أمــتُك

62 19 10
                                        


{وبشّرِ الصابرِين!}

وكيفَ يكونُ الصابرون يا ربّ غيرهم؟! وكيفَ نعظّم همومنا أمامهم؟ وكيفَ كنّا نبكي قديمًا على شيءٍ عابرٍ تقطّعت لهُ أكبادنَا وبكينَا بحرقةٍ لوجعنَا، ومضينا قانعين بأنّا أشدّ الناسِ حزنًا، فمن يكونُ هؤلاءِ!

كيفَ نسمّي أحزاننا أحزَان؟ وإلى أيّ مدى تجذّر بنا الضعفِ لنهزمَ في العراكاتِ الصغيرة، ومثل هؤلاءِ يكابدونَ الجحيمَ كل ثانيةٍ وينتصرون،

يتمنون الموت كل نفَسٍ -وصدقُ الدينِ فيهم- ولا يموتون ويصبرون! توقدُ النارُ في صدورِهم، وجوارحهِم ويُفتكُ بهِم وأفئدتهم تقسمُ بأنّا مسلمون!


لم أعهد أصحابَ الأخدودِ ولكنّي عهدتُ هؤلاء، لم أعهدُ ماشطةَ ابنة فرعون ولكني رأيتُ هؤلاء

لم أعهد أكثر القصصِ التي كنتُ أسمعها وأقولُ لنفسي كيفَ كان إيمانهم ليصبروا؟

ولكنّي رأيتُ هؤلاءِ فعلمتُ أن "كانوا" خاطئة، بل هم في كلّ وقتٍ وحينٍ، ليسوا غُرباء!

نحنُ من ذُقنا راحةَ البدنِ وتجنّبنا الجهاد

من لانت لنا السّرر، ودفّئت لنا الفُرش، وقدّمت لنا أشهى الأطعمة، فاعتدنا الرقود، واخترنا القعود

في الوقت الذي اختاروا هم جنابَك، وسعوا ليظلّوا في رحابِك!

ثم نعودُ بخفيّ حنيْنٍ بعد فقدِ عرضٍ من الدنيا قليلٍ لا يستحقّ التشبّثَ نبكي نُصرة الذنبِ وضعف قوّتنا، وقلة حيلتنَا وانعدامَ قدرتنا على الجهاد؟


أنتَ لهُم أعلمُ بهِم يا ربّ! لا نملكُ أكثرَ من أن ندعوكَ وأنت الغنيّ عنّا وعن أصواتنَا وما أحوجنَا..

تخاذلت الأمم وتكالبت على عبادِك الغُمم، وتجبّر المستضعفون المشركون بعد أن كانوا تحت راية الإسلامِ المرفوعةِ مُستصغرينَ بكفرهم، منفيّين بجهلِم لا يُنظرُ إليهم ولا يُعتدّ بهم!


هي حربٌ على دِينك فارزقُهم الثباتَ عليه، ونجّ دينَك ومن أحبّك وعبدكَ وصدقَ أنك حقٌّ، ربّنا لا نملكُ إلا القولَ، والعملُ ليسَ بملكنَا!

""اللهم استعملـنا ولا تستبدلنـا""

وإن كانت النصرةُ قد تأتِ من ركعتين قيامٍ، من صدقةِ سرٍّ، من التفاتِ العبدِ لنفسِه، من صوتٍ خفيضٍ مرتعشٍ يسألُك ألا يُمتحن في دينِه، فارزقنا ما يرفعُ مقتك وغضبكَ عنّا

ولا تؤاخذنَا بما فعلَ السفهاءُ منّا، وارحم مساكينًا يتعبّدون إليكَ بما ملكوا، وينصرون الدين بحرفٍ، ويدفعون الظّلم بقلوبِهم، وينكرونَ المنكرَ بدموعٍ تذرف لا ترضى لعبادِك الذل والهوان!


ربّ إنّك تعلمُ أن أذاهم يَؤذيني، واستغاثاتِهم تكويني، وبكاؤهُم من عينيّ، وجروحهم أثرها في قلبِي

فارحمنِي وارحم المُسلمين، ونجّنا!

وأمِّنّا، أنتَ ربّ العالمين وربّنا!.


أمَتُكَ.

اجراس العودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن