●Across

246 35 27
                                    

راقبته.

راقبت الشاب الذي ينهض للجري مع كلبه فجراً.

لم أستطع منع نفسي من تأمل نعيم إنسان آخر والاحتراق حسداً وألماً.

قبل الموعد، قبل أن ينهض هو، بل إني سهرت ليلاً بانتظار خروجه، فقط لأنظر إليه.

يتمتع ببنية قوية وبقدرٍ جيد من الوسامة والثقة.

يخرج من بيته في الخامسة إلا خمس دقائق تماماً. يغلق البوابة الحديدية لمنزله المقابل لنافذتي، ثم يقوم ببضع تمارين تحمية بينما يضحك لـكلبه الذي يتقافز حماساً، وأحياناً يربّت عليه ليهدأ.

تحين الساعة، ينبح الكلب الصغير كمنبه حيّ ويركض متقدماً، فيلحق به صاحبه بخفّة، يهرول في البداية ثم يشرعان بالركض معاً.

يبدو كطفل سعيد صحيح وطيب، لا يحمل هماً ولا يعرف الألم.

غافلٌ عن حجم المآسي المحشورة في كل بيت من بيوت المدينة. غافل عن الموت المتربّص من كل زاوية والحزن المتشبّث في صدور الناس.

كم أحن لذاك الجهل البريء والمريح، يوماً ما كنت أضحك مثله وأبتسم.

واظبت على مراقبته. تغذيت على ابتسامته لأيام. كرهته قليلاً وأحببته قليلاً. شعرت بالعجز وغضبت منه حد البكاء.

كان كالصليب المعدنيّ المدقوق عند طرف قبري.

فـفي تلك الفترة، كوابيسي تحولت لنوع آخر أو بالأصح امتدّت. ومع استغراقي في النوم اتخذتُ دوراً فاعلاً في الرؤيا التي تتكرر في مناماتي.

التحقت بآخر الموكب ومضيتُ أبكي وأنهار أمام القبر وأنا أراهم ينزلون صورتي في حفرة قذرة.

أدفن نفسي وأُدفَن في آن معاً.

وبعد أول حفنة تراب تُرمى على وجهي أسقط في عتمة لا قاع لها، ترتعش أطرافي هلعاً من الفراغ الممتد أسفل قدمي، أهبط إلى ظلمة ساحقة، أسقط وأسقط حتى يغيب كل النور و يُردم آخر منفذٍ للتنفس.

أختنق

ثم أشعر بهم يغرزون، شاهدة القبر، يغرزون الصليب عند رأسي ويدقونه في صدغي المدفون ويضربون بمطرقة ضخمة ويضربون

ويضرب الحديد بالحديد.

فأستيقظ من كوابيسي محموماً على وسادةٍ مُبللة .. ألم رهيب يضربُ رأسي ومحجريّ .. الصليب القاسي!

كم يبدو لهم قدسياً وجميلاً وكم يشارك بفنائي وعذابي.

وكم يبدو الشاب مسالماً ولطيفاً بينما يتسبب بإحساسي بالضعف والشلل والعجز.

_______

البارحة عندما فتحت جفناي وجدت عمتي تحبس شهقاتها بجانب سريري، هل كنت أصرخ؟ ..

" أي ألم رهيب تعانيه يا صغيري" ضمتني إلى صدرها وبكت.

ذراعاها باردين.

أشتاق لأمي.

أشتاق لنفسي.

__________

.
.
.
.

هل يستحق النص نجمة؟ ⭐ 👇

MONSTA X BRO |✔| REMEDY  بلسم  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن