الفصل الثامن و العشرون

5.9K 167 0
                                    

هل أخبرتك من قبل أني اخترتك وطن العشق؟
وطن القلب؟
هل أخبرتك أن أحببتك حد الفتنة؟
أنتِ الفتنة
صوتكِ فتنة..
جسدكِ فتنة..
كلكِ فتنة..
هل تعلمين؟.
أنتِ تشبهين ليلة صيفية, وامرأة تغرق دون العالم بسبات..
لا أدري إن كانت أحلامك وردية..
أو رغبة هجرة نحو ممات..
لا أعلم
لا أود
ثوب زرقته.. خطفتني
خصلات.. أسرتني
و...
عفواً ليلتها لو اقتربت أكثر لصارت فضيحة..
"خالد"
مروة جمال
**************
وبليلة لا توازي ليالي, كانت شهرزاد
وكان شهريار
هل تعرف شيئاً عن تمرد الجواري؟..
هل تدرك أن القصر بات دون سلطان؟..
هرب السلطان!
رحل السلطان!
ضاع السلطان!
والنصل اللامع نطق بعنف فوق رقبة سلطان..
خدش.. جرح..
ما الفارق؟
فالستار أُغلِق بانتصار..
واللحظة لم تمكنه التفاتة..
والصدمة تشبه اجتياح قطار!
صَمَتَ مراد.. شَدِ هَ مراد..
تصفيق حاد..
وربحت شهرزاد..
وعلى ضفاف السين.. في ظلمة ما بعد منتصف الليل..
باريس هادئة..
تشبه امرأة حزينة ولكن جميلة.
ترتدي كل الأضواء وتبتاع رغيف خبز لا تنوي التهامه..
وتبتسم للفراغ رغم أنها لم تودعه بأكثر من تلك الابتسامة..
نصب عيناها أربعة مفاتيح..
اللهفة.. ما زالت وتزيد مع الهجران!
الرغبة.. باتت أفلاطونية الهوى, تتلذذ بالحرمان!
الوحشة.. أم ربما تلك الهوة التي ما إن سقطت فيها عاد هو وبمحيطه امرأة
غابت عنها!!
العودة..
المفتاح الأخير.. كان هناك بطرفه المدبب وهوس كل نقطة دماء.
عاد خالد.. فعادت كارمن
رحل خالد ولكن..
بقيت كارمن!!
بونجور مدام..
أربعيني.. قصير.. سمين.. مبهور..
استدارت وكان كثير الكلام..
العرض.. الروعة.. المفاجآة..
الصهباء الفاتنة هي حديث صحف الغد وبعد الغد..
وعرض شهرزاد يطلبه الجمهور..
وهل يقبل شهريار أن يُنحر كل ليلة!!
شفتاها القرمزيتان اجتحاتهما ابتسامة غير عادية..
حتى الآن تتذكر وجه مراد
الصُفرة.. النظرة القاتلة.. المتوعدة.. والخائبة!!
وجنون يطلب نحره كل مساء فوق مسرحها..
سؤال..
ماذا لو بدلنا الأدوار؟.. هل ستنحر الضحية جلادها؟!
نعم.. وبقسوة
ابتسم الرجل.. سأل:
هتوافق شهرزاد؟..
وابتسمت هي..
بسيطرة أنثى تجمع بين البحرا ولنار: - كارمن..
**************
رحلة كانت طويلة.. موحشة
ولكن ما الفرق؟..
فهناك أُناس يختارهم الهم رفيق, يأكلهم أحياء حتى تتكسر عظامهم فلا يُكمل
فينتهي ويرحمهم, ولا يعتقهم لوجه الله..
اعتقني لوجه الله..
كررتها كثي ا رً.. توسلتها, له ولعتمان من قبل ولكن استجداءها لا شيء..
هي لا شيء..
حتى جسدها الذي تركته تحت رحمة رجل مشوه..
لا شيء..
هي كانت وستظل ليست أكثر من وسيلة!
المدينة الساحلية التي رتب قدومها لها لا تشبه الإسكندرية في شيء..
لا تحمل نفس الرائحة ولا تذكرها بصرخات أخوتها الصغار..
النساء شقروات رفيعات بأجساد لا تحمل شائبة والرجال يستقبلونهن بابتسامة
فوق الوجه وقبلة فوق اليد..
خواجات!..
كانت تتمتمها لحالها في سخرية لاذعة..
وتتحرك بخطى ثقيلة نحو رجل رمقها بنظرة تفحصية قبل أن يأمرها باتباعه..
وكان هو تابع بدوره, أحد مخلصي صبري كما فهمت..
أوصلها لغرفة صغيرة مكثت فيها أربعة أيام قبل أن يُسلمها لرجل آخر, فآخر
تحت مسمى فقيرة من بلد مجاور واحتاجت لقمة عيش..
خطة محكمة حتى تصل لوجهتها دون أن احتمال ولو طفيف يربطها بصبري
نهائياً..
حتى الرجل الذي استقبلها من قبل لم ترى وجهه بعد ذلك..
وصلت لامرأة سمراء, حنونة الملامح سألتها بنبرة مُشفقة:
ايه اللي جابك تشتغلي في آخر الدنيا هنا يا بنتي؟!
كانت فاتن قد فوجئت بتلك الصغيرة المتلعثمة وتوصية من شخص طيب دفعها
نحو الفندق الشهير لتساعدها هي أو غيرها..
أي شيء فالفتاة يائسة نحو عمل..
رفضها الفندق بالفعل, وبكت ساعتها بكاءً مريراً, ليس من أجل الوظيفة
الوهمية بل هذا الإحساس الموجع بالقهر
العجز..
أن تشبه الدنيا في دنوها فتوقن أنك لا شيء!
ربتت فاتن فوق كتفها بتنهيدة فمسحت عبراتها بقسوة:
شكراً يا خالة.. شكل ما فيش نصيب.
صمتت فاتن لوهلة بتردد قبل أن ترمقها بتفحص:
أنتِ هربانة من حاجة؟
حركت عينيها المتسعتين لتقول بصدق:
جحيم جوز أمي.
لوت فاتن شفتيها في حسرة:
لا حول ولا قوة إلا بالله.
وبسمة تكرر بصدق ثانٍ:
شيطان.
وبكت وقامت وشكرتها لترحل..
تابعت فاتن الحائرة خطواتها الضعيفة حتى أوقفتها بنداء حاد:
استني.. شوفي يا بنتي المثل بيقول اعمل الخير وارميه البحر, والمصطفى
عليه الصلاة والسلام بيقول "من فرج عن مؤمن كربة من كرب الدنيا فرج الله
عنه كربة من كرب يوم القيامة"
رمقت بسمة بأمل غامض وجهها الذي بدا مضيئاً بتلك اللحظة لتكرر بعفوية:
عليه الصلاة والسلام
تابعت فاتن:
أنا عندي ليكي شغل.. ناس طيبيين قوي ومحتاجين حد هادي كده يساعدهم
في الشغل على المركب.
لمعت عيناها بلهفة..
كما أخبرها صبري..
كما كرر الشيطان..
ستساعدها العجوز السمراء برقة القلب وسلامة النوايا!!
خرجت حشرجة صوتها ضعيفة:
جميلك على راسي من فوق.
وابتسمت وأخبرتها فاتن أن ابتسامتها جميلة بل أنها فتاة جميلة وأنها تذكرها
بشبابها.. بتلك السُمرة التي استحوذت على نصف الجمال..
وضحكت فاتن ضحكة لطفت الأجواء ثم أعطتها كوباً ساخناً من الشاي لتربت
على ظهرها بحنان أم متابعة:
اشربي الشاي وافطري معايا.. وهنروح عند حبيبة قلبي من جوه وأول ما
تشوفيها هتحبيها زيي بالضبط.
رجفة بسيطة اجتاحتها..
هي تتحدث عن تلك المرأة, تلك التي يخطط لها صبري بشاعة انتقام..
يهذي باسمها وآخر مع توعد وسباب.. ويأن جسدها هي تحت وطأة غضبه من
أُناس لا تعرفهم لتكفر ذنب هؤلاء دون ذنب!!
تصلبت قبضتها على الكوب الساخن وتلونت ملامحها بصبغة حقد أسقته لها
لعنة الدميم لتستفيق على صوت فاتن التي انشغلت بطحينها وخبيزها وهي
تُكمل:
هوديكي عند ليلى..
***************** في جميع قصص الحب يخبرونك أن الزواج هو النهاية السعيدة..
وهناك فقط من يكتفي بكلمة النهاية..
المساء, الزفاف.. والقبلة!
ولكن لا توجد بأي عالم نهاية مغلقة حتى وان كان افتراضي..
فالنهاية هي بداية أخرى نحو شيء أكبر وربما أكثر جدلاً..
وقالوا أن الزواج هو نهاية الرجل وبداية المرأة..
فهو يودع مغامراته ونزواته ويغامر بحريته من أجل اشتياق نحو امرأة واحدة..
والمرأة تختبر تفاصيل غريبة عليها مع رجل غريب..
فعليها أن تعتاد لمسته.. نبرة صوته..
وأن تودع خجلها أمامه فهو بشكل ما أصبح كل شيء ويريد كل شيء.
وبصباح ما.. خرجت من دورة المياه صارخة بعد محاولة فاشلة لأخذ حمام
صباحي..
صرصور أم ربما شيء طائر آخر هي لم تفكر..
فقط جذبت منشفة صغيرة لتهرع حتى قبل أن تحكم اغلاقها..
وضحك حد الدمع وطرد الصرصور شر طردة بعد أن شكره بحرارة على تلك
اللفتة الصباحية الكريمة.
وبعد وقت كانا يتناولان الإفطار..
بعض الشطائر مع كوبين من الشاي بالحليب..
ابتسم وهو يقرب فمه من شطريتها ليأخذ قضمة تلو أخرى فتذمرت لتبعدها
بمشاكسة:
هتجري ورايا
فهمس هو بحرارة:
أكتر من كده!!
هل أخبروه من قبل أن هناك امرأة يدخرها له القدر ستهديه تلك سعادة؟..
لو أخبروه ما اقترب من إيناس..
ما مقت خالد وما استسلم لكارمن وما أحرق المزرعة, بل كان قد وفر كل
جهده ليحرق من أجل عينيها الأخضر واليابس..
ليس عينيها فقط.. بل تلك الخصلة النافرة فوق مقدمة وجهها وشفتيها
الورديتين وباطن ساقها الشبيه بسطح البلور..
من قال أن الزواج نهاية الرجل؟!
هو بدوره يعيش معها تفاصيل
تفاصيل خاصة جداً..
وأخرجه صوتها من دوامة أفكاره:
الساعة 8 اتأخرنا..
وكانت محقة.. ونشيطة ومنفعلة حد البهجة, حتى أنه طلب قبلة ليتركها لترتدي
ملابسها فأهدته الكثير..
واحدة واثنان وعشرة!
وليس أكثر..
فهي كانت في لهفة نحو شيء آخر..
البحر
القارب
منصور..
أبوها الذي تستشعر روحه مع كل قطعة بهذا المركب..
يداها اللتان ارتجفتا على عجلة القيادة..
ابتسامة حمزه وتشجيعه المشاكس وبأعلى صوت ممكن:
يلا يا كابتن.. هنمشي بسرعة النملة ولا إيه!
والنبرة كانت خشنة.. قاسية!
والابتسامة تلتها في مكر يخبرها سأدللك فيما بعد..
وضحكت غير مصدقة ولولا ظهور فوج بقيادة شقراء شمطاء لاكتملت
الضحكة..
تحييه بحرارة وترتدي بيكيني ساخن بلون المشمش وترقص دون موسيقى
وابتسم هو بأريحية ثم توجه لتحية باقي الفوج والاطمئنان على معداته.
يستدير نحوها.. ينادي.. بزعيق آخر وكأنها لا تسمعه..
لا تراه وتلك الملتصقة به وكأنه لم يتزوج
يلا يا ليلى.. نتحرك بقى
واستدار ليكمل عمله ويحادث تلك ال"إلجا" بكل بساطة بل يضحك على شيء ما
أخبرته به في أريحية تامة
تغار؟؟..
لا..
لن تغار..
بالطبع لا تغار
بل تغار.
عدلت خصلاتها.. وقطبت حاجبيها لتهمس بتوعد وهي تزيد من سرعتها:
ماشي.. هوريك يا حمزه.
وقبل أن يتحرك القارب ظهرت أخرى..
سمراء..
تتعثر في ثياب متواضعة وتتبع المرأة الطيبة في سكون..
تغاضت ليلى عن كل شيء وتوجهت نحو فاتن باحتضان قوي:
وحشتيني..
وحشتيني يا أجمل عروسة..
وبعد هذا, الكلمات مقتضبة وكان حمزه يراقب من وسط جمعه لا يفهم..
ما سر تلك الفتاة العائدة مع زوجته؟.. وماذا أخبرتها فاتن؟؟
بل ربما منصور من قبل ماذا علمها!
"اعمل الخير وارميه البحر"
وكان خيراً في غير محله!!
***************
ألحت عليها رقية كثيراً في البقاء ولكنها لم تحتمل..
لا تعرف هل ما تشعر بها هو مجرد إجهاد جسدي وارد لمن مثلها من الحوامل
أم هو إجهاد نفسي اقتات عليها من كثرة الأفكار؟..
لقد حادثها مرتين منذ أن صرخت بوجهه محذرة بالهاتف..
كان سريعاً وغامضاً ولم يخبرها بأي تفاصيل, فقط يكرر أن الأمور ستكون
بخير وأنه بصدد العودة..
متى؟..
لم يحدد
سألته عن كارمن..
لم يخبرها أي تفاصيل
بعد أن اطفئوا شمعات الصغير خالد وانشغل الأطفال بالحلوى والهدايا اعتذرت
من رقية لترحل تاركة الصغيرة تميمة لتمرح مع الأولاد وطمأنتها رقية أنها
ستعيدها بنفسها بعد الحفل.
تشعر أن الصداع لم يغادرها منذ الأمس وارتشفت قهوة داكنة رغم أنها تؤلم
معدتها مع الحمل وشعرت بضيق أنفاسها فخرجت نحو الحديقة تستنشق بعض
الهواء..
حسناً.. لا ترتدي الأزرق!
دخل بعد ساعات سفر طويلة ولم يكن يتوقع وجودها بالمنزل فهو يعلم أن
الليلة حفلة عيد مولد خالد..
كان ينوي أن يفاجئها هي وتميمة عند عودتهما خاصة أنه ابتاع لتميمة
مجموعة هائلة من تلك العرائس الصغيرة التي تفضلها..
وهي..
ها هي الآن توليه ظهرها مرتدية ثوباً قصيراً يصل حتى منتصف فخديها بلون
كريمي هاديء لا يزينه شيء سوى وردات بنية لامعة في نصفه العلوي
ويتطاير قماشه الانسيابي برقة تشبهها مع كل نسمة هواء قاسية..
يتطاير بقسوة لن يحتملها هو..
لقد افتقدها حقاً ويعلم أنه أقلقها وأثار غضبها ولكن لم يشأ أن يشتت عقلها
بتفاصيل هو نفسه لم يستوعب جميعها حتى الآن..
ولكن تبقى النهاية هي الأكثر منطقية..
كارمن أغلقت الدائرة مثله..
والأكثر جنوناً..
كارمن ما زالت متمسكه بعشقه!!
حسناً سيتغاضى عن الجزء الثاني من تلك النهاية والا ستمزقه إرباً صاحبة
البندق!. ابتسم بمكر يقترب وكانت هي تتنهد بصوت مسموع عندما هاجمتها
نبرته خشنة:
أنتِ حلوة كده بسبب الحمل ولا بسبب السفر!
