اشتيـاق

24 5 3
                                        

عندما يضيقُ عليَّ الواقع أهربُ إلى أيامِ وليالي يثرب عندما كانَ يعيشُ فيها سيِّدنا مُحمَّد صلواتُ ربِّنا وسلامه عليه، فأجدُ هناك ما يشغلُ رأسي عن التفكيرِ ويفتحُ لقلبي طاقةَ سرورٍ على أيام سعيدة.

في ليلةٍ شتويةٍ كهذه الليلةِ مثلًا أُحبُّ أن أتخيلَ بيوتَ يثرب وقد انغلقتْ على أهليها، وخلف تلك الأبوابِ صحابةُ رسولِ اللهِ مع زوجاتِهم وعيالِهم يستدفؤون داخلَ بيوتِهم، ربما يُلاعب أحدُهم طفلَه، أو يتسامرُ مع زوجِه، أو تُدلِّكُ صحابيةٌ جليلةٌ قدمَي أبيها..

يا ربَّنا الجميل! قبلَ ساعتين فقط صلُّوا خلفَ رسولِ الله، سمعوا صوتَه يتلو كلامَ ربِّه؛ الكلامَ الذي أرسلَه اللهُ به إليهم، شمُّوا رائحتَه، اكتحلتْ عيونُهم برؤيةِ وجهه الوضَّاء، ولربما سلَّم عليه أحدُهم فاطمأنَّت راحةُ يدِه في يدِه الشريفة، وأحدُهم كلَّمَه، سأله سؤالًا فأجابه، أو أفضى إليه بهمٍّ فواساه.

ما أسعدَ واحدَهم وهو يراه خمسَ مراتٍ في اليوم والليلة، يعيشُ معه وهو يعرفُ أنه يتنفسُ نفسَ الهواء الذي يتنفسه، يجتمعُ معه في ليلةٍ كهذه في أرضِ معركة، يجلسُ أمامَه ويسمع مواعظَه، ويا سعدَ أحدِهم إذا وجَّه إليه الكلام أو أشركَه في الحديث!

على أيِّ هناءٍ سينامُ من يعرفُ أنَّه حين يستيقظُ سيرى رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- ويصلي خلفَه ويسمع صوتَه؟ وفي أيِّ سلامٍ نفسُ من يعرفُ أنه إذا استعصى عليه فهمُ شيءٍ في هذا الدينِ سيلجأُ إليه؟

صلَّى اللهُ على سيِّدنا مُحمَّد، والحمدُ للهِ على نعمةِ هروبِ العقلِ إلى أيامِه في الشدائد، وعلى السلوى والسلام اللذين يمنحُهما مجردُ تذكره، ولعلَّ الشوقَ إليه مُبلِّغُنا ما لم تبلغْه بنا أيامُنا.

اجراس العودةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن