من برلين الى قرية الشافعية 6

1.7K 135 8
                                    


حل بي التعب والسهر وتداركني النوم ما ان غادرنا بغداد واتهادت السيارة في الطريق الخارجية . نمت واستيظت ونمت واستيقضت عدة مرات الى ان انحرفت لنا السيارة الى طريق جانبية غير بعيد عن مدينة الديوانية .

قرية الشافعية حالها حال معظم قرى الجنوب . قرية بائسة انشأت في غفلة من الزمن على ارض ملحية سبخة . لذا لايمكن باي حال من الأحوال مقارنتها بقرى الريف الألماني ولا حتى بقرى اطراف بغداد او الضواحي الشمالية . حتى رائحة الهواء هنا مختلفة . لا شي في الشافعية يمكن ان يشبه مثيلاته في كل الأماكن التي مررت بها او زرتها او اقمت فيها من قبل . حتى اشعة الشمس هنا باهتة . ربما تكون غير ذلك, ولكني هكذا احسست بها .

انحدرت السيارة بدرب تغطيه أوحال داكنة, بلون المياه الاسنة .

رغم تطمينات ابي بان الطريق امنة وسالكة الا ان سائق سيارة الأجرة تردد كثيرا قلب ان ينحدر في الطريق, خشية ان تعلق سيارته في الوحل . انتظر ان تمر احدى السيارات كي يتبعها . فكان له ذلك .

أخيرا توقفت السيارة امام باب صدئة صغيرة لبيت على المشارف الشرقية للقرية . يقع في اخر صف من صفوف البيوت المبنية بعشوائية والمطلة على ارض سبخة واسعة تتناثر في أطرافها أشجار نخيل باسقات . طرق بابا الباب وطلب مني ان انزل من السيارة :- ماما حلومي انزلي وصلنا بيت جدك .

قالها بتصنع .

انهى ابي والسائق انزال الحقائب ووضعوها على المكان الوحيد غير الموحل, عتبة الباب قبل ان ينفتح وتطل من خلفه عجوز مجللة بالسواد تتكأ على عصى غليضة تشبه عصي رعاة الأغنام .

انشغلت عن العجوز بمراقبة السيارة وهي تبتعد عائدة عائدة الى المكان الذي لم اكن لاتوقع مغادرته بهذه الطريقة .

اعتلجت في قلبي الاف الحسرات .

في الوحل المتطاير من تحت عجلات السيارة انغمست كل احلامي وتبعثرت كل امالي .

استفقت على صوت العجوز :- هذا ياهو ..؟ محيسن ..؟

ودمدمت متبرمة بكلمات أخرى لم أتمكن من سماعها بشكل جيد .

بادرها ابي بابتسامة باهته وقبل ان يقترب منها مقبلا يدها :- هلا يمَّه .. هاي بنتي أحلام .. أحلام هاي حبوبتچ .. جدتچ ..

قبل ان ينهي ابي عبارته الأخيرة .

اخذتني جدتي بين احضانها واشبعتني قبلات .

رغم الرائحة المحببة ومشاعر النفور التي اثارتها في داخلي بلهجتها المتهكمة التي استقبلت بها ابي الذي لم يعد في قلبي له باقي احترام الا ان دفأ احضانها بعث في الطمأنينة .

لم ار جدتي ولا أي من اعمامي منذ ولادتي .

كان ابي يذهب لزيارتهم في بعض المناسبات . الان انه لم يات على ذكرهم الا نادرا . فلم اكن املك تصورا مسبقا عن أوضاعهم وأسلوب معيشتهم . كنا منقطعين عنهم تمام الانقطاع .

رحلة احلامحيث تعيش القصص. اكتشف الآن