الفصل العشرون

5.8K 172 3
                                    

هل يجوز؟..
أن أغتنم من عينيكِ فرصة؟..
من شفتيكِ فرصة؟..
من شذاكِ فرصة؟..
تُراها آخر فرصة!
هل يجوز أن يتوقف الزمن لبرهة؟.
لحظة..
حبيبتي أن لا أبغي سوى لحظة..
أتنفسك..
بل أحتجزك بين جدراني..
حتى ينتهي الزمان..
أو أنتهي أنا مع آخر فرصة..
هل يجوز أن أعاقب؟..
أحارب؟..
أقتل أو أُقتل؟.
لا أبالي!!
فإن ضعتِ أنتِ
ضاعت كل فرصة..
مروة جمال
كلها على بعضها كانت مرتجفة وبشكل ما شهية!!
الخطة تسري كما خطط تماماً, بل ربما أفضل فهو لم يتوقعها خائفة بهذا
الشكل!.. كانت متقوقعة بأقصى ركن فوق الفراش مبتعدة عنه..
تضم ركبتيها وتوقع الأوراق دون حيلة..
هي لحظة انتهت وانتهى..
جذب الأوراق من يدها ليقذفهم جانباً ثم ارتكز بإحدى ركبتيه فوق الفراش وجذب
ساقيها بقبضتيه بكل يسر!!
وجدت نفسها فجأة مقيدة ولا تدرك كيف..
كفيه فوق ركبتيها ويقترب منها كذئب على وشك التهام فريسته..
همسه الحقير وازى جذبه لها فطفقت تركل بكل ما أوتيت من قوة, ولكن لا
جدوى..
كان يفوقها حجماً وبسلاسة ارتكز بركبته الأخرى فوق الفراش ليترك ساقيها
ويقيد كلتا ذ ا رعيها فوق أ رسها وتحكم بركلاتها بساقيه الشديدتين..
ضغط فوقهما بالبداية ثم باعد بينهما في النهاية..
بكل سلاسة!!
لطالما ظنت أنها تقدر.. تستطيع..
صفعة أو قبضة ولكن الواقع مختلف عن الخيال..
الواقع قاسي وخانق..
الواقع شنيع..
شهقت بصرخة تلو أخرى وبرقت عيناها عندما أبصرت وجهه يقترب منها..
شعرت برائحته مقززة حتى قبل أن يلمسها وهلعت أكثر مع همس فاحش لا
ينتوي رجوع..
استطاعت بمجاهدة أن تحرر إحدى ذراعيها من قبضته لترفع وجهه بعيداً
عنها, وعندها أغضبته فاستدعى قوته ليقيد ذراعيها بقبضة واحدة تلك المرة
ويصفعها بالأخرى..
صفعة أعطته هدوءً استغرق عشر ثوانٍ..
مجرد ثوانٍ ترنحت هي فيها لتستفيق على تسلل أصابعه فوق زر سروالها..
وعندها لا تعلم ماذا حدث وكيف ولكنها بعزم لم تختبره من قبل صرخت مرة
أخرى وضمت ركبتيها لتضربهما ببطنه أولاً وعندما تحرك ركلته مسرعة بمنطقة
حساسة..
كان هو قد اندفع للخلف وكاد يقع من فوق الفراش, وأغضبته أكثر وتعالى منه
سباباً بذيء وهو يستجمع تركيزه ويمد قبضته نحو خصلاتها القصيرة قبل أن
تهرب..
وهي قفزت بعدها من على الفراش في ثوانٍ وقبل أن تتحرك خطوتين شعرت بألم
حاد كاد يمزق شعرها وهو يجذبها نحوه من جديد وقد أحاط بذراعه الأخرى
خصرها فحمل وزنها الخفيف بكل يسر لترتفع من فوق الأرض بضعة
سنتيمترات وعندها اقترب من أذنها أكثر تلك المرة وهمسه يتوعدها بانتهاك.
وبدت تلك المرة دون رجعة..
دون سبيل..
أين ستهرب؟..
ضحك وهو يسخر منها ويسحبها ببطء نحو الفراش مرة أخرى..
وكانت تجاهد ولكن خارت قواها..
وهو بدا كمن استدعى قوته فوق جسد ضعيف..
وصرختها الأخيرة وازت ضحكة منتصرة منه, وتوعد مقزز بالمتعة!
جذب خصلاتها بقوة أكبر حتى مال رأسها إلى الوراء تماماً ونظر للف ا رش خلفه
بغرور ثم قال بفحيح أخير:
المرة دي تسمعي الكلام..
وقبل أن يدفعها فوق شراشف متعته بدا الباب وكأنه انفجر من شدة الصوت
فوق رأس كليهما..
*****************
قبل نصف ساعة..
كان يحدق بأمين ولا يفهم..
تبدو خطة حقيرة لسرقة كليهما..
بل سرقة وسيلة اتصال..
هي أول من قلق بشأنه وهاتفها ليقلق أكثر..
لا تجيب..
أكثر من عشر محاولات اتصال على هاتفها والمنزل ولا جواب..
ولم يكن يحفظ رقم فاتن وأجرى ثلاث محاولات هاتفية بأصدقائه حتى هاتفها
ليصرخ صوتها بأسوء مخاوفه..
فاتن التي كانت غير منتبهة لهاتفها واكتشفت أن ليلى حادثتها أربع مرات وفي
النهاية كتبت رسالة على عجل
"مركب منصور يحرقه صبري!!"
عندما حاولت الاتصال بها مجدداً كانت ليلى قد اختفت بالفعل وتحاول منذ وقت
الوصول لحمزه وأمين دون جدوى..
الجميع يبحث عن الجميع
وآخر خطط ليحظى بليلة انتصار ومتعة
صوت فاتن الصارخ يخبره بأمر الرسالة..
مركب.. حريق.. صبري.. وليلى التي اختفت في المرسى
وتوقف كل شيء حتى أنفاسه..
حتى الهاتف سقط من يديه وعينيه جاحظة نحو أمين وقد تشكلت بملامحه كل
خوف يعرفه الكون..
ولم يدرك أمين سوى ركض حمزه بكل ما أوتي من عزم نحو سيارته ومنها
للمرسى..
حمزه.. حمزه.. استنى..
لم يكن يسمع أمين..
لم يكن يسمع شيء فصورتها كانت أمام عينيه..
صورتها مرتبكة أمام عجلة القيادة..
مغمضة العينين خجلاً من قبلته.. مذهولة من اقتراب لا تفهمه..
وصورة أخرى لا يود تخيلها..
تهديد حقير وهي اختفت بحق الحجيم..
صرخ وهو يضرب على المقود وقد تعدت سرعته المائة وأربعون كيلو متر,
وأمين لم يستطع أن يلحق سوى بمؤخرة السيارة فدفع جسده بالمقعد الخلفي..
المرسى كان هادئاً وكأن شيئاً لم يحدث والضابط المناوب بالقسم أخبر حمزه
الثائر على الهاتف أن هناك اتصال جاءه بشأن حريق ولكن الحارس أكد أن
المرسى هاديء تماماً..
الحارس..
أصبح وجهه يرتج بفعل لكمات حمزه..
أمين يحاول أن يتحكم بجنون صديقه والرجل انبثقت الدماء من وجهه ويقسم
كاذباً أنه لا يعرف شيء..
مركب تتحرك بجنح الليل والفتاة مفقودة وهو لا يعرف شيء!
أمسك حمزه بسكين فواكه ليمرره فوق رقبته ويصرخ بعنف أمين نفسه لم يختبره
معه من قبل..
هادبحك لو ما نطقتش.. فاهم ولا هيفرق معايا!
عندها صرخ الرجل من وسط كدماته:
أنا ماليش دعوة.. صبري شوكته قوية..
جحظت عينا حمزه باحم ا رر هائج وصرخ به من جديد:
انطق.. راح فين؟.
تلعثم الرجل وأقسم بتوسل:
والنعمة الشريفة ما اعرف.. المركب اتحركت من ربع ساعة وكانت واقفة جنب
يخت الياسمين..
دفعه حمزه ليخرج ا ركضاً نحو الرصيف بجسد كله يرتجف!!
اختطفها الحقير..
أغمض عينيه وفيها ألف كلمة ورقم
حسابات..
أفكار متزاحمة..
ويوازي كل هذا صراخ ليلى..
صراخها يخترق عقله بشكل لا يوصف..
بل يرى نفسه مقيداً وأمامه ملامح كريم تتوعد بتدمير كل شيء, والذنب ذنبه!!
أمين كان يشعر بالعجز ويراقب انتفاضة جسد حمزه..
شفتيه تهتز بلعثمة لا يفهمها..
حتى أنه رفع سبابتيه وبدأ يدعك جانبي جبهته بتعبير يائس
مجاهدة كي يحدد موقعها..
ربع ساعة ومسافة وسرعة بالعقدة ودائرة بقطر ما سيبحث في محيطها..
وفتح عينيه فجأة ليقفز فوق لانش إنقاذ خاص بالمرسى ويتحرك في لمح
البصر حتى قبل أن يدرك أمين ليختفي في الظلمة وحيداً..
وبعد دقائق بدت ساعات..
وظلام..
وعيناه بهما تشوش فأصبح لا يرى..
وأذناه تطن وتطن..
وعقله يكابد كل يأس..
وصرخ بقوة أكبر..
يتوعد.. وينازع.. ويأمل..
ووسط كل هذا ظهرت ومضة..
بصيص ضوء..
بعيد..
ابتعد الحقير أكثر مما يظن..
سيقتله..
****************
كل ما شعرت به هو نفس كريه فوق أذنيها..
توعد حقير ولفظ بذيء تلو آخر..
كان يجذبها بتمهل يرضي غروره..
وكأن نصف متعته برهبتها..
وفي النهاية دوي مفاجئ طغا على صوته..
بل خفف من قبضته الموجعة في لحظة نظر فيها نحو الباب ومن كسره
لتستمع لصوت حمزه..
لم تره فقد كانت باكية حد العمى, ولكنها شعرت بقبضته تخلصها من الحقير
وتدفعها بشدة نحو الحائط حتى أنها تألمت من الارتطام, وعندما استفاقت
وجدت حمزه يمسك بصبري من تلابيب صدره ويدقرأسه بالحائط..
يزعق ويسب ويتوعد..
لم يكن حمزه المشاكس..
كان آخر..
الصدمة لجمت صبري فحتى دفاعه كان واهياً والدماء أحاطت بوجهه ولم يكن
يعرف المصدر..
تركه حمزه خائر القوى ليقترب منها ويرفع جسدها المرتخي على الأرض..
يتأمل ملامحها وصوته بعيداً رغم زعيقه.
زأزاح خصله من وفق وجهها ولمح كدمه على وجنتها لينفجر جنونه أكثر وهو
يهتف:
قرب لك؟.. لمسك؟..
والصرخة الأخيرة بدت باطشة:
انطقي!
حركت أ رسها في نفي مذعور ونظرت نحو الطاولة الجانبية للأوراق فجذبهم يقرأ
وتبرق عيناه بذهول..
وعندها أخرج من جيبه قداحة لتمسك النار بطرف الأوراق وتأكلها مع نبرة
غليظة تطحن نواجذه:
حريقة!!.. بتحب النار أنت..
ثم لمعت عيناه:
جربها بقى!
كانت تنظر لكل ما يحدث في ذهول..
حمزه وجهه ربما أحمر.. أسود..
متعرق.. غاضب.. شيطاني..
خرج نحو المطبخ وعاد بزجاجة ضخمة بها كيروسين..
رفع صبري عينيه بذعر ليصطدم بعيني حمزه المستعرتين وهو يسكب
الكيروسين فوق جسده..
عندها انتبهت ليلى فجذبته من ذراعه وقد تحشرج صوتها من الص ا رخ:
حمزه لا.. لا.. يا حمزه..
لم يكن يشعر بنفسه..
أراد حريق فلينله..
صرخ صبري وهم ليقف ولكن حمزه دفعه بقدمه ليقع مرة أخرى ثم هذر بوعيد:
هولع فيك.. فاهم يا صبري.. عايزها نار تولع بقى!
كانت ليلى تصرخ بيأس لتجذبه مرة أخرى بنشيج متوسل:
حم زه.. لأ.. والله ما قربلي.. والله العظيم أنا كويسة.. حمزه.
كانت أنفاسه متسارعة.. يلمح ضعفها.. توسلها.. انهيارها..
نظر للمركب حوله ثم جذب صبري الذي كان عبقه خانقاً وخرج من القمرة نحو
سطح المركب..
تبعته تتعثر في الدرج الضيق وقد انتفخت جفونها من البكاء فكل ما تراه خياله
يقترب من الحافة..
وقبل أن تدرك كان قد دفع صبري فوق سطح اللانش الصغير وبدا صوت ارتطام
جسده قوياً مع صرخة أخيرة منه..
حقيرة..
متآمرة..
مثله:
هتروح في ستين داهية.. ما حدش هيسيبك وهي والله لأفضحها!
عينان ملتهبتان في الظلام وشعلة نار ورفع صبري وجهه لا يصدق ما ينتويه
حمزه.. لتحيط النيران بجسده وتتشبث به في أقل من ثانية في تطبيق واقعي
لكذبته ولكن هو من سيحترق!
***************
نيران تشتعل بجسد..
ببساطة..
أحرقه!
كانت تتراجع للخلف في خطوات بطيئة من الذهول, وحمزه صامداً كصخرة صلدة
وقد بدا بعينيه إنعكاس لصورة شيطان تنازع الألم..
لن يقترب منها مجدداً.. لن يكون هناك سبيل..
لم تكن هناك فكرة بعقله سوى ذاك.. وهو يراقب جسد صبري ينتفض من النيران
التي تشبثت به بُغية التهامه..
وتشبث الحقير بالحياة فقذف بنفسه في الماء..
ولم يهتم حمزه بمشاهدة باقي العرض..
استدار ليدير القارب ويرحل..
لمحها بطرف عينيه..
انزوت في الظلام لتجلس على الأرض دون حراك..
عيونها جاحظة في لا شيء وبدت في تلك اللحظة تخشاه..
لم يستدر لها أكثر ولم ينبس بحرف فقط ظل يقود كالصنم طوال طريق العودة..
وعلى المرسى كان واضحاً أن هناك جمع!!..
مَن أخبر مَن؟.. وكيف انتشر الخبر؟.
لا يعلم..
ولكن هناك حشد لا بأس به..
نوايا لا يعلمها إلا الله..
بعضها بها فضول..
وآخرون يبغون اطمئنان.. وهناك من يلهث خلف إثارة بحكاية..
قطب حاجبيه ليجذبها من ذ ا رعها ويخرج وهي جانبه دون مقاومة تُذكر..
حتى الخيالات لشبه بشر لم تكن تراها..
بدت في حالة صدمة تجعل مَن يراها يصدق الأسوء إن أراد..
زفر بضيق جاحظاً لأمين الذي هز رأسه في نفي أن يكون الخبر خرج منه..
وعندها علت غلظة من عجوز على شكل صوت يظن أنه مبالياً:
ينفع كده يا بشمهندس!.. قولنا ده مش مكان لبنات..
استدار له حمزه وقد تأججت عيناه بشعلة الغضب من جديد ليقف دون أن
يتركها وهو يرمق الجميع باحتقار:
فعلاً مش مكان للبنات.. مكان للحقارة بس.. صبري اللي هياكلكم كلكم واحد
واحد طول ما أنتم ساكتين.. ومش بعيد يطمع في مراتك ولا بنتك علشان يجبرك
تبيع يا ريس!
انتفخ الرجل من الغيظ ليصرخ مدافعاً بهجوم:
بناتنا في بيتهم مستورين محدش يقدر يمسهم.
ضحك حمزه باسته زاء ليرفع ذقنه بشموخ وهو يردف بنبرة مظلمة:
الكلب اللي مخوفكم بيغرق محروق..
ثم نظر نحو ليلى بملامح غير مفهومة ليردف وقد توحشت نبرته أكثر:
ومش بنت الريس منصور اللي كلب زي ده يقدر يقرب لها.
ولم ينطق بما هو أكثر ليجذبها نحو سيارته وخلفه أمين دون أن يبالي بأحد..
*******************
كانت تجلس في المقعد الخلفي دون حراك..
انتبهت أنه يحادث فاتن التي فيما يبدو رجعت مسرعة للمنزل واستقبلتهم على
الفور لتأخذها لغرفتها وحمزه يتمتم بتعجل:
نص ساعة.. هاستنى في العربية.
سألته فاتن:
أنا هاجي معاكم؟
استدار رافضاً:
ما فيش داعي.. تعب وهناخد الطريق صد رد.. بس هي لازم تروح النهاردة.
كانت صامتة..
تراقب حديثهما وكأنه عن أخرى..
رغم أن صبري لم يتمكن منها ورغم أن حمزه هو أكثر شخص يعلم هذا إلا أنها
تشعر أنها عارية ولا تعلم لمَ!!
همهمة الجمع آلمتها..
بدا بعضهم وكأنه كان يود البحث عن فضيحة..
وفاتن كانت تبكي وتعتذر لها بطيبة..
تمسد على وجهها.. ذراعها..
تتأكد أنها دون إصابات..
جذبتها فجأة نحو حضنها وصرخت:
عيطي يا ليلى.. حابسة دموعك ليه؟
ارتجفت وهي تهز رأسها بنفي.. بل ابتعدت..
أمسكت فاتن بقبضتيها:
الحمد لله.. ربنا ستر.. أمين قال إن حمزه وصل في الوقت المناسب.
ظلت متجمدة دون تعبير.. تنهدت فاتن بقلة حيلة:
مش عارفة ليه مصمم تروحي الليلة!.. مش عارفة حصله إيه؟!!.. أمين
نفسه مش قادر يكلمه
حينها استقامت بكبرياء لتردف بكلمة واحدة:
أنا جاهزة..
***************************
ظلام الطريق يوازي سكون مؤلم لا يقطعه سوى همهمات من أمين على هاتف
أخذه من أحدهم..
هناك من يطمئن..
هناك من يعتذر..
وهناك من يقول أن صبري في مشفى حكومي يعاني من حروق درجة ثالثة
ولكن لم يمت..
والضابط أصابه الجنون ويحدث الجميع..
والحارس قال أنه لا يعلم شيء, ولكن بشكل ما الأمر انتهى على أن صبري
سرق لانش إنقاذ صغير واحترق به!!
همس أمين باستهزاء:
كلهم دلوقتِ فرحانين في صبري, ومن شوية كل واحد كان عامل قاضي!
لم ينطق حمزه..
كان يرتكز ببصره على عجلة القيادة ويراقب وجهها في مرآته من حين لآخر..
في البداية أغمضت عينيها ولكنه علم أنها ليست نائمة, وفي وسط هروبها ذاك
كانت عيناها تتألم بتعابير لا تحتمل..
وكأنها تتذكر كل لحظة..
صوت آذان الفجر جعله يهديء من سرعته ليلمح مسجد قريب..
نظر نحو أمين ليهمس بإنهاك:
صلي إنت الأول وبعدين إحنا..
وفهم أمين لينسحب بعدما رمقه بنظرة خاصة تقول له..
"اهدأ"
يعلم أمين..
ويفهم أمين..
حمزه انفجر غضباً وحان وقتها هي!!
انتفضت على صوت إغلاق باب السيارة لترفع عينيها وتصطدم به..
عيناه لا ترمش..
فقط ينظر نحوها وكأنه فوق فوهة بركان..
انفرجت شفتيها لتنطق بلاشيء وحينها اخترق صوته أذنيها:
هددك امتى؟
ضاقت حدقتيها في حزن..
هددها نعم..
ومنذ وقت وهي ظنت أن بمقدرتها حماية..
رفعت بصرها مجدداً لتناظره بكبرياء رغم راتجافها:
من ساعة ما وقعت من المركب.
ثم أخفضت بصرها ت ردداً لترفعه مرة آخرى مُكملة:
كان هو..
وحينها انفجر البركان..
عيناه وصوته وملامحه بل كل انفعالته..
ضرب مقود السيارة بعنف ثم استدار نحوها وقد ت ا رقصت بوجهه لهيب نيران:
كل ده!!.. مهددك كل ده وساكتة!
تراجعت في مقعدها بصمت فأكمل هو ص ا رخه:
ليه؟.. أنتِ بتفكري إزاي؟.. أنتِ عارفة إني وصلت لك بمعجزة يا هانم..
معجزة..
انهمرت دموعها من جديد..
أرخى هو رأسه فوق مقعده بتعب ليهمس:
كنتِ هتكسريني يا ليلى..
رفعت صوتها لتتحدث ولكنه أذهلها بنبرة قاسية:
اخرسي!
ضيقت عينيها تود أن تغضب.. تثور.. ترفض..
وتهاجم وتثأر وتدافع..
ولكن كانت بتلك اللحظة أضعف من أي جدال, زفر هو بضيق أخير:
أمين وصل.. يلا انزلي صلي.
و ا رقب خطواتها التي بدت دامعة كعينيها تتوجه نحو المسجد تنشد راحة وربما
آمان.. آمان منه هو فهي كأنها أصبحت تخافه!
وشرد هو كثيراً بعد الصلاة ولا يتذكر عدد سجدات الشكر التي سجدها لأنها
بخير.. لا يتصور أي مكروه قد يصيبها..
بل ثار جنونه وان عليها..
هي فهي كالطفل الذي يخطو دون حساب قسوة خيالات الظلام..
تنهد ببطء ولمح وجهها من خلف زجاج السيارة نائم..
تلك المرة لم يكن هروب كان نوماً بحق..
كانت متعبة ورغماً عنها جدران سيارته آمانها..
لو بإمكانه لجاورها لتستقر فوق صدره لا يبغي منها سوى سكينة النوم..
يحتضنها فقط ليضمن أنها بخير..
يحتضنها للأبد إن استطاع..
أشار لأمين ليجلس مكانه وأرخى رأسه بدوره وان لم ينم ولكن كان كل ما يبغيه
استرخاء..
وشروق الشمس تلاه ضوء صباحي أيقظها قبل الوصول بساعة..
رفعت بصرها لتجده ينظر نحوها وبدا أنه لم ينل من النوم لحظة واحدة..
يتأملها بتعب..
بغضب..
بقلق..
باشتياق..
بحب..
ولا تملك هي كلمات حتى أنها لا تعلم كيف ستفسر لأمها أمر عودتها وماذا
ستقول!
توقفت السيارة أمام المنزل ونزل هو بجاورها يسحب حقيبتها ليحملها عنها
حتى باب الشقة غير مبالي..
توقف بعد أن صعد بضع درجات وكانت تستشعر قوة أنفاسه..
بل ربما جحيمها..
استدار وكان غضبه قد خمد قليلاً ولكنه حادثها بنبرة آمرة:
هتحكي كل حاجة لمامتك..
نظرت نحوه في رفض فبدا حازماً بنظرة واحدة قبل أن يتابع:
ده هيضمن إنها تحبسك شوية!
قطبت حاجبيها لتعترض أخيراً:
ده الحل!.. إني اتحبس؟.. وهارجع امتى من الحبس إن شاء الله؟!!
لم يجبها..
كان يود أن يصفع هذا الرأس العنيد ولكنه للأسف لا يضرب أنثى..
اقترب منها فأجفلها لتبتعد خطوة ناقضة كل قوة واهية تود أن تتشبث بها..
بدت بشفتيه شبه ابتسامة لم تكتمل..
قطعها فرمانه الأخير:
هترجعي وأنتِ مراتي.
**************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن