الفصل التاسع

9.1K 234 2
                                        

أشهد على عصيان..
ولن أغفر لك..
فقد تآمرت عليّ مع أعماقي..
ومنعت التجول في شوراع عمري..
وأعلنت الأحكام العرفية في شبكتي العصبية..
وها أنا أسيرتك!
أركض في دورتك الدموية مكبلة بالسلاسل..
كجدتي الملكة زنوبيا في شوراع روما..
ولن أغفر لك..
وسأعاقبك عقاباً لن تنساه
سأحبك!
غادة السمان
فطيرة سكر!
لا تصدق أن كل ما حدث بدأ مع فطيرة سكر!..
كانت قد استيقظت مبكرة كعادتها, صلَّت الفجر ونامت قليلاً ثم بدأت صباحها
بمقرمشات خبز وكوب دافيء من الشاي بالحليب, عندها ظهرت فاتن من العدم
مشمرة عن أكتافها لتقول بحماس:
نفطر مع بعض يا ليلى..
ابتسمت لها ليلى وتركت ما في يدها لتساعد الم أ رة الطيبة, ولكن فاتن أقعدتها
وتوجهت للمطبخ وحدها وهي تقول بصوتٍ عال:
خلصي الشاي براحتك.. وبعدين أنا هاعجن فطيرة وده تخصصي..
فاتن بارعة بكل ما يخص الطعام وخاصة الفطير والعيش المخبوز بعبقه القروي
الشهي, هي امراة سمينة بعض الشيء وتكن للطعام معزة خاصة وبالتحديد كل
ما هو قريب للسكر حتى أنها تحلي مذاق الشاي بخمس معالق!!.
كانت ليلى تخجل أن ترفض لها دعوة أياً كانت..
شاي مسائي وثرثرة ما.. أو فطيرة فواكه مبتكرة.. خبز طازج تعده لها كشطائر
قبل أن ترحل وكأنها تنقص ابنة رابعة تحمل همها..
وفي هذا الصباح أصرت فاتن على ليلى أن تنهي نصيبها بدلاً من وجبة
الأطفال التي تقتاتها..
وخجلت ليلى أن تخبرها مدى حساسية معدتها لما يزيد من السكر, وغادرت
ليلى بمعدة مضطربة وزادها تيه تحسين الذي أصر على تغيير الوجهة أكثر من
عشر مرات ليحصل على سمك تونا أكبر!..
وبعدما تاه عنهم الطريق وبوصلتها لا تزدها إلا حيرة أصبح تحسين أربع
أشخاص وكان وجه زوجته مهنزًا فقط بثوانٍ قبل أن تفقد الوعي..
إغماءتها لم تستمر كثيرًا..
أحضرت مدام جيهان عطرًا نفاذاً وقاس نبضها طبيب من الضيوف وعادت
لوعيها مسرعة ولكنهم أصروا أن تستريح وليتوقف المركب قليلاً وأخرجوا
طعامهم وبدأوا ببساطة وقت سمر..
رجال مثل تحسين بك هي لا تعرفهم ولا تقترب من أمثاله, وزوجته بمظهرها
المنمق وأظارفها المقلمة بعناية لا تمثل لها سوى ص ورة جمعية خيرية ونادي
مسائي..
ربما تحليلها ساذج مظهري ولكنها لم تختبر مع أمثالهم سواه.
النساء في حيها يضعن ربطة دائمة فوق شعورهن حتى بالمنزل, أظافر أمها
تكسرت منذ الأزل والفتيات تجاربهن مع التبرج شنيعة..
ولهذا تتخلى هي عن كل مظهر يخصه..
جلست بجانبها زوجة الطبيب الذي عالجها منذ قليل وقد تحسست بشرتها
باهتمام. اضطربت ليلى بعض الشيء, فابتسمت المراة لتقول لجيهان زوجة
تحسين بمكر..

بشرتها دي بيدفعوا عندي دم قلبهم بالمركز علشان يطولوها!
غمزت لها جيهان بشقاوة:
الطبيعي يكسب.
نظرت السيدة مرة أخرى نحو ليلى لتحادثها بحميمية:
وأنتِ ليه مسترجلة كده يا ليلى؟.. حد يخبي الجمال ده!
جميلة!
لم يصرح لها الكثيرين من قبل أنها جميلة..
أمها هي أمها ستراها جميلة على الدوام..
وجدي كان يريد فتاة مكافحة وصديقاتها يقولن أنها هادئة الملامح..
ابتعلت ريقها بخجل لتردف:
ما فيش دماغ للشكل والجمال.. المهم الشغل.
نظرت نحوها المراة باهتمام:
وشغل غريب على بنت!
ابتسمت مرة أخرى ولكن بلمحة حزن:
النصيب.
قاطعت جيهان حديثهما في تسلط أنثوي غاضب:

