في الطريق الى كربلاء 19

2.2K 141 78
                                    


لم اعتد من قبل على زيارة الاضرحة والتبرك بها . لم يكن بابا متدينا ولم يكن يؤمن بما يؤمن به عامة الناس, هكذا كان يبدو لي ولماما . منذ طفولتي لم أرى سجادة صلاة في بيتنا ولا مصحفا في مكتبة الدار, ولا صام بابا يوما في رمضان ولا فكر في صيام . دخلت السجادة والمصحف الى بيتنا بعد زواج بابا من ست زهراء . كان يسخر منها عندما تحثه على الصلاة او الصيام او ممارسة أي طقس وشعيرة دينية . فكنت اعجب كيف توافقا على الزواج وهما نقيضان . ست زهراء بعثية وبابا يكره البعث وست زهراء لم تنفك عن ممارسة الشعائر الدينية وتزور الائمة والاضرحة وتتبرك بهم ورغم انها انسانة مثقفة الا انها لا زالت تؤمن بالعادات والتقاليد العشائرية, فيما يعتبر بابا التقاليد العشائرية حالة متخلفة ورجعية . لذا عندما اصر على الذهاب الى كربالاء وأداء القسم عند ضريح الامام العباس انكرت عليه ذلك ونظرت للامر بسخرية, لكني في اخر المطاف طاوعته مجبرة, وظننت ان من ادخل الفكرة الى رأسه هي ست زهراء ولأنها لا تريد ان ينكشف امره وتظهر في موقف المتحكمة بتصرفاته وأفكاره تذرعت بحجة عدم قدرتها على السفر الى كربلاء لآلام واوجاع في بطنها وكذلك لضرورة بقائها عند الأطفال ومداراتهم ريثما نعود من هناك .

في الطريق الى كربلاء استعدت ذكريات تلك الليلة البائسة عند مرورنا في الطريق المحاذية لقرية طالب . لم اكن قبلها اعرف اين تقع تلك القرية . ففي الليل لم استطع تمييز المواقع والاشياء بسبب الضلام, لكن بابا كسر حاجز الصمت الذي فرضته من لحظة ركوبي الى جواره في السيارة وسألني :- هنا جابوج ذولي السفلة .؟

:- ما اعرف .

:- مو كلتي اخذوني لقرية طالب ..؟ هاي قرية طالب .

وأشار الى مجموعة بيوت ليست ببعيدة عن الشارع, تحيط بضريح او مسجد ذي قبة خضراء .

اشرت بالإيجاب واشحت براسي عنه وعن القرية .

على غير عادته راح يلقي علي محاضرة في الأذى الذي من الممكن ان يصيبني ان انا اقسمت كذبا براس العباس .

لم اكن اهتم لكل ما يقول . زادت نقمتي عليه . لست كاذبة سواء اقسمت بالعباس او بغيره او لم اقسم . لم اعتد قول غير الحقيقة . هكذا تعلمت منذ الصغر . هو رباني على هذا فما الذي يجعله يشكك بامر مصداقيتي . وما الذي يجعل بابا ينكص في أفكاره, ويتصرف بما لم يعتقد من قبل .؟ لم تكن هذه أفكاره عندما كنا نعيش سويا مع ماما .

تحاملت على اوجاع بطني التي لم تخف واستحملت الطريق ومنعرجاته ومطباته لاكثر من ساعتين .

هذه هي المرة الأولى التي ازور فيها اضرحة للامة .

ورثت عن امي الشغف بزيارة المواقع الاثارية وكنت انظر الى ابنية الاضرحة على انها لا تعدو ان تكون مواقع آثارية قد أجريت عليها تحديثات وسلبتها قيمتها التاريخية واضفت عليها طابع من القداسة عند السذج من عامة الناس . غير ان حديث بابا قد حفز داخلي مخاوف لم اكن اعهدها من قبل .

رحلة احلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن