الفصل الثلاثون و الاخير

7.9K 191 6
                                    

اليتم وحش يا ست..
أنا مش هاسيبك يا بسمة..
كانت تنظر نحوها بجمود..
تتذكر آخر كلمات وعدتها بها بل لتوها تُدرك أن ليلى مجرد آخرى يتيمة مثلها..
الهاتف لا يتوقف عن الرنين..
كان هو يلهث ويزبد ويرعد ويسُّب بكل أنواع الحروف التي تفقهها..
أغمضت عينيها لترتعش ككل بل وتصلبت كل ملامحها.
تُباغتها دمعة.. اثنتان.. ثلاثة..
لا!!
نطقتها بحدة وهي تجفف عبراتها بظهر يديها وتتحاشى النظر نحو جسد ليلى
المرتخي باستسلام تام
بثقة..
الهاتف عاد للرنين مرة أخرى
سيسبها من جديد..
سيصرخ ويضرب ويركل وترتعش هي فزعاً لتنفذ في طاعة البهائم!!
هو كما عتمان.. كما غيره
"بسمة ما تزعليش"
كان صوت ليلى يأتي من عقلها..
بحنو لم تختبره.. بابتسامة صادقة
رنين آخر وسباب آخر..
فركت جبهتها في يأس لتحرك أ رسها في هيستريا ودموعها تنوي انهمارا وفي النهاية جذبت هاتف ليلى بعنف لتحادث رقم واحد..
رجل واحد يبدو أن هناك امرأة تستحقه..
"إلحق الست ليلى"
وأغلقت الهاتف!!
******************
غرفة منزوية بأحد المناطق العشوائية البنيان..
رجل مشوه يجوب المكان في عصبية مخيفة.. وسمراء رقيقة متعثرة في
ملابسها تُعدِّل من وشاحها قبل أن تدلف إليه.
توقدت عيناه حينما لمحها وحيدة, شرارة غضب تبدو مفزعة وسط تعرجات
وجهه القبيح..
رفعت رأسها لتدخل وتغلق خلفها الباب وبكل هدوء..
ضم قبضتيه في شراسة ليهذر باستشاطة:
جاية لوحدك يا بنت ال..
سباب آخر.. ومهانة تتكرر, صفعة وركلة وفي النهاية بصق!
وهي كانت تلوم ليلى!!
كانت تستقبل ضرباته دون أن تنطق.. وكأنها تتركه ليفجر شحنة غضبه علها
تموت وتنتهي ويهلك..
وجهها بات متورماً وانبثقت من أنفها وفمها الدماء, شعرها تناثر وتمزقت أكمام
عباءتها الرثَّة.
وفجأة من وسط العاصفة خرج صوتها متحدياً وكانت سعيدة:
مش هتقدر تقربلها
وملامحه حينها أهدتها نشوة, وكأنها جرعة مكثفة من مخدر ممنوع أسقط كل
مفاهيم الألم.
كررتها وبضحكة هستيرية:
هتموت بِغلَّك يا صبري
لم يشعر بنفسه إلا وهو يضرب رأسها في الطاولة..
مرة تلو أخرى وأخرى..
وسباب آخر
يتوعد ويؤذي حد الموت!
كانت تنتهي.. كانت تود الرحيل.. كانت تستمع لهذره من وسط دماء:
وهاجيبها بطريقتي.. غلطتي إني اعتمدت على...... زيك!
ولم يؤلمها السُباب حد ما آلمها التوعد, لأخرى عاملتها كبشر ولأول مرة.
الدماء.. الصرخة..
السكين الذي بدا لها ولغيرها ملاذ.
دور البطولة الذي سينتهي خلف القضبان
وكانت سعيدة!!
الطعنة.. تلو أخرى.. وأخرى..
لشيطان يستحق ما فوق النيران
والنهاية دوما تأتي من هؤلاء من أسقيناهم من البأس أنهاراً فانبثق من شقوق
عذابهم كفيضان.
صمت.. توقف كل الشيء.. السباب والركل وأنفاسه.
وهناك بمنزل آخر اختبرت فيه الحياة كان يقف أمام جسدها بوجه مصفر..
تستفيق هي ويخبره أمين بآخر مستجدات من اتصلت به وقلبت صباحه رأساً
على عقب حتى أنه كاد أن ينقلب بسيارته وهو يأكل الطريق ليصل نحو
المنزل.
والأسوء ما علمه مع استفاقتها
بسمة قتلت صبري
بسمة تعرف صبري.
******************
كانت ترى ملامحه من بين ظلال ولا تدرك فعلياً ما يحدث..
وهو..
هو بمجرد أن فتحت عينيها بدأ في الصراخ..
أغلبه لا تفهمه ولكن هي تسمع حروف غير مطمئنة على الإطلاق.
بسمة.. صبري..
نظرت نحوه في صدمة:
بسمة!
كان هو يتحرك أمامها في عشوائية ورأسه مشتعل حد الغليان, استدار لها فجأة
ليصرخ وقد بدا بعينيه شرار:
خدرتك يا هانم.. فاهمة يعني إيه خدرتك؟.. فاهمة كان ممكن يحصل ايه؟!..
تاني!!
تسارعت أنفاسها ورفعت أناملها تمسك بصدغيها..
عيناها غامت وتجمدت بمقلتيها دموع..
بسمة كانت..
قطع هو أفكارها بصراخ آخر:
أنا مش عارف أفكر.. مش قادر أفهم!.. وهي كلمتني ليه؟.. كان نيتهم ايه؟..
ثم ضرب كفه بقسوة فوق المائدة:
خدرتك إزاي؟.. دخلتيها إمتى؟.. ولا أنتِ خرجتي معاها في حتة؟.. انطقي!
وكانت الأخيرة مرعبة لتتحدث هي على الفور علها تطمئن طوفانه:
ما خرجتش.. هي جات تترجاني أخليها في الشغل بس.. وأنا عملت لينا
عصير ووعدتها أساعدها
وتحشرج صوتها في النفس الأخير..
كانت تبكي بحدة حتى أن جسدها كله كان يرتعش..
لولا أنها تبدو طبيعية دون أن يمسها أحد لكان جنونه قد وصل حد القتل تلك
المرة.
رفعت بصرها نحوه لا تفهم وحينها تحدث هو بجمود قبل أن يتركها ويرحل:
بسمة قتلت صبري.
****************
الصدمات في حينها مضطربة.. تبدو كحلم مشوش يفسر أسوء خيال, ولكن
بعدها يحاسبنا الواقع!
ربما مرت عشرة أيام أو أكثر..
لاحظت أنها لم تعد تكترث بالمواعيد, حتى العمل لم تسأل بشأنه.
فاتن كانت تنقل لها الأخبار بندم..
خطة الحقير باتت الآن معلومة ويبدو من اتخذها سلاحه هي من أوقفتها..
ليلى باتت تفهم كل شيء من خطاب متعرج الخط تركته بسمة..
الخطاب لم تجده سوى بعد يومين من الحادث مكتوب بعُجالة وبخط مبتديء
فوق ورقة مُجعدَّة
"شكرًا يا ست ليلى.. شكراً على كل حاجة.. وسامحيني بس وعد أنا اللي مش
هاخلي حد يإذيكي"
كلمات بسيطة تفسر كل شيء أم ربما تفسر جملة ما قالها لها رجل عجوز
"اعمل الخير وارميه البحر"
وكان هو يتجاهلها منذ وقتها..
غاضب ويلوم ويخاف وبفكر في أشياء لا تعلمها..
وربما حين الغضب يجب أن نتحاشى المواجهة ولكن ليست ليلى!
كان يجلس على الطاولة منفرداً يتناول طعامه بينما يتفحص جريدة حينما
ظهرت هي أمامه لتتحدث ليس بطلب وانما بقرار:
أنا هاروح أزور بسمة!
لم يجبها.. بقي يتفحص الجريدة متجاهلها تماماً..
زفرت ببطء ثم تابعت بتوكيد:
حمزه.. أنا هاروح أزور بسمة.
مضغ ما تبقى من طعامه لينظر نحوها بسخرية:
ده بتسأليني ولا بتبلغيني؟
زفرت هي تلك المرة بيأس:
حمزه مش هينفع كده.. الأسلوب ده مش هينفع.
رمقها هو بغضب:
بس الاستهتار ينفع!
ضيقت عينيها في غير احتمال لملامة جديدة ولكنه لم يتوقف بلزاد وبقسوة:
متخيلة كان هيحصل إيه لو كانت نفذت؟.. أنتِ كُنتِ تحت رحمة قرارها يا هانم
وبعدها بدقايق كُنتِ هتبقي تحت رحمته.
ثم نهض فجأة ليقترب منها وقد جذبها من ذراعها نحوه ضاغطاً عليه بقسوة:
مراتي أنا كانت هتبقى تحت رحمة راجل تاني.
من وسط غضبه لم يشعر بقسوة أنامله, ولا بمحاولتها اليائسة للتملص منها,
ولا بصوتها المبحوح وهي تأن حتى همست بوجع:
حمزه!!...
تركها فلمح احمرارًا فوق ذ ا رعها وقبضته تخبره أنه آلمها..
تراجع وقد فرك فروة رأسه في تعب وحينها اقتربت هي منه وقد تحشرجت
نبرتها:
أنا كل يوم بفكر.. كل يوم بعيط في الحمام علشان أنت ما تسمعنيش.. ومش
بفكر في نفسي قد ما بفكر فيك أنت.. كانوا هيدبحوك بيا وكانوا هيدبحوني
بيك.. وأنا برده اللي آمنت لكن ربنا نجاني تاني.. عارف ليه؟
نظر نحوها دون جواب فأكملت:
علشان أبويا عمره ما أذى حد.. زرع خير والخير اترد فيا وأنت جزء من الخير
ده يا حمزه.
وتوقفت الكلمات لتبكي بشدة.. بضعف لم يلمحه بها من قبل..
جذب رأسها لصدره ليملس فوقها بقبلات رقيقة لم يمتلك حينها سواها
ثم همس بصوت أكثر رقة:
عايزة تزوريها ليه؟
مسحت عبراتها وهي تجيبه:
تفتكر ليه!.. هي رغم كل شيء أنقذتني.
أسند ذقنه فوق رأسها وقد بدأ دون وعي يُدَلِّك ذراعها بموضع ضغطته ليوافقها
وعقله يفكر في أمر آخر..
أمر لم يكن يتصور حدوثه.
********************
حينما ندهت امرأة غليظة الصوت باسمها تحركت بديناميكة نحو الغرفة
المطلوبة والجملة مكررة..
"زيارة!"
هناك أناس لا تعرفهم أتوا ورحلوا..
أحدهم محامي ما وكلته لها المحكمة..
وفي المرة السابقة كانت أمها!
تبكي وتولول وتخبرها أنه كان من الأفضل لو رحلت معها وعتمان..
وبدا الصراخ حينها دون جدوى فضحكت..
ضحكت حتى أدمعت عيناها..
وكانت تبدو جميلة, جلباب أبيض واسع ووشاح من نفس اللون, خصلاتها
مشذبة تحته ووجهها صافٍ..
بل أنهم أخبروها أنها تأكل جيداً ومقولة ساخرة تتردد بين الجدران أن السجن
يزيد من وزن النساء!
حينما جلست أمامها ابتسمت فجأة وبوهج:
ست ليلى!
دمعت عينا ليلى لتجد نفسها تُمسك بيد بسمة فجذبت الثانية يدها:
جاية ليه؟
توترت شفتا ليلى لتتمتم بحيرة:
بسمة..
هوت بسمة رأسها:
خلاص يا ست ليلى أنا ريحتك منه
ثم رفعت سبابتها التي بدت مرتعشة:
بس أنا نبهتك أهو مش كل البحر بيجيب خير.. أوقات بيجيب بلاوي يا ست
لتبتسم بعدها وتضيف بسخرية مريرة:
وأنا مش هكون موجودة أساعدك المرة الجاية.
تأملتها ليلى بعبرات متجمدة لتحادثها بعدها بنبرة حانية:
بسمة.. صبري مات خلاص.
حركت بسمة كلتا يديها لتؤكد في بديهية:
عارفة والله.. أنا قتلته كويس.. سقاني المر يا ست وقلت لأمي ما صدقتنيش
وهربت كتير والحكومة رجعتني.
ثم انهمرت عبراتها لتشهق من بين الكلمات:
تعبت والله..
لتمسحها بعدها على الفور بعنف:
بس خلاص عتمان مات
شعرت ليلى بتيه..
بل هذيان طفلة وبدا ما بين السطور مفهوماً بألم:
قربت أناملها منها لتملس ببطء فوق وجهها:
خلاص يا حبيبتي محدش هيأذيكي تاني.
وتضحك بسمة بصدق وبملامح غريبة:
خلاص!
ثم ارتمت في حضن ليلى التي شددت من احتضانها بدورها وحينها قالت بسمة
بتوسل:
أنتِ مش زعلانة مني؟
همست ليلى:
لا يا بسمة.
ثم رفعت بسمة رأسها لتنطق بصوت بات خشن:
هتفتكريني لما أموت؟
تجمدت الكلمات في حلق ليلى فكررت بسمة:
هيعدموني.. علشان صبري!!
وضحكت مرة أخرى..
رنة ضحكتها كصفعات.. فوق صفحات.
صفحات حياة تُسطر كل يوم عن بسمة ومثلها كثيرات يبقى الاختيار واحد من
اثنين
خضوع أم قانون غاب!
وخرجت ليلى تائهة.. في أذنيها هذا الناقوس.
حكمت المحكمة
فقد تضيع بسمة أم هي ربما بكل الأحوال ضائعة.
***************
ليلى..
كانت توليه ظهرها..
تتأمل البحر وقارب منصور, حدث الكثير منذ اختارت المجيء لتقضي ليلتها
الأولى في هذا القارب ويجدها حمزه!
ليلى؟
كررها لتستدير نحوه وما زالت في شرود..
بسمة.. طمأنهما المحامي الذي وكَّلاه بشأنها, بل أجزم أن الأمر لن يتعدى
بضعة أشهر في مشفى نفسي لتخرج بعدها..
تخرج لغاب جديد!!
تنهدت ببطء ودمعة مجددة تهطل مع اقترابه, ملَّس فوق وجنتها بسبابته
ليهمس هو بصوت أجش:
كفاية دموع..
أسندت رأسها فوق كتفيه فضمها نحوه أكثر, كان هواء البحر يضرب صدره
فأخذ من ا رئحته نفساً عميقاً ثم أردف وهو ينظر مثلها للبحر:
ما تيجي أحكي لك حكاية!
أغمضت عينيها في استرخاء:
حكاية إيه؟
مرت فوق شفتيه ابتسامة ساخرة ليُكمل:
حكاية واحد ما كنش فارس ولا فتى أحلام.. حكاية كنت فاكرها حب وختمت
بقى بنار!
رفعت عينيها نحوه لا تفهم وحينها بدأ يقص..
كان ياما كان...
وحينما انتهى كان كلاهما يجلس فوق الرمال, مررت أناملها بسواد شعره
لتهمس بعدها:
كل ده شايله في قلبك يا حمزه!
ضحكت عيناه ولكن بحزن:
كنت عايز أنسى.
تأملته باحتواء:
ونسيت؟
حرك هو رأسه في نفي:
اكتشفت أن النسيان مش الحل.. أنا كنت مركب تايه في البحر ولقيت المرسى
في عينيكِ يا ليلى..
ابتسمت وقد قربت رأسها منه في مداعبة:
ده علشان أنسى قصة الحب اللي أنت حكيتها من شوية!
ضحك هو وضمها نحو صدره:
إيناس ما كنتش حب.
ووازته هي بضحكة و زادت بتنهيدة:
أنت كنت طيب قوي يا حمزه
رفع حاجبه الأيسر ممازحاً:
ودلوقتِ شرير يعني!
ضربت كتفه وعادت لتأمل البحر فتابع هو بالتالي والأكثر أهمية..
ما انتواه وما فكر بشأنه على مدى أيام..
ق ا رر لم يتصور أن يمر بذهنه يوما ليلى.. أنا عايز أرجع المزرعة!
لا يعلم كم من الوقت ظلت على صمتها.. ولكنها لم تتحرك.. لم تترك صدره,
كرر هو جملته:
ليلى..
قاطعته:
سمعتك..
ثم صمتت من جديد لتنطق بعد حين:
ليه؟
سمعت بين حروفه تنهيدة:
تعبت..
كانت تستند فوق صدره وترمق قاربها يتأرجح من بعيد..
منصور وليلى وقصة حبها التي بدأت بهذا المكان.
صوته آتاها من جديد:
أنتِ اتجوزتيني بس علشانه؟!
رفعت رأسها تنظر نحوه في حزن:
أنت عايزني بين أربع حيطان يا حمزه؟
أحاط أ رسها الصغير بقبضتيه ليقترب منها قد وصلتها كلماته بحرارة أنفاسه:
هتختاري إيه يا ليلى؟
حركت عينيها تتأمله في لوم:
أنت بتخيرني يا حمزه!
اقترب منها أكثر وبهمس تلك المرة:
لأني مقدرش أجبرك..
أنزلت قبضتيه لتستدير نحو القارب من جديد..
تأملته كثيراً ورأته هناك.. أبيها.. منصور يضحك.. ي ا رقبها..
ويتأملها بانشغال أب.. بل اطمئنان أب.
عادت إليه لتقترب هي خطوة محيطة رقبته بذراعيها وعلى وجهها ابتسامة:
هناك ما فيش إلجا ولا أفواج من أوكرانيا!
امتلكته ابتسامة واسعة ليحيط هو بخصرها ويضمها نحوه أكثر ثم يشاكسها
بشقاوة:
ما حدش عارف جايز ربك يرزق!
لكمته في كتفه فتأوه ضاحكاً:
زعلك وحش.
هددته بمشاكسة أكبر:
حتنام في الصالة!
أمال رأسه يقترب من شفتيها:
حالغيلك الصالة.. هخلي الشقة كلها أوضة نوم!
ووازت هي شفتيه اقتراباً لتهمس قبل قُبلة كانت هي من بدأها:
موافقة..
*********************
"تُعلن شركة مصر للطي ا رن عن قيام رحلتها رقم 458 المتجهة إلى ميناء
" الك ويت الجوي وعلى السادة الركاب التوجه لبوابة رقم 5
ووسط الجموع كانت هناك امرأة, ترتدي الكثير من الحلي وتُظهر عدة خصلات
مصبوغة من تحت وشاح بني مزركش..
تتحدث في الهاتف بصوت عالٍ وتضحك مع صديقة ما ساخرة من زوجها
الحالي, خلفها يتحرك طفل ببطء يسحب حقيبة صغيرة
تضم كل ممتلاكته الثمينة
بضعة ألعاب تكسر بعضها.. وقصاصات ورق لشخصياته الكرتونية المفضلة
ولعبة وردية محشوة!
أهدتها له طفلة تشبه قطعة الحلوى وهي الوحيدة التي كرهت توديعه.
محمود
صرخت سهام في ولدها حينما لمحت تلكؤه فأعاد اللعبة للحقيبة مرة أخرى
وتبعها في صمت..
نحو منزل آخر وأطفال غرباء عنه يخبرونه من جديد أنهم له إخوة!!
******************
كان صباحاً مشمساً..
ليلة صيفية ممتعة لحفل إفطار متأخر كما خططت..
خالد كان يُمسك بجيتاره يحاول أن يكرر بعض الأنغام التي تعلمها وحسن
ينفرد بهاتف ولفافة تبغ.
أعدت جميع أنواع المعجنات و زادت من الخبز بالزبيب من أجل إيناس فهو
الراعي الرسمي لحملها تلك المرة..
شعرت بأنامله تسحب شريحة بيتزا فسألته في تردد:
كنت بتكلم محمود؟
أجاب بجفاء:
قالت لي نايم
أ ا ردت تغيير الموضوع فسألته تلك المرة باهتمام:
هو خالد ما علقش على رجوع حمزه؟
نظر نحوها في حدة:
خالد راجل عاقل ومخه مش صغير.. اللي فات قتله الوقت, وحمزه راجل
متجوز دلوقتِ.
احتدت هي بدورها:
أنا بسألك عادي.. لأنه خالد بطبيعته غيور بس مش أكثر.
أجابها ساخراً:
هه.. لا متخافيش أكيد مش هيضربلها البوز كل ما سهام كلمته أو ابنها جه
هنا!
أغمضت عينيها تحاول ابتلاع كلماته ورحل هو يستقبل ضيوفه..
لن ينسى ولن يفهم ولن يتحمل يوماً تبعات قراره!!
كانت ليلى ترتدي فستاناً صيفياً بلون أبيض بسيط..
تلك هي المرة الأولى التي تراها فيها إيناس, تأملتها بابتسامة وشعرت
بالسعادة من أجل حمزه الذي طالما اعتبرته كأخ أصغر لا تتمنى له سوى
الخير..
واكتشفت أن ليلى ليست مجرد وجه رقيق فقط بل تتمتع بحضور رائع واجتذبت
الأطفال على الفور في حديث مطول جعل تميمة تعشقها من أول مقابلة..
في المقابل حمزه كان ملتصقاً بها طوال الوقت..
عشقها في عينيه واضح كضوء الشمس حتى أن ملامحه بدت مغتاظة حينما
تحدثت في أمور عمل مع خالد الذي عرض عليها أن تكون في فريق عمله
بالفندق حينما علم بتخصصها في المحاسبة.
ابتسمت إيناس لتلمح وجه رقية المتجهم فحركت يديها أمام وجهها:
ايه يا روكا.. مش مبسوطة ليه؟.. حمزه رجع اهو.
ابتسمت رقية لتربت فوق يديها وقد حبست عبرة:
لا يا حبيبتي.. مبسوطة قوي الحمد لله.
ابتسمت لها إيناس بتفهم:
إديله وقته وهينسى ده حسن يعني!
ضحكت رقية ساخرة:
عارفة.. الفكرة عند كل مشكلة هيرجع يلومني أنا.
جذبت إيناس قطعة من الخبز بالزبيب فمضغتها ثم أكملت:
كبري.. ركزي مع خالد.
نظرت نحوها رقية لتغير ذاك الموضوع وتشاكسها قليلاً:
هتتخني.. الرشاقة هتبوظ!
نظرت إيناس بضيق نحو الطعام ثم أعطت الخبز لرقية:
ابعديه عني وما تعملهوش تاني..
ضحكتا سوياً وتناول الجميع إفطارهم بودّ رغم أن حديث خالد وحمزه لم يخلُ من
توتر مكتوم, ولكن الزمن سيظل كفيلاً بانهاء الأمر.
***
في الظهيرة وجدته يقف وحيداً أمام جواد جديد كان قد ابتاعه منذ شهر واحد..
وقفت خلفه لتحيط جسده من الخلف بذراعيها ثم همست:
اسمه ايه؟
نظر بجانب عينيه نحوها ليستدير لها وقد جذبها لتكون بجانبه محيطاً هو
خصرها بذراعه اليمنى:
ليل!
الجواد كان أسود بحق كالليل سوى من بقعة رمادية تتوسط جبهته..
خصلاته مجدلة في ضفائر مشطها السائس خصيصاً من أجله..
مرر خالد أنامله برقة فوق رأس الجواد فأصدر حمحمة هادئة أوحت لإيناس
بمدى الترابط بينهما..
ضحكت تمازحه:
بقيتوا صحاب بسرعة!
رمقها هو بغيظ ممازح:
أنتِ ما تعرفيش قدراتي ولا إيه!!
تأملت الجواد لتجيبه بابتسامة:
الهمس
تنهد هو ثم أجابها بحديث دافيء:
البداية دايماً بتكون الهمس..
تأملته بعينيها:
وبعد الهمس؟
استدار لها ليجيبها بمباغتة:
الصمت..
شردت وغامت عيناها لوهلة:
الصمت!
ابتسم هو ليتأملها بحب:
أيوة الصمت.. أنك تسمعيه من غير ما يتكلم.. أنك تفهميه من عينيه..
لمسته.. النَفَس جواه..
كان يقترب منها, تنهدت حينها بارتياح لتوقفه بقبضتها فوق صدره برقة وتسأله
من جديد:
وبعد الصمت؟
تألمتها عيناه بشغف وحينها نطق ببطء:
العشق..
بريق عينيها كان يشبه كل صباح لها معه بهذا المكان..
يتأملها من بعيد دون أن يأمل اقتراب, تهمس لجواده فتصله هو همساتها.
كررت كلمته باستفهام:
العشق؟!
تخللت أنامله أناملها ليحتضن يديها وهو يشير نحو جواده:
ساعتها هيكون ما فيش مسافات.. أنكم تكونوا قلب واحد جوه جسدين, لو حد
اتأذى التاني يحس بيه فوراً قبل حتى ما يعبر
نظرت للجواد المستكين أمام زوجها:
الحصان بيحس بصاحبه؟
أجابها بصوت أجش ودافيء وهو يشدد من احتواء قبضته ليدها وبيده الأخرى
يملس فوق أ رس الحصان:
بيحس بيه.. لو مضايق أو مبسوط.. فرحان.. مهموم.. حتى لو في خطر
هيحس بيه وهيبعده عنه ويفديه بروحه كمان.
ثم ترك الحصان ليستدير نحوها ممسكاً بذقنها ليرفع وجهها نحوه..
شعرها كان متناثراً بعبقه البندقي فوق كتفيها ولون عينيها يشرق كما
الشمس.. وجنتيها تحمل وهج حرارة الصيف وشفتيها تخبره بما يجب عليه
فعله..
ابتسم بمكر قبل أن يغيب بينهما مستأثراً بنكهتها التي يثير كل ما فيها جنونه.
ثم همس وهو يتخذ أنفاسه:
وده بقه اسمه عشق الجياد.
ولم يعطها فرصة أخرى لسؤال.
***********


صمت الجياد بقلم /مروه جمالحيث تعيش القصص. اكتشف الآن