مع صوته استدارت فجأة ورغم أن عينيها كانت مترقرقة بالدموع إلا أنها كانت
تبدو خلَّابة بمعنى الكلمة..
شعرها تناثر حول وجهها وبشرتها صافية بحمرة اجتاحتها بثورة حضوره,
شفتيها هادئتين بلونهما الطبيعي دون أي حمرة وأنفاسها سريعة..
سريعة جداً..
قريبة جداً..
لقد اندفعت نحوه في لحظة تحتضنه بقوةٍ اشتاقته..
تهمس..
تلومه..
تبكي..
وتضرب كتفيه:
مش مسامحاك يا خالد رضوان.. مش مسامحاك أبداً!
ملس بقبضته فوق رأسها ليبتسم بعدها بشقاوة:
ليه بس؟.. منا وصلت سليم أهو!!
ابتعدت عنه لحظة ترمقه بغيظ..
عيناها تلمع بنقاء عسلي مُهلك ولم يكن هو مبتسماً ولا ساخراً ولا مشاكساً
بل..
لم يكن لديها وقت للتفكير..
اجتاح شفتيها في لحظة شوق..
لحظة عشق..
لحظة احتياج..
سرقت أنفاسها من وسط شغفه وارتجفت شفتيها:
ما تبعدش تاني.
كانت قبضتاه تحيط بوجهها في تملك لا يمنحها فرصة لابتعاد..
همس فوق شفتيها بصوت أجش:
وحشتيني..
ثم جذبها بقبلة أخرى.. ربما أكثر قسوة..
ربما يودع ماضي استدعته كارمن في الأيام الفائتة..
ظُلمة يودها أن تنقشع..
بأس يتغذى عليه قبل أي أحد آخر..
نكهة لاذعة سينهي عليها بمذاقه المفضل من البندق.
أحاطت رقبته بذراعيها..
همست بحبه.. همست لتعطي.. لتمنح..
لتغدق بحنان امرأة تفهم بفطرة ناعمة معنى الإحتواء.
******************
واحد.. اثنان.. ثلاثة
وشمع ينطفأ.. تصفيق حاد.. تهنئة.. وقُبلة فوق الخد..
كان يمسك بالكاميرا الرقمية ويقف أمامهما لالتقاط صورة تذكارية..
خالد يبتسم أمام كعكته التي أعدتها له أمه خصيصاً وعلى شكل جيتار!!
لقد أخذت منها الكثير من الجهد بل أنها تعد لهم نموج مصغر منها منذ ثلاث
أشهر حتى وصلت أخيراً لتلك النتيجة المرضية..
تميمة كانت تبدو رقيقة كعادتها مثل قطعة حلوى بفستانها الوردي الذي
ابتاعته لها إيناس خصيصاً في تلك المناسبة..
ومحمود.. محمود كان يقف منزوياً على جانب الصورة يرمق خالد وفرحته
بنظرة ضائعة!
أم ربما متمنية.. ولكن هو لا يتمنى كعكة ولا حفل..
بل أمومة.
وضع حسن الكاميرا فوق الطاولة وآثر أن يترك كل شيء وينفرد بجلسة
تدخين..
لم يعد له طاقة بمهاجمة رقية من جديد, عراك آخر يقطع أنفاسه من أجل
مساواة هي غير قادرة على تقديمها..
زفر بضيق وهو يستدير لمراقبة الحفل من بعيد, كل شيء مرتب.. مثالي
لأقصى درجة..
حقاً رقية هي الأم المثالية ولكن فقط لخالد.
بعد حوالي ساعتين كان الجميع قد غادروا إلى منازلهم..
تميمة غفت على إحدى الأرائك تراقب التلفاز ودخل خالد لغرفته لترتيب ألعابه
وهداياه الثمينة التي حصل عليها الليلة, أما محمود فقد وقف يراقب النافذة ثم
دخل الغرفة بعد أن طلب منه أخوه مساعدته..
رمق ابنه الأكبر بصمت ثم انتبه لصوت رقية وهي تقول بنبرة هادئة:
حسن.. تميمة نامت.. أخليها تبات هنا ولا أوديها نايمة لمامتها؟
فرك جبهته ثم جذب حبة مسكن من أجل صداع حاد ليتجرع خلفها المياه وهو
يقول بلا مبالاة:
أي حاجة يا رقية.. كلمي مامتها وشوفي..
ملست برقة فوق شعر الصغيرة وتابعت:
هاشوف إيناس..
ثم همست جانب أذنها بنبرة مبتهجة:
يا ترى يا تميمة هيجيلك أخت سكرة زيك كده ولا أخ عفريت يطلع عينك!
نظر نحوها بغموض ليردف هو بنبرة قاسية:
وأنتِ يا رقية.. مش عايزة أخ لخالد؟
خطف بصرها..
استقامت تنظر نحوه بحزن, لتتابع بصوت انقلبت ملامحه تماماً:
ما أنت عارف إنه مش بالساهل.
وحينها استقام هو ليجيب بنبرة أكثر حدة:
أنتِ عارفة إن خالد فعلاً عنده أخ يا رقية!
وحينها قطع حديثهما صوت ارتطام قوي ثم صرخة..
انطلقت تتعثر في الأثاث لتجد خالد ممدداً على الأرض وبجانبه رفان خشبيان
قد سقطا بما يحملا من ألعاب فوق أرضية الغرفة..
تناثرت الأشياء حول الصغير وكان هو يمسك رأسه في بكاء يذيب القلب..
شهقت رقية بحدة لتنزل على ركبيتها ثم عدلت من جسد خالد لتطمئن عليه ثم
توجهت بنظرها نحو محمود الواقف بأحد الجوانب في صمت لتصرخ دون وعي:
ليه كده يا محمود؟!..
وحينها فقط خرجت صرخة أقوى:
رقية!!
كان حسن قد وصل خلفها..
الألعاب على ما يبدو قد تكسرت تماماً وكان من الواضح أن الرفوف الخشبية
سقطت بما عليها..
أما كيف حدث الأمر لا أحد يعلم!!
فخالد يبكي ومحمود صامت وكرسي خشبي صغير كان يقف خالد فوقه ملقى
بجانب الفوضى..
استدار حسن نحو محمود لينطق بغضب مكتوم:
حصل ايه يا محمود؟.. هو وقع إزاي؟
غضب مكتوم..
ليس على ابنه وربما ليس على رقية بقدر ما هو غضب على ما يحدث..
سيظل هكذا دوماً محمود هو المتهم الأول حتى وان كان السبب حاجز خشبي
غير متزن..
ومحمود لا يجيب..
صامت تماماً كما الصخر وكأنه يشجع كل اتهام!
انطق.. هو وقع ازاي؟
وكان سؤال حسن الثاني أكثر حدة, ليجيبه الصغير بكل هدوء وبكل تحدي
ممكن:
أنا اللي وقعته!.
واحد.. اثنان.. ثلاثة
انطفأت الشمعات, وتكسرت الهدايا..
تصفيق حاد ولكن ليس لأحد.
فليس لدينا مذنب!
كان يثق أن محمود لم يفعلها ويستشيط غضباً لاعترافه..
أم ربما لتلك الابتسامة الساخرة التي رمقه بها هو ورقية قبل أن يتوجه للنوم..
لتلك النظرة الحاقدة نحو أخيه..
لهذا الاعتراف الغير مبالٍ..
لهذا الاعتياد الغامض على الحرمان.
الساعة تدق.. دقيقة.. اثنان.. ثلاثة..
الثانية عشر مساءً..
ودقات باب بأسوء توقيت ممكن أن يحدث أم ربما الأفضل..
توجه نحو الزائر الغامض ليفرك جبهته من جديد مع صداع غير منتهي..
وهي تبدو كما كانت..
حقود النظرة بملابس ربما أكثر ثمناً وحلي ارتدت جميعه عن قصد ونبرة راضية
جداً تنطق اسمه
إزيك يا حسن!
وهو يواجهها بصوت مشدوه تماماً:
سهام!!
*************


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن