اغتراب 🎸

32 1 0
                                    

#اغتراب 🎸

كانت أحلام واقفة أمام الشاطىء والأمواج تلطمها، ما اهتمت بالبلل الذي لحق بثيابها، بل انحنت لتغسل وجهها من أثر دموعها بالماء المالح البارد، الجو لم يكن مستقر. لقد كانت الغيوم السوداء تكسو صفحة السماء. أكيد تنذر بعاصفة قادمة ومعها زخات من المطر...

عليها أن تعود إلى شقتها في ذاك الحي الشبية بالمهجور، وإن كانت تتواجد في تلك المدينة التي طالما سمعت عنها وهي في وطنها الأم بعد أن هجرت سماءها. أو بالأحرى هي من تركتها تهجرها مادامت لم تجد نفسها فوق ترابها، قد مر على ذلك عقدين من الزمن. كم ترددت على مسامعها بمدينة النور، كيف أنها لم تحس بها؟

كانت ستشعر أنها في باريس مدينة النور لو لم يحصل معها ما حصل، أتت إليها وهي تحمل شعلة من الأمل في قلبها، لتضفيها على مدينة النور. ظنا منها ستكون كل أيامها ودروبها مضاءة. لكن كل شيء انقلب عكس ما حلمت به، فتحت سيارتها بسرعة وكلها خوف أن تداهمها العاصفة قبل أن تصل إلى بيتها. وهي في طريقها الى البيت رن هاتفها، لتتفاجأ لقد كان ابنها ...

- أمي لا تنتظريني هذه الليله، أيضا سأكون مع اصدقائي في رحلة كالعادة.
- حسنا ابني كما تحب مادمت مستمتعا بلحظاتك، لا تحمل همي..

أخرجت تنهيدة من أعماقها تعلم أنها ستعود إلى البيت لتجد نفسها وحيدة بين الجدران، زوجها لا يأتي إلا متأخرا من عمله ليستلقي على الفراش كالميت. ابنتها وابنها أغلب أوقات فراغهما مع الأصدقاء. هما الآن في مرحلة المراهقة لهما الحرية أن يعيشا حياتهما كما يرغبان، أليست هي تلك الحرية التي سافرت لأجلها تبحث عنها هناك في بلد النور؟ بل عند أهل التحضر والتقدم والصناعة والرفاهية.

ولجت البيت بهدوء، وجدته في حالة سكوم لا أحد فيه، لم تكن تدب فيه الحياة. علقت معطفها على المشجب، شغلت التلفاز على قناة وطنها، لم تستأذنها دموعها بل تساقطت منها دون توقف. كيف لها أن تترك الحب الحقيقي وقهوة أمها بل وحضنها الدافء؟لتغترب وتُلْقى وحيدة هناك رغم أنها تعبت وسهرت حتى أصبحت لها أسرة. دفعت ثمنا غاليا حين هجرت بلدها لم يكلفها فقط اغتراب عن الوطن، بل اغتراب أيضا عن فلذات أكبادها وهم معها وفي نفس الوقت ما فرحت بلمتهم، لتقضي باقي عمرها وكأنها منفية.

هو اغتراب ستحياه أينما حلت وارتحلت، سواء أكملت حياتها هناك أو عادت الى موطنها الأصلي، لتظل كلما أحست بغربة موحشة تسللت بهدوء الى سيارتها باتجاه البحر. تتهامس وامواجه المقبلة من هناك من جنوبه حاملة معها نسائم بلدها الى تلك الجهة الأخرى جهة الشمال، لتغسل بماءه المالح أوجاعها.

#سميا_دكالي

خواطر (تابع)حيث تعيش القصص. اكتشف الآن