ما فيش شغل للرجالة وغيره للستات.. الست زي الراجل يا بتاعة التجميل!
ليهمس زوجها تحسين بتذمر بعد أن فقد الأمل في صيد ثمين واكتفى بشواء ما
تحصل عليه:
محاضرة حقوق الم أ رة هتبدأ.. منك لله يا حمزه!
ولحسن الحظ لم تسمعه ليلى واستقامت لكي تفكر في الطريق وتعيد المركب,
ولكن كان حمزه على الساحل أسرع ووجدت على الرادار نداء من المرسى
ليستعلم عن بقعتهم..
مرت حوالي ساعتين إلى أن وصلوا..
لم تكن تدرك أنهم ابتعدوا لهذا الحد وأدركت أنها تصرفت بحماقة عندما لمحت
وجه حمزه المكفهر وهو يحادث أحدهم ويربت على كتفه أن الأمر قد حُل ويودع
تحسين باعتذار وحرارة..
أما هي فلم يحادثها ببساطة طلب منها أن تسير خلفه ليوصلها!
هكذا وبجملة نافذة..
ا زعقة دون حق..
تعالي و ا ريا!
جذبت حقيبتها لتلحقه بغضب ولكنها كانت تود سؤاله والإطمئنان..

فلم تكن تبغي مشاكل في بداية عملها مع الضابط المسؤول, سألته بنبرة عالية
ليتوقف:
حصل إيه؟.. الضابط قالك إيه؟
توقف للحظة ليبتسم ابتسامة خاصة هي لم ترها ثم أكمل سيره ليقول بحدة دون
أن يستدير:
هقولك في الطريق.
كانت معترضة على فكرة أن يوصلها ولكن تأخر الوقت لم يساعدها على
الممناعة, سيارته كانت صغيرة الحجم بلون أحمر!
بالطبع سيبتاع لون أحمر هذا المتأنق زير النساء والفتيات وسمكات البحر إن
أمكن!..
قطع شرودها وهو يناديها من داخل سيارته:
يلا يا ستي اركبي.
فتحت باب السيارة لتجاوره بشفتين مزمومتين ويبدو أنها أغلقته بعنف فوضع
يده على قلبه متأثرًا ليصرخ بمزاح:
عربيتي!!.. بالراحة هو كلكم كده؟!
نظرت نحوه باستغراب:
كلنا ايه؟!

أجاب بمنطقية خاصة به:
المصريات.. بترزعوا ليه باب العربية نفسي أفهم!!
رفعت حاجبيها لتنظر نحوه بعدم تصديق ولم تجبه ولكنه لم يبالِ, أكمل:
علشان كده أنا مقاطعهم.. عربيتي الجديدة دي أنتِ أول بنت مصرية تركبها
على فكرة.. شوفتي حظك بقى!
كان يحرك أ رسه بفخر بدا لها بتلك اللحظة خيلاء.. بل عته..
نظرت نحوه بابتسامة صفراء وقالت بهدوء جاهدت من أجله:
معلش يا كابتن حمزه.. احرمني من الحظ ده.
وقربت يدها نحو الباب لتفتحه ولكنه أوقف يدها ليقاطعها بنبرة شبه جادة:
خلاص.. خلينا في المهم.
صمتت ونظرت نحو الطريق فانطلق بالسيارة ليقول بثقة شديدة:
الضابط كان هيعملك مشكلة مع الرخصة بس فوتها علشاني وبشرط..
استدارت نحوه بفضول غير مستريح:
شرط إيه؟
كتم ابتسامته ليقول بجدية أكثر:
ما تطلعيش لوحدك.. ولو مش معايا.. مع حد ثقة ومحترف.
أسندت راسها على المقعد لتكتف ذراعيها دون تعقيب, عثرة تلو آخرى أم هي
من تعاند..
تنهدت ببطء فقطع صمتها بنبرة أجشة:
ليلى..؟..
نعم.
أجابته على الفور بنبرة شاردة تراقب الطريق, نظر نحوها ثم عاد لطريقه وغيَّر
ما ينوى قوله..
كان يريد أن يعتذر لحدته عليها ولكن..
فقط لم ينطقها, بدل لهجته لسؤال آمر:
قوليلي.. تهتوا ازاي؟
عندها انفجرت.. كانت كل ملامحها تتحدث..
عيناها.. وشفتاها.. ويداها.. وحاجباها لا يتوقفان عن الحركة وهي تشرح كيف
أربكها تحسين بطلباته المتكررة من أجل سمكة!
كانت تبدو ممتعة بلذة, داخلها طفلة متذمرة دللها منصور وعلمها الصبر بآن
واحد..
ابتسم بشقاوة قبل أن يقطب حاجبية بجدية ليلومها:

وسمعتِ كلامه ليه؟
وأخرج من داخلها الطفلة وكانت عفوية.. قالت دون تفكير:
ما أنا بسمع كلامك!
وعندها أوقف السيارة على جانب الطريق وقبل المنزل بخطوات معدودة ليقول
لها بمكر منتصر:
تسمعي كلامي أنا بس!
وأتبعها بغمزة من عينيه اليسرى
كان يعرف أنه سيغضبها وكان مستمتع بذلك..
وقبل أن تحطم أ رسه قررت أن تخرج حتى دون شك ا رً أو إلقاء السلام وصفعت
سيارته بقوة فتاة مصرية..
لتتركه متحسرًا.. ضاحكاً.. وزاعقاً بأمر واجب النفاذ:
نمرة تليفونك يا كابتن؟
عادت وهي تزفر دون صبر:
ليه؟
نظر نحوها متصنعاً عدم الاهتمام:
أكيد مش هعاكس يا كابتن.. بس لازم يكون معايا موبايلك لما يكون أمين
مش موجود علشان لو في شغل, ولا خلاص استسلمتِ؟
لم تجبه فقط سحبت من يده الهاتف وسجلت نمرتها وتركته ي ا رقب خطوتها
المتسارعة نحو المنزل
يخط رسالة نصية قصيرة باستفزاز محبب..
"متنسيش تسجلي رقمي.. حمزه"
;)
ولم ينسَ أن يهديها غمزة!..
*********************
هناك مقولة تقول أن الحب عند الرجل أن يأخذ الكثير وعند الم أ رة أن تعطي
بغير حساب.
كانت تجلس بشرود أمام مرآتها, شعرها مرفوع في أناقة واختارت لجيدها قلادة
بلون البندق..
أغمضت عينيها غير مصدقة ما فعلته بالأمس وكيف تسللت مع رقية ليتركا
المزرعة لساعة ابتاعت فيها ما تريد..
أناقة أخرى بصبغة بندقية أيضاً ولكنها لما بعد الحفل!.
كان قد سبقها ليشرف على الترتيبات..
اختار كل شيء بعناية, وبدأ عرض الخيل مبك ا رً فألهب حماس الضيوف..
بدا المصور متحمساً واعداً بأفضل فيلم تروجي قد ينتجه أما من استأجرته
فحتى الآن مختفية!
وصلت إيناس بسيارة حسن ورقية...
كانت ترتدي ثوباً هادئاً بلون كريميراقٍ وجيد أنها ضمت بندقها خلف راسها
والا كان سيعاقبها بشدة على تلك الفتنة الغير مقصودة..
لا تعلم سر انقباضها!..
رغم أن الحفل يبدو على ما يرام ورغم اهتمامه هو بكل التفاصيل ورغم ورغم
ورغم..
شيء ما يزعجها ولا تعرف ماذا؟
انحنت رقية جانب أذنها لتهمس برقة:
مالك يا أنوس.. رجعتِ في كلامك ولا ايه؟
رمقت رقية بحذر ثم نظرت بخجل نحو حسن وكأنه سيفهم مقصد زوجته..
لوت رقية شفتيها في إشارة أنه لا ولن يسمع..
ضحكت إيناس وعادت لتشغل نفسها مع بداية العرض مع عودة زوجها ليجلس
إلى جوارها
كانت البداية مع عرض فيديو عن المزرعة ومميزات المنتجع الذي يقدم لمرتاديه
الطبيعة والهواء النقي وخدمة امتطاء الخيل..
تلا ذلك عرض للخيول المشاركة بمسابقة الفروسية ثم نبذة قصيرة عن صاحب
المكان..
نبذة مكتوبة بعناية..
وصاحبتها غير موجودة..
كان قد لاحظ اختفاء شيرين وأزعجه الأمر..
رتبت كل التفاصيل بشكل ا رئع ثم اختفت..
واختفت الأضواء..
تضائلت بشكل مدروس من أجل تقديم فقرة أخرى..
رداء أحمر ظهر من العدم..
خصر تفننت في تنحيفه ومؤخرة مرسومة بعناية..
ظهر عاري إلا من بعض خيوط رفيعة تشابكت بتسلسل مكرر مثير للعين..
شعر فحمي مموج وحمرة شفاة قرمزية ومرة أخرى درجات الأسود..
فوق عينيها اختارت ليلاً مرواغاً..
الرجل يختلف عن الم أ رة, شاء أم أبى يميل الرجل للجسد..
تخونه عيناه نحو قِدٍّ وخِصر ونَهد..
وفي أفضل الظروف يستغفر ربه ويستدير بعد أن يقتنص نظرة أولى!
وهو رجل لا يخجل ولا يتردد..
ينظر ولا يبالي..
يستمتع بالفاكهة المعروضة ولا يشتهي تذوق!
كانت تمسك بورقة وتبتسم بثقة اكتسبتها من أعين جميع الرجال ومن عطرها
الذي ربما وصل لأنفه رغم أنه على بعد أمتار يجاور جميلته..
جميلة ولكنها باهتة دون حياة ودون لهفة تليق برجل مثله..
نورتونا...
هكذا خرج صوتها واثقاً ليقطع أفكارها بشأنه وزوجته ولو قليلاً..
رمقت ورقتها بابتسامة غامضة ثم ألقتها وقرَّبت شفتيها من المايكروفون
خصتها لتهمس بمكر يحمل حرارة!
من شهرين طلب مني مستر خالد أنظم الحفلة دي.. واللي يعرف مستر خالد
أكيد عارف إن طلباته أوامر.. والحقيقة اللي يشتغل مع مستر خالد لازم ينفذ
أوامره عمياني وقبل ما يطلبها كمان!.
ضحكات خافتة ظهرت بين الجموع ربما عندما تذكروا قسوته بالعمل وهو لم
تتأثر ملامحه فقط رفع أحد حاجبية بنظرة تحمل توعد..
وكأنها تريد شيئاً آخر, فليتوعدها ويعاقبها..
فقط يحضر وستتكفل هي بالباقي!!
ا زدت ابتسامتها مع تنهيدة تكفل بتوزيعها الميكروفون لتُكمل:
النهاردة انا بقدم لكم فرقة جديدة.. الفرقة دي أول مرة تيجي حفل خاص
شغلهم كله على مسارح ودور ثقافة.. أوعدكم بسهرة مميزة جداً جداً على شرف
منتجعنا وشرف مستر خالد لأن أفكاره أوامر.
كانت جملة أخيرة بنظرة عين موازية نحوه بمعاني عدة تحتمل ألف تفسير تحت
م ا رقبة زوجته التي كانت لتوها تفكر كيف ستبدأ معه ما أفسدوه من علاقة..
وكان هو بدوره سيغرق بأفكاره لولا انشغاله بالعرض المسرحي أمامه..
كانت فرقة مميزة بحق..
أبهرته..
قدموا عروضاً مميزة بالنيران ورقصة راقية ألهبت حماس الضيوف أسموها
برقصة الأفعى..
رقصة لم تفهم منها إيناس سوى الأفعى الملتصقة لزوجها دون داع وانتفخ هو
بهرمونات ذكورية حمقاء تحت رعاية مطاردة أنثى!
................
لا ينكر أن احمرارها بجانبه زاد من نشوته..
تغار وتكابر حتى أنها حتى تلك اللحظة تحافظ على ابتسامتها..
توترها يحمل عدة انفعلات يحفظها عن ظهر قلب..
. سبابتها تنقر فوق شفتيها..
. حدقتيها تتجولان بعيداً عنه..
. وأحد خصلاتها تتمرد فتعيدها بتوتر إلى الوراء..
همس دافئ فوق كتفيها نبهها أنه يلاحظ وبابتهاج:
الحفلة مش عاجباكِ؟
أغمضت عينيها لتفكر ببطء ثم استدارت بثبات مصطنع متجاهلة ا رئحة العطر
الصارخة على الجانب الآخر:
لا.. ا زاي!.. ممتازة..
ثم لم تستطع أن تمنع نفسها فنظرت للأفعى بابتسامة صفراء:
مجهود مميز يا مدام شيرين!
قفزت على وجهه ابتسامة جانبية قبل أن يهمس لها بتصحيح ماكر:
آنسة!
لم تتخلَ هي عن ابتسامتها الباردة لترفع حاجبيها في عدم اكت ا رث وتستدير
متابعة للحفل!!
أما الأخرى فقررت أن تأخذ خطوتها التالية وفورًا..
إضاءة خاصة وغمزة من صديقة وشد وجذب وفي النهاية رضخت قبل أن تهديه
نظرة خاصة وعلى مراى زوجته..
*******************
لماذا ترقص!
منذ البداية بل من قبل عصر الجواري والسلاطين وهي تتقن الإغواء برقصة..
تتفنن في خطوة واثنان.. وانحناءة لتضحك وتهمس وتنظر وتهديه متعة
المشاهدة.
كانت الجواري تتهافتن للفوز بليلة من خلال رقصة..
وتوافق الزوجة من أجل رضى السلطان..
لو خيُّر نصف رجال الأرض سيختار الرجل أن يكون سلطاناً..
وهناك امراة تقف على بعد أمتار ترتدي حمرة بظهر عاري وترقص!..
ترقص كي تتوجه سلطاناً.. وملكاً بل وشهريار عصره إن أراد..
فالرقصة له.. والضحكة له.. والميل كل الميل له..
وهو ثابت لا يتحرك ولا ترتجف بوجهه ملامح..
صخرة ولكنها تشاهد..
كل تفصيلة وكل حركة كانت مسجلة بعقله وعيناه..
وعلمت وازدادت ثقة!
عرضها سخي بدأته بإلحاح مفتعل من صديقة ونهته بشبه غمزة من أجله غير
مبالية بشيء سواه..
ألم يشاهد؟!
كان حسن قد أخرج نظارته الخاصة لرؤية أفضل..
وتعالى صفير موظف مشاغب من الخلف..
فركت رقية أصاعبها ولكن حتى هي كانت تشاهد فالعرض كاد يكون نكهة مرة
واحدة بالعمر..
أما إيناس فأغمضت عينيها..
فالمشاهدة تلك ليست ممتعة لها, هي من أجل رجل وهذا الرجل هو زوجها!
استقامت فجأة وعندها نطق بثبات:
ا ريحة فين؟
نظرت نحوه في تحدٍ..
نعم تحدي..
ألا ترقص سكرتيرته من أجله أمام الجميع!..
لم تعقب ورحلت ليشير هو لحسن أن يقوم بإيصالها هي ورقية.
نعم تركها لتعود وحدها وبقي هو بحفل تتويجه..
وكانت الأخرى ت ا رقب من بعيد..
رحلت زوجته وبقى هو..
وعلمت أنه ليس عليها إلا أن تتقن دور العشيقة..
الزوجة تؤلم.. والعشيقة تداوي..
الزوجة ترفض.. والعشيقة تجيب..
الزوجة تهرب.. والعشيقة تريد..
جاورته وعلى وجهها ابتسامة واثقة..
الحفل على وشك الإنتهاء ولا يجوز بعد رقصتها عرض فسيمل الجميع!
استدارت تنظر نحوه..
لا بل تلتهم ملامحه رغم أنه كان ما يزال ينظر نحو المسرح ودون تعبير..
همست بعد وقت:
إيه أ ريك؟
حينها استدار..
أهداها نظرة فسرتها كيفما تشاء خاصة عندما أكمل بنبرة قاطعة:
اسبقيني على مكتبك!
********
عندما تغار المراة ينطلق طوفان..
عاصفة تطيح بالأخضر واليابس فلا تتذكر أي جميل وتصبح كل أفعاله ذنوباً.
النظرة ذنب.. والكلمة كارثة..
والشرود..
"يا لطيف"
كانت تتجول بغرفتها وتود فعلياً خنقه!
يشاهد ويظن نفسه هارون الرشيد غير مبالِ..
يهديها العشق فوق صهوة جواد وينتفخ غروره مع عرض رخيص!..
جلست متهاوية على مقعد زينتها..
الليلة تزينت من أجله..
وضعت تبرج خفيف واختارت أن تتدثر بعبق بندق..
فكرت ألف مرة فيما ستقدمه من كلمات, خدعها خيالها بسيناريو مخالف تماماً
لما يتم..
هي وحدها وهو مع امراة أخرى تريد أن تكون له عشيقة.
**********
والعشيقة كانت بغرفة عملها..
ردائها الملتصق يملؤها ثقة!..
تستند على طاولة جانبية وتراقب الباب في تحفز في انتظاره..
ورغم أنها تعلم أنه لن يستسلم بسهولة إلا أنها رتبت للأمر عدة سيناريوهات
بدورها..
كان هو قد أنهى بحرفية باقي الحفل وودع الضيوف واتفق مع المصور على
موعد تسليم الشريط..
ترك العمال ينهون عملهم وتوجه نحو من تنتظره قبل أن يرمق هاتفه بملامح
غاضبة في رسالة صبيانية من حسن..
تخبره أن زوجته ستودع رقتها الليلة وتستمتع بتقطيع جسده على مائدة
العشاء!
ورغماً عنه ابتسم..
لا يتصورها بهذا الجنون من الغيرة..
حتى مع كارمن فيما سبق كانت غيرتها هادئة لا يصاحبها انفعال.
"فلتفتعلي يا حبيبتي ع ا ركاً ولكن امزجيه من أجلي برشفة لذة"

ولذة أخرى بدت باهتة..
واليوم كرهها..
شيرين أنثى جميلة كانت تهديه باهتمامها متعة خاصة ولكن..
اليوم تمادت وتسببت بشبه فضيحة له أمام عامليه..
موظفة ترقص لمديرها أمام الجميع بحجة واهية..
أي أحمق لم يلحظ هذا..
كانت قبضته مكورة بغضب وهو يدلف لمكتبها واضطربت هي من وجهه ولكنها
قررت أن تتحامق!
ابتسمت لتقترب منه وببحة أردفت:
آسفة.. غصب عني!
لم يتحرك..
كان ثابتاً يضع كلتا يديه في جيبي بنطاله, رمقها بازدراء مقصود وتحكم بنبرة
صوته كي لا يتطور الأمر:
وسطك بيتحرك غصب عنك!
ضيقت عينيها لتقترب أكثر ودون رادع وتلك المرة أمام شفتيه:
ليك أنت بس.

عاد خطوتين إلى الوراء ليبتسم بسخرية لاذعة:
ليا بس يبقى كان لازم نكون لوحدنا مش قدام الناس!
عادت ثقتها..
أي وهم أخبرها أنه غاضب..
بدت بعينيها لهفة وهي تكرر بمكر:
إحنا دلوقتِ لوحدنا..
عرض مباشر من ام أ رة تقدم دون حساب..
والرجل نوعان إما خائف من ورطتها أو مغامر بأحد النساء!
عرض يتمثل في خطوة أولى.. وثالثة.. وخامسة..
ونق ا رت من أصابعها النحيلة فوق ربطة عنقه..
بل تحت ربطة عنقه..
حلَّت عقدة وتسللت بخفة مدروسة لتحل زر قميصه العلوى وهناك تركت
أصابعها فوق دفء تلك الكرة الصغيرة أمام حلقه..
وكان يتنفس..
وبسرعة..
لحظة تخونه فيها قواه..
كان شبه مشلول وهي تجذب يده كي تلتف حول خصرها وتستقر هناك فوق آخر خيوط الرداء العاري علَّه يحلها وترتاح!
فجأة عاد للوراء..
خطوة.. واثنان.. وخمسة..
ابتسمت بثقة عندما ظنت أنه سيتمم إغلاق الباب ولكن..
رفع بصره نحوها ليهدر دون صوت..
مجرد أنفاس سريعة توحي بطوفان غضب هي لم تختبر منه شيئاً..
وفجأة انفجر بصوت لا يبالي:
اطلعي برة!
كانت تتمتم.. تتسائل..
بها صدمة وشبه ثقة فقدتها:
إيه!
رفع عينيه نحوها ليستعر بنبرة أقسى:
اخرجي برة.. ما شوفش وشك هنا تاني.
توحشت عيناها..
بدت أخرى كأنثى ضبع تتأهب لهجوم..
صرخت ببحة:
أنت بتهزر صح!.. بعد كل اللي عملته وعايزة اعمله علشانك؟!
اتسعت حدقتاه لينفجر على مداه:
أنتِ صدقتِ نفسك!!
أنا بحبك وأنت عارف.
كانت هي تصرخ أكثر.. تتحداه وليعلم الجميع
توترت ملامحه ليقترب منها ويجذبها من ذ ا رعها بقسوة تركت آثار أصابع على
بشرتها, همس محذرًا:
ما تتحدنيش يا شيرين.. مش خالد رضوان اللي هتضحك عليه واحدة زيك.
رفرفت أهدابها بتوسل وهي تستدير له دون مقاومة:
أنا مش طالبة أكثر من أكون ليك حتى لو في الظل!
عشيقة..
تعلنها بوضوح بعد أن سئمت من التلميح..
تجولت عيناه فوقها وهو يفكر في الأمر الذي تطور دون أن يحكم خيوطه..
لا أنثى تقترب سوى بإذنه..
وكارمن من قبل جذبها وصرفها بإ رادته ولم تنل من بعده سوى الضياع
ولكن تلك..
فاجرة
هكذا همس لنفسه قبل أن يهديها استه ا زء..
هه..
قالها بازدراء..
ترك ذ ا رعها ليزيحها بعيداً عنه فاصطدمت بحافة مكتبها ولم يشفع لها تأوهها
المصطنع فتم كلماته:
ما شوفش وشك تاني
ورحل..
بنواقيس غضب تدق عقله ويود أن يقتلها..
فقد تهاون ولم يظن أن فجورها سيقوده لتلك مواجهة وخاصة أن مقدمتها كانت
أمام زوجته.
****************
لا تصدق أنها فعلياً كانت تحصي الوقت..
ثوانٍ.. دقائق.
هو غائب لأكثر من خمسة وثلاثون دقيقة..
وهي في الدقيقة الخامسة والعشرون توقفت عن مراقبة النافذة وظلت م ا ربضة
لمقعدها متخذة قناع أنها لا تبالي..
لم تكن تعلم أن فوق أنفها احمرارًا وأن عينيها بها جحوظ خفيف ينبئ عن
غضب.. شعاع عسل بعيداً تلك الليلة عن مغازلته..
إحساس قاتل هذا الذي تختبره..
كانت فعلياً تشعر بنيران تأكل صدرها وقلبها وعقلها في آن واحد وهي تتخيل
إنفراده بتلك المراة..
تقترب.. يتغاضى
سيبتعد..
سيقترب..
ستفقد هي عقلها لا محالة..
وجملة توعدية لأنثى شرقية خالصة.. "صبرك عليا يا خالد"
وتحرك الباب ببطء لينبئ عن مجيئه..
كان وجهه عابساً وكأنها إشارة لها كي لا تنطق!
توجه ببطء لخ ا زنة الملابس يخلع سترته ثم ربطة عنقه والكارثة على وجهه
شرود..
شرود رجل.. وغيرة امراة..
"يا لطيف"
انفجرت فجأة وبنبرة رفيعة صارخة:
أنت بتعمل ايه؟!
نظر نحوها ليوازي عب وسه بدهشة:
بغير هدومي..
لوت شفتيها في استه ا زء لتصرفه بجنون تلبسها الليلة دون سواها:
اتفضل ارجع للهانم اللي كنت معاها.
عندها ترك ربطة عنقه لتسقط أرضاً ولم يبالِ بتبديل باقي ملابسه ليتوجه نحوها
هامساً بغضب مستعر:
في إيه يا إيناس؟!.. وأنا من إمتى بكون مع هوانم!
ابتعدت عنه ورغماً عنها كانت تتعثر في ثوبها الطويل الذي لم تخلعه بدورها..
فقط تخلصت من الحذاء وبقيت رابضة تنتظره..
تنفست ببطء قبل أن تجيبه بنبرة لا تقل غضباً:
من ساعة ما وافقت على المهزلة اللي حصلت من شوية.. ومهزلة ليه!..
واضح إنها كانت عاجباك.

لم يسمح لها بالإبتعاد..
ضغط بطرف حذاءه فوق ذيل فستانها فمنعها من التحرك ليهمس بتنمر لائم:
مين دي اللي كانت عاجباني؟
جذبت ذيل فستانها بعنف وقد ارتجفت عيناها لتستدير بانفعال:
لو كرامة مراتك تهمك كنت وقفتها عند حدها مش تقعد تكمل فرجة..
عند تلك اللحظة تحديدا تجولت فوق شفتيه ابتسامة أثارت جنونها وهو يكرر:
أعتقد مش أنا لوحدي اللي... اتفرجت..
تحركت شفتيها ولكنها لم تنطق..
تفكر بسيء وأسوء وموجع وانتقام..
ردّت بعد تفكير:
بس أنت اللي شجعتها..
عندها تبدلت ملامحه..
غابت الابتسامة اللعوب التي كانت تود مناوشتها, اقترب ليسألها بجدية:
أنتِ شايفة إن أنا السبب؟!
استدارت تتحاشاه لتُكمل بمعاندة:
أيوة أنت السبب..

اقترب منها وكان أكثر هدوءً حتى أن أصابعه بدأت تتجول على ذراعيها ببطء..
يحايلها بطريقة خاصة ترضيه..
أزاحت يده لتبتعد وتهاجمه بقسوة:
إيه فقرة هارون الرشيد خلصت هناك وحنكملها هنا!
ضاقت عيناه وعندها هاجمها بدوره:
إحنا فقرتنا صامتة.. وبقالها كتير يا مدام..
حركت فمها باسته زاء:
وأنت معذور لأي بديل.. بلاش نستبدلها بفقرة غيرة لإني مش هغير يا خالد..
جرحته رغم أنها لم تكن تقصد وكان يعلم, تنفس بقسوة:
منها مستحيل.. لكن مباح إنك تغيري عليا..
ابتعدت عنه لتتوجه نحو النافذة ودون وعي كررت بإص ا رر:
أنا مش بغير يا خالد ومش هغير.. فرَّق بين ده وبين كرامتي..
عندها انفجر.. فعليا انطلق طوفان..
غضب.. حرارة.. صبر وجب نفاذه..
أم صمت وجب قطعه..
وبرغم هذا لم تكن نبرته عالية ولكنها كانت موجعة:

الموضوع كله أنتِ يا إيناس.. أنتِ ما استحملتيش غضبي وقت موت رعد.. ما
استحملتيش موت رعد فقررتِ تصبري نفسك بأسوأ جملة ممكن تختاريها
والمفروض إن ده علشاني.. وقررتِ بعدها تعاقبيني يا إيناس..
بتعاقبيني علشان بعدت.. فقررتِ تبعدي..
سكتت فقررتِ.. تسكتي..
عاد للوراء..
يبتعد وينظر لعينيها اللاتين استدارتا نحوه في هلع..
فزع من طوفان آخر لا تود أن تعمل له حساباً..
هدر بقسوة:
صمتك لغة.. وصمتي لعنة..
صمتك وفاء.. وصمتي خيانة..
صمتك حنان.. وصمتي قسوة..
صمتك حكمة.. وصمتي حماقة..
تنفس ببطء..
أما هي فكانت بلا أنفاس ت ا رقب صندوقه المفتوح أمامها ولأول مرة..
بنبرة أخيرة قال وبشبه بحة:

ببساطة مش من حقي.. لا أغضب, ولا أحزن, ولا أطالبك بحاجة ولا حتى
أخون لإنك يا إيناس ضحيتِ واتجوزتيني وده كفاية قوي!..
وهكذا
انفجر طوفانه الأخير وخرج..
************************
جلست مكانها ولكن على الأرض..
هل أخرجت الوحش أم أغضبت الطفل؟!
لم تواجه الأمر من قبل على هذا النحو رغم أنه كان محقاً..
كانت تواسي نفسها وليس هو..
وقتما ذكرت شريف كانت تصبر حالها لفقدان رعد ففقدته هو..
لم تدرك أنها بدأت تبكي إلا عندما استمعت للنشيج..
وتلك المرة لم تكن تبكي لحالها بل تبكي لأنه يتألم..
ألمه يقتلها ويبدو أنه لا يعلم..
لا يعلم كيف انتفضت لدمائه أول مرة عندما هاجمه الأشقياء رغم أنها لم تكن
عشقته بعد..
عندما صرخ بكارمن فأيقظها الطفل بداخله كي تنتبه!

عندما انطلقت رصاصة كانت ستخطفه منها
ارتعشت..
تفقد خالد الآن وأكثر مما تتصور!..
وتحبه أكثر مما تتصور..
وابتسمت..
وتذكرت رعد.. العصبة..
هو.. وجنونه فوق صهوته أعمى مثله..
فقط ليخبرها أنه يعلم..
ووقتها هربت..
ولكن الليلة لن تهرب..
ولن تسمح له أن يغضب وأن يبتعد وأن يصمت وسحقاً يتقن دور الضحية!
توجهت بخطوات ثابتة.. خلعت ثوب واستبدلته بآخر..
رتبت خصلاتها, لا.. ستنثرها.. اختارت عطره المفضل..
تحركت أناملها برقة فوق رقبتها.. فوق صدرها.. فوق الجرح.
تنهدت ببطء ورمقت الإضاءة الخافتة من النافذة..
هناك بمنفاه الإختياري..
ربما لم يعد ينتظرها..
ربما هو غاضب ليشتاق..
ولكنها ستذهب..
************************
جسدها خريطة..
نعم الم أ رة جسدها خريطة وهي وحدها من تقرر الطريق..
كما قررت طريق يديه فوق ظهرها من ساعة ورفض!
كانت تلقي بملابسها بعبث داخل حقيبة لترحل..
أهكذا سينتهي الأمر؟..
ترحل وحتى قبل أن تنتهي منه وينتهي منها!
يعطيها بادرة رغبة تطفيء جموحها نحوه..
ألم يحتجزها مرة بين ذ ا رعيه؟..
ألم ينظر نحو تلميحاتها بمكر؟
ألم ي ا رقب رقصتها له بشغف؟!
قال بلزاك..

"يستطيع الرجل أن يجمع بين حب ثلاث نساء.. فهناك امراة يحبها.. وامراة
يعبث معها.. وامراة يشكو إليها"
وهي عرضت بوضوح دور العابثة..
ورفض.
تنفست.. ببطء.. بل توعدت.. وتأملت بآخر لحظة ضعف حدثت منذ قليل.
وقررت أن تكون أو لا تكون
و..
توجهت بخطوات ثابتة.. خلعت ثوب واستبدلته بآخر..
ثوبها أشبه بمئزر جاهز للإنزلاق..
عطرها نبيذي اللون..
خصلاتها منثورة..
وزينت شفتيها بحمرة أخرى..
ربما هو ليس بمنزله..
ربما بمعزله الأنيق وربما تعارك مع زوجته بسببها..

خرجت دون خطة معينة..
فقط خطوات تتوجه نحو عزلته وتأمل وجوده!!
************************
يحترق..
لا يحبذ هذا النوع من الإحت ا رق ولكنه لم يجد بُدّاً من لفافة تبغ يحرقها ويحترق
معها..
ممدداً فوق فراشه يفكر بكل شيء ولا شيء..
يشتاق ويريد وغاضبٌ وقاسي ومجروح..
زفر بعمق يود اخراج كل حدث بتلك الليلة من راسه
فقط يود العودة للصباح وفطائر الموز وقُبلتها
ولكن لا سبيل...
وعلى بابه بدأت طرقات..
نبضات أنثوية متقطعة..
أنامل رفيعة..
وهمس صامت ينطق..
"خالد"
*********************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن