الفصل التاسع

268 11 1
                                    



العصفورة البريـــئـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة

كانت رفيقتي فى نفس الصف الدارسي بالمدرسة ، كانت فتاة ريفيةٍ جميلة رقيقةٍ متدينه وهادئة الطباع ومحل تقدير ومحبة من الجميع ، كانت ترتدي النقاب حيث أنها تنتمي إلى عائلة متشددة دينياً وكثيرة التحكمات خصوصاً أنهم كانوا ينتمون إلي مجتمع ريفي منغلق فى العادات والتقاليد حتى أنني أذكر جيداً أن كثيراً من الفتيات من هذه القرية تزوجوا أثناء دراستهن معنا فى الصف الأول الثانوي عادت الكثيرات منهن بعد عطلة نصف السنة وهن متزوجات وكانوا يدرسون فى الصباح وفى المساء تقوم الواحدة منهن بواجبها كزوجة مسؤولة عن زوجها وبيتها ومع الأسف فكانت كثيرات منهن يتزوجن في بيت العائلة يعنى مع أم الزوج وأبوه ، ولا يوجد لهن شيئ من الخصوصية ، وبالطبع يكون من مسؤوليتهن أن يخدمن هذا الجيش كله، وكم من أيام كانت الكثيرات منهن يعانون ويبكون، أما بسبب ضرب زوجها لها أو بسبب أمه وأبوه أو أخوته ، أو من كثرة المسؤولية الملاقة على عاتقهن فى كل ليلة ومن الطبيعي جداً أنهم كانوا يناموا اثناء الصف......

أما عن رفيقتي فكانت مغرمة بشاب محامي كان صديق لعمها المحامي أيضاً ، هذا الشاب وعدها أنه سيطلبها من أهلها ويخطبها قبل أن يسافر للعمل فى العراق ، وهي لم يكن عندها ذرة شك فيه فهو أيضاً كان شاب ملتحي ومتدين كأفراد أسرتها ، يعني هو يعرف معني الأمانة ويتقي الله أكثر من غيره ومع الأسف كان هذا خطأ رفيقتى الوحيد الذى وقعت فيه وكلفها الكثير من الألم والأسي......

كانت فى نهاية كل أسبوع تذهب لتنظف المكتب لعمها بعد أن ينصرف الزبائن كمساعدة منها له لأنه فى بداية حياته ، وفي أحد الليالي ذهب زائراً إلى مكتب عمها ،لم يكن متوقع قدومه فى هذا الوقت لأنه كان يعرف أن عمها لا يكن متواجداً فى مكتبه فى هذا اليوم بالذات ! كان الزائر حبيبها المحامي الذى تفاجأت من رؤيته وهو يدخل عليها ويغلق الباب من الداخل وهو من المفروض أنه الشاب المتدين الذى يشهد له الجميع بالعفة والشهامة والأدب وهو يقول لها حبيبتى لم أعد أتحمل شوقي وحبي لك قبل أن أسافر إلى العراق أريدك أن تكوني لي قبل أذهب إلى بيتكم مع أهلي لكي أخطبك وأعقد عليكي رسمياً قبل سفري ، رفيقتي حاولت أن تمنعه بكل قوتها حتي أنها ذكرته أن هذا حرام وما يقوله لها ليس من الدين ولا يجوز فلم يسمع لها وهجم عليها كالذئب الذى ينقض على فريسته وهى لم تسطتع أن تصرخ وإلا ستكون فضيحةٍ لها فهي وكل ذنبها سيكون أمام الناس كيف لا وهي فتاة منقبة تفتح له الباب ليدخل عندها وهي من المفروض أن تتكلم معه من وراء الباب وهو مغلق أنظروا إلى السبب الذى قضي على شرف وحياة رفيقتي المسكينة ! وبعد ما فعل ما أراده بها ، ذهب كالنذل وهي أخذت تلملم شتات نفسها وهي تبكي لا تعرف إلى من تشتكي ونحن نعيش فى مجتمع يترك الغادر ويهتك بالمغدور ، هذا هو مجتمعنا مع الأسف ليس عندنا ثقافةٍ تنصفنا من المسنتقع الذى نعيش فيه بأسم الشرف والتقاليد التى لا تعرف متنفساً لها سوى أن تأت وتسحق ضعفنا وعجزنا بأسم الشرف فقط وهذه لم تكن خطيئتها هي بل خطيئة مجتمع يهتم بالعادات والتقاليد أكثر من الإنسانية ومن الرحمة ......

جاءت رفيقتى فى اليوم التالي فى الصباح إلى المدرسة وكانت تجلس معنا فى الصف فى هذا اليوم بالذات لم تجف دموعها من على خديها ولو لحظةٍ واحده فإلتف كلٍ مّنا حولها ونحن نحاول مواستها ونفهم منها ماذا بها ولكن ردها كان واحداً فقط لا غيره ، لا أعرف لماذا فعل هكذا.. لماذا فعل هكذا..! فلم نضغط عليها ولكنها ظلت على هذا الحال كل يوم تأت إلى المدرسة وتظل تبكي وننظر إليها ونحن فى حيرةٍ من أمرنا لا نعرف كيف نساعدها أو نعرف ماذا بها حتى أعتقدنا أن حبيبها المحامي أنفصل عنها وتركها نهائياً ، إلى أن أنقطعت من المدرسة وعلمنا أنه تقدم لخطبتها شاب من قريتها وكان يريد أن يتزوجها سريعاً وكنا ننتظر أن تعود هي إلي المدرسة وتدعونا إلى خطبتها ولكن حدث مالم نكن نتوقعه ومالم يكن فى الحسبان ! وجاءنا خبر موتها الذى كان قنبلة حزينة بالنسبة لنا جميعاً ، لا أنكر أنني تأثرت لفترة من الزمن ليست قليلة أنا ومن معي فى الصف بموت رفيقتنا وخصوصاً أن موتها كان بطريقةٍ بشعة فقد أنفجر وابور الجاز فى وجهها ، كان هذا أكبر صدمة لنا ، أذكر أننا فى هذا اليوم أعلناه يوم حدادٍ عليها ولم نأخذ أي دروس فيه حتى أن المدرسين منهم من بكي عليها من التأثر ومنهم من أكتفي بالتأثر والدعاء لها.....

وتمر الأيام وقد علمنا بعدها أن رفيقتنا قتلها أبوها نعم أبوها الذى أنجبها بعد أن علم من زوجته ما فعله بها الذئب البشري المتنكر فى صورة محامي وبدل أن يأخذ حق أبنته القاصر منه أخذ وابور الجاز وإلقاه فى وجهها وقتلها بدمٍ بارد بعد أن تركها النذل وهرب إلى العراق لم تجد رفيقتي ملجأٍ تحتمي فيه ويأخذ لها حقها من الذى سلبها شرفها بالقوة من دون أرادتها ...

والآن وبعد كل هذه السنين ماذا أقول سوي ، فلترقد روحك آيتها العصفورة البريئة فى سلام ولتنعمي بالراحة والسكينة التى لم تنعمي بهم وأنتي تعيشين معنا فى هذه الحياة وليرحمك الله ويرحمنا إذا سرنا إلى ماسرتى إليه......



يتبع......

الرجاء التصويت بنجمه على الفصل....وعمل متابعة....فلووووووو..بليززززز

عندما يعجز الصمتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن