخرة:
ده على حسب تقبل الجمهور لفنان بيقتل بطلاته!!
ابتسمت هي بسخرية أكثر:
إيدك نظيفة يا مراد.. القانون مش بيعاقب على الإقناع.
رفع بصره لينظر نحوها من خلال المرآة, نظرة قاسية ونبرة واثقة:
لكن بيعاقب على القتل..
ثم ابتسم بنشوة ليُكمل:
أنا هاقتلك..
"العقول العظيمة هي تلك المنكهة بلمسة من الجنون!!"
أرسطو
******************
حسناً الأمر صعب.. بل في غاية الصعوبة..
لعبة طائ ا رت نفاثة أمام حفلة باربي!!
للمرة العاشرة ترمي تميمة بجهازها الإلكتروني فوق ساقيه وتطلب مساعدة..
تود اختيار لون حمرة شفاه, والثوب لونه سيء فليساعدها في آخر, أما شعر
باربي فهو قصة فهي تود صبغه باللون الوردي!!.
أي أحمق اخترع تلك اللعبة!
زفر بضيق ليضيف للمرة الخامسة:
تميمة.. أنا زهقت.. جربي لعبة تانية.
زمت شفتيها ثم انتزعت الجهاز من يديه بغضب لتضعه جانباً ثم ضمت ذراعيها
تراقب الأرض في تذمر..
حسنا ..
لن يدللها تلك المرة فقد ترك لعبته وها هو يلعب لعبة فتيات.
يصفف الشعر ويضع تبرج ويختار الحذاء وهذا حقاً مضحك
بل مزعج..
ظلت على حالها ليرق قلبه في النهاية ولكنه لم يرضخ للعبتها الوردية
الأركان.. ناولها جهازه الخاص وناوشها قائلاً:
تجربي تسوقي الطيارة؟
لم تجبه وظلت على حالها..
تجاوره ولم ترحل ولكن لم تحادثه..
مرر الجهاز فوق عينيها وهو يكرر:
دي جميلة.. زي الطيارة الحقيقة بالضبط.
نظرت نحوه وانفرجت ملامحها قليلاً فتابع هو بجدية:
هتطلعي الطيارة من هنا وتلفي من هنا.. والزرار ده بينزلها تاني..
وكانت متعة مختلفة..
أسقطت تميمة سبع طائرات بالبحر وأربعة فوق أرض المطار ودمعت عيناه من
الضحك..
ضحك حقيقي..
ضحك من القلب ربما لم يختبر مثله من قبل.
ربما لو كانت إيناس هي زوجة أبيه وتميمة أخته لكان الحال أفضل..
ولكن لا.. ربما حينئذ كان سيكرهها!!
وجاءت من يكرهها..
رائحة فطائر رقية الشهية كانت تسبقها ومعها خالد..
بحمامه الصباحي وانتعاش رائحة خصلاته المسترسلة كالفتيات وحذاءه المنمق
ولعبة جديدة!!
مدلل وسيظل مدلل..
استقامت تميمة تاركة محمود لتركض نحوهما مرحبة:
ماما رقية..
والتقفت رقية البندقية الصغيرة مجدولة الخصلات بين ذراعيها ليرحب بها خالد
ويتركهما ويتوجه نحو محمود بلعبته..
كان قلب رقية ينتفض..
رغماً عنها لا تستطيع التحكم وتموت قلقاً على خالد, وزاد الأمر عندما أخبرها
أنه يريد رؤية محمود هذا صباح ويعطيه هدية!
دمعت عيناها من الفرح بطفلها الصغير وتمكن منها القلق من ردة فعل الآخر
الهج ا رن يولد الجفاء..
والقسوة تنتج وحش..
والصفعة بداية طوفان..
ولا تود أن يبتلع هذا الطوفان بيوم ما طفلها وبيتها معاً..
حسن ظن أنه ضحى من أجلهما عندما طلق سهام, ولكن الحقيقة هي من
ضحت مرارا وتكرارا..
وهو لا يبالي..
هي اختارت التضحية في سبيل أن ينعم خالد ببيت مستقر وعائلة تحويه, وليس
ذنبها أن الأخرى آثرت زواج وهربت..
أنزلت تميمة ولم تستطع أن تمنع نفسها من اللحاق بهما ولكن أنامل رقيقة
طوقت معصمها لتوقفها..
نظرت رقية نحو إيناس بعجز فبادرتها إيناس بنبرة مطمئة:
سيبيهم يا رقية..
تنهدت رقية لتقول بتوسل:
خايفة عليه..
ابتسمت إيناس لتجيبها بحكمة:
مش جايز يمر الزمن ويبقى هو اللي ليه
استدارت رقية لترمقهما وقد استقام محمود ينظر لهدية خالد بريبة وتخطو
نحوهما تميمة..
جذبتها إيناس لمقعدين مجاورين بالحديقة إذ بدا من المستحيل أن تتوجه بها
لمكان آخر..
وحينها تابعت رقية بنبرة قاتمة:
وجايز يبقى هو اللي عليه!!
الحياة ما هي إلا مسيرة..
براءة ثم فتنة ثم ذنب!!
ليمان أبوت
****************

أنت تقرأ
صمت الجياد بقلم /مروه جمال
Romantizmسلسله عشق الجياد (همس الجياد الجزء الثاني ) تنبيه هام كل الروايات اللي علي صفحتي مش انا اللي كاتباها انا بس عجبتني الروايه و بحثت عنها ملقيتهاش علي واتباد فضيفتها عندي و اسم كل كاتبه لكل روايه موجود مع اسم الروايه