مرت ستة اشهر على رحيل حسن . داهمت الشرطة بيتنا خلالها اكثر من ثلاث مرات . مما اضطر عمي أبو حسن لاعلان البراءة من ابنه وتوقيع تعهد في مركز الشرطة والمنظمة الحزبية بتسليمه لهم حال دخوله البيت وتزويدهم باية معلومات عنه حال توفرها له . اصبحنا حديث الحي, ولاكتنا السن الناس . وما عاد لي وجه لمواجهة بابا وست زهراء .
انتهت بعدها الحرب بين العراق وايران . وبدء الجنود يعودون الى اهاليهم بعد تسريحهم من الخدمة العسكرية . غير ان حسن لم يعد ولم تردنا عنه اية اخبار .
كبر مولود وبدا يحبو ويكاد ان يمشي ..
تحولتُ خلال هذه الاشهر من زوجة الابن الى خادمة المنزل . وعادت ام حسن تعاملني بقساوة وتعيّرني بلقمة الخبز ومصاريف الطفل, على شحتها .
استسلمت للامر الواقع ورضخت لكل مطاليبها . اعتدت الامر وكدت اسلم باأني احمل الشؤم في داخلي وأعكسه على من حولي, كما كانت تعتقد ام حسن .
كان عمي أبو حسن عزائي الوحيد . لم يبخل علي بشئ . يلبي كل طلباتي ويخفف عني الامي واحزاني بحسن معاملته وملاطفته لي ولابني . لكنه في ذات الوقت كان يجعلني استشيط غضبا دون ان أتمكن من ان احرك ساكنا او ابدي امتعاضا عندما كان وهو يداعب مولود يسب ويلعن حسن واليوم الأسود الذي جاء فيه الى الدنيا . رافعا كفيه الى السماء داعيا له بالهلاك .
رغم حنقي على حسن لسوء عمله وهجرانه وانقطاعه عنا إلا أن بقايا جذوة حبه في داخلي لم تنطفئ . كنت انتظر عودته كل يوم . اسهر الليلي مستلقية في سريري اتامل عودته . صوت عصف الريح والرعد وزخات المطر ونباح الكلاب في الخارج يعيدني الى ذكريات الليلة الاولى التي طرق فيها حسن شباك غرفتي .
بين الحلم واليقظة في ليلة من تلك اليالي الشتوية المظلمة المقفرة الحزينة انفتح باب غرفتي . كنت مستلقية على ظهري . خيال حسن منتصبا عند الباب وقد اخفى النور المنبعث من خلفه ملامح وجهه . حاولت النهوض ومغادرة السرير لاستقبال حسن وضمه بين ذراعي فلم أتمكن . اطرافي مقيدة بحبال سرية . في ذات الوقت خيل لي سماع نقرات على زجاج شباك غرفتي . خشيت ان يستيقظ مولود . تلاشى خيال حسن . تمكنت من الحركة . استيقظت مرعوبة . احتضنت مولود الذي كان نائما الى جواري, واصغت السمع .
طرق على شباك .
ياربي ..؟!!
ايعقل ان يكون حسن . ؟!!
أبعدت مولود عن احضاني . انتابني خوف للوهلة الأولى . كدت اصرخ واستنجد بعمي خشية ان يكون الطارق سارقا . اختلط علي الحلم والحقيقة . باب الغرفة مقفل ولا يعقل ان يكون حسن من يطرق الشباك . بامكانه ان يطرق الباب ويدخل .!!
ولم لا يعقل .؟!!
ربما يكون حسن هو الطارق .
نهضت من سريري على مهل وتقدمت من الشباك مرتجفة .

أنت تقرأ
رحلة احلام
Chick-Litقصة لامراة من ام المانية واب عراقي تقاذفتها الظروف والاحوال وعاشت النقيضين